أثر الإخلاص في تبليغ الدعوة
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
أثر الإخلاص في تبليغ الدعوةالدعوة إلى الله من أعظم القُرُبات، ولا أحد أحسن قولًا مِمَّن دعا إلى الله؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33]، ولا شكَّ أنَّ تبليغ هذه الدعوة إلى الناس يحتاج إلى عزيمةٍ مستمرَّةٍ، وهِمَّةٍ عالِيَةٍ، كما فعل الرسل عليهم الصلاة والسلام، فهذا نوحٌ عليه السلام مكث في قومه ألف سنةٍ إلا خمسين عامًا يدعو قومه إلى عبادة الله وحده؛ قال سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 14]، وكذلك نبينا وأسوتنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لقي من قومه الكثير من الأذى، وكان الله تعالى يُنزل عليه الوحي بالأمر بالصبر، ويُذكِّره بإخوانه الذين صبروا من قبله، قال الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بعدما ذكر قصة نوحٍ عليه السلام مع قومه: ﴿ تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [هود: 49]؛ أي: "فاحمد الله، واشكره، واصبر على ما أنت عليه من الدين القويم، والصراط المستقيم، والدعوة إلى الله"[1]، وكذلك الداعية فإنه مأمورٌ بالصبر على ما يلاقيه في طريق الدعوة، وإنَّ أعظم ما يعينه على ذلك الإخلاص لله تعالى.
فإنَّ الإخلاص يمنح الداعية في تبليغ دعوته "قُوَّة روحيَّة عظيمة، مستمدة في سُمُوِّ الغاية التي أخلص لها نفسه، وحرَّرَ لها إرادته، وهو رضا الله ومثوبته، فإن الطامع في مال أو منصب أو لقب، ضعيف كلَّ الضَّعف إذا لاحت له بادرة أمل في تحقيق ما يطمع فيه من دنيا، ضعيف أمام الذين يملكون إعطاءه ما يَطمع إليه، ضعيف إذا خاف فوات مَغنم يرجُوه، أمَّا أصحاب الهِمَم العالية الذين باعوا أنفسهم لله تعالى، فتجدهم موصولين بالقوَّة والهِمَّة التي لا تضعف، والقدرة التي لا تعجِز، ولهذا كان في تجرُّدهم وإخلاصهم أقوى من كل قوَّةٍ ماديَّةٍ يراها الناس، فهؤلاء هم أصحاب الهِمَم العالية"[2].
ومن الأمثلة القريبة التي تُجَسِّد أثر الإخلاص في تبليغ الدعوة:
دعوة الشيخ عبدالرحمن السميط رحمه الله، فقد كان - والله حسيبه - مثلًا شامخًا في علوِّ الهِمَّة لتبليغ دعوة الإسلام، فكان رحمه الله يدعو إلى الإسلام في قارة إفريقيا، ويجد من المخاطر والمصاعب ما لا يتسع المجال هنا للحديث عنه، فكان يسير إلى القرى النائية ويخاطر بنفسه، كل هذا فقط من أجل أن يُبَلِّغَ الناسَ دين الله، وكان سببًا - بعد توفيق الله تعالى - في دخول الملايين من الناس في دين الإسلام.
ومن آثار الإخلاص في تبليغ الدعوة:
أنَّ الداعية المخلِص يدعو إلى الحق وليس إلى نفسه، فهو باحثٌ عن الحق متبعٌ له ثمَّ داعيًا إليه، فإن كان يدعو إلى شيء وهو يظن أنه على صواب، ثمَّ تَبَيَّنَ له أنَّ الحق في غير ما كان يدعو إليه، فلا يبرح إلَّا أن يُصَحِّحَ دعوته ويسلك الطريق المستقيم؛ لأنَّ دعوته خالصة لوجه الله تعالى، قاصدًا بها ما عند الله من الأجر الخالد، أمَّا من كانت نيَّته دخيلة، فإنَّه عندما يتعارض ما يدعو إليه مع الحق، ثم يتبيَّن له الصواب، فإنه يصعُبُ عليه تصحيح دعوته، وذلك بسبب أنها كانت منذ البداية لغير الله، فَصَعُبَ عليه قَبول الحق.
[1] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (2/ 752).
[2] الهمة في ضوء القرآن الكريم دراسة موضوعية لعبد العزيز بن سالم شامان الرُّويلي، نشر دار الصميعي (الرياض)، الطبعة الأولى 1436هـ، (107).