أرشيف الاستشارات
عنوان الاستشارة : غض البصر وترك الفواحش... والحكمة منها
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أود أن أشكركم على التوضيح الذي بينتموه لي في فتوى سابقة.
لكن لا أخفي عليكم، ما زال عندي سؤال يدور في ذهني، وأنا متأسف لطرحه، لكن لا بد من ذلك.
في فتوى سابقة ذات الرقم 2124448، وضحتم لي أن غض البصر باعتباره أمر إلهي لا يمكن أن يعطل العمل الطبيعي للعقل، وبالتحديد أن تؤدي إلى قلة انتباه الإنسان.
أريد أن أنبه أن مثل هذه الأفكار تأتيني، خاصة عندما أكون في مكان محدود، وأغلب من فيه النساء المتبرجات، كالحافلة مثلا، حيث يضطرني ذلك لإدامة النظر لشيء لا معنى له، كالأرضية أو السقف.
من ناحية أخرى، أود أن أخبركم أنه في سلسلة من الصور المتحركة، واسمها: "المحقق كونان" تتميز هذه الشخصية بدقة الملاحظة، فعندما تتقابل مع الناس رجلا كان أو امرأة يلاحظ أشياء تخصه كملابسه وأجزاء من جسمه، والنساء متبرجات، ودقة الملاحظة لا تكون بغض البصر، فبغض البصر لن تلاحظ حتى ما يلاحظه شخص عادي القدرات، وبعد أن تحدث الجريمة يعتمد على هذه الملاحظات الخاصة بالمرأة المتبرجة مثلا، لتكون دليلا قاطعا يثبت أنها من ارتكبت الجريمة، فكيف يحدث ذلك مع غض البصر؟!
كذلك اليوم لا بد لنا أن نتعامل فيه مع الواقع، والذي تكون فيه مع الأسف النساء المتبرجات، هنالك المحامية المتبرجة، والمرأة المتبرجة في الأخبار، والأستاذة المتبرجة التي تشرح الدروس للطلبة، وفي القنوات الأجنبية، فهل نظل لا نعرف حتى شكلها؟ فهنالك المرأة الصالحة والمرأة الداهية، ولا ينبغي أن نكون مغفلين أمامها.
ربما نحتاج إلى اجتهادات جديدة تجيز لنا النظر في أكثر من حالة، فما هو ردكم الحكيم على كل ما ذكر؟
كذلك من يقول: لماذا يحرم الإسلام النظر إلى العورات؟
وتحديدا ومع اعتذاري إلى صدر المرأة، قائلا إن ذلك مجرد قطعة من الشحم لا أكثر، مجرد جسم مادي! أنا متقدم والنظر إليه عادي! ثم يقول وما العيب في مشاهدة الأفلام الخليعة، إنها مجرد جزء من الطبيعة، دعنا نكن متفتحين، وهو مقتنع بذلك.
شخص آخر يقول: مع اعتذاري مجددا، ما العيب في الزنا؟!
إنه مجرد حرية فردية، ما العيب فيه؟!
ولعلك لو قلت له عن أخته لقال لك نفس الإجابة، وقد يتعلل بأنه في المجتمعات المتقدمة هم مستمتعون بهذه الطريقة، ويتباهى بتقدم الدول المتقدمة رغم وجود كل الخمور والجنس فيها؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مؤمن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإنه ليسرنا أن نرحب بك - مرة أخرى - في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، فنحن دائمًا نسعد ونسرُّ باتصالات إخواننا وتواصلهم معنا بالموقع.
وبخصوص ما ورد برسالتك - أخي الكريم الفاضل - فلعلك قد فهمتَ كلامي أيضًا على أنه نوع من التقييد أو فيه قدر من الغلو الذي يحرم الإنسان من الاستفادة من بعض الأمور أو من التعلم من بعض الأشياء، وفي الواقع - أخي الكريم الفاضل - أحب أن أقول لك بداية: كلما عظم البلاء كلما عظم الأجر.
بمعنى: أن الإنسان الذي يُبتلى مثلاً بمرض ويصبر عليه أعظم أجرًا من الذي لم يُبتل، لأنه بذلك يرضى بقضاء الله تعالى، القضاء السلبي الذي لا يتمناه أحد، ولكنه ما إن حدث له إلا قال: (قدر الله وما شاء فعل، رضيتُ بما قدّر الله وقضى) هذا نوع من التسليم والاستسلام، ويقينًا يترتب عليه من الأجر ما لا يترتب على غيره.
كذلك أيضًا بالنسبة للمعاصي والمنكرات والفواحش، إذا كان الإنسان في بيئة فاسدة، وحاول أن يقاوِم واجتهد في التزام شرع الله تعالى، يقينًا هو أعظم أجرًا من الذي لم يُبتل هذا الابتلاء، ودليل ذلك ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الذي نصّه: (سبعة يُظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله)، ومن هؤلاء (ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله).
إذن كونك تُوجد في باصٍ أو حافلة وفيها نساء كاسيات عاريات، وتحاول قدر الاستطاعة أن لا تحقق في النظر، لأننا لم يأمرنا الإسلام أن نُغمض أعيننا بالكلية؛ ولذلك قال: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم}، لم يقل: (يغضوا أبصارهم) أخي الكريم (مؤمن)، لو قال (يغضوا أبصارهم) لأصبحنا كالعميان وكأن هذا الذي فهمته أنت، وهذا خطأ، وإنما: {يغضوا من أبصارهم} هناك فرق بين أن علمتُ وعرفت أن التي أمامي امرأة وصفاتها الظاهرة كذا، ثم بعد ذلك أصرف بصري عنها لأي شيء آخر، وإن وقعت عيني عليها مرة أخرى وليس من باب الحرص والإصرار، فليس في ذلك شيء.
أنت غير مطالب أن تغض بصرك أو أن تغلق عينيك في الباص لأنه يوجد هناك امرأة مثلاً تجلس أمامك أو في الأماكن المتقدمة عنك، وإنما أنت عرفت أنها امرأة وعرفت أنها متبرجة أو غير متبرجة صرفت نظرك عنها وانتهت المسألة.
أما كونك تريد أن تعد شعرات رأسها، وتريد أن تعرف الزينة التي تلبسها، وتريد أن تعرف ماركة الفستان الذي تلبسه، أعتقد أخي الكريم لستَ معي في أنه حق، وهذا قطعًا الذي ينكره الإسلام يقينًا، فأنا عرفتُ أنها امرأة انتهى الأمر وعرفت أن هناك امرأة في المكان الفلاني ولذلك لا أنظر إليها مرة أخرى، وإن مرت عيني بها مرور الكرام لا حرج في ذلك أخي الكريم.
كذلك فيما يتعلق بهذا المحقق (كونن) هذا، هذه عبارة عن رسوم ليست حقيقية، وإنما هي عبارة عن أشياء مجسمة، وفي الغالب جانب الشهوة فيها منتفي، وتركيزك فيها يكون على جانب الفكرة وليس على الشخص.
إذا كان التركيز على الفكرة وليس على الشخص، فلا أرى أن ذلك فيه غضاضة بإذن الله تعالى، خاصة وأن هذه الصور المتحركة كما ذكرتُ لك ليست صورًا طبيعية تحمل ذات التميز الربّاني الذي أكرمني الله تبارك وتعالى به وأكرمك به وأكرم به بني آدم جميعًا، لأن مهما كانت قدرة الإنسان ومهما كان إبداعه لن يستطيع أبدًا أن يخلق كخلق الله جل جلاله مطلقًا.
من هنا فإني أقول لك: هناك فارق كبير بين هذا وذاك، خاصة وأن الفكرة من النظر في هذه الرسوم المتحركة إنما كما ذكرت أنت البحث عن خفايا القضية المفتعلة، وطبعًا هذه مسألة كما لا يخفى عليك هي عبارة عن أشياء مفبركة لا أساس لها من الصحة، وإنما قام بها كُتّاب مهرة يُجيدون الكتابة في مثل هذه الفنون، ويحرصون على أن يضعوا بها كمًّا كبيرًا وهائلاً من الألغاز التي تجعل الذهن يعمل، وتجعل الناس يتشوقون للمتابعة، فهذا هو المقصد، وليس المقصد التشهي.
من هنا فلو نظرت في مثل هذه الحالة لا أعتقد أن هناك حرجا بإذن الله جل جلاله، خاصة وأن هذه كما ذكرت لك عبارة عن رسوم متحركة وليست طبيعية.
تقول: كيف أتعامل مع الواقع الذي تكون فيه ومع الأسف النساء متبرجات؟ أقول لك أخي الكريم: الأمر على قدر حاجته، فكوني أتعامل مع امرأة متبرجة وأتكلم معها، وأنا أغض بصري عنها، هذه نعمة، كوني أنظر نظرات عابرة وليست النظرات المتفحصة، هذه لا شيء فيها، لأن الإسلام أيضًا لم يأمرك وأنت تتكلم مع المرأة أن تضع مثلاً حجابًا على عينك، وإنما أرادك أن تكون عفيفًا بمعنى أن لا تدقق النظر الذي يحرك فيك الشهوة أو يثير لديك الإعجاب، لأنه أحيانًا قد لا تتحرك الشهوة، ولكنك تركز على ملامح المرأة لكي ترى فيها لمسات إعجابية معينة، وتستطيع أن تصف الأمور الدقيقة التي ليست لك، هنا يقول الإسلام توقف، لأنك الآن دخلت في حيز لا ينبغي لك، بل أحيانًا قد تدقق النظر حتى تستحي منك المرأة، لأنها ترى أنك إنسان لا تحمل قدرًا من الأدب.
أقول: النظرات العابرة ليس فيها شيء، حتى وإن تكررت لنفس الشخص، لأنك لم تنظر إليه على أنه اشتهاء ولم تنظر إليه على أنه نوع من الإعجاب، وإنما أنت رجل الآن تأتيك امرأة لتتكلم معك، فأنت تركز على كلامها، إذا كنت تركز على هيأتها وتركز على يدها هل هي متينة أم نحيفة، وتركز على خصرها، وتركز ... هنا تكون رجلاً سيئًا أخلاقيًا وتكون بعيدًا عن منهج الله تعالى، وأنا واثق أنك لا تفعل ذلك ولن تفعله بإذن الله تعالى.
إذن النظرات العابرة ليس فيها شيء، ما دامت لا تحمل أي نوايا جنسية أو نوع من الاشتهاء أو نوع من معرفة التفاصيل بدقتها كما يفعل بعض الذين لا خلاف لهم.
وهذا ابتلاء، شاء الله تبارك وتعالى أن يبتليك به في مجتمعك، ليرى هل أنت فعلاً من الذين يُحبون الله ورسوله حقًّا ومن الذين يلتزمون شرع الله تعالى في السر والعلانية، لأنه يستحيل أن يكون هناك جهاز رقابي في العالم يستطيع أن يعرف إلى أي شيء تنظر، ولكن الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور إنما هو الله، فاستحي من الله على قدر قُرب الله منك، واخش الله على قدر قدرة الله عليك.
وفقك الله وسددك الله وعافاك وعافانا الله من كل فتنة ظاهرة وباطنة.
هذا وبالله التوفيق.
أسئلة متعلقة أخري | شوهد | التاريخ |
---|---|---|
خائف من أذية الناس لي فكيف أحصن نفسي؟ | 3471 | الخميس 23-07-2020 05:29 صـ |
يضطرب حال جسمي وقلبي عند فعل معصية، فما سبب ذلك؟ | 1796 | الثلاثاء 21-07-2020 03:19 صـ |
أعاني من القلق ونقص العاطفة والحنان من والدي! | 1977 | الأربعاء 15-07-2020 06:09 صـ |
ما الفائدة من الزواج في ظل هذا الفساد؟ | 1621 | الثلاثاء 14-07-2020 05:37 صـ |
أنا شاب ودواعي الانحراف كثيرة، ما نصيحتكم؟ | 1258 | الخميس 09-07-2020 05:30 صـ |