Warning: Undefined array key "sirA3lam" in /home/islamarchive/public_html/templates_c/de60317a0aa5dfb9a79b14e903fd786c87183139_0.file.history.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchive/public_html/templates_c/de60317a0aa5dfb9a79b14e903fd786c87183139_0.file.history.tpl.php on line 73

Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchive/public_html/templates_c/de60317a0aa5dfb9a79b14e903fd786c87183139_0.file.history.tpl.php on line 73


 كانت قريش تحذر من الاستماع للنبي صلى الله عليه وسلم، فلما قدم الطفيل بن عمرو مكة مشى إليه رجال من قريش، وكان الطفيل رجلا شريفا شاعرا لبيبا، فقالوا له: "يا طفيل، إنك قدمت بلادنا، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل -اشتد أمره- بنا، وقد فرق جماعتنا، وشتت أمرنا، وإنما قوله كالسحر يفرق بين الرجل وبين أبيه، وبين الرجل وبين أخيه، وبين الرجل وبين زوجته، وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلمنه ولا تسمعن منه شيئا".

قال: فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت ألا أسمع منه شيئا ولا أكلمه، حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفا -قطنا- خوفا من أن يبلغني شيء من قوله، وأنا لا أريد أن أسمعه.

فغدوت إلى المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة.

قال: فقمت منه قريبا، فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله.

قال: فسمعت كلاما حسنا.

فقلت في نفسي: وا ثكل أمي، والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى علي الحسن من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟ فإن كان الذي يأتي به حسنا قبلته، وإن كان قبيحا تركته.

فمكثت حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته فاتبعته، حتى إذا دخل بيته دخلت عليه، فقلت: يا محمد، إن قومك قد قالوا لي كذا وكذا، للذي قالوا؛ فوالله ما برحوا يخوفونني أمرك حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك، ثم أبى الله إلا أن يسمعني قولك، فسمعته قولا حسنا، فاعرض علي أمرك.

قال: فعرض علي رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام، وتلا علي القرآن، فلا والله ما سمعت قولا قط أحسن منه، ولا أمرا أعدل منه.

فأسلمت وشهدت شهادة الحق، وقلت: يا نبي الله، إني امرؤ مطاع في قومي، وأنا راجع إليهم، وداعيهم إلى الإسلام، فادع الله أن يجعل لي آية تكون لي عونا عليهم فيما أدعوهم إليه، فقال: "اللهم اجعل له آية".

قال: فخرجت إلى قومي، حتى إذا كنت بثنية -الفرجة بين الجبلين- تطلعني على الحاضر -أي: القوم النازلين على الماء- وقع نور بين عيني مثل المصباح، فقلت: اللهم في غير وجهي، إني أخشى أن يظنوا أنها مثلة وقعت في وجهي لفراقي دينهم.

قال: فتحول فوقع في رأس سوطي.

قال: فجعل الحاضر يتراءون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلق، وأنا أهبط إليهم من الثنية، قال: حتى جئتهم فأصبحت فيهم.

فلما نزلت أتاني أبي، وكان شيخا كبيرا، قال: فقلت: إليك عني يا أبت، فلست منك ولست مني.

قال: ولم يا بني؟ قال: قلت: أسلمت وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم.

قال: أي بني، فديني دينك.

قال: فقلت: فاذهب فاغتسل وطهر ثيابك، ثم تعال حتى أعلمك ما علمت.

فذهب فاغتسل، وطهر ثيابه، ثم جاء فعرضت عليه الإسلام، فأسلم.

ثم أتتني صاحبتي -زوجتي- فقلت: إليك عني، فلست منك ولست مني.

قالت: لم؟ بأبي أنت وأمي.

قلت: قد فرق بيني وبينك الإسلام، وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم.

قالت: فديني دينك.

قلت: فاذهبي فتطهري، فذهبت فاغتسلت، ثم جاءت فعرضت عليها الإسلام، فأسلمت.

ثم دعوت دوسا إلى الإسلام فأبطؤوا علي، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فقلت له: يا نبي الله، إنه قد غلبني على دوس الزنا -لهو مع شغل القلب والبصر-، فادع الله عليهم، فقال: "اللهم اهد دوسا، ارجع إلى قومك فادعهم وارفق بهم".

قال: فلم أزل بأرض دوس أدعوهم إلى الإسلام، حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ومضى بدر وأحد والخندق، ثم قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن أسلم معي من قومي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، حتى نزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتا من دوس، ثم لحقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، فأسهم لنا مع المسلمين".

ثم لم يزل رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فتح الله عليه مكة، وكان معه بالمدينة حتى قبض الله رسوله صلى الله عليه وسلم، فلما ارتدت العرب خرج مع المسلمين، فسار معهم حتى فرغوا من طليحة، ومن أرض نجد كلها.

ثم سار مع المسلمين إلى اليمامة، واستشهد فيها.


لما عزمت قريش أن تقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمع بنو عبد المطلب أمرهم على أن يدخلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم شعبهم ويحموه فيه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم من الغد يوم النحر، وهو بمنى: «نحن نازلون غدا بخيف بني كنانة؛ حيث تقاسموا على الكفر» يعني ذلك المحصب، وذلك أن قريشا وكنانة، تحالفت على بني هاشم وبني عبد المطلب، أو بني المطلب: أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم، حتى يسلموا إليهم النبي صلى الله عليه وسلم، فدخلوا الشعب جميعا مسلمهم وكافرهم، وأجمع المشركون أمرهم على أن لا يجالسوهم، ولا يخالطوهم، ولا يبايعوهم، ولا يدخلوا بيوتهم، حتى يسلموا رسول الله للقتل، وكتبوا في ذلك صحيفة، فلبث بنو هاشم في شعبهم ثلاث سنين، واشتد عليهم البلاء والجهد والجوع، فلما كان رأس ثلاث سنين تلاوم رجال من قريش على ما حدث وأجمعوا على نقض الصحيفة، وقد أعلمهم الرسول بأنه لم يبق فيها سوى كلمات الشرك والظلم، وهكذا انتهت المقاطعة.


هو أبو رافع سلام بن أبي الحقيق شاعر وفارس يهودي، أحد الذين حزبوا الأحزاب ضد المسلمين في غزوة الأحزاب، وأعانهم بالمؤن والأموال الكثيرة، ولما قتل الله كعب بن الأشرف على يد رجال من الأوس بعد وقعة بدر كان أبو رافع سلام بن أبي الحقيق ممن ألب الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقتل مع بني قريظة كما قتل صاحبه حيي بن أخطب، رغبت الخزرج في قتله طلبا لمساواة الأوس في الأجر.

وكان الله سبحانه قد جعل هذين الحيين يتصاولان بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخيرات، فاستأذنوا رسول الله في قتله فأذن لهم، فعن البراء بن عازب قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي رافع اليهودي رجالا من الأنصار، فأمر عليهم عبد الله بن عتيك، وكان أبو رافع يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعين عليه، وكان في حصن له بأرض الحجاز، فلما دنوا منه وقد غربت الشمس، وراح الناس بسرحهم، فقال عبد الله لأصحابه: اجلسوا مكانكم، فإني منطلق، ومتلطف للبواب، لعلي أن أدخل، فأقبل حتى دنا من الباب، ثم تقنع بثوبه كأنه يقضي حاجة، وقد دخل الناس، فهتف به البواب: يا عبد الله، إن كنت تريد أن تدخل فادخل، فإني أريد أن أغلق الباب، فدخلت فكمنت، فلما دخل الناس أغلق الباب، ثم علق الأغاليق على وتد، قال: فقمت إلى الأقاليد فأخذتها، ففتحت الباب، وكان أبو رافع يسمر عنده، وكان في علالي له، فلما ذهب عنه أهل سمره صعدت إليه، فجعلت كلما فتحت بابا أغلقت علي من داخل، قلت: إن القوم نذروا بي لم يخلصوا إلي حتى أقتله، فانتهيت إليه، فإذا هو في بيت مظلم وسط عياله، لا أدري أين هو من البيت، فقلت: يا أبا رافع، قال: من هذا؟ فأهويت نحو الصوت فأضربه ضربة بالسيف وأنا دهش، فما أغنيت شيئا، وصاح، فخرجت من البيت، فأمكث غير بعيد، ثم دخلت إليه، فقلت: ما هذا الصوت يا أبا رافع؟ فقال: لأمك الويل، إن رجلا في البيت ضربني قبل بالسيف.

قال: فأضربه ضربة أثخنته ولم أقتله، ثم وضعت ظبة السيف في بطنه حتى أخذ في ظهره، فعرفت أني قتلته، فجعلت أفتح الأبواب بابا بابا، حتى انتهيت إلى درجة له، فوضعت رجلي، وأنا أرى أني قد انتهيت إلى الأرض، فوقعت في ليلة مقمرة، فانكسرت ساقي، فعصبتها بعمامة، ثم انطلقت حتى جلست على الباب، فقلت: لا أخرج الليلة حتى أعلم: أقتلته؟ فلما صاح الديك قام الناعي على السور فقال: أنعى أبا رافع تاجر أهل الحجاز.

فانطلقت إلى أصحابي، فقلت: النجاء، فقد قتل الله أبا رافع، فانتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته، فقال: «ابسط رجلك».

فبسطت رجلي فمسحها فكأنها لم أشتكها قط.


أغار عيينة بن حصن -في بني عبد الله بن غطفان- على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم التي بالغابة، فاستاقها وقتل راعيها، وهو رجل من غفار، وأخذوا امرأته، فكان أول من نذر بهم سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي رضي الله عنه، يقول سلمة: خرجت قبل أن يؤذن بالأولى، وكانت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم ترعى بذي قرد، قال: فلقيني غلام لعبد الرحمن بن عوف فقال: أخذت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقلت: من أخذها؟ قال: غطفان.

قال: فصرخت ثلاث صرخات، يا صباحاه.

قال: فأسمعت ما بين لابتي المدينة، ثم اندفعت على وجهي حتى أدركتهم بذي قرد، وقد أخذوا يسقون من الماء، فجعلت أرميهم بنبلي، وكنت راميا، وأقول: أنا ابن الأكوع.
.
.

واليوم يوم الرضع، فأرتجز حتى استنقذت اللقاح منهم، واستلبت منهم ثلاثين بردة، قال: وجاء النبي صلى الله عليه وسلم والناس، فقلت: يا نبي الله، إني قد حميت القوم الماء وهم عطاش، فابعث إليهم الساعة.

فقال: «يا ابن الأكوع ملكت فأسجح».

ثم قال: «إنهم الآن ليقرون في غطفان».

وذهب الصريخ بالمدينة إلى بني عمرو بن عوف، فجاءت الأمداد ولم تزل الخيل تأتي، والرجال على أقدامهم وعلى الإبل حتى انتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي قرد.

وبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ماء يقال له: ذو قرد.

فنحر لقحة مما استرجع، وأقام هناك يوما وليلة، ثم رجع إلى المدينة.

وقتل في هذه الغزوة الأخرم، وهو محرز بن نضلة رضي الله عنه، قتله عبد الرحمن بن عيينة، وتحول على فرسه، فحمل عليه أبو قتادة فقتله، واسترجع الفرس، وكانت لمحمود بن مسلمة، وأقبلت المرأة المأسورة على ناقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد نذرت: إن الله أنجاها عليها لتنحرنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بئس ما جزتها، لا نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا في معصية.

وأخذ ناقته.

وقد روى مسلم في صحيحه عن سلمة بن الأكوع في هذه القصة قال: فرجعنا إلى المدينة، فلم نلبث إلا ثلاث ليال، حتى خرجنا إلى خيبر.


بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة رضي الله عنه في ثلاثين راكبا إلى القرطاء -بينها وبين المدينة سبع ليال-، وهم بطن من بني بكر، واسمه: عبيد بن كلاب.

فخرج محمد بن مسلمة رضي الله عنه وأصحابه فسار الليل واستتر النهار، فلما أغار عليهم هرب سائرهم بعد أن قتل نفرا منهم، واستاق المسلمون نعما وشاء، وقدموا المدينة لليلة بقيت من المحرم ومعهم ثمامة بن أثال الحنفي سيد بني حنيفة، كان قد خرج متنكرا لاغتيال النبي صلى الله عليه وسلم بأمر مسيلمة الكذاب، فأخذه المسلمون، فلما جاؤوا به ربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما عندك يا ثمامة؟" فقال: عندي خير يا محمد، إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فتركه.

ثم مر به مرة أخرى، فقال له مثل ذلك، فرد عليه كما رد عليه أولا، ثم مر مرة ثالثة فقال بعدما دار بينهما الكلام السابق: "أطلقوا ثمامة"، فأطلقوه، فذهب إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسل، ثم جاءه فأسلم، وقال: "والله ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي، ووالله ما كان على وجه الأرض دين أبغض إلي من دينك، فقد أصبح دينك أحب الأديان إلي، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمره أن يعتمر؛ فلما قدم على قريش قالوا: صبأت يا ثمامة، قال: لا والله، ولكني أسلمت مع محمد صلى الله عليه وسلم، ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم".

وكانت يمامة ريف مكة؛ فانصرف إلى بلاده، ومنع الحمل إلى مكة، حتى جهدت قريش، وكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامة يخلي إليهم حمل الطعام؛ ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.


بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عكاشة بن محصن رضي الله عنه إلى الغمر -ماء لبني أسد- في أربعين رجلا، فيهم: ثابت بن أقرم، وشجاع بن وهب؛ فخرج سريعا ونذر به القوم فهربوا فنزلوا علياء بلادهم، ووجد ديارهم خلوفا -أي: أهلها غائبون-، فبعث شجاع بن وهب طليعة؛ فرأى أثر النعم، فتحملوا فأصابوا من دلهم على بعض ماشيتهم، فأمنوه، فدلهم على نعم لبني عم له، فأغاروا عليها، فاستاقوا مائتي بعير؛ فأرسلوا الرجل، وساقوا النعم إلى المدينة، وقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلقوا كيدا.


بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة رضي الله عنه، ومعه عشرة نفر إلى بني ثعلبة من غطفان وبني عوال من ثعلبة، وهم بذي القصة، فوردوا عليهم ليلا، فأحدق به القوم، وهم مئة رجل، فتراموا ساعة من الليل، ثم حملت الأعراب عليهم بالرماح فقتلوهم جميعا، ووقع محمد بن مسلمة جريحا، فضربوا كعبه فلم يتحرك فظنوا موته، فجردوه من الثياب وانطلقوا، ومر بمحمد وأصحابه رجل من المسلمين فاسترجع، فلما سمعه محمد يسترجع تحرك له، فأخذه وحمله إلى المدينة؛ فعند ذلك بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في أربعين رجلا إلى مصارعهم فلم يجدوا أحدا، ووجدوا نعما وشاء فانحدروا بها إلى المدينة.


أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه إلى ذي القصة -موضع قريب من المدينة- على إثر مقتل أصحاب محمد بن مسلمة رضي الله عنه في أربعين رجلا من المسلمين حين صلوا المغرب، فسار إليهم مشاة حتى وافوا ذي القصة مع عماية الصبح -بقية ظلمة الليل- فأغاروا عليهم، فأعجزوهم هربا في الجبال، وأصابوا رجلا فأسلم فتركوه، وغنموا نعما من نعمهم فاستاقوه، ورثة -السقط من متاع البيت- من متاعهم، وقدموا بذلك المدينة، فخمسه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقسم ما بقي عليهم.

وعند ابن سعد في طبقاته: أن سبب بعثه صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة رضي الله عنه إلى ذي القصة: هو ما بلغه من أن بني محارب بن خصفة، وثعلبة وأنمار -وهما من غطفان- أجمعوا أن يغيروا على سرح المدينة، وهو يرعى بهيفا -موضع على سبعة أميال من المدينة-، فلعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعث أبا عبيدة رضي الله عنه مرتين إلى ذي القصة، أو أن يكون البعث مرة واحدة، ولكن له سببان: الأخذ بثأر أصحاب محمد بن مسلمة رضي الله عنه المقتولين، ودفع من أراد الإغارة على سرح المدينة.


بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة رضي الله عنه إلى بني سليم؛ فسار حتى ورد الجموم -وهو ماء على طريق مكة- ناحية بطن نخل عن يسارها، فأصابوا عليه امرأة من مزينة يقال لها: حليمة، فدلتهم على محلة من محال بني سليم؛ فأصابوا في تلك المحلة نعما وشاء وأسرى، فكان فيهم زوج حليمة المزنية، فلما قفل زيد بن حارثة رضي الله عنه إلى المدينة بما أصاب، وهب رسول الله صلى الله عليه وسلم للمزنية نفسها وزوجها.


بنو لحيان: هم الذين غدروا بخبيب بن عدي رضي الله عنه وأصحابه يوم الرجيع، ولما كانت ديارهم متوغلة في بلاد الحجاز إلى حدود مكة، ولوجود ثارات بين المسلمين من جهة، وقريش والأعراب من جهة أخرى، رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يتوغل في البلاد القريبة من العدو الأكبر والرئيسي قريش، فلما تخاذلت الأحزاب، وانكسرت عزائمهم، رأى أن الوقت قد حان لغزو بني لحيان وأخذ الثأر لأصحاب الرجيع؛ فخرج إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم طالبا بدماء أصحابه في مائتين من أصحابه، ومعهم عشرون فرسا، واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه، وأظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يريد الشام ليصيب بني لحيان غرة، ثم أسرع السير حتى انتهى إلى وادي غران بين أمج -موضع بين مكة والمدينة- وعسفان -قرية بين مكة والمدينة-، وهي منازل بني لحيان، وفيها كان مصاب أصحابه، فترحم عليهم ودعا لهم.

وسمعت به بنو لحيان، فهربوا واحتموا في رؤوس الجبال؛ فلم يقدر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أحد منهم؛ فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بأرضهم يوما أو يومين، وبعث السرايا في كل ناحية فلم يقدروا على أحد.

ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه إلى عسفان لتسمع به قريش فيداخلهم الرعب، وليريهم من نفسه قوة؛ فبعث أبا بكر الصديق رضي الله عنه في عشرة فوارس إلى كراع الغميم -موضع بين مكة والمدينة-، ثم رجع أبو بكر الصديق رضي الله عنه ولم يلق أحدا.


بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة رضي الله عنه في سرية في سبعين ومئة راكب إلى العيص -اسم موضع قرب المدينة على ساحل البحر- بهدف اعتراض عير لقريش أقبلت من الشام بقيادة أبي العاص بن الربيع، فأدركوها، فأخذوها وما فيها، وأخذوا يومئذ فضة كثيرة لصفوان بن أمية، وأسروا ناسا ممن كان في العير، منهم: أبو العاص بن الربيع، وقدموا بهم إلى المدينة.

وكان أبو العاص من رجال مكة المعدودين تجارة ومالا وأمانة، وهو زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمه هالة بنت خويلد أخت خديجة رضي الله عنها.

فأتى أبو العاص زينب رضي الله عنها في الليل، وكانت زينب هاجرت قبله وتركته على شركه فاستجار بها فأجارته، وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم جوارها.


بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة رضي الله عنه إلى الطرف -هو ماء على ستة وثلاثين ميلا من المدينة-، فخرج إلى بني ثعلبة في خمسة عشر رجلا، فهربت الأعراب وخافوا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم سار إليهم، وأن هؤلاء مقدمة؛ فأصاب من نعمهم عشرين بعيرا، ورجع إلى المدينة، ولم يلق كيدا، وغاب أربع ليال.

وكان شعارهم: "أمت أمت".


دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، فقال له: "تجهز؛ فإني باعثك في سرية من يومك هذا، أو من الغد إن شاء الله تعالى"، فأصبح عبد الرحمن فغدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقعده بين يديه وعممه بيده، ثم عقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء بيده، أو أمر بلالا يدفعه إليه، ثم قال له: "خذه باسم الله وبركته"، ثم حمد الله تعالى، ثم قال صلى الله عليه وسلم: "اغز باسم الله، وفي سبيل الله، فقاتل من كفر بالله! ولا تغل -الغلول: هو الخيانة في المغنم والسرقة من الغنيمة قبل القسمة-، ولا تغدر، ولا تقتل وليدا"، ثم أمره رسول الله أن يسير إلى بني كلب بدومة الجندل، فيدعوهم إلى الإسلام، وقال له: "إن استجابوا لك فتزوج ابنة ملكهم".

فسار عبد الرحمن رضي الله عنه بأصحابه وكانوا سبعمئة رجل، حتى قدم دومة الجندل؛ فمكث ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام؛ فلما كان اليوم الثالث أسلم رأسهم وملكهم الأصبغ بن عمرو الكلبي، وكان نصرانيا، وأسلم معه ناس كثير من قومه؛ فبعث عبد الرحمن رافع بن مكيث بشيرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخبره بما فتح الله عليه وكتب له بذلك، وتزوج عبد الرحمن تماضر بنت الأصبغ وقدم بها المدينة، فولدت له بعد ذلك أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.


كان بطن فزارة يريد اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم؛ فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية على رأسها: أبو بكر الصديق رضي الله عنه فأغار عليهم، وقتل وأسر وسبى، وكان من شياطينهم أم قرفة التي جهزت ثلاثين فارسا من أهل بيتها لاغتيال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقتلوا وسبيت ابنتها، ففدى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أسارى المسلمين في مكة.

أخرج الإمام مسلم في «صحيحه» عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: غزونا فزارة، وعلينا أبو بكر؛ أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا؛ فلما كان بيننا وبين الماء ساعة أمرنا أبو بكر فعرسنا ثم شن الغارة، فورد الماء، فقتل من قتل عليه، وسبى، وأنظر إلى عنق من الناس، فيهم الذراري فخشيت أن يسبقوني إلى الجبل، فرميت بسهم بينهم وبين الجبل.

فلما رأوا السهم وقفوا، فجئت بهم أسوقهم.

وفيهم امرأة من بني فزارة عليها قشع من أدم -أي: ثوب من الجلد-، معها ابنة من أحسن العرب، فسقتهم حتى أتيت بهم أبا بكر، فنفلني أبو بكر ابنتها.

فقدمنا المدينة، وما كشفت لها ثوبا، فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوق، فقال: "يا سلمة، هب لي المرأة".

فقلت: "يا رسول الله، والله لقد أعجبتني، وما كشفت لها ثوبا"، ثم لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغد في السوق، فقال لي: "يا سلمة، هب لي المرأة لله أبوك!" فقلت: هي لك يا رسول الله، فوالله ما كشفت لها ثوبا.

فبعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة، ففدى بها ناسا من المسلمين، كانوا أسروا بمكة.


في هذا العام كانت سرية كرز بن جابر الفهري إلى العرنيين، الذين قتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستاقوا النعم؛ فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم كرز بن جابر رضي الله عنه في عشرين فارسا.

عن أنس رضي الله عنه: أن رهطا من عكل وعرينة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا أناس من أهل ضرع، ولم نكن أهل ريف، فاستوخمنا المدينة -لم يوافقهم جوها- فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذود -إبل- وراع، وأمرهم أن يخرجوا فيها فيشربوا من أبوالها وألبانها؛ فانطلقوا حتى إذا كانوا في ناحية الحرة قتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستاقوا الذود، وكفروا بعد إسلامهم؛ فبعث النبي صلى الله عليه وسلم في طلبهم، فأمر فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم -كحلها بمسامير محمية-، وتركهم في ناحية الحرة حتى ماتوا وهم كذلك.

وإنما سمر أعينهم لأنهم سمروا أعين الرعاء.


كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل عقد صلح الحديبية بعث خراش بن أمية الخزاعي إلى مكة، وحمله على جمل له يقال له: الثعلب.

فلما دخل مكة عقرت به قريش وأرادوا قتل خراش فمنعهم الأحابيش حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا عمر ليبعثه إلى مكة، فقال: يا رسول الله إني أخاف قريشا على نفسي، وليس بها من بني عدي أحد يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها؛ ولكن أدلك على رجل هو أعز مني عثمان بن عفان.

فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعثه إلى قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب، وأنه جاء زائرا لهذا البيت معظما لحرمته، فخرج عثمان حتى أتى مكة ولقيه أبان بن سعيد بن العاص، فنزل عن دابته وحمله بين يديه وردف خلفه وأجاره حتى بلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش فبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرسله به، فقالوا لعثمان: إن شئت أن تطوف بالبيت فطف به.

فقال: ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فاحتبسته قريش عندها، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين أن عثمان قد قتل).

 قال ابن عمر رضي الله عنهما:كانت بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان إلى مكة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى: «هذه يد عثمان».

فضرب بها على يده، فقال: «هذه لعثمان».

وقال جابر بن عبد الله: كنا يوم الحديبية ألفا وأربع مائة، فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر آخذ بيده تحت الشجرة، وهي سمرة.

وقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: «أنتم اليوم خير أهل الأرض».

ثم قال جابر: لو كنت أبصر لأريتكم موضع الشجرة.
  وعن معقل بن يسار قال: لقد رأيتني يوم الشجرة، والنبي صلى الله عليه وسلم يبايع الناس، وأنا رافع غصنا من أغصانها عن رأسه، ونحن أربع عشرة مائة.

وقد اختلفت الروايات في عددهم، فقال ابن حجر: (والجمع بين هذا الاختلاف أنهم كانوا أكثر من ألف وأربعمائة، فمن قال: ألفا وخمسمائة جبر الكسر، ومن قال: ألفا وأربعمائة ألغاه).


خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه قرابة ألف وأربعمائة من أصحابه يريدون العمرة فلما وصلوا إلى الحديبية - وهي تبعد عن مكة قرابة 22 كم - وصله الخبر أن هناك من يريد أن يقاتله، فقال: إنه لم يجئ لقتال؛ بل جاء معتمرا.

وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان إلى مكة ليخبرهم بذلك، ثم شاع الخبر أن عثمان قتل، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة رضي الله عنهم أن يبايعوه على القتال، فبايعوه وهي بيعة الرضوان، ثم جاء المشركون إلى الحديبية وحصلت عدة مفاوضات بين رؤساء من المشركين وبين النبي صلى الله عليه وسلم حتى جاء سهيل بن عمرو فصالحه النبي صلى الله عليه وسلم على أن توضع الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس، ويكف بعضهم عن بعض، وعلى أن من أتى رسول الله من أصحابه من غير إذن وليه رده رسول الله عليهم، ومن أتى قريشا من أصحابه لم يردوه، وأن بينهم عيبة مكفوفة، أي: لا غش فيها، وأنه لا إسلال -يعني لا سرقة- ولا إغلال -يعني لا خيانة- وأن يرجع في عامه هذا دون أن يدخل مكة وله ذلك في العام القابل، يدخلها ثلاثة أيام معه سلاح الراكب لا يدخلها بغير السيوف في القرب.
.
.

ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن ينحروا ويحلقوا؛ ولكنهم لم يفعلوا حتى أشارت عليه أم سلمة رضي الله عنها أن يقوم هو بذلك دون أن يكلم أحدا فلما رأوه نحر تواثبوا إلى الهدي وفعلوا مثل ما فعل, ثم عاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة دون عمرة ودون قتال.