Warning: Undefined array key "sirA3lam" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
ولى معاوية بن أبي سفيان عبيد الله بن زياد على خراسان فبلغ بيكند وأرغم خاتون أميرة بخارى على الصلح؛ ولكنها استنجدت بالترك فأرسلوا جيشا ألحق به المسلمون الهزيمة، فأرغمت على طلب الصلح، وكان معاوية قد ولى سعيد بن عثمان بن عفان إمارة خراسان بدل عبيد الله فدخل الجيش بخارى بقيادته.
هرب عبد الرحمن بن حبيب- الذي كان أبوه أمير إفريقية- مع الخوارج، واتصل بكتامة، فسير يزيد بن حاتم أمير إفريقية العسكر في أثره، وقاتلوا كتامة.
فلما كانت هذه السنة سير يزيد عسكرا آخر مددا للذين يقاتلون عبد الرحمن، فاشتد الحصار على عبد الرحمن، فمضى هاربا، وفارق مكانه، فعادت العساكر عنه، ثم ثار في هذه السنة على يزيد بن حاتم أبو يحيى بن فانوس الهواري بناحية طرابلس، فاجتمع عليه كثير من البربر، وكان عسكر ليزيد بن حاتم مع عامل البلد، فخرج العامل والجيش معه، فالتقوا على شاطئ البحر من أرض هوارة، فاقتتلوا قتالا شديدا، فانهزم أبو يحيى بن فانوس وقتل عامة أصحابه، وسكن الناس بإفريقية وصفت ليزيد بن حاتم.
سار عبد الرحمن الداخل إلى حرب شقنا، وقصد حصن شيطران، فحصره وضيق عليه، فهرب إلى المفازة كعادته، وكان قد استخلف على قرطبة ابنه سليمان، فأتاه كتابه يخبره بخروج أهل إشبيلية مع عبد الغفار وحيوة بن ملابس عن طاعته، وعصيانهم عليه، واتفق من بها من اليمانية معهما، فرجع عبد الرحمن ولم يدخل قرطبة، وهاله ما سمع من اجتماعهم وكثرتهم، فقدم ابن عمه عبد الملك بن عمر (كان شهاب آل مروان)، وبقي عبد الرحمن خلفه كالمدد له، فلما قارب عبد الملك أهل إشبيلية قدم ابنه أمية ليعرف حالهم، فرآهم مستيقظين، فرجع إلى أبيه، فلامه أبوه على إظهار الوهن، وضرب عنقه، وجمع أهل بيته وخاصته، وقال لهم: طردنا من المشرق إلى أقصى هذا الصقع، ونحسد على لقمة تبقي الرمق؛ اكسروا جفون السيوف، فالموت أولى أو الظفر، ففعلوا، وحمل بين أيديهم، فهزم اليمانية وأهل إشبيلية، فلم تقم بعدها لليمانية قائمة، وجرح عبد الملك.
فأتاه عبد الرحمن وجرحه يجري دما، وسيفه يقطر دما، وقد لصقت يده بقائم سيفه، فقبله بين عينيه، وقال: يا ابن عم، قد أنكحت ابني وولي عهدي هشاما ابنتك فلانة، وأعطيتها كذا وكذا، وأعطيتك كذا وأولادك كذا، وأقطعتك وإياهم، ووليتكم الوزارة.
وعبد الملك هو الذي ألزم عبد الرحمن بقطع خطبة المنصور، وقال له: تقطعها وإلا قتلت نفسي, وكان قد خطب له عشرة أشهر، فقطعها.
وكان عبد الغفار وحيوة بن ملابس قد سلما من القتل.
فلما كانت سنة 157 سار عبد الرحمن إلى إشبيلية، فقتل خلقا كثيرا ممن كان مع عبد الغفار وحيوة ورجع.
وبسبب هذه الوقعة وغش العرب، مال عبد الرحمن إلى اقتناء العبيد.
هو الإمام العلم أبو عمارة حمزة بن حبيب بن عمارة التيمي المعروف بالزيات، ولد سنة 80.
قيل له " الزيات " لأنه كان يجلب الزيت من الكوفة إلى حلوان, ويجلب إلى الكوفة الجبن والجوز.
أصله من سبي فارس، وقيل: ولاؤه لبني عجل، وقيل: ولاؤه لتيم الله بن ثعلبة.
أدرك عددا من الصحابة, أحد القراء السبعة، من أهل الكوفة، تلا عليه طائفة، منهم الأعمش، وحدث عنه كثير، منهم الثوري، كان إماما قيما لكتاب الله، قانتا لله، ثخين الورع، رفيع الذكر، عالما بالحديث والفرائض، عديم النظير في وقته علما وعملا، قال الثوري: ما قرأ حمزة حرفا إلا بأثر.
قال أسود بن سالم: سألت الكسائي عن الهمز والإدغام: ألكم فيه إمام؟ قال: نعم، حمزة، كان يهمز ويكسر، وهو إمام من أئمة المسلمين، وسيد القراء والزهاد، لو رأيته لقرت عينك به من نسكه.
وقال حسين الجعفي: ربما عطش حمزة فلا يستسقي كراهية أن يصادف من قرأ عليه.
وذكر جرير بن عبد الحميد أن حمزة مر به فطلب ماء قال: فأتيته فلم يشرب مني لكوني أحضر القراءة عنده.
وقال يحيى بن معين: سمعت ابن فضيل يقول: ما أحسب أن الله يدفع البلاء عن أهل الكوفة إلا بحمزة.
كان أول ظهور لثورة صاحب الزنج الدعي علي بن محمد عام 255هـ وبدأ يستفحل أمره وتوالت الحروب بينه وبين جيوش الخلافة مرة تلو الأخرى، وكل ذلك لم يظفروا به، فدخل البصرة والسبخة والأبلة وعبادان والأهواز، حتى خافه كثير من أهل البصرة وفروا خارج البصرة، فكان هذا بداية لدولتهم الجديدة المؤسسة أصلا على الزنج من العبيد الفارين والمتمردين على أسيادهم، ومن أسر من العبيد في حروبه.
ظهر بمصر إنسان علوي ذكر أنه أحمد بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن طباطبا، وكان ظهوره بين الرقة والإسكندرية، وسار إلى الصعيد، وكثر أتباعه، وادعى الخلافة، فسير إليه أحمد بن طولون جيشا فقاتلوه، وانهزم أصحابه عنه، وثبت هو فقتل، وحمل رأسه إلى مصر.
لما ولي أحمد بن طولون مصر سكن مدينة العسكر على عادة أمراء مصر من قبله، ثم أحب أن يبني له قصرا، فبنى القطائع.
والقطائع قد زالت آثارها الآن من مصر، ولم يبق لها رسم يعرف، وكان موضعها من قبة الهواء، التي صار مكانها الآن قلعة الجبل، إلى جامع ابن طولون، وهو طول القطائع، وأما عرضها فإنه كان من أول الرميلة من تحت القلعة إلى الموضع الذي يعرف الآن بالأرض الصفراء, وكانت مساحة القطائع ميلا في ميل, وقبة الهواء كانت في السطح الذي عليه قلعة الجبل.
وتحت قبة الهواء كان قصر ابن طولون.
وموضع هذا القصر الميدان السلطاني الآن الذي تحت قلعة الجبل بالرميلة, وكان موضع سوق الخيل والحمير والبغال والجمال بستانا.
يجاورها الميدان الذي يعرف اليوم بالقبيبات؟ فيصير الميدان فيما بين القصر والجامع الذي أنشأه أحمد بن طولون المعروف به.
وبجوار الجامع دار الإمارة في جهته القبلية، ولها باب من جدار الجامع يخرج منه إلى المقصورة المحيطة بمصلى الأمير إلى جوار المحراب، وهناك دار الحرم.
والقطائع عدة قطع يسكن فيها عبيد الأمير أحمد بن طولون وعساكره وغلمانه.
وسبب بناء ابن طولون القصر والقطائع كثرة مماليكه وعبيده، فضاقت دار الإمارة عليهم، فركب إلى سفح الجبل وأمر بحرث قبور اليهود والنصارى، واختط موضعهما وبنى القصر والميدان، ثم أمر أصحابه وغلمانه أن يختطوا لأنفسهم حول قصره وميدانه بيوتا فاختطوا وبنوا حتى اتصل البناء بعمارة الفسطاط- مصر القديمة- ثم بنيت القطائع، وسميت كل قطيعة باسم من سكنها.
فكان للنوبة قطيعة مفردة تعرف بهم، وللروم قطيعة مفردة تعرف بهم، وللفراشين قطيعة مفردة تعرف بهم، ولكل صنف من الغلمان قطيعة مفردة تعرف بهم، وبنى القواد مواضع متفرقة، وعمرت القطائع عمارة حسنة وتفرقت فيها السكك والأزقة، وعمرت فيها المساجد الحسان والطواحين والحمامات، والأفران والحوانيت والشوارع, ولما بنى ابن طولون القصر والميدان، وعظم أمره زادت صدقاته ورواتبه حتى بلغت صدقاته المرتبة في الشهر ألفي دينار، سوى ما كان يطرأ عليه من مصاريف أخرى، وكان يقول: هذه صدقات الشكر على تجديد النعم، ثم جعل مطابخ للفقراء والمساكين في كل يوم، فكان يذبح فيها البقر والغنم ويفرق للناس في القدور الفخار والقصع، ولكل قصعة أو قدر أربعة أرغفة: في اثنين منها فالوذج، والاثنان الآخران على القدر أو القصعة، وكان في الغالب يعمل سماط عظيم وينادى في مصر: من أحب أن يحضر سماط الأمير فليحضر، ويجلس هو بأعلى القصر ينظر ذلك ويأمر بفتح جميع أبواب الميدان ينظرهم وهم يأكلون ويحملون فيسره ذلك، ويحمد الله على نعمته.
وجعل بالقرب من قصره حجرة فيها رجال سماهم بالمكبرين عدتهم اثنا عشر رجلا، يبيت في كل ليلة منهم أربعة يتعاقبون بالليل نوبا، يكبرون ويهللون ويسبحون ويقرؤون القرآن بطيب الألحان ويترسلون بقصائد زهدية ويؤذنون أوقات الأذان.
ظهر بصعيد مصر إنسان ذكر أنه إبراهيم بن محمد بن يحيى بن عبد الله بن محمد بن أبي طالب العلوي، ويعرف بابن الصوفي، وملك مدينة أسنا ونهبها وعم شره البلاد.
فسير إليه أحمد بن طولون جيشا فهزمه العلوي، وأسر المقدم على الجيش، فقطع يديه ورجليه وصلبه؛ فسير إليه ابن طولون جيشا آخر فالتقوا بنواحي إخميم، فاقتتلوا قتالا شديدا فانهزم العلوي، وقتل كثير من رجاله، وسار هو حتى دخل الواحات.
كان صالح بن وصيف قائدا من الأتراك صاحب تسلط شديد, وهو أحد المتآمرين على قتل المتوكل، ثم اختفى فطلبه الأتراك بسبب أموال بينهم فأتوا المهتدي ليكشف لهم أمر صالح.
فقدم موسى بن بغا الكبير إلى سامرا بطلب من الخليفة, فدخلها في جيش هائل، فأتوا دار الخلافة التي فيها المهتدي جالسا لكشف المظالم فاستأذنوا عليه فأبطأ الإذن ساعة، وتأخر عنهم فظنوا في أنفسهم أن الخليفة إنما طلبهم خديعة منه ليسلط عليهم صالح بن وصيف، فدخلوا عليه بالقوة, فأقاموه من مجلسه وانتهبوا ما كان فيه، ثم أخذوه مهانا إلى دار أخرى، فجعل يقول لموسى بن بغا: ما لك ويحك؟ إني إنما أرسلت إليك لأتقوى بك علي صالح بن وصيف.
فقال له موسى: لا بأس عليك، احلف لي أنك لا تريد بي خلاف ما أظهرت.
فحلف له المهتدي، فطابت الأنفس وبايعوه بيعة ثانية مشافهة، وأخذوا عليه العهود والمواثيق ألا يمالئ صالحا عليهم، واصطلحوا على ذلك.
ثم بعثوا إلى صالح بن وصيف ليحضر لهم للمناظرة في أمر المعتز، فوعدهم أن يأتيهم، ثم اجتمع بجماعة من الأمراء من أصحابه وأخذ يتأهب لجمع الجيوش عليهم، ثم اختفى من ليلته لا يدري أحد أين ذهب في تلك الساعة، فبعثوا المنادية تنادي عليه في أرجاء البلد وتهددوا من أخفاه، فلم يزل مختفيا إلى آخر صفر, ولما أبطأ خبر صالح بن وصيف على موسى بن بغا وأصحابه، قال بعضهم لبعض: اخلعوا هذا الرجل- يعني الخليفة- فقال بعضهم: أتقتلون رجلا صواما قواما لا يشرب الخمر ولا يأتي الفواحش؟ والله، إن هذا ليس كغيره من الخلفاء، ولا تطاوعكم الناس عليه، وبلغ ذلك الخليفة فخرج إلى الناس وهو متقلد سيفا، فجلس على السرير واستدعى بموسى بن بغا وأصحابه، فقال: قد بلغني ما تمالأتم عليه من أمري، وإني- والله- ما خرجت إليكم إلا وأنا متحنط وقد أوصيت أخي بولدي، وهذا سيفي، والله لأضربن به ما استمسك قائمه بيدي، أما تستحيون؟ كم يكون هذا الإقدام على الخلفاء والجرأة على الله عز وجل، وأنتم لا تبصرون؟ سواء عليكم من قصد الإبقاء عليكم والسيرة الصالحة فيكم، ومن كان يدعو بأرطال الشراب المسكر فيشربها بين أظهركم وأنتم لا تنكرون ذلك، ثم يستأثر بالأموال عنكم وعن الضعفاء! هذا منزلي فاذهبوا فانظروا فيه وفي منازل إخوتي ومن يتصل بي، هل ترون فيها من آلات الخلافة شيئا، أو من فرشها أو غير ذلك؟ وإنما في بيوتنا ما في بيوت آحاد الناس، وتقولون إني أعلم خبر صالح بن وصيف، وهل هو إلا واحد منكم؟ فاذهبوا فاعلموا علمه وأما أنا فلست أعلم علمه.
قالوا: فاحلف لنا على ذلك، قال أما اليمين فإني أبذلها لكم، قال: فكأنهم لانوا لذلك قليلا.
ثم ظفروا بصالح بن وصيف فقتل وجيء برأسه إلى المهتدي بالله، وقد انفتل من صلاة المغرب، فلم يزد على أن قال: واروه.
ثم أخذ في تسبيحه وذكره.
ولما أصبح الصباح رفع رأس صالح بن وصيف على رمح ونودي عليه في أرجاء البلد.
هذا جزاء من قتل مولاه.
وما زال الأمر مضطربا متفاقما، وعظم الخطب حتى أفضى إلى خلع الخليفة المهتدي وقتله رحمه الله.
بويع المعتمد على الله- وهو أحمد بن المتوكل على الله- بالخلافة في دار الأمير يارجوخ، وذلك قبل خلع المهتدي بأيام، ثم كانت بيعة العامة.
وفي صفر من السنة التالية عقد المعتمد لأخيه أبي أحمد على الكوفة وطريق مكة والحرمين واليمن، وأضاف إليه في رمضان نيابة بغداد والسواد وواسط وكور دجلة والبصرة والأهواز وفارس، وأذن له أن يتصرف في ذلك كله.
هو الخليفة الصالح أمير المؤمنين أبو إسحاق، وقيل أبو عبدالله محمد بن هارون الثاني الواثق بالله بن محمد المعتصم بالله بن هارون الرشيد, وأمه أم ولد اسمها قرب, ولد في خلافة جده الواثق سنة 219ه, وبويع بالخلافة في رجب سنة 255ه، وما قبل بيعة أحد حتى بايعه المعتز بالله، بعد أن أقر بتنازله عن الخلافة له، وأشهد على نفسه بعجزه عن تولي مهامها.
كان المهتدي أسمر رقيقا، مليح الوجه، حسن اللحية, من أحسن الخلفاء مذهبا وأجودهم طريقة وأكثرهم ورعا وعبادة وزهادة, وكان عادلا، قويا في أمر الله، شجاعا، صواما قواما، لم تعرف له زلة, وكان سهل الحجاب كريم الطبع يخاطب أصحاب الحوائج بنفسه ويجلس للمظالم بنفسه, وكان يلبس القميص الصوف الخشن تحت ثيابه على جلده, وكان يقول: لو لم يكن الزهد في الدنيا والإيثار لما عند الله من طبعي لتكلفته وتصنعته؛ فإن منصبي يقتضيه، فإني خليفة الله في أرضه والقائم مقام رسوله، النائب عنه في أمته، وكان له سفط فيه جبة صوف وكساء كان يلبسه بالليل ويصلي فيه, وكان قد اطرح الملاهي، واعتزل الغناء، ومنع أصحاب السلطان عن الظلم، وكان شديد الإشراف على أمر الدواوين ومحاسبة عماله.
كان يحب الاقتداء بما سلكه عمر بن عبد العزيز في خلافته من الورع والتقشف وكثرة العبادة وشدة الاحتياط، ولو عاش ووجد ناصرا لسار سيرته ما أمكنه، لما ذكر بما حدث للإمام أحمد بن حنبل على يد أسلافه، قال: رحم الله أحمد بن حنبل، والله لو جاز لي أن أتبرأ من أبي لتبرأت منه.
كان سفيان الثوري يقول: "الخلفاء الراشدون خمسة، ويعد فيهم عمر بن عبد العزيز, ثم أجمع الناس في أيام المهتدي من فقيه ومقرئ وزاهد وصاحب حديث أن السادس هو المهتدي بالله".
وكان من عزمه أن يبيد الأتراك الذين أهانوا الخلفاء وأذلوهم، وانتهكوا منصب الخلافة.
فلما أراد أن يخالف بين كلمة الأتراك ليضعف تسلطهم على الخلافة، كتب إلى بايكباك أن يتسلم الجيش من موسى بن بغا ويكون هو الأمير على الناس وأن يقبل بهم إلى سامرا، فلما وصل الكتاب بايكباك أقرأه موسى بن بغا فاشتد غضبه على المهتدي واتفقا عليه وقصدا إليه إلى سامرا، وتركا ما كانا فيه، فلما بلغ المهتدي ذلك ركب في جيش كثيف واتجه لملاقاتهما, فلما سمعوا به رجع موسى بن بغا إلى طريق خراسان وأظهر بايكباك السمع والطاعة, فأمر المهتدي عند ذلك بضرب عنق بايكباك، ثم ألقى رأسه إلى الأتراك، فلما رأوا ذلك أعظموه وأصبحوا من الغد مجتمعين على أخي بايكباك ظغوتيا فخرج إليهم الخليفة فيمن معه، فلما التقوا تمالأ الأتراك الذين مع الخليفة إلى أصحابهم وصاروا إلبا واحدا على الخليفة، فحمل الخليفة عليهم فقتل منهم نحوا من أربعة آلاف، ثم حملوا عليه فهزموه ومن معه فانهزم الخليفة فعاجله أحمد بن خاقان فرماه بسهم في خاصرته، ثم حمل على دابة وخلفه سائس وعليه قميص وسراويل حتى أدخلوه دار أحمد بن خاقان، فجعل من هناك يصفعونه ويبزقون في وجهه، وسلموه إلى رجل، فلم يزل يجأ خصيتيه ويطأهما حتى مات- رحمه الله- وكانت خلافته أقل من سنة بخمسة أيام، وصلى عليه جعفر بن عبد الواحد، ودفن بمقبرة المنتصر بن المتوكل رحمه الله.
هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة، إمام أهل الحديث بلا منازع، صاحب الصحيح، الذي أجمعت الأمة على تلقيه بالقبول، ولد في بخارى، رحل إلى مكة وبقي فيها فترة يتلقى العلم، طاف البلاد للحديث يجمع ويحفظ، حتى صار إمام الحديث وحافظه في عصره، إماما في الجرح والتعديل، إماما في العلل.
قال ابن خزيمة: "ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أحفظ له من محمد بن إسماعيل البخاري"، وكان فقيها.
بل منهم من فضله بالفقه على الإمام أحمد، وعلى ابن راهويه، قال الدارمي: "محمد بن إسماعيل البخاري أفقهنا وأعلمنا وأغوصنا، وأكثرنا طلبا"، كان البخاري رحمه الله في غاية الحياء والشجاعة والسخاء والورع والزهد في الدنيا دار الفناء، والرغبة في الآخرة دار البقاء، رجع إلى بخارى فطلبه أميرها أن يوافيه ليسمع أولاده منه فلم يرض، فحقد عليه ونفاه من بخارى، فخرج إلى خرتنك قريبة من سمرقند، وفيها توفي عن عمر 62 سنة، توفي ليلة الفطر- رحمه الله تعالى، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيرا.
تغلب الحسن بن زيد الطالبي على بلاد الري، فتوجه إليه موسى بن بغا في شوال، وخرج الخليفة لتوديعه, فكانت وقعة بين موسى بن بغا وأصحاب الحسن بن زيد، فهزم موسى أصحاب الحسن وتغلب عليهم.
هو السلطان معز الدولة أبو الحسين, أحمد بن بويه بن فنا خسرو بن تمام بن كوهي الديلمي الفارسي الشيعي, كان أبوه سماكا, وهو ربما احتطب.
تملك العراق نيفا وعشرين سنة بلا كلفة، ودانت له الأمم, ولما تغلب على بغداد سنة 334 لقبه الخليفة المستكفي بمعز الدولة، وتولى منصب أمير الأمراء، وبدا بتسلطه على الخليفة فأصر أن يذكر اسمه مع اسم الخليفة في خطبة الجمعة، وأن يسك اسمه على العملة مع الخليفة.
ورتب للخليفة نفقاته خمسة آلاف درهم في كل يوم.
وكذلك كان الخليفة المطيع لله مقهورا معه، أظهر أبو الحسين الرفض ودعم التشيع.
وهو أول من أجرى السعاة بين يديه ليبعث بأخباره إلى أخيه ركن الدولة سريعا إلى شيراز، وحظي عنده أهل هذه الصناعة, وكان عنده في بغداد ساعيان ماهران، وهما فضل وبرغوش، يتعصب لأحدهما عوام أهل السنة، وللآخر عوام أهل الشيعة، وجرت لهما مناصف ومواقف، ولما كان الثالث عشر من ربيع الأول توفي أبو الحسن بعلة الذرب، فصار لا يثبت في معدته شيء بالكلية، فلما أحس بالموت قيل: إنه أظهر التوبة وأناب إلى الله عز وجل، وترضى عن الصحابة, وأراق الخمور, وندم على ما ظلم, ورد كثيرا من المظالم، وتصدق بكثير من ماله، وأعتق طائفة كثيرة من مماليكه، وعهد بالأمر إلى ولده بختيار عز الدولة، وقد اجتمع ببعض العلماء، فكلمه في السنة وأخبره أن عليا زوج ابنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب، فقال: والله ما سمعت بهذا قط، فقيل إنه رجع إلى السنة ومتابعتها- والله أعلم, ولما مات معز الدولة دفن بباب التبن في مقابر قريش، فبعث ابنه عز الدولة وولي عهده إلى رؤوس الأمراء في هذه الأيام بمال جزيل لئلا يجتمعوا على مخالفته قبل استحكام مبايعته، وهذا من دهائه، وكانت مدة ولاية معز الدولة إحدى وعشرين سنة وإحدى عشر شهرا ويومين.
هو العلامة، الأخباري أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد بن أحمد بن الهيثم بن عبد الرحمن بن مروان بن محمد بن مروان بن الحكم الأموي، وجده مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية، وهو أصبهاني الأصل بغدادي المنشأ، كان من أعيان أدبائها، وأفراد مصنفيها, صاحب كتاب الأغاني، وكتاب أيام العرب، ذكر فيه ألفا وسبعمائة يوم من أيامهم، وكان شاعرا أديبا كاتبا، عالما بأخبار الناس وأيامهم، بحرا في نقل الآداب، وكان فيه تشيع، قال ابن الجوزي: "ومثله لا يوثق به؛ فإنه يصرح في كتبه بما يوجب العشق ويهون شرب الخمر، وربما حكى ذلك عن نفسه، ومن تأمل كتاب الأغاني رأى فيه كل قبيح ومنكر " قال التنوخي: "كان يحفظ من الشعر والأغاني والأخبار والآثار والأحاديث المسندة والنسب ما لم أر قط من يحفظ مثله، ويحفظ دون ذلك من علوم أخر- منها اللغة والنحو، والخرافات والسير والمغازي، ومن آلة المنادمة- شيئا كثيرا، مثل علم الجوارح والبيطرة ونتف من الطب والنجوم والأشربة وغير ذلك، وله شعر يجمع إتقان العلماء وإحسان الظرفاء الشعراء ".
كان مولده في سنة أربع وثمانين ومائتين، السنة التي توفي فيها البحتري الشاعر.
لما ملك ألب أرسلان عصى عليه أمير ختلان بقلعته، ومنع الخراج، فقصده السلطان، فرأى الحصن منيعا على شاهق، فأقام عليه وقاتله، فلم يصل منه إلى مراده، ففي بعض الأيام باشر ألب أرسلان القتال بنفسه، وترجل، وصعد في الجبل، فتبعه الخلق، وتقدموا عليه في الموقف، وألحوا في الزحف والقتال، وكان صاحب القلعة على شرفة من سورها يحرض الناس على القتال، فأتته نشابة من العسكر فقتلته، وتسلم ألب أرسلان القلعة وصارت في جملة ممالكه، وكان عمه فخر الملك بيغو بن ميكائيل في هراة، فعصى أيضا عليه، وطمع في الملك لنفسه، فسار إليه ألب أرسلان في العساكر العظيمة، فحصره وضيق عليه، وأدام القتال ليلا ونهارا، فتسلم المدينة، وخرج عمه إليه، فأبقى عليه وأكرمه وأحسن صحبته، وسار من هناك إلى صغانيان، وأميرها اسمه موسى، وكان قد عصى عليه، فلما قاربه ألب أرسلان صعد موسى إلى قلعة على رأس جبل شاهق، ومعه من الرجال الكماة جماعة كثيرة، فوصل السلطان إليه، وباشر الحرب لوقته، فلم ينتصف النهار حتى صعد العسكر الجبل، وملكوا القلعة قهرا، وأخذ موسى أسيرا، فأمر بقتله، فبذل في نفسه أموالا كثيرة، فقال السلطان: ليس هذا أوان تجارة.
واستولى على تلك الولاية بأسرها، وعاد إلى مرو، ثم منها إلى نيسابور.
سار السلطان ألب أرسلان من الري إلى أذربيجان، فوصل إلى مرند عازما على قتال الروم وغزوهم، فلما فرغ من جمع العساكر والسفن سار إلى بلاد الكرج، وجعل مكانه في عسكره ولده ملكشاه، ونظام الملك وزيره، فسار ملكشاه ونظام الملك إلى قلعة فيها جمع كثير من الروم، فنزل أهلها منها، وتخطفوا من العسكر، وقتلوا منهم فئة كثيرة، فنزل نظام الملك وملكشاه، وقاتلوا من بالقلعة، وزحفوا إليهم، فقتل أمير القلعة وملكها المسلمون، وساروا منها إلى قلعة سرماري، وهي قلعة فيها من المياه الجارية والبساتين، فقاتلوها وملكوها، وأنزلوا منها أهلها، وكان بالقرب منها قلعة أخرى، ففتحها ملكشاه، وأراد تخريبها، فنهاه نظام الملك عن ذلك، وقال: هي ثغر للمسلمين، وشحنها بالرجال والذخائر والأموال والسلاح، وسلم هذه القلاع إلى أمير نقجوان، وسار ملكشاه ونظام الملك إلى مدينة مريم نشين، وهي مدينة حصينة، سورها من الأحجار الكبار الصلبة، المشدودة بالرصاص والحديد، وعندها نهر كبير، فأعد نظام الملك لقتالها ما يحتاج إليه من السفن وغيرها، وقاتلها، فضجر الكفار، وأخذهم الإعياء والكلال، فوصل المسلمون إلى سورها، ونصبوا عليه السلاليم، وصعدوا إلى أعلاه، فلما رأى أهلها المسلمين على السور فت ذلك في أعضادهم، وسقط في أيديهم، ودخل ملكشاه البلد، ونظام الملك، وأحرقوا البيع، وخربوها، وقتلوا كثيرا من أهلها، وأسلم كثير فنجوا من القتل، واستدعى ألب أرسلان إليه ابنه، ونظام الملك، وفرح بما يسره الله من الفتح على يد ولده.
وفتح ملكشاه في طريقه عدة من القلاع والحصون، وأسر من النصارى ما لا يحصون كثرة.
وساروا إلى سبيذ شهر، فجرى بين أهلها وبين المسلمين حروب شديدة استشهد فيها كثير من المسلمين، ثم إن الله تعالى يسر فتحها فملكها ألب أرسلان، وسار منها إلى مدينة أعآل لآل، وهي حصينة، عالية الأسوار، شاهقة البنيان، وهي من جهة الشرق والغرب على جبل عال، وعلى الجبل عدة من الحصون، ومن الجانبين الآخرين نهر كبير لا يخاض، فلما رآها المسلمون علموا عجزهم عن فتحها والاستيلاء عليها، وكان ملكها من الكرج، وعقد السلطان جسرا على النهر عريضا، واشتد القتال، وعظم الخطب، فخرج من المدينة رجلان يستغيثان، ويطلبان الأمان، والتمسا من السلطان أن يرسل معهما طائفة من العسكر، فسير جمعا صالحا، فلما جاوزوا الفصيل أحاط بهم الكرج من أهل المدينة وقاتلوهم فأكثروا القتل فيهم، ولم يتمكن المسلمون من الهزيمة لضيق المسلك، وخرج الكرج من البلد وقصدوا العسكر، واشتد القتال، وكبر المسلمون عليهم، فولوا منهزمين، فدخلوا البلد والمسلمون معهم، ودخلها السلطان وملكها، واعتصم جماعة من أهلها في برج من أبراج المدينة، فقاتلهم المسلمون، فأمر السلطان بإلقاء الحطب حول البرج وإحراقه، ففعل ذلك، وأحرق البرج ومن فيه، وعاد السلطان إلى خيامه، وغنم المسلمون من المدينة ما لا يحد ولا يحصى، ولما جن الليل عصفت ريح شديدة، وكان قد بقي من تلك النار التي أحرق بها البرج بقية كثيرة، فأطارتها الريح، فاحترقت المدينة بأسرها، وذلك في رجب، وملك السلطان قلعة حصينة كانت إلى جانب تلك المدينة، وأخذها، وسار منها إلى ناحية قرس، ومدينة آني وبالقرب منها ناحيتان يقال لهما: سيل ورده، ونورة، فخرج أهلهما مذعنين بالإسلام، وخربوا البيع، وبنوا المساجد، وسار منها إلى مدينة آني فوصل إليها فرآها مدينة حصينة، شديدة الامتناع، لا ترام، ثلاثة أرباعها على نهر أرس، والربع الآخر نهر عميق شديد الجرية، لو طرحت فيه الحجارة الكبار لدحاها وحملها، والطريق إليها على خندق عليه سور من الحجارة الصم، فحصرها وضيق عليها، إلا أن المسلمين قد أيسوا من فتحها لما رأوا من حصانتها، فعمل السلطان برجا من خشب، وشحنه بالمقاتلة، ورماه بالنشاب، ونصب عليه المنجنيق، فكشفوا الروم عن السور، وتقدم المسلمون إليه لينقبوه، فأتاهم من لطف الله ما لم يكن في حسابهم، فانهدمت قطعة كبيرة من السور بغير سبب، فدخلوا المدينة وقتلوا من أهلها ما لا يحصى بحيث إن كثيرا من المسلمين عجزوا عن دخول البلد من كثرة القتلى، وأسروا نحوا مما قتلوا، وسارت البشرى بهذه الفتوح في البلاد، فسر المسلمون، وقرئ كتاب الفتح ببغداد في دار الخلافة، ورتب فيها السلطان أميرا في عسكر جرار، وعاد عنها، وقد راسله ملك الكرج في الهدنة، فصالحه على أداء الجزية كل سنة، فقبل ذلك.
قام جيوم دي مونري النورماندي بقيادة حملة بحرية نزلت بساحل قطلونية ثم سارت إلى الشرق حتى وصلت إلى مدينة ببشتر وكانت من أعمال يوسف بن سليمان بن هود فحاصروها حتى استسلمت فدخلها وأمعن جنده في أهلها قتلا ونهبا وسبيا، ولم يبادر أحد من أمراء الطوائف بنجدته، ثم غادر النورمانديون المدينة بعد أن تركوا فيها حامية من خمسة آلاف رجل، حتى قام في السنة التالية أحمد بن سليمان بن هود باستنهاض همم المسلمين وخلص المدينة من الحامية وتلقب بعدها بالمقتدر بالله.
سمع ألب أرسلان أن شهاب الدولة قتلمش السلجوقي، قد عصى عليه، وجمع جموعا كثيرة، وقصد الري ليستولي عليها، فجهز ألب أرسلان جيشا عظيما وسيرهم على المفازة إلى الري، فسبقوا قتلمش إليها، وسار ألب أرسلان من نيسابور أول المحرم من هذه السنة، فلما وصل إلى دامغان أرسل إلى قتلمش ينكر عليه فعله، وينهاه عن ارتكاب هذا الحال، ويأمره بتركها، فإنه يرعى له القرابة والرحم، فأجاب قتلمش جواب مغتر بمن معه من الجموع، ونهب قرى الري، وأجرى الماء على وادي الملح، وهي سبخة، فتعذر سلوكها، وقرب السلطان من قتلمش، فلبس الملك السلاح، وعبأ الكتائب، واصطف العسكران فقصد قتلمش المحاجزة، وجعل السبخة بينه وبين ألب أرسلان ليمتنع من اللقاء, فسلك ألب أرسلان طريقا في الماء، وخاض غمرته، وتبعه العسكر، فطلع منه سالما هو وعسكره، فصاروا مع قتلمش واقتتلوا، فلم يثبت عسكر قتلمش لعسكر السلطان، وانهزموا لساعتهم، ومضى منهزما إلى قلعة كردكوه، وهي من جملة حصونه ومعاقله، وكثر القتل والأسر في عسكره، وأراد السلطان قتل الأسرى، فشفع فيهم نظام الملك فعفا عنهم وأطلقهم، ولما سكن الغبار، ونزل العسكر، وجد قتلمش ميتا ملقى على الأرض لا يدرى كيف كان موته، قيل: إنه مات من الخوف، والله أعلم، فبكى السلطان لموته، وقعد لعزائه، وعظم عليه فقده، فسلاه نظام الملك، ودخل ألب أرسلان إلى مدينة الري آخر المحرم من السنة.
هو الإمام الأوحد، البحر، ذو الفنون والمعارف، العلامة أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن معد بن سفيان بن يزيد (مولى يزيد بن أبي سفيان) الأموي الفقيه الحافظ، المتكلم، الأديب، الوزير، الظاهري، صاحب التصانيف.
أصل جده يزيد من فارس، وهو أول من أسلم من أجداده، وجده خلف أول من دخل بلاد المغرب من آبائه زمن عبدالرحمن الداخل، وكانت بلدهم قرطبة، وولد ابن حزم بها في رمضان، سنة 384هـ، وكان والده من كبراء أهل قرطبة؛ عمل في الوزارة للدولة العامرية، فنشأ ابن حزم في تنعم ورفاهية، ورزق ذكاء مفرطا، وذهنا سيالا.
فقرأ القرآن واشتغل بالعلوم النافعة الشرعية، وبرز فيها وفاق أهل زمانه.
كان حافظا عالما بعلوم الحديث وفقهه، مستنبطا للأحكام من الكتاب والسنة بعد أن كان شافعي المذهب، انتقل إلى مذهب أهل الظاهر، وكان متفننا في علوم جمة، عاملا بعلمه، زاهدا في الدنيا بعد الرياسة التي كانت له ولأبيه من قبله في الوزارة وتدبير الممالك، متواضعا ذا فضائل جمة.
قال الذهبي: "كان قد مهر أولا في الأدب والأخبار والشعر، وفي المنطق وأجزاء الفلسفة، فأثرت فيه تأثيرا ليته سلم من ذلك، ولقد وقفت له على تأليف يحض فيه على الاعتناء بالمنطق، ويقدمه على العلوم، فتألمت له، فإنه رأس في علوم الإسلام، متبحر في النقل، عديم النظير على يبس فيه، وفرط ظاهرية في الفروع لا الأصول".
وله تصانيف وكتب مشهورة كثيرة أهمها ((المحلى))، و((الفصل في الملل والنحل)).
ويقال: إنه صنف أربعمائة مجلد في قريب من ثمانين ألف ورقة.
وكان أديبا طبيبا شاعرا فصيحا، له في الطب والمنطق كتب، كان مصاحبا للشيخ أبي عمر بن عبد البر النمري، ومناوئا للشيخ أبي الوليد سليمان بن خلف الباجي، وقد جرت بينهما مناظرات كثيرة، وكان ابن حزم كثير الوقيعة في العلماء بلسانه وقلمه لا يكاد يسلم أحد من لسانه من العلماء المتقدمين والمتأخرين، حتى قيل: "كان لسان ابن حزم وسيف الحجاج بن يوسف شقيقين, لكثرة وقوعه في الأئمة" فنفرت عنه القلوب،، فتمالأ العلماء على بغضه وردوا قوله واجمعوا على تضليله وشنعوا عليه, وحذروا السلاطين من فتنته, ونهوا عوامهم عن الدنو إليه والأخذ منه, فأورثه ذلك حقدا في قلوب أهل زمانه، وما زالوا به حتى بغضوه إلى ملوكهم، فطردوه عن بلاده حتى تشرد في البادية ومع ذلك لم يرجع عن أقواله وأفعاله.
كان ظاهريا لا يقول بشيء من القياس لا الجلي ولا غيره، وهذا الذي وضعه عند العلماء، وأدخل عليه خطأ كبيرا في نظره وتصرفه وكان مع هذا من أشد الناس تأويلا في باب الأصول، وآيات الصفات وأحاديث الصفات، لأنه كان أولا قد تضلع من علم المنطق، أخذه عن محمد بن الحسن المذحجي الكناني القرطبي، ففسد بذلك حاله في باب الصفات، قال الذهبي: "قيل: إنه تفقه أولا للشافعي، ثم أداه اجتهاده إلى القول بنفي القياس كله جليه وخفيه، والأخذ بظاهر النص وعموم الكتاب والحديث، والقول بالبراءة الأصلية، واستصحاب الحال، وصنف في ذلك كتبا كثيرة، وناظر عليه، وبسط لسانه وقلمه، ولم يتأدب مع الأئمة في الخطاب، بل فجج العبارة، وسب وجدع، فكان جزاؤه من جنس فعله، بحيث إنه أعرض عن تصانيفه جماعة من الأئمة، وهجروها، ونفروا منها، وأحرقت في وقت، واعتنى بها آخرون من العلماء، وفتشوها انتقادا واستفادة، وأخذا ومؤاخذة، ورأوا فيها الدر الثمين ممزوجا في الرصف بالخرز المهين، فتارة يطربون، ومرة يعجبون، ومن تفرده يهزؤون.
وفي الجملة فالكمال عزيز، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان ينهض بعلوم جمة، ويجيد النقل، ويحسن النظم والنثر.
وفيه دين وخير، ومقاصده جميلة، ومصنفاته مفيدة، وقد زهد في الرئاسة، ولزم منزله مكبا على العلم، فلا نغلو فيه، ولا نجفو عنه، وقد أثنى عليه قبلنا الكبار.
قال أبو حامد الغزالي: "وجدت في أسماء الله تعالى كتابا ألفه ابن حزم يدل على عظم حفظه وسيلان ذهنه".
وقال الإمام أبو القاسم صاعد بن أحمد: "كان ابن حزم أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام، وأوسعهم معرفة مع توسعه في علم اللسان، ووفور حظه من البلاغة والشعر، والمعرفة بالسير والأخبار".
قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن فتوح الحميدي: "ما رأينا مثله فيما اجتمع له من الذكاء وسرعة الحفظ وكرم النفس والتدين، وما رأيت من يقول الشعر على البديهة أسرع منه".
قال أبو القاسم صاعد: "كان أبوه من وزراء المنصور محمد بن أبي عامر، ثم وزر للمظفر، ووزر أبو محمد للمستظهر عبد الرحمن بن هشام، ثم نبذ هذه الطريقة، وأقبل على العلوم الشرعية، وعني بعلم المنطق وبرع فيه، ثم أعرض عنه".
قلت (الذهبي): "ما أعرض عنه حتى زرع في باطنه أمورا وانحرافا عن السنة".
وقد حط أبو بكر بن العربي على أبي محمد وعلى الظاهرية في كتاب القواصم والعواصم، فقال: "هي أمة سخيفة، تسورت على مرتبة ليست لها، وتكلمت بكلام لم نفهمه".
قلت (الذهبي): "لم ينصف القاضي أبو بكر شيخ أبيه في العلم، ولا تكلم فيه بالقسط، وبالغ في الاستخفاف به، وأبو بكر فعلى عظمته في العلم لا يبلغ رتبة أبي محمد، ولا يكاد، فرحمهما الله وغفر لهما".
ثم قال (الذهبي): "ولي أنا ميل إلى أبي محمد لمحبته في الحديث الصحيح، ومعرفته به، وإن كنت لا أوافقه في كثير مما يقوله في الرجال والعلل، والمسائل البشعة في الأصول والفروع، وأقطع بخطئه في غير ما مسألة، ولكن لا أكفره، ولا أضلله، وأرجو له العفو والمسامحة وللمسلمين.
وأخضع لفرط ذكائه وسعة علومه، ورأيته قد ذكر – أي ابن حزم- قول من يقول: أجل المصنفات (الموطأ).
فقال: بل أولى الكتب بالتعظيم (صحيحا) البخاري ومسلم" وكانت وفاته شريدا في البادية بعد أن أقصته الملوك وشردته عن بلاده حتى انتهى إلى بادية لبلة فتوفي بها آخر نهار الأحد لليلتين بقيتا من شعبان، وقيل: إنه توفي في منت ليشم، وهي قرية له، وقد جاوز التسعين.
الوزير عميد الملك، أبو نصر محمد بن منصور بن محمد الكندري، وزير السلطان طغرلبك.
كان أحد رجال الدهر شهامة وكتابة وكرما.
ولد سنة 415هـ بقرية كندر في نيسابور.
تفقه لأبي حنيفة، وتأدب، ثم صحب رئيسا بنيسابور، فاستخدمه في ضياعه، ثم استنابه عنه في خدمة السلطان طغرلبك، فطلبه منه، فوصل في خدمته، وصار صاحب خبرة.
ثم ولاه خوارزم، وعظم جاهه.
وعصى بخوارزم، ثم ظفر به السلطان، ونقم عليه أنه تزوج امرأة ملك خوارزم فخصاه, ثم رق له فداواه وعوفي, واستوزره وله إحدى وثلاثون سنة, فقدم بغداد، وأقام بها مدة، ولقبه الخليفة بسيد الوزراء, ونال من الجاه والحرمة ما لم ينله أحد.
قال الذهبي: "كان كريما جوادا، متعصبا لمذهبه، معتزليا، متكلما له النظم والنثر".
قال ابن الأثير: "كان شديد التعصب على الشافعية، كثير الوقيعة في الشافعي رضي الله عنه، بلغ من تعصبه أنه خاطب السلطان في لعن الرافضة على منابر خراسان، فأذن في ذلك، فأمر بلعنهم، وأضاف إليهم الأشعرية، فأنف من ذلك أئمة خراسان، منهم الإمام أبو القاسم القشيري، والإمام أبو المعالي الجويني، وغيرهما، ففارقوا خراسان، وأقام إمام الحرمين بمكة أربع سنين إلى أن انقضت دولته، فلما جاء الوزير نظام الملك، أحضر من انتزح منهم وأكرمهم، وأحسن إليهم, وقيل: إن الكندري تاب من الوقيعة في الشافعي، فإن صح فقد أفلح، وإلا فعلى نفسها براقش تجني" في هذه السنة قبض عليه ألب أرسلان، وسجنه ببيته ثم أرسل إليه من قتله.
قتل بمروالروذ في ذي الحجة.
وكان قد قطعت مذاكره ودفنت بخوارزم، فلما قتل حمل رأسه إلى نيسابور.
ولهذا قال ابن الأثير: "ومن العجب أن ذكره دفن بخوارزم لما خصي، ودمه مسفوح بمرو، وجسده مدفون بكندر، ورأسه مدفون بنيسابور، فاعتبروا يا أولي الأبصار".
كان أهل العبث والفساد بنيسابور قد طمعوا في نهب الأموال وتخريب البيوت، وفعل ما أرادوا، فإذا نهوا لم ينتهوا، فلما كان الآن تقدم المؤيد أي أبه بقبض أعيان نيسابور، منهم نقيب العلويين أبو القاسم زيد بن الحسن الحسيني وغيره، وحبسهم في ربيع الآخر، وقال: أنتم الذين أطمعتم المفسدين حتى فعلوا هذه الفعال، ولو أردتم منعهم لامتنعوا، وقتل من أهل الفساد جماعة، فخربت نيسابور بالكلية، ومن جملة ما خرب مسجد عقيل، كان مجمعا لأهل العلم، وفيه خزائن الكتب الموقوفة، وكان من أعظم منافع نيسابور، وخرب أيضا من المدارس ثماني مدارس للحنفية، وسبع عشرة مدرسة للشافعية، وأحرق خمس خزائن للكتب، ونهب سبع خزائن كتب وبيعت بأبخس الأثمان.
خرج الوزير ابن هبيرة من داره إلى الديوان، والغلمان يطرقون له، وأرادوا أن يردوا باب المدرسة الكمالية بدار الخليفة، فمنعهم الفقهاء وضربوهم بالآجر، فشهر أصحاب الوزير السيوف وأرادوا ضربهم، فمنعهم الوزير، ومضى إلى الديوان، فكتب الفقهاء مطالعة يشكون أصحاب الوزير، فأمر الخليفة بضرب الفقهاء وتأديبهم ونفيهم من الدار، فمضى أستاذ الدار وعاقبهم هناك، واختفى مدرسهم الشيخ أبو طالب، ثم إن الوزير أعطى كل فقير دينارا، واستحل منهم، وأعادهم إلى المدرسة وظهر مدرسهم.
لما تخلص الخادم كردبازو من السلطان سليمان شاه بسجنه ثم قتله، أرسل إلى إيلدكز، صاحب آران وأكثر بلاد أذربيجان، يستدعيه إليه ليخطب للملك أرسلان شاه الذي معه، وبلغ الخبر إلى إينانج صاحب بلاد الري، فسار ينهب البلاد إلى أن وصل إلى همذان، فتحصن كردبازو، فطلب منه إينانج أن يعطيه مصافا، فقال: أنا لا أحاربك حتى يصل الأتابك الأعظم إيلدكز.
وسار إيلدكز في عساكره جميعا يزيد على عشرين ألف فارس، ومعه أرسلان شاه بن طغرل بن محمد بن ملكشاه، فوصل إلى همذان، فلقيهم كردبازو، وأنزله دار المملكة، وخطب لأرسلان شاه بالسلطنة بتلك البلاد، وكان إيلدكز قد تزوج بأم أرسلان شاه، وهي أم البهلوان بن إيلدكز، وكان إيلدكز أتابكه، والبهلوان حاجبه، وهو أخوه لأمه، وكان إيلدكز هذا أحد مماليك السلطان مسعود، واشتراه في أول أمره، فلما ملك أقطعه أران وبعض أذربيجان، واتفق الحروب والاختلاف، فلم يحضر عنده أحد من السلاطين السلجوقية، وعظم شأنه وقوي أمره، وتزوج بأم الملك أرسلان شاه، فولدت له أولادا منهم البهلوان محمد، وقزل أرسلان عثمان، فلما خطب له بهمذان أرسل إيلدكز إلى بغداد يطلب الخطبة لأرسلان شاه أيضا، وأن تعاد القواعد إلى ما كانت عليه أيام السلطان مسعود، فأهين رسوله وأعيد إليه على أقبح حالة، وأما إينانج صاحب الري فإن إيلدكز راسله ولاطفه فاصطلحا وتحالفا على الاتفاق، وتزوج البهلوان بن إيلدكز بابنة إينانج ونقلت إليه بهمذان.
قتل السلطان سليمان شاه بن السلطان محمد بن ملكشاه، وسبب ذلك أنه كان فيه تهور وخرق، وبلغ به شرب الخمر حتى إنه شربها في رمضان نهارا، وكان يجمع المساخر ولا يلتفت إلى الأمراء، فأهمل العسكر أمره، وصاروا لا يحضرون بابه، وكان قد رد جميع الأمور إلى شرف الدين كردبازو الخادم، وهو من مشايخ الخدم السلجوقية، كان فيه دين وعقل وحسن تدبير، فكان الأمراء يشكون إليه السلطان وهو يسكنهم، فكتب سليمان شاه إلى إينانج صاحب الري يطلب منه أن ينجده على كردبازو، فوصل الرسول وإينانج مريض، فأعاد الجواب يقول: إذا أفقت من مرضي حضرت إليك بعسكري؛ فبلغ الخبر كردبازو، فازداد استيحاشا، فأرسل إليه سليمان يوما يطلبه، فقال: إذا جاء إينانج حضرت، وأحضر الأمراء واستحلفهم على طاعته، وكانوا كارهين لسليمان، فحلفوا له، فأول ما عمل أن قتل المساخرة الذين لسليمان، وقال: إنما أفعل ذلك صيانة لملكك؛ ثم اصطلحا، وعمل كردبازو دعوة عظيمة حضرها السلطان والأمراء، فلما صار السلطان سليمان شاه في داره قبض عليه كردبازو وعلى وزيره ابن القاسم محمود بن عبد العزيز الحامدي، وعلى أصحابه، في شوال سنة 555، فقتل وزيره وخواصه، وحبس سليمان شاه في قلعة، ثم أرسل إليه من خنقه؛ وقيل: بل حبسه في دار مجد الدين العلوي رئيس همذان، وفيها قتل، وقيل بل سقي سما فمات.
هو الملك علاء الدين الحسين بن الحسين الغوري ملك الغور، وكان عادلا من أحسن الملوك سيرة في رعيته، توفي بعد انصرافه عن غزنة، ولما مات ملك بعده ابنه سيف الدين محمد، وأطاعه الناس وأحبوه، وكان قد صار في بلادهم جماعة من دعاة الإسماعيلية، وكثر أتباعهم فأخرجوا من تلك الديار جميعها، ولم يبق فيها منهم أحد، وراسل الملوك وهاداهم، واستمال المؤيد، أي أبه صاحب نيسابور وطلب موافقته.
اجتمعت خفاجة إلى الحلة والكوفة، وطالبوا برسومهم من الطعام والتمر وغير ذلك، فمنعهم أمير الحاج أرغش، وهو مقطع الكوفة، ووافقه على قطعه الأمير قيصر شحنة الحلة، وهما من مماليك الخليفة، فأفسدت خفاجة، ونهبوا سواد الكوفة والحلة، فأسرى إليهم الأمير قيصر، شحنة الحلة، في مائتين وخمسين فارسا، وخرج إليه أرغش في عسكر وسلاح، فانتزحت خفاجة من بين أيديهم، وتبعهم العسكر إلى رحبة الشام، فأرسل خفاجة يعتذرون ويقولون: قد قنعنا بلبن الإبل وخبز الشعير، وأنتم تمنعوننا رسومنا، وطلبوا الصلح، فلم يجبهم أرغش وقيصر، وكان قد اجتمع مع خفاجة كثير من العرب، فتصافوا واقتتلوا، وأرسلت العرب طائفة إلى العسكر وخيامهم، فحالوا بينهم وبينها، وحمل العرب حملة منكرة، فانهزم العسكر، وقتل كثير منهم، وقتل الأمير قيصر، وأسرت جماعة أخرى، وجرح أمير الحاج جراحة شديدة، ودخل الرحبة، فحماه شيخها وأخذ له الأمان وسيره إلى بغداد، ومن نجا مات عطشا في البرية، وكان إماء العرب يخرجن بالماء يسقين الجرحى، فإذا طلبه منهن أحد من العسكر أجهزن عليه.
وكثر النوح والبكاء ببغداد على القتلى، وتجهز الوزير عون الدين بن هبيرة والعساكر معه، فخرج في طلب خفاجة، فدخلوا البر وخرجوا إلى البصرة، ولما دخلوا البر عاد الوزير إلى بغداد، وأرسل بنو خفاجة يعتذرون ويقولون: بغي علينا، وفارقنا البلاد، فتبعونا واضطررنا إلى القتال، وسألوا العفو عنهم، فأجيبوا إلى ذلك.
هو رستم بن علي بن شهريار بن قارن.
ملك مازندران.
كان ملكا شجاعا مخوفا، استولى على بسطام وقومس، واتسعت ممالكه، وكان شيعيا شديد التشيع, غزا بلاد ألموت فأوطأ الإسماعيلية ذلا، وخرب بلادهم، وسبى النساء والأولاد، وغنم، وخذلت الإسماعيلية في أيامه، وخربت عامة قراهم.
توفي في ثامن ربيع الأول، ولما توفي كتم ابنه الحسن بن علاء الدين موته أياما، حتى استولى على سائر الحصون والبلاد، ثم أظهره، فلما ظهر خبر وفاته أظهر إيثاق بن الحسن صاحب جرجان ودهستان المنازعة لوالده في الملك، ولم يرع حق أبيه عليه، ولم يحصل من منازعته على شيء غير سوء السمعة وقبح الأحدوثة.
نشبت الحرب بين قليج أرسلان بن مسعود صاحب قونية، وبين ياغي بسان بن دانشمند صاحب ملاطية، وكان سبب هذه الحرب أن قليج أرسلان تزوج ابنة سلدق بن علي بن أبي القاسم صاحب أرزروم، فسيرت العروس إلى قليج مع جهاز كبير، فأغار ياغي على مسيرة العروس واختطفها وما معها، وأمرها بالردة عن الإسلام لينفسخ زواجها من قليج أرسلان، ففعلت ثم عادت للإسلام؛ ليزوجها ياغي من ابن أخيه، فلما علم قليج بذلك جمع عساكره وسار إلى ملاطية، وقاتل صاحبها ياغي، فانهزم قليج والتجأ إلى ملك الروم يستنصره على ابن دانشمند، فرده ملك الروم بقوة وسيره إلى قتال ياغي، ولكن بلغه في الطريق وفاة ابن دانشمند فأغار على بلاده وملك بعضها، وخلف ابن دانشمند أخوه إبراهيم في إمارة ملاطية، وتم الصلح مع قليج على أن يستولي ذو النون بن محمد بن دانشمند على مدينة قيسارية، وأن يملك شاهنشاه أخو قليج أرسلان على مدينة أنكورية (أنقرة).
بنى الإسماعيلية قلعة بالقرب من قزوين، فقيل لشمس الدين إيلدكز عنها، فلم يكن له إنكار لهذه الحال؛ خوفا من شرهم وغائلتهم، فتقدموا بعد ذلك إلى قزوين فحصروها، وقاتلهم أهلها أشد قتال رآه الناس.