ماذا أعددت للقبر؟
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
أربعون كلمة دعوية(بطريقة مختصرة عصرية)
الكلمة الثامنة والعشرون
ماذا أعددت للقبر؟
كثيرًا ما نسمع وكثيرًا ما يطرق أسماعنا دعاءٌ معروف، ودعاء محفوظ ما هو هذا الدعاء؟ إنه: اللهم ارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه، خاصة في هذا الشهر المبارك، ونقول بعده: آمين، لكن هل توقفنا قليلاً وتدبرنا مليًّا معنى هذا الدعاء؟
إن معناه بعبارة موجزة ويسيرة: أننا يومًا ما سيصير حالنا كما صار إليه أولئك الذين انتقلوا من هذه الدار.
لذلك لما دخل عمر بن عبدالعزيز المقابر يوم العيد، بكى وأبكى من حوله، ثم قال بملء صوته: يا موت، ماذا فعلت بالأحباب؟ يا موت ماذا فعلت بالأصحاب؟ ثم التفت إلى أصحابه وقال: أتدرون ماذا يقول الموت؟ قالوا: لا، قال: إنه يقول: أكلت الحدقتين، وذرَفت بالعينين، وفصلت الكتفين عن العضدين، والعضدين عن الساعدين، والركبتين عن الساقين، والساقين عن القدمين، ثم أغمي عليه - رحمه الله.
أذكِّر نفسي وإياكم بهذا الأمر؛ لأننا قد ننسى وقد نغفل مع هذه النعم المتوالية، ومع هذه الصحة والعافية، ولله الحمد والمنة.
دخل علي بن أبي طالب على المقابر، فقال: الله ما أحسن ظواهركم، لكن ليت شعري، ما في بواطنكم؟ فظاهر القبور سكون ووجوم، وداخلها لا يعلمه إلا الله، فأحدهم منعَّم يفتح له نافذة إلى الجنة ويأتيه من روحها وريحانها، فيقول: ربِّ أقم الساعة؛ لأرجع إلى مالي وأهلي، فيقال له: نَمْ نومة العروس، لا يوقظك إلا أحب أهلك إليك، والآخر بجانبه مُكدَّر منغَّص، يضرب بمرزبة من حديد لو ضربت بها الجبال، لماعت من تحتها.
ودخل علي - رضي الله عنه - ذات مرة على المقابر، فقال: يا أهل المقابر، ألا نخبركم عنا، فتخبرونا عنكم؟ أما أخبارنا، فإن الدُّور قد سكنت، وأما الأموال، فقد وزِّعت، وأما النساء، فقد تزوجنَ، فهذه أخبارنا، فما هي أخباركم؟ ثم قال - رضي الله عنه - : سكتوا! ولو نطقوا لقالوا: تزوَّدوا؛ فإن خير الزاد التقوى.
كان عثمان - رضي الله عنه - إذا مرّ على قبرٍ يبكي حتى تخضلَّ لِحيته من البكاء، وكان يقول: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ما رأيت منظرًا قط إلاّ والقبر أفظع منه))، وسمعته يقول: ((إنّ القبر أولُ منازلِ الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينجُ منه فما بعده أشد منه))[1].
وَالْقَبْرَ فاذكرْه وما وراءَهْ
فمِنْه ما لأحد براءهْ
فالقبرُ روضةٌ من الجِنانِ
أو حفرة من حفر النيران
إِنْ يكُ خيرًا فالذي من بعدهِ
أفضلُ عند ربنا لعبده
وإنْ يك شرًّا فما بعدُ أشدّْ
ويلٌ لعبد عن سبيل الله صدّْ
عن ابن ماجة بسند حسن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جلس على شفير قبر، فبكى حتى بل الثرى، ثم قال: "يا إخواني، لمثل هذا فأعِدوا"[2].
نعم أخي الحبيب:
ها هي الفرصة أتتْك والفرص قد لا تتكرر أبدًا، ها هو الشهر الكريم قد (انتصف)، فخذ لنفسك من الحظ الأوفر والنصيب الأكبر في التزود بالطاعات، والتزود من الصالحات.
تزود من التقوى فإنك لا تدري
إذا جنّ ليل هل تعيش إلى الفجر
فكم من صحيح مات من غير علّة
وكم من سقيم عاش حينًا من الدهر
وكم من عروس زينوها لزوجها
وقد نسجت أكفانها وهي لا تدري
فبادر أخي الحبيب باغتنام الفرصة ما دمت في زمن الإمهال، ما دمت في دار العمل، فاليوم عمل ولا حساب، وغدًا حساب بلا عمل: ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 30].
[1] الترمذي 2308، ابن ماجه 4267 .
[2] ابن ماجه 4195 .