أدب الاعتذار عند الخطأ
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
أدب الاعتذار عند الخطأعن أبي إدريس الخولاني، قال: سمعت أبا الدرداء، يقول: كانت بين أبي بكر وعمر محاورة، فأغضب أبو بكر عمر، فانصرف عنه عمر مغضبًا، فاتبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له، فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهه، فأقبل أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو الدرداء ونحن عنده: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أما صاحبكم هذا فقد غامر))، قال: وندم عمرُ على ما كان منه، فأقبل حتى سلم وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقص على رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، قال أبو الدرداء: وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل أبو بكر يقول: والله يا رسول الله، لأنا كنتُ أظلمَ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هل أنتم تاركون لي صاحبي، هل أنتم تاركون لي صاحبي، إني قلت: يا أيها الناس، إني رسول الله إليكم جميعًا، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت))[1].
هذا الحديث الشريف يوضح الطبيعة البشرية؛ فهي تخطئ وتصيب، وليس أحد معصومًا إلا من ثبتت عصمته؛ كنبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ فأبو بكر وعمر كانا على رأس الصحابة، وهم الأفضل على الترتيب، ومن أكثر الصحابة رضوان الله عليهم قربًا من النبي صلى الله عليه وسلم، ومن خاصته، ووزراءه وخلفاءه من بعده، ومع ذلك حدث بينهم من سوء التفاهم ما أثار الغضب بينهم، وهذا ليس قدحًا في هذين الصحابيين الجليلين، وإنما هو بيان بأن الخطأ من طبيعة البشر، وأنه ينبغي على المخطئ أن يعتذر عند حصول الخطأ.
وقد أشار ابن مفلح المقدسي رحمه الله إلى أنه ينبغي على من أُخطئ في حقه، ثم اعتذر إليه المخطئ أن يقبل عذره؛ قال ابن مفلح المقدسي رحمه الله: "قال الحسن بن علي: لو أن رجلاً شتمني في أذني هذه، واعتذر إلي في أذني الأخرى، لقبِلت عُذره"[2].
قال ابن مفلح المقدسي رحمه الله: "وكان يقال: من وُفِّق لحسن الاعتذار خرج من الذنب"[3].
ثم وجه ابن مفلح المقدسي رحمه الله إلى أنه ينبغي على المخطئ الاعتذارُ بلا اختلاق للأعذار؛ لأن الخطأ لا يسلم منه أحدٌ من الناس: "وقال الأحنف: إياك وما تعتذر منه؛ فإنه قلما اعتذر أحد فيسلم من الكذب"[4].
وأشار ابن مفلح المقدسي إلى أن من أُخطئ عليه ثم اعتذر منه المخطئ، فينبغي عليه أن يقبل معذرته، قال ابن مفلح المقدسي: "وروى ابن ماجه: حدثنا علي بن محمد، ثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن ابن ميناء، عن جوذان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من اعتذر إلى أخيه بمعذرة لم يقبلها، كان عليه مثل خطيئة صاحب مَكْسٍ))[5]، وذكر ابن مفلح المقدسي عن ابن عبدالبر أنه: "روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من اعتذر إليه أخوه المسلم فليقبل عذره ما لم يعلم كذبه))"[6]، ثم أشار ابن مفلح المقدسي رحمه الله إلى أنه ينبغي على الصديق ألا يُكثِر محاسبة صديقه على كل صغيرة وكبيرة، قال: "وقال موسى بن جعفر: من لك بأخيك كله؟ لا تستقصِ عليه فتبقى بلا أخ، وقال عمرو رضي الله عنه: أعقلُ الناس أعذَرُهم لهم"[7].
وهذا ما ينبغي أن يتحلى به المعلم والمتعلم من الاعتذار عند الوقوع في الخطأ من قِبَل الطرَفين جميعًا؛ كي يبقى الوفاء والأُلفة وصفاء النفوس.
[1] البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري.
الجامع المسند الصحيح.
(مرجع سابق).
باب: قول الله تعالى: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ﴾.
ج6.
ص59.
[2] المقدسي، محمد بن مفلح.
الآداب الشرعية.
(مرجع سابق).
ج1.
ص388.
[3] (المرجع السابق): ج1.
ص388.
[4] (المرجع السابق): ج1.
ص388.
[5] (المرجع السابق): ج1.
ص388.
[6] (المرجع السابق): ج1.
ص388.
[7] (المرجع السابق): ج1.
ص389.