أرشيف المقالات

يا إخواننا في وادي النيل!

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
8 (مهداة إلى الأستاذ الشيخ علي الطنطاوي) للأستاذ غائب طعمة فرمان قرأت - فيما قرأت - في الرسالة الحبيبة إلى القلوب، العزيزة على النفوس، مقالة بليغة للأستاذ الكريم على الطنطاوي عنوانها (يوم من أيام بغداد) أجرى فيها من روحه الأبية، ومن دمه الكريم، قوة متفجرة تهز قلب كل عربي غيور، وتوقظ همة كل أبي أشم؛ فقد - والله - لمست منها قوة العاطفة، وسمو النفس، وكرم المحتد. (ليست كالمقالات، جملاً ترصف، وكلمات تؤلف، ولكنها قلب يتفطر، وديناميت يتفجر.
)
. وغاية الأستاذ الكريم من هذه الكلمة الجميلة إيقاد الهمم، وإيقاظ النفوس، وشحذ العزائم؛ ليعلمنا (.

إن مصر.

أختنا الكبرى في العروبة، وقضية مصر قضيتنا، ووادي مصر وادينا، وعدو مصر عدونا، وإننا إن نخذل مصر نخذل بلادنا، وإلا نكن معها نحن أمتنا)
.
ويتساءل في النهاية مخاطباً بغداد (أفتنامين يا بغداد في سرر الأمان ومصر في الشوارع تصارع الذئاب؟). وليطمئن الأستاذ إلى إخلاص الشباب العراقي جميعاً. وليثق بنا في ساعات المجد وفي سوح القتال. وليعلم إن أجفاننا لا تهدأ، وإن قلوبنا لا تستقر، وإننا لا نخلد إلى السكينة، ولا ننام في سرر الأمان ما دامت مصر تتألم، والمغرب العربي يئن تحت نير الاستعمار، وفلسطين المجاهدة تتناهبها الأطماع، وتنهشها الذئاب البشرية، ويعبث بها أرباب المصالح الأجنبية، وترواغ في حقوقها ثعالب الصهيونية. أجل لن نهدأ ولن نقر عيناً والبلاد العربية مجروحة تتنزى ألماً، لأن الشعلة المتوقدة في قلوبنا، والشجاعة الممتزجة بدمائنا، والإخلاص الثابت في نفوسنا، والصرخة المدوية في أعماق ضمائرنا - صرخة الحق، والعدالة، والحرية - كلها لا تزال في توقدها، وقوتها الأولى. كلها أسس حياتنا، ومقدسات فكرنا، ومثلنا العليا التي نؤمن بها إيماننا بديننا. إننا - معشر الشباب العراقيين - لا تزال ثابتين على عقائدنا، حافظين لعهودنا، سائرين في طريقنا القويمة وفق دستورنا العربي المقدس. نحن لا نزال - كما عهدتنا - مؤمنين بحقنا الأسمى في الحياة، ذابين بأرواحنا وبما تملك أيماننا، رافعين راية الجهاد ضد كل معتد أثيم. الحق، والعدالة، والحرية، ومكارم الأخلاق، والعزيمة، والإخلاص مواد دستورنا الأولى. مصر، والعراق، وسوريا، ولبنان، وفلسطين، والجزيرة العربية، وشمال أفريقيا، بلاد أمتنا الكريمة. ولسنا من العرب في شيء أن تخاذلنا في نصر كل بقعة من بقاعها. أقسم لك أيها الأستاذ الكريم إننا لا نزال كما عهدتنا نناصر كل بلد عربي؛ إننا نتألم لسوريا ولبنان في محنتهما كما نتألم لمصر والسودان في قضيتهما، وإننا نفزع إلى الجهاد في سبيل فلسطين، كما نفزع إلى الذب عن الغرب الأقصى، المغرب العربي الكريم. وشاعت في هذه الأيام أن العراق يتوانى عن مساعدة مصر في قضيتها.
وتلك لعمري سبة للعراقيين. فالعراق لا يتوانى ولن يتوانى عن نصرة البلاد العربية لأنه يشعر شعوراً عميقاً بما يصنعه الاستعمار البريطاني إن جروحه لم تندمل وإن صدى البارود لم يذهب عن أذنه، وإن طيف الثورة العراقية الكريمة منتصب أمام عينيه. وما تلك النهم إلا دسيسة أجنبية تجد طريقها إلى عقول بعض السذج.
إنها ألاعيب استعمارية تبث لتفريق الكلمة، وتشتيت الشمل، وشغل العقول. إذا أردت أن تتأكد من صواب قولي؛ فلا تعتمد على ما تذيعه الصحف، وما تروجه الألسنة المغرضة، بل تعال معي إلى المحلات العامة، تعال معي إلى الشعب العراقي لنسأله: تعال إلى التلميذ في مدرسته، والعامل في معمله، والموظف في دائرته، والفلاح في حقله. تعال إلى هؤلاء وأنظر إلى ما يقولونه. تعال أتسمع القصة من أفواههم، ولتلمس أفكارهم: وتسبر غور أنفسهم، ولتعلم بم يفكرون؟ إنني لأقسم لك إنهم يفكرون في قضايا بلادهم، بلادهم بالمعنى الشامل الواسع، البلاد العربية: مصر، الشام، فلسطين، شمال أفريقيا. وفي هذه الأيام يحل الوفد السوداني ضيفاً على العراق.
فهل تعلم ما كان في نفس كل عراقي؟ لقد كانت في نفوسنا أحاديث قلبية نريد أن نبلغها. لقد كانت قلوبنا تخفق، وشفاهنا ترتجف، وعيوننا تبتسم، ونفوسنا في هزة من الشوق. لقد كانت في قلب كل عراقي كلمات يود أن يبلغها إلى الوفد السوداني الكريم قائلاً: يا إخواننا في وادي النيل إننا نؤيدكم من صميم، ونناصركم بأرواحنا، ونهتم بقضيتكم اهتمامنا بقضيتنا بل أكثر منها.

إن الجراح التي تحسونها في بلادكم نشعر بها ونتألم لها.
.
إننا صوت واحد، صوت قلبي يصرخ في وجه المعتدي الأثيم: تباً لك من وغد، هذه الأرض أرضنا نريق من أجلها دماءنا.

فلا تصدقوا ما يقوله عنا المستعمرون. وفي النهاية نصرخ صرخة الشاعر العراقي: أبشري يا طلعة الوادي الأمين ...
جاءك الأبطال بالنصر المبين قد سمعنا عنك ما روعنا ...
فأتيناك أسوداً لا تلين بغداد غائب طعمة فرمان

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٣