أرشيف المقالات

افتلوا جدائل البر - محمد عبده المنزلاوي

مدة قراءة المادة : 3 دقائق .
التربية بالقدوة هي أعلى مقامات التربية، وأدناها تربية اﻷمر والنهي وإن نعتوها بالتربية الوعظية.
ولدي عبد الله هو ولدي البكر الذي أعده ليكون القاطرة التي تقطر بقية بني إلى سبل الخير، وهو على خير كثير في كثير من النواحي، وتعوزه أشياء أعمل على تداركها، وسد ثغراتها..
ولقد بح صوتي معه في إحسانه لوالدته، فينصت مرة، ويشاغب مرة، ولم تكن وسيلتي معه غير قص القصص، وسلوك مسلك الوعظ والنصيحة، وأحيانًا الصياح، وربما الهجر.

لكن موقفًا عفويًا صدر مني مثلت فيه دور القدوة من حيث لا أدري، كان له أبلغ اﻷثر عند هذا الغلام اليافع!
اتفق أمس أن كلمت الوالدين الكريمين عبر اتصال هاتفي، وكان ينصت إلي من حيث لا أشعر، بل علمت فيما بعد أنه كان يتفرسني تفرسًا، وقد لاحظ ولدي مدى اهتمامي البالغ بأمر والدتي، ولهفتي عليها، وحناني وتحناني بها، وإشفاقي ﻷمرها، فلربما انحدرت دمعة على وجنتي وأنا أكلمها، وأحث والدي على برها ورعايتها، وأنني لو أملك لكنت عند قدميها.. 

وفاضت المشاعر فيوض السيل المتدفق بعفوية شديدة، وأنهيت المهاتفة، وسرح ذهني في ذكريات وأمنيات، ولم أستفق إلا على صوت ولدي بجانبي يكلمني: "بابا، أنت ابن بار جدًا لجدتي، أنت يا بابا ولد صالح"!

لم أتمالك نفسي حتى تحولت تلك العبرة العفوية إلى فيضان لا يعرف التوقف، فبكى صغيري لحالي وحال جدته، ثم وجدتني أسرد لولدي مواقف اﻹحسان من جدته لوالده، وكيف أنها ربتني، وفعلت وفعلت، حتى صار أبوك شيئًا في الناس، وهكذا يجب أن تكون يا بني مع والدتك.. 

وعددت له من فضائل الوالدين الشيء الكثير، فكان لامتزاج النصيحة مع موقف القدوة، مع دمعة العين، ورنة الصدق مذاقًا خاصًا ليس ككل مرة، وألفيت استجابة رائعة من ولدي، أرى أثرها إلى اللحظة.

إن التربية بالمواقف والقدوة هي الجو الساخن الذي يكسب الكلمة حرارتها وبريقها اﻷخاذ، ويفعل في النفوس مفعول السحر ، وهومفتاح القلوب المغلقة الشاردة، ويغنيك عن إطالة النفس في الكلام، قدم من نفسك نموذجًا، ودع اﻵخرين يرمقونك.
 

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١