أرشيف المقالات

العلم وسيلة لا غاية

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
العلم وسيلة لا غاية
 
الحمد لله وحْده، والصلاة والسلام على مَن لا نبيَّ بَعده، وعلى آله وصحبه ومَن تبِعه، وبعد:
 
فإنَّ قضية التفريق بين الوسائل والغايات مِن الأهمية بمكان؛ لأنها تُثمر للعبد صحَّةَ السير، وعدمَ التخبُّط، وتحقيقُ العبودية لله عز وجل في هذه الحياة هو الغاية التي ليس وراءها غاية، فهي سعادة الدنيا، وجَنَّة الآخرة، كل وسيلة - مشروعة مستطاعة - تُوصلك إلى تحقيق هذه الغاية فهي وسيلة محمودة مطلوبة شرعًا...
 
ومن أعظم الوسائل لتحقيق العبودية: طلَب العِلم، فقد رَفع الإسلامُ مِن شأن العِلم، فهو عبادة جليلة، وفوائده جليلة...
 
وبالرغم من فضائل العِلم الكثيرة، وفوائده الغزيرة، إلا أنه يَظلُّ وسيلةً وليس غاية في حدِّ ذاته، ومَن ظنَّ أنَّ العِلم مقصود لذاته فلن يُغيِّر العِلم مِن حاله شيئًا، ولن يزيده إلا شرًّا، وإنما يزداد مِن حُجَج اللهِ عليه، وأوضح ما يدل على ذلك الآيات والأحاديث والآثار التي وردَت في ذمِّ مَن لا ينتفع بعِلمه، فلو كان العِلم غاية في حدِّ ذاته لما ورد ذمُّ مَن لا ينفعه عِلمه...
 
فلا بد مِن ترسيخ مفهوم أنَّ العِلم وسيلة لا غاية.
 
وقد اختلط الأمر على بعض طلَبة العِلم، وظنَّ أنَّ طلَب العِلم غاية في ذاته لا وسيلة إلى غيره! ومِن هنا نشأتْ آفاتٌ خطيرة في الساحة، منها:
♦ تعلُّم العِلم الذي يُوافق الهوى، وترْك العِلم الواجب، فترى مَن يتعلَّم المصطلح ولم يسمع عن التوحيد، وترى مَن يدْرس الأصول والشيطان في قلبه يصول ويجول...
وهكذا، وما ذلك إلا لأنه لم يتقيَّد في طلَبه للعِلم بشرْع الله، بل ظنَّ العِلم غاية، وظنَّ أنَّ أيَّ عِلم ينفعه ولو كان على هواه!
 
♦ عدم الانتفاع بالعِلم في السلوك، والقلب، والعمل، فعِلْمه لم ينْهَه عن الغيبة، ودراسته لم تُصلح قلبه؛ لأنه ظنَّ أنَّ العِلم وحْدَه كافٍ في نجاته، وقد كان السلف يُحاسِبون أنفسَهم على كل ما يتعلَّمونه هل زادهم عملًا أم لا؟
 
♦ انعزال طالب العِلم عن نُصرة الدِّين ودعوةِ المسلمين، وكلما كلَّمْته عن النُّصرة قال: أريد إنهاء الكتاب الفلاني والشرح الفلاني، وهذه هي كل حياته؛ يتعلَّم ولا يَنفع أمَّتَه بشيء حتى يموت!، فأين زكاة العِلم، وأين العبودية التي يحبُّها الله في مثل هذه المواطن؟ ولكن لا تعجب؛ فإنَّ بعض الطاعات يكون دافعها الهوى وشهوة النفس، فلو كان هذا يبحث عما يُرضي ربَّه لَفَعَلَه أينما كان...
 
وحتى نتجاوز هذه الظاهرة الخطيرة؛ لا بد مِن فهم المقصد مِن طلب العِلم، فنقول:
طلبُ العِلم له هدفٌ جامع وغاية جامعة تحتوي في داخلها هدفين جزئيَّين، فأما الهدف الجامع فهو: ابتغاء مرضات الربِّ سبحانه وتعالى، وجزيل مثوبته في الدنيا والآخرة.
 
وأما الهدفان الجزئيان:
فأولهما: تعبيدُ النفسِ لربِّها، فيتعلَّم العبد ما تستقيم به عبادتُه بمعناها الشامل، وهو فرض العين مِن العلوم، وهو ما لا تستقيم العقيدة إلا به، ولا تستقيم العبادة ولا تستقيم المعامَلة إلا به، ولا تستقيم الأخلاق والآداب والسلوك إلا به.
والهدف الثاني: تعبيدُ الناسِ لربهم، فيتعلَّم العبد ما به يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وما به يقُوم بالنصيحة الشرعية للناس مِن حوله.
 
مَن فَهِمَ هذه الغايات والأهداف مِن طلَب العِلم دَلَّهُ العِلمُ على كل خير...
 
وعندما نتأمَّل تراجم علماءِ السلف رحمهم الله، سنجد في ترجمة كل عالم عبارات لا بد منها، مثل:
♦ سعة علْمه وقوة حفْظه...
♦ زهْده وورعه..
♦ عبادته واجتهاده..
♦ أمْره بالمعروف ونهْيه عن المنكر.
 
فهذه العبارات تُظهر لك مدى فهْمِهم للغاية مِن طلَب العِلم، ومدى انتفاعهم به، ونفعهم للأمَّة...
 
وفق الله الجميع لما فيه رضاه.

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير