اللطف المفقود والذوق المنشود
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
اللطف المفقود والذوق المنشود﴿ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا ﴾ [النساء: 86].
ما أجملَ دينَ الإسلام الحنيف حين علَّمَنا أدبَ اللقاء والمقابلة والمعاملة، حتى تزيد المودَّة والمحبة بين العباد وتستمرَّ الروابط ولا تنقطع!
قال ابن كثير: قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا...
﴾؛ أي: إذا سلَّم عليكم المسلم فردُّوا عليه بأفضل مما سلَّم، أو ردُّوا عليه بمثل ما سلَّم.
خلاصة أخلاقية:
إذا كان لُطف المعاملة والذوق في السلوك أمرًا أخلاقيًّا مفروضًا، فإن الزيادة فيه أمر مندوب؛ قال ابن القيم: فليس للقلب أنفعُ من معاملة الناس باللطف، فإن معاملة الناس بذلك؛ إما أجنبي فتكسب مودَّته ومحبَّته، وإما صاحب وحبيب، فتَستديم مودته، وإما عدوٌّ ومُبغض، فتُطفئ بلطُفك جَمْرته، وتستكفي شرَّه.
نظرات في الذوق المفقود:
1- أليس من ظُلْمِك لأحدهم أن يلتزمَ نحوك باللطف والمحبة، واللين والشهامة، والتودُّد والرحمة؛ بل يبرع ويتفنَّن بما يحمله قلبه وما تَملِكه رُوحه تُجاهك، بإبعادك عن كل أذى، ومحاولة إنقاذك من كل ألَمٍ، ثم لا ينجو منك رغم كلِّ ذلك مِن خيبة في تعامُلك أو حسرةٍ، قد تُحبطه من جفاء قلبك؟!
2- أليس مِن ظُلمك لأحدهم أن يسأل عنك ويتفقَّدك، ويقف بجوارك في مِحنتك، ويُخفِّف عنك، ثم لا ينجو رغم ذلك من خيبة تُؤلِمه حين لا يجد منك مثلَما وجدتَه أنت منه؟!
3- أليس من ظُلْمك لأحدهم أن يُلقي عليك السلام بحرارة ثم لا ينجو من خيبتك بعدم ردِّكَ أو بردٍّ منك قد يُطفئ في السلام كل حرارة.
4- أليس من ظُلْمك لأحدهم أن يبشَّ في وجهك ويَبتسم، ثم لا ينجو من عبوسك في وجهه، وتكبُّرك عليه أو إعراضك؟!
5- أليس من ظُلْمِك لأحدهم أن يرقُص فرحًا سعيدًا لخبر جميل سعيد أصابَكَ، ثم لا ينجو منك من عدم مبالاتك وتبلُّدك نحوه؟!
6- أليس من ظُلْمك لأحدهم أن يتفنَّن في قُرْبه وتقرُّبه منك، ثم لا ينجو من ابتعادك عنه وذَهابك دونه؟!
7- أليس من ظُلْمك لأحدهم أن يذكُرَك بين الناس بخير، ثم لا ينجو من تشويهك له وإيذائك بذكر عيوبه وستر حسناته؟!
8- أليس من ظُلْمِك لأحدهم أن يرغبَ فيك، ثم لا ينجو مِن انصرافك عنه وإعراضِكَ؟!
9- أليس من ظُلْمك لأحدهم أن تجده عندك دون أن تطلب، ثم لا ينجو من عدم وجودك معه حين يحتاجُك أو يطلب؟!
لا تفوِّت عليك الخير:
فحُسْن الخُلُق يُوجِب التحابَّ والتآلُف، وسوء الخُلُق يُثمِر التباغُض والتحاسُد والتدابُر.
ثم انظر معي إلى توجيهات النبي المصطفى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: ((إن الرجل ليُدرِك بحُسْن خُلُقِه درجةَ الصائم القائم))؛ رواه أحمد.
وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على حُسْن الخُلُق، والتمسُّك به، وجَمَعَ بين التقوى وحُسْن الخُلُق؛ فقال عليه الصلاة والسلام: ((أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى اللَّه وحُسْن الخُلُق((؛ رواه الترمذي والحاكم.
اللهم ارزُقنا لطفَ المعاملة والذوق المنشود، ونسألك ألَّا تفوتَ علينا فُرَصَ الخير، واجعلنا ممن يدركون بحُسْن خُلُقهم درجة الصائم القائم.