أرشيف المقالات

خطورة الاستهزاء وصور من عقوبة المستهزئين بالسنة وأهلها ( قصص )

مدة قراءة المادة : 38 دقائق .
2خطورة الاستهزاء وصور من عقوبة المستهزئين بالسنة وأهلها ( قصص )   الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرَفِ الأنبياء والمرسَلِين، وعلى آله وصحْبه، ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
أما بعد: فيقول الله - عز وجل - ﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ [التوبة: 65 ،66].   وقفة: إن هذه الآية الكريمة تعد أحد النصوص المتكاثرة بل المتواترة في أن المستهزئ بالله - عز وجل -وكتابه، أو بالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - وسنته الصحيحة كافر.
وأنه لا ينفعه - إذا أتى ذلك - اعتذاره بأنه كان في هزل ولعب أو نحو ذلك.   كما تَحمل - هذه الآية - في جنباتها تحذيرًا أكيدًا، وزجرًا شديدًا، ووعيدًا عظيمًا، لكل صور الاستهزاء بالله - عز وجل- وآياته ورسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - وسنته، أو حتى بحملة القرآن لأجل حمله، أو بحملة السُّنة لأجل حملها، فليس لأي عبد كائنًا من كان أن يهزل بشيء من هذا أو يتلاعب أو يستخف أو غير ذلك؛ لأن هذا - القول أو الفعل - كفر أكبر يخرجه من الملة، ويعقبه الندامة والحسرة.   فهو إذًا: حكم شرعي، حَكمَ به الله - عز وجل- ورسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - على من أتى بشيء منه، وهو يستحقه لارتكابه له، وهو ناقض من نواقض الإسلام، والتي بينها العلماء - رحمهم الله - في باب أحكام المرتد.   ولطالما هاجم أعداء الإسلام في القديم والحديث سنة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - واستهزئوا بها، أو بشيء منها، وتنقصوها وأهلها، وسخروا بهما، عن طريق أعمالهم وأقوالهم وأقلامهم والعياذ بالله.
فكانت العاقبة شديدة والخاتمة سيئة، ويوم القيامة أشد وأعظم.   ونحن في هذا المقال سوف نذكر شيئًا يسيرًا من القصص التي ذكرها جملة من العلماء، فيما يتعلق بالعقوبة التي لحقت بجملة منهم بسبب استهزائهم وسخريتهم بسنة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وقد جمعتها من مواضع شتى؛ لتكون عظة وعبرة من باب: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [سورة يوسف: 111].   الاستهزاء ينافي التوحيد والإيمان: وقبل ذلك لابد أن نعلم: أن الاستهزاء بشيء من دين الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - أو سنته أو ثوابه أو عقابه أو غير ذلك - مما يوافقه ويلائمه - إنما كان كفرًا أكبرًا وينافي التوحيد جملة وتفصيلاً؛ لأن التوحيد الخالص في القلب، بل أصل التوحيد - والذي يدفعنا إلى تعظيم ذلك - لا يمكن ألبتة أن يجامع الاستهزاء بالله- جل وعلا- وبرسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - وبالقرآن والسنة؛ ذلك أن الاستهزاء معارضة ومناقضة، والتوحيد موافقة وملائمة، وإنما كان التوحيد توحيدًا؛ لأنه استسلام وانقياد وقبول وتعظيم، والهزء أو الاستهزاء بشيء فيه ذكر الله - عز وجل- أو القرآن أو الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - معارض له ومناف لهذا التعظيم بكل صوره وأشكاله ودرجاته، فضلاً عن أنه ينافي التعظيم الواجب لله - عز وجل- ولرسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - ولدينه وشرعه؛ ولهذا كان كفرًا أكبر بالله- جل وعلا-، ولاسيما إذا علمنا أنه لا يمكن أن يصدر هذا الاستهزاء بالله– عز وجل-، أو برسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - أو بالقرآن، أو السنة من قلب موحد أصلاً، ولو كان التوحيد في قلبه لمنعه أن يتكلم بهذا الكلام.   ويؤكد هذا أن النصوص الشرعية تبين بجلاء ومن غير خفاء أن إيمان القلب يستلزم العمل الظاهر، فلا بد - والأمر كذلك - إما أن يكون منافقًا، أو مشركًا كافرًا، وسواء كان ذاك أو هذا أو غيرهما فهو بفعلته الشنعاء هذه، أو قولته المنكرة هذه، قد أتى بابًا من أبواب الكفر الأكبر الذي يخرجه من الملة، لا لتبدل الاعتقادات، بل لأن الهزل استخفاف بالدين، فتأمل هذا الضابط - الذي نص عليه جملة من العلماء - لهذا الباب تسلم من كثير من الإشكالات، وتنتظم معك به كثيرًا من المتباينات، وتحل به جملة من المتعارضات، وترفع عنك به جملة أخرى من المشكلات والمعضلات.   انعقاد الإجماع على كفر المستهزئ: وفي خاتمة هذه الوقفة أقول لقد أجمع العلماء على كفر المستهزئ بالله - عز وجل- أو رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - أو القرآن أو السنة، سواء أكان المستخف هازلاً أم كان جادًا، أو كان مازحًا أو كان مستهزئٍا.
وسواء في ذلك أيضًا ما إذا كان باعتقاد أو كان من غير اعتقاد حتى، ويستوي فيه - أيضًا - ما إذا ضنوا في أنفسهم أنهم قد أتوا كفراً أو لا.   يقول ابن العربي المالكي: " لا يخلو أن يكون ما قالوه من ذلك جدًا أو هزلاً، وهو كيفما كان كفر؛ فإن الهزل بالكفر كفر، لا خلف فيه بين الأمة، فإن التحقيق أخو الحق والعلم، والهزل أخو الباطل والجهل"[1].   فيجب - في النهاية - إجراء الأحكام الشرعية عليه، وإقامة الحد عليه، ولا يخفى على ذوي العقول الراجحات، أن هذا من أهم الواجبات، وأجل القربات؛ لما فيه من الحماية لكتاب الله - عز وجل - وسنة رسوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؛ ولما في ذلك - أيضًا - من ردع كل من تسول له نفسه أن يقدم على هذا، ويجترئ على ما اجترأ عليه.   سبب النزول: عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنه - قال: قال رجل في غزوة تبوك في مجلس يومًا: ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء لا أرغب بطونًا، ولا أكذب ألسنة، ولا أجبن عند اللقاء.   فقال رجل في المجلس: كذبت! ولكنك منافق لأخبرن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ونزل القرآن.
قال عبد الله- رضي الله عنه -: فأنا رأيته - أي: ذلك الرجل الذي قال تلك المقولة - متعلقًا بحقب[2] ناقة رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - تنكبه الحجارة وهو يقول: يا رسول الله! إنما كنا نخوض ونلعب، ورسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يقول: ﴿ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [3].   استنباطات وتعليقات: قال العلامة السعدي:" وفي هذه الآيات دليل على أن من أسر سريرة، خصوصًا السريرة التي يمكر فيها بدينه ويستهزئ به وبآياته ورسوله - صلى الله عليه وآله وسلم –؛ فإن اللّه - تعالى - يظهرها ويفضح صاحبها، ويعاقبه أشد العقوبة، وأن من استهزأ بشيء من كتاب اللّه - عز وجل- أو سنة رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - الثابتة عنه أو سخر بذلك أو تنقصه، أو استهزأ بالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - أو تنقصه؛ فإنه كافر باللّه العظيم، وأن التوبة مقبولة من كل ذنب، وإن كان عظيمًا"[4].   قال شيخ الإسلام: " إن سوء العبارة في حق الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - كفر وإن صح المقصود كما دل عليه كلام الإمام وغيره، ألا ترى إلزام الله - تعالى - للصحابة - رضوان الله تعالى عليهم - بتحسين الخطاب معه، وإيراده بكيفية الأدب، حيث قال - عز وجل- لهم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ ﴾ [الحجرات:2].
وقال - عز وجل-: ﴿ لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً ﴾ [النور:63].
وقال - عز وجل-: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ﴾ [الحجرات:4].   وقد نبه في الأول على حبط العمل بسوء الأدب، ولا يحبط العمل كله إلا بالكفر بإجماع أهل السنة.
وجعل الاستخفاف به كفرًا كما - عز وجل- ﴿ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ [التوبة: 65، 66].   ولا أعلم خلافًا بين النقلة أن الذين نزلت فيهم هذه الآية بسبب كلامهم، لم يكونوا تعرضوا لله - سبحانه - بعبارتهم، وإنما تنقصوا رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - فجعل استخفافهم برسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - استهزاءً به - سبحانه - و بآياته فكفى بذلك تكفيرًا "[5].   وقال العلماء في هذه الآية:" الاستهزاء بالله - عز وجل- كفر مستقل بالإجماع، والاستهزاء بالرسول- صلى الله عليه وآله وسلم - كفر مستقل بالإجماع "[6].   قال ابن القيم:" الهزل لم يجعله الله ورسوله عذرًا صارفًا، بل صاحبه أحق بالعقوبة، ألا ترى أن الله - تعالى - عذر المكره في تكلمه بكلمة الكفر إذا كان قلبه مطمئنًا بالإيمان، ولم يعذر الهازل، بل قال -عز وجل-: ﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ [التوبة: 66،65].
وكذلك رفع المؤاخذة على المخطئ والناسي"[7].   واستدل الشافعية والحنابلة - بهذه الآية -:" على أن الردة هي قطع الإسلام، ودوامه بنية كفر، أو قطع الإسلام بسبب قول كفر، أو فعل مكفر، وسواء قاله استهزاء، أو عنادًا أو اعتقادًا"[8].   وقال فخر الدين الرازي: "قوله ﴿ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ [التوبة: 65].
يدل على أحكام: الحكم الأول: أن الاستهزاء بالدين كيف كان كفرا بالله– عز وجل-؛ وذلك لأن الاستهزاء يدل على الاستخفاف والعمدة الكبرى في الإيمان تعظيم الله تعالى بأقصى الإمكان والجمع بينهما محال.   الحكم الثاني: أنه يدل على بطلان قول من يقول: "الكفر لا يدخل إلا في أفعال القلوب".   الحكم الثالث: يدل على أن قولهم الذي صدر منهم كفر في الحقيقة، وإن كانوا منافقين من قبل، وأن الكفر يمكن أن يتجدد من الكافر حالًا فحالًا.   الحكم الرابع: يدل على أن الكفر إنما حدث بعد أن كانوا مؤمنين"[9].   وبعد هذه الاستنباطات والتعليقات للعلماء إياك، ثم إياك - أخي الكريم وأنت أختي الكريمة - والاستهزاء بشيء مما جاء به الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا تنطقن بكلمةٍ تستحق بها قول الله - عز وجل-: ﴿ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [التوبة:65]، واتق الله في سنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فلا يمسَّنك الله –عز وجل- بعذاب في كلمة قلتها، وتذكر أن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - قال:(( إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب))[10].   وما أجمل ما قاله هارون الرشيد لمن أقدم على شيء من هذا:" إياك والقرآن والدين، ولك ما شئت بعدهما"[11].   فيجب تعظيم الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - وسنته، واحترامهما.
والحذر من الغض منهما أو تنقصهما أو الاستخفاف بهما، كما تجب التوبة على من خالف هذا قولاً أو فعلاً، أو حتى رضي به، والاستغفار، فعسى أن يتوب الله -عز وجل- عليه.   وسنشرع الأن - فيما أردنا - بذكر شيء من القصص التي وقعت للمستهزئ بسنة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - وسوف نذكر الحديث الذي استهزأ به، ونعقبه بالقصة.   من قصص المستهزئين بالسنن النبوية: الحديث الأول: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: (( أما يخشى أحدكم، أو ألا يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله - عز وجل- رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار))[12].   القصة الأولى: حكي عن بعض المحدثين: أنه رحل إلى دمشق لأخذ الحديث عن شيخ مشهور بها.
- يقول المحدث: فقرأ جملة لكنه - أي الشيخ - كان يجعل بيني وبينه حجابًا ولم ير وجهه؛ فلما طالت ملازمته له، ورأى حرصه على الحديث، كشف له الستر فرأى وجهه وجه حمار! فقال له: احذر يا بني أن تسبق الامام؛ فإني لما مر بي الحديث - يعني: حديث أبي هريرة السابق - استبعدت وقوعه؛ فسبقت الإمام، فصار وجهي كما ترى! والله تعالى أعلم".[13]   الحديث الثاني: عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال)): إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده)) [14].   وفي لفظ: عن أبي هريرة- رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: ((...
وإذا استيقظ أحدكم من نومه، فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه؛ فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده)).[15]   القصة الثانية: ذكر صاحب بستان العارفين:" أن الإمام أبو عبدالله محمد بن إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي - رحمه الله - في كتابه شرح صحيح مسلم قال: وقرأت في بعض الحكايات أن بعض المبتدعة حين سمع قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: (( إذا استيقظ أحدكم من نومه، فلا يغمس يده في الإِناء حتى يغسلها؛ فإنه لا يدري أين باتت يده))[16].
قال ذلك المبتدع - على سبيل التهكم-: أنا أدري أين باتت يدي! في الفراش.
فأصبح وقد أدخل يده في دبره إلى ذراعه.   قال التيمي - معلقًا -:" فليتق المرء الاستخفاف بالسنن ومواضع التوقيف.
فانظر كيف وصل إليهما شؤم فعلهما"[17].   قلت: ومعنى هذا الحديث: ما قاله الإمام الشافعي - رحمه الله - عنه وغيره من العلماء - رضي الله تعالى عنهم -: أن النائم تطوف يده في نومه على بدنه، فلا يأمن أنها مرت على نجاسة من دم بثرة، أو قملة، أو برغوث، أو على محل الاستنجاء وما أشبه ذلك والله أعلم[18].   الحديث الثالث: عن كثير بن قيس - رضي الله عنه - قال: كنت جالسًا مع أبى الدرداء في مسجد دمشق، فجاءه رجل فقال يا أبا الدرداء: إني جئتك من مدينة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - لحديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما جئت لحاجة.
قال - يعني: أبا الدرداء -: فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: ((من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا، سلك الله به طريقًا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضًا لطالب العلم...))[19].
الحديث.   القصة الثالثة: رواه الخطيب البغدادي من طريق سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني قال: سمعت أبا يحيى زكريا بن يحيى الساجي قال:" كنا نمشي في أزقّة البصرة إلى باب بعض المحدِّثين، فأسرعنا المشي، وكان معنا رجل ماجِن مُتّهم في دينه.
فقال: ارفعوا أرجلكم عن أجنحة الملائكة لا تكسروها، كالمستهزئ!! فما زال من موضعه حتى جَفّت[20] رجلاه وسقط"[21].   وقال الطبراني: سمعت أبا يحيى زكريا بن يحيى الساجي قال: كنا نمشي في بعض أزقة البصرة إلى باب بعض المحدثين، فاسرعنا المشي، وكان معنا رجل ماجِن مُتّهم في دينه.
فقال: ارفعوا أرجلكم عن أجنحة الملائكة لا تكسروها، كالمستهزئ!! فما زال من موضعه حتى جفت رجلاه.   قال الحافظ عبد القادر الرهاوي: إسناد هذه الحكاية كالأخذ باليدين، أو كرأي العين؛ لأن رواتها أعلام، وراويها إمام"[22].   ونقل ابن القيم عن أحمد بن مروان المالكي في كتاب المجالسة له، حدثنا زكريا بن عبد الرحمن البصري، قال: سمعت أحمد بن شعيب يقول:" كنا عند بعض المحدثين بالبصرة، فحدثنا بحديث النبي - صلى الله عليه وآله وسلم-: (( ان الملائكة لتضع اجنحتها لطالب العلم...)).
وفي المجلس معنا: رجل من المعتزلة فجعل يستهزئ بالحديث.
فقال: والله لاطرقن غدًا نعلي بمسامير؛ فأطأ بها أجنحة الملائكة، ففعل ومشى في النعلين، فجفت رجلاه جميعًا، ووقعت فيهما الأكلة".   وذكر صاحب بستان العارفين بالإسناد إلى المقدسي قال: أخبرنا أبو الحسن يحيى بن الحسين العلوي، أخبرنا أبو الحسين الضبعي، قال: سمعت عبد الله بن محمد بن محمد العكبري يقول: سمعت أبا عبد الله محمد بن يعقوب المتوثي[23] يقول: سمعت أبا داود السجستاني يقول:" كان في أصحاب الحديث رجل خليع، إلى أن سمع بحديث النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: (( إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع)).
فجعل في عقبيه مسامير حديد وقال: أريد أن أطأ أجنحة الملائكة! فأصابه أكلة [في رجليه]".   فائدة: وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم-: ((ان الملائكة لتضع اجنحتها)) فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون معنى وضع الجناح من الملائكة: بسط أجنحتها وفرشها لطالب العلم؛ لتكون وطاءً له ومعونة إذا مشى في طلب العلم.   والوجه الثاني: أن يكون ذلك بمعنى التواضع من الملائكة، تعظيمًا لحقه وتوقيرًا لعلمه، فتضم أجنحتها له، وتخفضها عن الطيران.
كقوله تعالى: ﴿ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ﴾ [الإسراء:24] [24].   والوجه الثالث: أن يكون وضع الجناح يراد به: النزول عند مجالس العلم والذكر، وترك الطيران، كما روي أنه قال - صلى الله عليه وآله وسلم-: (( ما من قوم يذكرون اللّه عز وجل إلاّ حفت بهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم اللّه فيمن عنده)).[25][26].   وقال ابن عبد البر: " إنه بالدعاء والاستغفار "[27].   وقال القاضي: "يحتمل أن ذلك لتزاحمها عليه لبشارته بفضل الله - عز وجل - عليه ورضاه عنه، وما أعده له من الكرامة، وازدحموا عليه إكرامًا له وفرحًا به، وأظلوه من حر الشمس لئلا يتغير ريحه، أو جسمه"[28].   الحديث الرابع: السواك: القصة الرابعة: قال النووي: ومن هذا المعنى ما وجد في زماننا، وتواترت الأخبار به، وثبت عند الثقات: " أن رجلاً بقرية ببلاد بصرى في سنة خمس وستين وست مئة، كان سيء الاعتقاد في أهل الخير وابنه يعتقدهم.
فجاءه من عند شيخ صالح ومعه سواك فقال مستهزئًا: أعطاك شيخك هذا السواك.
فأخذه وأدخله في دبره استحقارًا له، فبقي مدة ثم ولد ذلك الرجل الذي استدخل السواك جروًا[29] قريب الشبه بالسمكة فقتله، ثم مات الرجل حالاً أو بعد يومين"[30].   وقال ابن خلكان:" بلغنا من جماعة يوثق بهم - وصلوا إلى دمشق من أهل بصرى - أن عندهم قرية يقال لها: دير أبي سلامة، كان بها رجل من العربان، فيه استهتار زائد وجهل، فجرى يومًا ذكر السواك وما فيه من الفضيلة.
فقال: والله ما أستاك إلا من المخرج - يعني: الدبر - فأخذ سواكًا وتركه في دبره، فآلمه تلك الليلة، ثم مضى عليه تسعة أشهر، وهو يشكو من ألم البطن والمخرج، ثم أصابه مثل طلق الحامل، ووضع حيوانًا على هيئة الجرذون، ورأسه مثل رأس السمكة، وله أربع أنياب بارزة، وذنب طويل مثل شبر، وأربع أصابع، وله دبر مثل دبر الأرنب! ولما وضعه صاح ذلك الحيوان ثلاث صيحات، فقامت ابنة ذلك الرجل فشجت رأسه، فمات وعاش ذلك الرجل بعده يومين ومات، وهو يقول: هذا الحيوان قتلني وقطع أمعائي، وشاهد ذلك الحيوان جماعة من تلك الناحية وخطيب المكان.
وكان هذا عام: 665هـ"[31].   وأوردها ابن كثير نقلاً عن ابن خلكان حيث قال: "وحكى ابن خلكان فيما نقل من خط الشيخ قطب الدين اليونيني قال: بلغنا أن رجلاً يدعى أبا سلامة من ناحية بصرى، كان فيه مجون واستهتار، فذكر عنده السواك وما فيه من الفضيلة، فقال: والله لا أستاك إلا في المخرج - يعني دبره - فأخذ سواكًا فوضعه في مخرجه ثم أخرجه، فمكث بعده تسعة أشهر؛ فوضع ولدًا على صفة الجرذان له أربعة قوائم، ورأسه كرأس السمكة، وله دبر كدبر الارنب"[32].   الحديث الخامس: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم –: ((من اشترى شاة مصراة[33] فلينقلب بها فليحلبها، فإن رضي حلابها أمسكها، وإلا ردها ومعها صاع من تمر)).[34].   القصة الخامسة: ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية: حكاية ذكرها أبو سعيد ابن السمعاني، عن الشيخ العارف يوسف الهمداني، عن الشيخ الفقيه أبى إسحاق الشيرازي، عن القاضي أبى الطيب الطبري، قال:" كنا جلوسًا بالجامع ببغداد فجاء خراساني سألنا عن الْمُصَرَّاة؟![35] فأجبناه فيها، واحتججنا بحديث أبى هريرة - رضي الله عنه - فَطَعَنَ في أبى هريرة - رضي الله عنه - فوقعت حية من السقف وجاءت حتى دخلت الحلقة، وذهبت الى ذلك الأعجمي فضربته فقتلته[36].


[1] أحكام القرآن (2/542). [2] هو الحبل الذي يشد على حقو البعير؛ لئلا يجذبه التصدير. [3] أخرجه ابن جرير في مواضع من تفسيره برقم: (16911) و(16912) و(16914) و(16915) و(16916)، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن مردويه، كما في الدار المنثور ( 4/230).
وقد ذكره شيخنا مقبل الوادعي - رحمه الله - في كتابه الصحيح المسند من أسباب النزول(ص: 120): وقال" الحديث رجاله رجال الصحيح إلا هشام بن سعد فلم يخرج له مسلم إلا في الشواهد كما في الميزان، وأخرجه الطبري من طريقه ج10 ص172، وله شاهد بسند حسن عند ابن أبي حاتم ج4 ص64 من حديث كعب بن مالك". فائدة: ذكر ابن الجوزي في سبب نزولها ستة أقوال.
انظر: زاد المسير(3/464). [4] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان(ص: 342، 343). [5] الرد على البكري (2/643) وما بعدها. [6] الدرر السنية في الأجوبة النجدية(1/264). [7] إعلام الموقعين(3/78). [8] انظر: مغني المحتاج(4/ 133-136)، والإنصاف(10/326). [9] تفسير الرازي(16/59). [10] أخرجه البخاري رقم:( 6112)، ومسلم رقم:( 2988) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - واللفظ له، وأخرجه أحمد (2/378- 379) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: ((إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها، يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق و المغرب))، وقال الألباني:" و هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين".
الصحيحة(2 / 67) رقم: (540).
وأخرجه أحمد (2/355 - 533) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا بلفظ: ((إن الرجل ليتكلم بالكلمة، وما يرى أنها تبلغ حيث بلغت..)). [11] تاريخ الطبري (5/18)، وشذرات الذهب في أخبار من ذهب(1/328) لابن العماد. [12] أخرجه البخاري رقم: (659)، ومسلم رقم: (427).
زاد أبو داود رقم: (623)، وأحمد ( 2 / 260 و 271 و 425 و 456 و 469 و 472 و 504 ): في رواية لهما: "والإمام ساجدا ".
وفي رواية لبعضهم: " رأس" بدل " صورة".
وفي أخرى: " وجه". [13] فتح الملهم شرح صحيح مسلم (2/ 64)، وتحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي(3/152)، ومرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح(4/253). [14] أخرجه مسلم رقم: (278)، وأحمد (16/107) وغيرهما. [15] أخرجه البخاري رقم: (160)، ومسلم رقم: (278)، وفي رواية عند غيرهم: " ويسمي قبل أن يدخلها ".
وهي ضعيفة منكرة.
انظر لها الضعيفة(14/1076) رقم: (6977). [16] وهو لفظ الحديث الذي عند مسلم - وقد سبق - لكنه هنا أسقط منه لفظة: "ثلاثًا". [17] هو يشير إلى قصتين هذه إحداها، وقد نقلت الأخرى هنا. [18] نقلها عبد الرؤوف المناوي في فيض القدير شرح الجامع الصغير(1/278)، وغيره.
وانظر: في تعليلات العلماء: طرح التثريب(1/456)، والمجموع(1/348)، وغيرهما.
وقد قيل: إنه من باب التَّعبُّد المحض.
وهذا ما رجحه الشيخ العثيمين.
الشرح الممتع على زاد المستقنع(1/49).
وانظر: كلامًا متينًا للشوكاني في السيل الجرار(1/74)، و الشاطبي في الاعتصام(1/248). [19] أخرجه أحمد (5/196) رقم: (21763)، الترمذي رقم: (2682)، وأبو داود رقم: (3643)، وابن ماجه رقم: (223)، وجملة الأجنحة، لها شواهد: من حديث صفوان بن عسال المرادي- رضي الله عنه -، وأبو الدرداء - رضي الله عنه -، وقد صححه جمع من العلماء. [20] وفي بعض رواياتها: "حفت".
بالحاء المهملة. [21] أخرجه الخطيب في الرحلة في طلب الحديث(ص: 85) ، نقلاً عن الطبراني واستشهد بها ابن تيمية في الفتاوى (4/539)، انظر: تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام(15/851) للذهبي، ومجموع رسائل الحافظ ابن رجب الحنبلي(1/26). [22] مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (1/ 64). [23] المتوثي: بميم مفتوحة ثم تاء مثناة من فوق، مشددة مضمومة، وواو ساكنة، ثم تاء مثلثة ثم ياء النسب. [24] قال ابن القيم:" ووضع الملائكة أجنحتها له تواضعًا له، وتوقيرًا وإكرامًا؛ لما يحمله من ميراث النبوة".
مفتاح دار السعادة(1/63).
وانظر: بحر الفوائد المشهور بمعاني الأخبار(ص:327) لأبي بكر محمد الكلاباذي. [25] هذا الحديث بهذا اللفظ للترمذي رقم: (3378)، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - وأبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - وهو عند أحمد (3/33) رقم: (11305)، وغيرهما.
وهو جزء من حديث أخرجه مسلم برقم: (2699) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم-: وفيه: "...
وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله - عز وجل - يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ...".
فالحديث صحيح، فلا أدري ما وجه قول الخطابي: روي!! [26] انظر: معالم السنن (1/54) للخطابي، والتيسير بشرح الجامع الصغير(1/329- 610) للمناوي. [27] التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد(19/43). [28] الديباج على مسلم(5/434) للسيوطي. [29] قال في المصباح : الجرو بالكسر ولد الكلب والسباع، والفتح والضم لغة قال ابن السكيت والكسر أفصح. [30] فيض القدير شرح الجامع الصغير(1/278). [31] شذرات الذهب في أخبار من ذهب (5/316)، لابن العماد. [32] البداية والنهاية ( 13 / 211 )، ونقله العيني في عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان ( 1 / 112 ). [33] الْمُصَرَّاة: التَّصْرِيَةِ لغة: مصدر صرى، يقال: صر الناقة تصرية.
ويريدون إذا ترك حلبها، فاجتمع لبنها في ضرعها، فهي البهيمة - من الإبل والغنم وغيرهما - تترك حتى يجتمع اللبن في ضرعها أيامًا ثم تباع، يظن المشتري أنها تحلب كل يوم مثله.
والتحفيل مثل: التصرية.
انظر: الفائق في غريب الحديث(2/293) للزمخشري، والتوقيف على مهمات التعاريف(ص:179) للمناوي، والمطلع على أبواب الفقه (ص:236) للبعلي، والنهاية في غريب الحديث والأثر (3/282) لابن الأثير، ومجموع الفتاوى(29/426). [34] رواه مسلم رقم: (1524). [35] تصرية الحيوان عيب يثبت الخيار للمشتري؛ وذلك للحديث؛ ولما فيه من الغش والتغرير الفعلي، وهذا مذهب جمهور العلماء، مالك والشافعي وأحمد، وأبو يوسف من الأحناف.
وغيرهم رحمهم الله أجمعين. [36] الفتاوى(4/539).



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣