Warning: Undefined array key "sirA3lam" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73

Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73


بعد أن انتصر عقبة بن نافع في عدة مواقع في فتوحه في أفريقيا على البربر رأى أن يتخذ مدينة يكون بها عسكر المسلمين وأهلهم وأموالهم ليأمنوا من ثورة تكون من أهل البلاد، فقصد موضع القيروان، وكان أجمة مشتبكة بها من أنواع الحيوان، فأمر ببناء المدينة، فبنيت، وبنى المسجد الجامع، وبنى الناس مساجدهم ومساكنهم، وكان دورها ثلاثة آلاف باع وستمائة باع، وتم أمرها سنة خمس وخمسين وسكنها الناس، فكانت كمحطة دائمة للمجاهدين يبقون فيها مع أسرهم لا يشعرون بالغربة والسفر، وتكون منطلقهم إلى البلاد ليفتحوها.

وكان في أثناء عمارة المدينة يغزو ويرسل السرايا فتغير وتنهب، ودخل كثير من البربر في الإسلام، واتسعت خطة المسلمين، وقوي جنان من هناك من الجنود بمدينة القيروان، وأمنوا واطمأنوا على المقام فثبت الإسلام فيها.


هي صفية بنت حيي بن أخطب، من ولد هارون النبي صلى الله عليه وسلم، وأمها برة بنت سموأل أخت رفاعة، كانت تحت سلام بن مشكم القرظي، ثم خلف عليها كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، سباها النبي صلى الله عليه وسلم من خيبر وكانت عروسا، وأعتقها وتزوجها بعد مرجعه من خيبر، توفيت في المدينة ودفنت في البقيع رضي الله عنها وأرضاها.


فيها خرج أهل خراسان على المنصور مع الأستاذ سيس حتى اجتمع له فيما قيل ثلاثمئة ألف مقاتل من بين فارس وراجل، سائرهم من أهل هراة وباذغيس وسجستان، واستولى على أكثر خراسان، وعظم الخطب فنهض لحربه الأخثم المروروذي.

فقتل الأخثم واستبيح عسكره، فوجه المنصور- وهو بالراذان- خازم بن خزيمة إلى المهدي، فولاه المهدي محاربة أستاذ سيس وضم إليه القواد.

فسار حازم بن خزيمة في جيش عظيم فالتقى الجمعان وصبر الفريقان وقتل خلق كثير، حتى قيل إنه قتل في هذه الوقعة سبعون ألفا وأسروا أربعة عشر ألفا، وانهزم الأستاذ سيس في طائفة إلى جبل, ثم أمر حازم بالأسرى فضربت أعناقهم كلهم، وكانوا أربعة عشر ألفا، ثم حاصر أستاذ سيس مدة.

ثم نزل على حكمهم، فقيد هو وأولاده، ثم أعدم, وأطلق أصحابه، وكانوا ثلاثين ألفا.

وكتب إلى المهدي بذلك، فكتب المهدي إلى المنصور، وقيل إن أستاذ سيس ادعى النبوة وأظهر أصحابه الفسق وقطع السبيل.

وقيل: إنه جد الخليفة المأمون أبو أمه وهي مراجل بنت سيس كانت إحدى إيماء الرشيد أنجبت منه المأمون فقط.


هو الإمام، فقيه الملة، أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطى التيمي ولاء، فقيه العراق إمام الحنفية، أحد الأئمة الأربعة المشهورين أصحاب المذاهب المعروفة، يقال: إنه من أبناء الفرس ولد سنة 80, وكان حسن الوجه حسن المجلس، شديد الكرم حسن المواساة لإخوانه، وكان ربعة من الرجال، وقيل كان طوالا تعلوه سمرة، أحسن الناس منطقا وأحلاهم نغمة.

أدرك أبو حنيفة أربعة من الصحابة، رضوان الله عليهم وهم: أنس بن مالك وعبد الله بن أبي أوفى بالكوفة، وسهل بن سعد الساعدي بالمدينة، وأبو الطفيل عامر بن واثلة بمكة، ولم يلق أحدا منهم ولا أخذ عنه، وأصحابه يقولون: لقي جماعة من الصحابة وروى عنهم، ولم يثبت ذلك عند أهل النقل.

وقيل: أنه رأى أنس بن مالك، رضي الله عنه.

 وأخذ الفقه عن حماد بن أبي سليمان وسمع عطاء بن أبي رباح وهو أكبر شيخ له, وأبا إسحاق السبيعي ومحارب بن دثار والهيثم بن حبيب الصواف ومحمد بن المنكدر ونافعا مولى عبد الله بن عمر، وكان معروفا بالزهد والورع وكثرة العبادة، والوقار والإخلاص وقوة الشخصية، كثير التعطر، لا يتكلم إلا جوابا، ولا يخوض فيما لا يعنيه.

قال ابن المبارك: ما رأيت رجلا أوقر في مجلسه، ولا أحسن سمتا وحلما من أبي حنيفة.

كان خزازا يبيع الخز.

قيل لمالك: هل رأيت أبا حنيفة فقال: نعم، رأيت رجلا لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبا لقام بحجته.

لم يرض أن يلي القضاء لأحد، وطلبه المنصور للقضاء فأبى، وكان منها حبسه، وقيل: مات في الحبس ببغداد، قال إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة: "مررت مع أبي بالكناسة – موضع بالكوفة- فبكى، فقلت له: يا أبت ما يبكيك فقال: يا بني، في هذا الموضع ضرب ابن هبيرة أبي عشرة أيام، في كل يوم عشرة أسواط، على أن يلي القضاء، فلم يفعل".

وقيل: إنه توفي وهو يصلي.


كان ظهور أبي الحسين يحيى بن عمر بن يحيى بن حسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أنه أصابته فاقة شديدة فدخل سامرا فسأل وصيفا أن يجري عليه رزقا فأغلظ له القول، فرجع إلى أرض الكوفة فاجتمع عليه خلق من الأعراب، وخرج إليه خلق من أهل الكوفة، فنزل على الفلوجة، وقد كثر الجمع معه، فكتب محمد بن عبد الله بن طاهر نائب العراق إلى عامله يأمره بقتاله، وظهر أمره بالكوفة واستحكم بها، والتف عليه خلق من الزيدية وغيرهم، ثم خرج من الكوفة إلى سوادها ثم كر راجعا إليها، فتلقاه عبد الرحمن بن الخطاب الملقب وجه الفلس، فقاتله قتالا شديدا، فانهزم وجه الفلس، ودخل يحيى بن عمر الكوفة ودعا إلى الرضى من آل محمد، وقوي أمره جدا، وصار إليه جماعة كثيرة من أهل الكوفة، وتولاه أهل بغداد من العامة وغيرهم ممن ينسب إلى التشيع، وأحبوه أكثر من كل من خرج قبله من أهل البيت، وشرع في تحصيل السلاح وإعداد آلات الحرب وجمع الرجال، وقد هرب الحسين بن إسماعيل نائب الكوفة منها إلى ظاهرها، واجتمع إليه أمداد كثيرة من جهة الخليفة مع محمد بن عبد الله بن طاهر، واستراحوا وجمعوا خيولهم، فلما كان اليوم الثاني عشر من رجب، أشار من أشار على يحيى بن عمر ممن لا رأي له، أن يركب ويناجز الحسين بن إسماعيل ويكبس جيشه، فركب في جيش كثير من خلق من الفرسان والمشاة أيضا من عامة أهل الكوفة بغير أسلحة، فساروا إليهم فاقتتلوا قتالا شديدا في ظلمة آخر الليل، فما طلع الفجر إلا وقد انكشف أصحاب يحيى بن عمر، وقد تقنطر به فرسه، ثم طعن في ظهره فخر، فأخذوه وحزوا رأسه وحملوه إلى الأمير الحسين بن إسماعيل فبعثه إلى ابن طاهر، فأرسله إلى الخليفة من الغد مع رجل يقال له عمر بن الخطاب، أخي عبد الرحمن بن الخطاب، فنصب بسامرا ساعة من النهار ثم بعث به إلى بغداد فنصب عند الجسر، ولم يمكن نصبه من كثرة العامة فجعل في خزائن السلاح، وكان الخليفة قد وجه أميرا إلى الحسين بن إسماعيل نائب الكوفة، فلما قتل يحيى بن عمر دخلوا الكوفة فأراد ذلك الأمير أن يضع في أهلها السيف، فمنعه الحسين وأمن الأسود والأبيض، وأطفأ الله هذه الفتنة.


 هو أبو محمد زيادة الله بن محمد بن الأغلب بن إبراهيم بن الأغلب ولي أفريقية يوم وفاة أخيه أحمد أبو إبراهيم، في ذي القعدة، سنة 249هـ, وكان زيادة الله عاقلا حليما حسن السيرة جميل الأفعال، ذا رأي ونجدة وجود وشجاعة.

وهو الثاني ممن اسمه زيادة الله في بني الأغلب، وهو ثامن أمراء الأغالبة بأفريقية، واستمرت إمارته سنة وأياما، ثم تولى من بعده ابن أخيه محمد الثاني المعروف بأبي الغرانيق.


وثب أهل حمص وقوم من كلب، بعاملهم، وهو الفضل بن قارن أخو مازيار بن قارن، فقتلوه، فوجه المستعين إلى حمص موسى بن بغا الكبير، فلقيه أهلها فيما بين حمص والرستن، وحاربوه، فهزمهم، وافتتح حمص، وقتل من أهلها مقتلة عظيمة، وأحرقها وأسر جماعة من أعيان أهلها.


خرج الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب بناحية طبرستان، وكان سبب خروجه أنه لما قتل يحيى بن عمر أقطع المستعين لمحمد بن عبد الله بن طاهر طائفة من أرض تلك الناحية، فبعث كاتبا له يقال له جابر بن هارون، وكان نصرانيا، ليتسلم تلك الأراضي، فلما انتهى إليهم كرهوا ذلك جدا، وأرسلوا إلى الحسن بن زيد هذا، فجاء إليهم فبايعوه والتف عليه جملة الديلم وجماعة من الأمراء في تلك النواحي فركب فيهم ودخل آمل بطبرستان وأخذها قهرا، وجبى خراجها، واستفحل أمره جدا، ثم خرج منها طالبا لقتال سليمان بن عبد الله أمير تلك الناحية، فالتقيا هنالك فكانت بينهما حروب، ثم انهزم سليمان هزيمة منكرة، وترك أهله وماله ولم يرجع دون جرجان فدخل الحسن بن زيد سارية إحدى مدن طبرستان، فأخذ ما فيها من الأموال والحواصل، ثم سير أهل سليمان إليه مكرمين على مراكب، واجتمع للحسن بن زيد إمرة طبرستان بكمالها، ثم بعث إلى الري فأخذها وأخرج منها الطاهرية، وصار إلى جند همذان، ولما بلغ خبره المستعين بالله، اغتم لذلك جدا، واجتهد في بعض الجيوش والأمداد لقتال الحسن بن زيد.


أخذ ملك الروم رومانوس بن قسطنطين من المسلمين جزيرة أقريطش (كريت) من بلاد المغرب، وكان الذي افتتح أقريطش عمر بن شعيب، غزاها وافتتحها في حدود سنة ثلاثين ومائتين، وصارت في يد أولاده إلى هذا الوقت.


مرض معز الدولة بن بويه بانحصار البول، فقلق من ذلك وجمع بين صاحبه سبكتكين ووزيره الحسن المهلبي، وأصلح بينهما ووصاهما بولده بختيار خيرا، ثم عوفي من ذلك فعزم على الرحيل إلى الأهواز لاعتقاده أن ما أصابه من هذه العلة بسبب هواء بغداد ومائها، فأشاروا عليه بالمقام بها، وأن يبني بها دارا في أعلاها حيث الهواء أرق والماء أصفى، فبنى له دارا غرم عليه ثلاثة عشر ألف ألف درهم، فاحتاج لذلك أن يصادر بعض أصحابه، ويقال أنفق عليها ألفي ألف دينار.

قال ابن كثير: " ومات وهو يبني فيها ولم يسكنها، وقد خرب أشياء كثيرة من معالم الخلفاء ببغداد في بنائها، وكان مما خرب المعشوق من سر من رأى، وقلع الأبواب الحديد التي على مدينة المنصور والرصافة وقصورها، وحولها إلى داره هذه لا تمت فرحته بها، فإنه كان رافضيا خبيثا "


هو أمير المؤمنين، الناصر لدين الله، أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن الداخل عبد الرحمن، كان أبوه محمد ولي عهد والده عبد الله بن محمد، فقتله أخوه أبو القاسم المطرف، فقتله أبوهما به.

ولما قتل محمد، كان لابنه عبد الرحمن عشرون يوما.

وولي الخلافة بعد جده عبد الله.

قال ابن حزم: "كانت خلافته من المستطرف؛ لأنه كان شابا، وبالحضرة جماعة من أعمامه، وأعمام أبيه، فلم يعترض معترض عليه.

واستمر له الأمر وكان شهما صارما ".

نظر أهل الحل والعقد من يقوم بأمر الإسلام، فما وجدوا في شباب بني أمية من يصلح للأمر إلا عبدالرحمن بن محمد، فبايعوه، وطلب منهم المال فلم يجده، وطلب العدد فلم يجدها، فلم يزل السعد يخدمه إلى أن سار بنفسه لابن حفصون، فوجده مجتازا لوادي التفاح، ومعه أكثر من عشرين ألف فارس, فهزمه وأفلت ابن حفصون في نفر يسير، فتحصن بحصن مبشر.

ولم يزل عبد الرحمن يغزو حتى أقام العوج، ومهد البلاد، ووضع العدل، وكثر الأمن، ثم بعث جيشا إلى المغرب، فغزا سجلماسة، وجميع بلاد القبلة، وقتل ابن حفصون.

ولم تزل كلمته نافذة, وصارت الأندلس أقوى ما كانت وأحسنها حالا، وصفا وجهه للروم، وشن الغارات على العدو، وغزا بنفسه بلاد الروم اثنتي عشرة غزوة، ودوخهم، ووضع عليهم الخراج، ودانت له ملوكها، فكان فيما شرط عليهم اثنا عشر ألف رجل يصنعون في بناء الزهراء التي أقامها لسكناه على فرسخ من قرطبة.

كل من تقدم من آباء عبد الرحمن لم يتسم أحد منهم بإمرة المؤمنين، وإنما كانوا يخاطبون بالإمارة فقط، وفعل مثلهم عبد الرحمن إلى السنة السابعة والعشرين من ولايته، وكان قد تلقب بأمير المؤمنين لما رأى من ضعف الخلافة في بغداد, وظهور الشيعة العبيدية بالقيروان وادعائهم لقب الخلافة، وما آلت إليه البلاد من التفرق والتشتت، فرأى أنه أحق بإمرة المؤمنين فتسمى بأمير المؤمنين وخليفة المسلمين سنة 316، ولم يزل منذ ولي الأندلس يستنزل المتغلبين حتى صارت المملكة كلها في طاعته، وأكثر بلاد العدوة، وأخاف ملوك الطوائف حوله.

قال عبد الواحد المراكشي: " اتسعت مملكة الناصر، وحكم على أقطار الأندلس، وملك طنجة وسبتة وغيرهما من بلاد العدوة، وكانت أيامه كلها حروبا, وعاش المسلمون في آثاره الحميدة آمنين ".

وقد ابتدأ الناصر ببناء مدينة الزهراء في أول سنة خمس وعشرين وثلاثمائة، فكان يقسم دخل مملكته أثلاثا: فثلث يرصده للجند، وثلث يدخره في بيت المال، وثلث ينفقه في الزهراء, وكان دخل الأندلس خمسة آلاف ألف دينار وأربعمائة ألف وثمانين ألفا، ومن السوق والمستخلص سبعمائة ألف دينار وخمسة وستون ألفا.

ويقال: إن بناء الزهراء أكمل في اثنتي عشرة سنة، بألف بناء في اليوم، مع البناء اثنا عشر فاعلا.

حكى أبو الحسن الصفار: " أن يوسف بن تاشفين ملك المغرب لما دخل الزهراء، وقد خربت بالنيران والهدم، من تسعين سنة قبل دخوله إليها، وقد نقل أكثر ما فيها إلى قرطبة وإشبيلية، ونظر آثارا تشهد على محاسنها، فقال: الذي بنى هذه كان سفيها.

فقال أبو مروان بن سراج: كيف يكون سفيها وإحدى كرائمه أخرجت مالا في فداء أسارى في أيامه، فلم يوجد ببلاد الأندلس أسير يفدى ".

وقد افتتح سبعين حصنا -رحمه الله.

بدأ عبد الرحمن الناصر المرض وبقي فترة على ذلك، إلى أن توفي في هذه السنة في صدر رمضان، فكانت إمارته خمسين سنة وستة أشهر، ثم خلفه ابنه الحكم الذي تلقب بالمستنصر.


هو عبد الملك بن نوح الساماني صاحب خراسان وغزنة وما وراء النهر.

تولى حكم الدولة السامانية بعد والده, وكان في العاشرة من عمره، وكان ضعيف الهيبة ولم يقم بشيء للمحافظة على وحدة دولتهم، وكان سبب موته أنه سقط عن فرسه فوقع ميتا وافتتنت خراسان بعده، فقام بالأمر من بعده أخوه منصور بن نوح الساماني.

وفي عهد منصور بدأت الدولة في الضعف بسبب خروج بعض القادة عن طاعته، وازداد نفوذ البويهيين الذين امتلكوا أهم أقاليم الدولة السامانية.


فارق إبراهيم ينال الموصل نحو بلاد الجبل، فنسب السلطان طغرلبك رحيله إلى العصيان، فأرسل إليه رسولا يستدعيه، وكتب الخليفة إليه أيضا كتابا في المعنى، فرجع إبراهيم إلى السلطان، وهو ببغداد، ولما فارق إبراهيم الموصل قصدها البساسيري، وقريش بن بدران، وحاصراها، فملكا البلد, وبقيت القلعة، وبها الخازن، وأردم، وجماعة من العسكر، فحاصراها أربعة أشهر حتى أكل من فيها دوابهم، فخاطب ابن موسك صاحب إربل قريشا حتى أمنهم فخرجوا، فهدم البساسيري القلعة، وعفى أثرها، وكان طغرلبك قد فرق عسكره في النوروز، وبقي جريدة -الجريدة خيل لا رجالة فيها- في ألفي فارس حين بلغه الخبر، فسار إلى الموصل فلم يجد بها أحدا، وكان قريش والبساسيري قد فارقاها، فسار طغرلبك إلى نصيبين ليتتبع آثارهم ويخرجهم من البلاد، ففارقه أخوه إبراهيم ينال، وسار نحو همذان، فوصلها في السادس والعشرين من رمضان سنة 450هـ، وكان قد قيل: إن المصريين كاتبوه والبساسيري قد استماله وأطمعه في السلطنة والبلاد، فلما عاد إلى همذان سار طغرلبك في أثره.


هو الإمام العلامة، أقضى القضاة، أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب، الماوردي البصري، شيخ الشافعية، كان من وجوه الفقهاء الشافعية ومن كبارهم، أخذ الفقه عن أبي القاسم الصيمري بالبصرة، ثم عن الشيخ أبي حامد الإسفرايني ببغداد، صاحب التصانيف الكثيرة في الأصول والفروع والتفسير والأحكام السلطانية، وأدب الدنيا والدين، قال الماوردي: "بسطت الفقه في أربعة آلاف ورقة وقد اختصرته في أربعين" قال ابن الجوزي: "يريد بالمبسوط الحاوي، وبالمختصر الإقناع" كان أديبا حليما وقورا، متأدبا لم ير أصحابه ذراعه يوما من الدهر من شدة تحرزه وأدبه، وكان ثقة صالحا، حافظا للمذهب وله فيه كتاب "الحاوي الكبير" الذي لم يطالعه أحد إلا وشهد له بالتبحر والمعرفة التامة بالمذهب.

وفوض إليه القضاء ببلدان كثيرة، واستوطن بغداد في درب الزعفراني، وروى عنه الخطيب أبو بكر صاحب "تاريخ بغداد" وقال: كان ثقة.

وله من التصانيف غير "الحاوي" "تفسير القرآن الكريم"  و"النكت والعيون" و"أدب الدين والدنيا" و"الأحكام السلطانية" و"قانون الوزارة" و"سياسة الملك" و"الإقناع" في المذهب، وهو مختصر، وغير ذلك، وصنف في أصول الفقه والأدب وانتفع الناس به.

وقد ولي الحكم في بلاد كثيرة، وكان ذا حظوة عند الخليفة وعند بني بويه، توفي عن ست وثمانين سنة، ودفن بباب حرب.


وقعت زلزلة عظيمة بالعراق والموصل ووصلت إلى همذان، ولبثت ساعة، فخربت كثيرا من الدور، وهلك فيها جم غفير.


لما خرج طغرلبك من بغداد خلف أخيه إبراهيم ينال استغل الفرصة البساسيري، فلما كان يوم الأحد الثامن من ذي القعدة جاء إلى بغداد ومعه الرايات البيض المصرية العبيدية، وعلى رأسه أعلام مكتوب عليها اسم المستنصر بالله أبو تميم معد، أمير المؤمنين، فتلقاه أهل الكرخ الرافضة وسألوه أن يجتاز من عندهم، فدخل الكرخ وخرج إلى مشرعة الزاويا، فخيم بها والناس إذ ذاك في مجاعة وضر شديد، ونزل قريش بن بدران وهو شريك البساسيري في هذه الفتنة، في نحو من مائتي فارس على مشرعة باب البصرة، وكان البساسيري قد جمع العيارين وأطمعهم في نهب دار الخلافة، ونهب أهل الكرخ من الشيعة دور أهل السنة بباب البصرة، ونهبت دار قاضي القضاة الدامغاني، وتملك وهلك أكثر السجلات والكتب الحكمية، وبيعت للعطارين، ونهبت دور المتعلقين بخدمة الخليفة، وأعادت الروافض الأذان بحي على خير العمل، وأذن به في سائر نواحي بغداد في الجمعات والجماعات وخطب ببغداد للمستنصر العبيدي على منابرها، وضربت له السكة على الذهب والفضة، وحوصرت دار الخلافة، فدافع الوزير أبو القاسم بن المسلمة الملقب برئيس الرؤساء، بمن معه من المستخدمين دون دار الخلافة, فلم يفد ذلك شيئا، فركب الخليفة بالسواد والبردة، وعلى رأسه اللواء وبيده سيف مصلت، وحوله زمرة من العباسيين والجواري حاسرات عن وجوههن، ناشرات شعورهن، ومعهن المصاحف على رؤوس الرماح، وبين يديه الخدم بالسيوف، ثم إن الخليفة أخذ ذماما من أمير العرب قريش ليمنعه وأهله ووزيره ابن المسلمة، فأمنه على ذلك كله، وأنزله في خيمة، فلامه البساسيري على ذلك، وقال: قد علمت ما كان وقع الاتفاق عليه بيني وبينك، من أنك لا تبت برأي دوني، ولا أنا دونك، ومهما ملكنا بيني وبينك.

ثم إن البساسيري أخذ القاسم بن مسلمة فوبخه توبيخا مفضحا، ولامه لوما شديدا ثم ضربه ضربا مبرحا، واعتقله مهانا عنده، ونهبت العامة دار الخلافة، ثم اتفق رأي البساسيري وقريش على أن يسيروا الخليفة إلى أمير حديثة عانة، وهو مهارش بن مجلي الندوي، وهو من بني عم قريش بن بدران، وكان رجلا فيه دين وله مروءة، فلما بلغ ذلك الخليفة دخل على قريش أن لا يخرج من بغداد فلم يفد ذلك شيئا، وسيره مع أصحابهما في هودج إلى حديثة عانة، فكان عند مهارش حولا كاملا، وليس معه أحد من أهله، وأما البساسيري، وما اعتمده في بغداد، فإنه ركب يوم عيد الأضحى وألبس الخطباء والمؤذنين البياض، وكذلك أصحابه، وعلى رأسه الألوية العبيدية المصرية، وخطب للمستنصر العبيدي المصري، وانتقم البساسيري من أعيان أهل بغداد انتقاما عظيما، وغرق خلقا ممن كان يعاديه، وبسط على آخرين الأرزاق ممن كان يحبه ويواليه، وأظهر العدل، ثم إنه علق ابن المسلمة رئيس الرؤساء بكلوب في شدقيه، ورفع إلى الخشبة، إلى أن مات.


كانت وحشة مستحكمة بين ملك الروم، صاحب القسطنطينية، وبين بيمند الفرنجي؛ فسار بيمند إلى بلد ملك الروم ونهبه، وعزم على قصده، فأرسل ملك الروم إلى الملك قلج أرسلان بن سليمان صاحب قونية وأقصرا وغيرهما من تلك البلاد يستنجده، فأمده بجمع من عسكره، فقوي بهم وتوجه إلى بيمند، فالتقوا وتصافوا واقتتلوا، وصبر الفرنج بشجاعتهم، وصبر الروم ومن معهم لكثرتهم، ودامت الحرب، ثم أجلت الوقعة عن هزيمة الفرنج، وأتى القتل على أكثرهم، وأسر كثير منهم، والذين سلموا عادوا إلى بلادهم بالشام، وعاد عسكر قلج أرسلان إلى بلادهم عازمين على المسير إلى صاحبهم بديار الجزيرة، فأتاهم خبر قتله، فتركوا الحركة وأقاموا.


قام السلطان محمد بن ملكشاه بمحاصرة قلاع كثيرة من حصون الباطنية، فافتتح منها أماكن كثيرة، وقتل خلقا منهم، منها قلعة شاه دز بأصبهان حصينة كان أبوه السلطان جلال الدولة ملكشاه قد بناها بالقرب من أصبهان في رأس جبل منيع هناك، وكان سبب بنائه لها أنه كان مرة في بعض صيوده فهرب منه كلب فاتبعه إلى رأس الجبل فوجده، وكان معه رجل نصراني من رسل الروم، فقال الرومي: لو كان هذا الجبل ببلادنا لاتخذنا عليه قلعة، فحدا هذا الكلام السلطان إلى أن ابتنى في رأسه قلعة أنفق عليها ألف ألف دينار، ومائتي ألف دينار، ثم استحوذ عليها بعد ذلك رأس الباطنية ابن عطاش، فتعب المسلمون بسببها، فحاصرها السلطان محمد بن ملكشاه سنة حتى افتتحها وقتل ابن عطاش, ثم نقض السلطان محمد هذه القلعة حجرا حجرا، وألقت امرأة ابن عطاش نفسها من أعلى القلعة فتلفت، وهلك ما كان معها من الجواهر النفيسة، وكان الناس يتشاءمون بهذه القلعة، يقولون: كان دليلها كلبا، والمشير بها كافرا، والمتحصن بها زنديقا.


هو سلطان المغرب أبو يعقوب يوسف بن تاشفين بن إبراهيم بن ترقنت الصنهاجي اللمتوني المغربي البربري، الملقب بأمير المسلمين، وبأمير المرابطين، وبأمير الملثمين.

ولد سنة 430.

كان أحد من ملك البلاد ودانت بطاعته العباد، واتسعت ممالكه، وطال عمره.

وقل أن عمر أحد من ملوك الإسلام ما عمر.

تولى إمارة البربر واستولى على المغرب ثم الأندلس والسودان، وكان يخطب لبني العباس، وهو أول من تسمى بأمير المسلمين من المرابطين، ولم يزل على حاله وعزه وسلطانه إلى أن توفي سنة 500.

قال ابن خلدون: "تسمى يوسف بن تاشفين بأمير المسلمين، وخاطب الخليفة لعهده ببغداد، وهو أبو العباس أحمد المستظهر بالله العباسي، وبعث إليه عبد الله بن محمد بن العربي المعافري الإشبيلي وولده القاضي أبا بكر بن العربي الإمام المشهور، فتلطفا في القول وأحسنا في الإبلاغ وطلبا من الخليفة أن يعقد لأمير المسلمين بالمغرب والأندلس؛ فعقد له وتضمن ذلك مكتوبا من الخليفة منقولا في أيدي الناس، وانقلبا إليه بتقليد الخليفة وعهده على ما إلى نظره من الأقطار والأقاليم، وخاطبه الإمام الغزالي والقاضي أبو بكر الطرطوشي يحضانه على العدل والتمسك بالخير".

وإنما احتاج أمير المسلمين إلى التقليد من الخليفة المستظهر بالله مع أنه كان بعيدا عنه وأقوى شوكة منه؛ لتكون ولايته مستندة إلى الشرع، وهذا من ورعه، وإنما تسمى بأمير المسلمين دون أمير المؤمنين أدبا مع الخليفة حتى لا يشاركه في لقبه؛ لأن لقب أمير المؤمنين خاص بالخليفة, وكان أمير المسلمين حين ورد عليه التقليد من الخليفة ضرب السكة باسمه ونقش على الدينار لا إله إلا الله محمد رسول الله، وتحت ذلك أمير المسلمين يوسف بن تاشفين, وكتب على الصفحة الأخرى عبد الله أحمد أمير المؤمنين العباسي, وكان ملكه قد انتهى إلى مدينة أفراغة من قاصية شرق الأندلس، وإلى مدينة أشبونة على البحر المحيط من بحر الأندلس، وذلك مسيرة ثلاثة وثلاثين يوما طولا، وفي العرض ما يقرب من ذلك، وملك بعدوة المغرب من جزائر بني مذغنة إلى طنجة إلى آخر السوس الأقصى إلى جبال الذهب من بلاد السودان, ولم ير في بلد من بلاده ولا عمل من أعماله على طول أيامه رسم مكس ولا خراج، لا في حاضرة ولا في بادية إلا ما أمر الله به، وأوجب حكم الكتاب والسنة من الزكوات والأعشار وجزيات أهل الذمة وأخماس الغنائم, وقد جبى في ذلك من الأموال على وجهها ما لم يجبه أحد قبله.

يقال: إنه وجد في بيت ماله بعد وفاته ثلاثة عشر ألف ربع من الورق، وخمسة آلاف وأربعون ربعا من مطبوع الذهب, وكان زاهدا في زينة الدنيا وزهرتها، ورعا متقشفا، لباسه الصوف لم يلبس قط غيره، ومأكله الشعير ولحوم الإبل وألبانها مقتصرا على ذلك، لم ينقل عنه مدة عمره على ما منحه الله من سعة الملك وخوله من نعمة الدنيا، وقد رد أحكام البلاد إلى القضاة وأسقط ما دون الأحكام الشرعية، وكان يسير في أعماله بنفسه فيتفقد أحوال الرعية في كل سنة، وكان محبا للفقهاء وأهل العلم والفضل مكرما لهم صادرا عن رأيهم، يجري عليهم أرزاقهم من بيت المال، وكان مع ذلك حسن الأخلاق متواضعا كثير الحياء جامعا لخصال الخير.

هو الذي بنى مدينة مراكش في سنة خمس وستين وأربعمائة، اشتراها يوسف بماله الذي خرج به من الصحراء.

وكان في موضعها غابة من الشجر وقرية فيها جماعة من البربر، فاختطها وبنى بها القصور والمساكن الأنيقة, وهو الذي أخذ الأندلس من ملوك الطوائف وأسر المعتمد بن عباد في أغمات.
.

توفي في قصره بمراكش يوم الاثنين لثلاث خلون من المحرم, وعاش سبعين سنة ملك منها مدة خمسين سنة, وكان قد عهد بالإمرة من بعده لولده علي الذي بويع له ولقب بأمير المسلمين كذلك.


تسلم الأمير سيف الدولة صدقة بن منصور بن مزيد قلعة تكريت، وكانت لبني مقن العقيليين، ولما استقر السلطان محمد بعد موت أخيه بركيارق أقطعها للأمير أتسز البرسقي، فسار إليها وحصرها مدة تزيد على سبعة أشهر حتى تسلمها.


هو الرئيس أحمد بن عبد الملك بن عطاش العجمي طاغية الإسماعيلية.

كان أبوه من كبار دعاة الباطنية ومن أذكياء الأدباء، له بلاغة وسرعة جواب، استغوى جماعة ثم هلك، وخلفه في الرياسة ابنه أحمد، فكان جاهلا شجاعا مطاعا، تجمع له أتباع وتحيلوا حتى ملكوا قلعة شاه دز بأصبهان، وكان الباطنية بأصبهان قد ألبسوا ابن عطاش تاجا وجمعوا له أموالا، وصار له عدد كثير وبأس شديد، واستفحل أمره بالقلعة، فكان يرسل أصحابه لقطع الطريق، وأخذ الأموال، وقتل من قدروا على قتله، فلما صفت السلطنة لمحمد بن ملكشاه ولم يبق له منازع، لم يكن عنده أمر أهم من قصد الباطنية وحربهم، والانتصاف للمسلمين من جورهم وعسفهم، فرأى البداية بقلعة شاه دز بأصبهان التي بأيديهم؛ لأن الأذى بها أكثر، وهي متسلطة على سرير ملكه، فخرج بنفسه فحاصرهم في سادس شعبان.

وأطال عليها الحصار، ونزل بعض الباطنية بالأمان وساروا إلى باقي قلاعهم، وبقي ابن عطاش مع جماعة يسيرة، فزحف السلطان عليه وقتله وقتل جماعة كثيرة من الباطنية، ثم أمر السلطان محمد بسلخ ابن عطاش وحشي جلده تبنا وقطع رأسه، وطيف به في الأقاليم.


جمع بغدوين ملك الفرنج عسكره وقصد مدينة صور وحصرها، وأمر ببناء حصن عندها على تل المعشوقة، وأقام شهرا محاصرا لها فصانعه واليها على سبعة آلاف دينار، فأخذها ورحل عن المدينة، وقصد مدينة صيدا، فحصرها برا وبحرا ونصب عليها البرج الخشب، فوصل الأسطول من مصر للدفع عنها، والحماية لمن فيها، وقاتلوا الفرنج، فظهر المسلمون عليهم، فبلغهم أن عسكر دمشق خارج في نجدة صيدا، فرحل الأسطول عائدا إلى مصر بغير فائدة.


كان محمد بن عبد الله بن تومرت البربري المصمودي الهرغي، الخارج بالمغرب، المدعي أنه علوي حسني، وأنه الإمام المعصوم- من أهل جبل السوس من بلاد المغرب.

رحل ابن تومرت إلى بلاد المشرق في طلب العلم، وأتقن علم الأصولين والعربية، والفقه والحديث، واجتمع بالغزالي والكيا الهراسي في العراق، واجتمع بأبي بكر الطرطوشي بالإسكندرية، وقيل إنه لم يجتمع بالغزالي.

ثم حج ابن تومرت وعاد إلى المغرب، وكان شجاعا فصيحا في لسان العربي والمغربي، شديد الإنكار على الناس فيما يخالف الشرع، لا يقنع في أمر الله بغير إظهاره.

وكان مطبوعا على الالتذاذ بذلك متحللا للأذى من الناس بسببه، وناله بمكة شيء من المكروه من أجل ذلك، فخرج منها إلى مصر وبالغ في الإنكار، فزادوا في أذاه وطردته الدولة، وكان إذا خاف من بطش وإيقاع الفعل به خلط في كلامه فينتسب إلى الجنون، فخرج من مصر إلى الإسكندرية، وركب البحر متوجها إلى بلاده.

ولما وصل إلى قرية اسمها ملالة بالقرب من بجاية اتصل به عبد المؤمن بن علي الكومي، وتفرس ابن تومرت النجابة في عبد المؤمن وسار معه، وتلقب ابن تومرت بالمهدي.

واستمر المهدي على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووصل إلى مراكش وشدد في النهي عن المنكرات، وكثرت أتباعه وحسنت ظنون الناس به، ولما اشتهر أمره استحضره أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين بحضرة الفقهاء فناظرهم وقطعهم، وأشار بعض وزراء علي بن يوسف بن تاشفين عليه بقتل ابن تومرت المهدي أو حبسه، وقال: والله ما غرضه النهي عن المنكر والأمر بالمعروف، بل غرضه التغلب على البلاد، فلم يقبل علي ذلك.

ذكر ابن خلكان شأن ابن تومرت فقال: "خرج محمد بن تومرت من مصر في زي الفقهاء بعد الطلب بها وبغيرها, ولما وصل إلى المهدية نزل في مسجد معلق، وهو على الطريق، وجلس في طاق شارع إلى المحجة ينظر إلى المارة، فلا يرى منكرا من آلة الملاهي أو أواني الخمر إلا نزل إليها وكسرها، فتسامع به الناس في البلد، فجاؤوا إليه، وقرؤوا عليه كتبا من أصول الدين، وبلغ خبره الأمير يحيى، فاستدعاه مع جماعة من الفقهاء، فلما رأى سمته وسمع كلامه أكرمه وأجله وسأله الدعاء، فقال له: أصلح الله لرعيتك، ولم يقم بعد ذلك بالمهدية إلا أياما يسيرة، ثم انتقل إلى بجاية، وأقام بها مدة وهو على حاله في الإنكار" فسار المهدي إلى أغمات ولحق بالجبل واجتمع عليه الناس وعرفهم أنه هو المهدي الذي وعد النبي صلى الله عليه وسلم بخروجه، فكثرت أتباعه واشتدت شوكته، وقام إليه عبد المؤمن بن علي في عشرة أنفس، وقالوا له: أنت المهدي، وبايعوه على ذلك وتبعهم غيرهم، فأرسل أمير المسلمين علي إليه جيشا فهزمه المهدي وقويت نفوس أصحابه، وأقبلت إليه القبائل يبايعونه، وعظم أمره، وتوجه إلى جبل عند تينمليل واستوطنه، ثم إن المهدي رأى من بعض جموعه قوما خافهم.

قال الذهبي: "قال ابن تومرت لأصحابه: إن الله أعطاني نورا أعرف به أهل الجنة من أهل النار، وجمع الناس إلى رأس جبل، وجعل يقول عن كل من يخافه: هذا من أهل النار، فيلقى من رأس الشاهق ميتا، وكل من لا يخافه: هذا من أهل الجنة ويجعله عن يمينه، حتى قتل خلقا كثيرا واستقام أمره وأمن على نفسه.

وقيل: إن عدة الذين قتلهم سبعون ألفا" وسمى عامة أصحابه الداخلين في طاعته الموحدين، ولم يزل أمر ابن تومرت المهدي يعلو إلى أن توفي سنة 524.


هو السلطان أبو يحيى تميم بن المعز بن باديس بن المنصور بن بلكين بن زيري بن مناد الحميري الصنهاجي، ملك إفريقية بعد أبيه.

كان ملكا جليلا شهما، شجاعا ذكيا، مهيبا فاضلا، شاعرا جوادا فصيحا, حليما كثير العفو عن الجرائم العظيمة، وله معرفة حسنة، وله شعر حسن, كان حسن السيرة، محبا للعلماء، قصده الشعراء من النواحي.

ولد سنة 422، ولم يزل بالمهدية منذ ولاه أبوه إياها من صفر سنة خمس وأربعين إلى أن توفي أبوه, وكان له في البلاد أصحاب أخبار يجري عليهم أرزاقا سنية ليطالعوه بأحوال أصحابه؛ لئلا يظلموا الناس.

ولما توفي كان عمره تسعا وسبعين سنة، وكانت ولايته ستا وأربعين سنة وعشرة أشهر وعشرين يوما، وخلف من الذكور ما يزيد على مائة، ومن البنات ستين بنتا، ولما توفي ملك بعده ابنه يحيى بن تميم.


هو الأمير سيف الدولة صدقة بن بهاء الدولة منصور بن ملك العرب دبيس بن علي بن مزيد الأسدي، الناشري العراقي صاحب الحلة السيفية.

كان يتشيع هو وأهل بيته، ويقال له ملك العرب.

وكان ذا بأس وسطوة، كريما ذا ذمام، عفيفا من الزنا والفواحش، كأن عليه رقيبا من الصيانة، ولم يتزوج على زوجته قط ولا تسرى، وقيل: إنه لم يشرب مسكرا ولا سمع غناء ولا قصد التسوق في طعام، ولا صادر أحدا من أصحابه، وكان تاريخ العرب الأماجد كرما ووفاء، وكانت داره ببغداد حرم الخائفين.

اختط مدينة الحلة في سنة خمس وتسعين وأربع مائة، وسكنها الشيعة، وكان قد عظم شأن صدقة، وعلا قدره، واتسع جاهه، واستجار به صغار الناس وكبارهم، فأجابهم، وكان كثير العناية بأمور السلطان محمد، والتقوية ليده، والشد منه على أخيه بركيارق، حتى إنه جاهر بركيارق بالعداوة، ولم يبرح على مصافاة السلطان محمد، وزاده محمد إقطاعا، من جملته مدينة واسط، وأذن له في أخذ البصرة.

ثم أفسد ما بينهما العميد أبو جعفر محمد بن الحسين البلخي، ثم إنه تعدى ذلك حتى طعن في اعتقاده، ونسبه وأهل بلده إلى مذهب الباطنية، وقيل: إنما كان مذهبه التشيع لا غير، ووافق أرغون السعدي أبا جعفر العميد، وأما سبب قتله فإن السلطان محمدا قد سخط على أبي دلف سرخاب بن كيخسرو، صاحب ساوة وآبة، فهرب منه وقصد صدقة فاستجار به فأجاره، فأرسل السلطان يطلب من صدقة أن يسلمه إلى نوابه، فلم يفعل، وظهر منه أمور أنكرها السلطان, فأنفذ الخليفة المستظهر بالله إلى صدقة ينهاه عن الخروج على السلطان، وترددت الرسل بين الخليفة وصدقة, فما سمع صدقة، واجتمع له عشرون ألف فارس، وثلاثون ألف راجل، فتوجه السلطان إلى العراق ليتلافى هذا الأمر، فالتقى الجمعان عند النعمانية، فرشقتهم عساكر السلطان بالسهام، فجرحت خيولهم، ثم ولوا، وبقي صدقة يجول بنفسه، فجرح فرسه المهلوب، وكان عديم المثل، وهرب وزيره على فرس له، فناداه، فما ألوى عليه، ثم جاءته ضربة سيف في وجهه، وقتل صدقة، وحمل رأسه إلى بغداد.

وقتل من أصحابه ما يزيد على ثلاثة آلاف فارس، فيهم جماعة من أهل بيته، وأسر ابنه دبيس ووزيره وعدة من أهله، وكان عمره تسعا وخمسين سنة، وكانت إمارته إحدى وعشرين سنة، وحمل فدفن في مشهد الحسين عليه السلام, ثم عاد السلطان إلى بغداد، ولم يصل إلى الحلة، وأرسل إلى البطيحة أمانا لزوجة صدقة، وأمرها بالظهور فأصعدت إلى بغداد، فأطلق السلطان ابنها دبيسا، وأنفذ معه جماعة من الأمراء إلى لقائها.


كان حصن عرقة، وهو من أعمال طرابلس، بيد غلام للقاضي فخر الملك أبي علي بن علي بن عمار، صاحب طرابلس، وهو من الحصون المنيعة، فعجز غلام ابن عمار عن حمايته، فضاق به القوت وانقطعت عنه الميرة؛ لطول مكث الفرنج في نواحيه، فأرسل إلى أتابك طغتكين، صاحب دمشق، وقال له: أرسل من يتسلم هذا الحصن مني؛ قد عجزت عن حفظه، ولأن يأخذه المسلمون خير لي دنيا وآخرة من أن يأخذه الفرنج.

فبعث إليه طغتكين صاحبا له اسمه إسرائيل في ثلاثمائة رجل، فتسلم الحصن، فلما نزل غلام ابن عمار منه رماه إسرائيل في الأخلاط بسهم فقتله، وكان قصده بذلك ألا يطلع أتابك طغتكين على ما خلفه بالقلعة من المال، وأراد طغتكين قصد الحصن للاطلاع عليه، وتقويته بالعساكر والأقوات وآلات الحرب، فنزل الغيث والثلج مدة شهرين ليلا ونهارا فمنعه، فلما زال ذلك سار في أربعة آلاف فارس ففتح حصونا للفرنج، منها حصن الأكمة.

فلما سمع السرداني الفرنجي ابن أخت صنجيل بمجيء طغتكين، وهو على حصار طرابلس، توجه في ثلاثمائة فارس، فلما أشرف أوائل أصحابه على عسكر طغتكين انهزموا، وخلوا ثقلهم ورحلهم ودوابهم للفرنج، فغنموا وقووا به، وزاد في تجملهم، ووصل المسلمون إلى حمص على أقبح حال من التقطع، ولم يقتل منهم أحد لأنه لم تجر حرب، وقصد السرداني إلى عرقة، فلما نازلها طلب من كان بها الأمان، فأمنهم على نفوسهم، وتسلم الحصن، فلما خرج من فيه قبض على إسرائيل، وقال: لا أطلقه إلا بإطلاق فلان، وهو أسير كان بدمشق من الفرنج منذ سبع سنين، ففودي به وأطلقا معا، ولما وصل طغتكين إلى دمشق بعد الهزيمة أرسل إليه ملك القدس يقول له: لا تظن أنني أنقض الهدنة للذي تم عليك من الهزيمة، فالملوك ينالهم أكثر مما نالك، ثم تعود أمورهم إلى الانتظام والاستقامة، وكان طغتكين خائفا أن يقصده بعد هذه الكسرة فينال من بلده كل ما أراد.


حدثت حرب شديدة بين طغتكين أتابك دمشق -أتابك يعني الأمير الوالد- والفرنج، وسببها أن طغتكين سار إلى طبرية، وقد وصل إليها ابن أخت بغدوين الفرنجي، ملك القدس، فتحاربا واقتتلا، وكان طغتكين في ألفي فارس وكثير من الرجالة، وكان ابن أخت ملك الفرنج في أربعمائة فارس وألفي راجل، فلما اشتد القتال انهزم المسلمون، فترجل طغتكين ونادى بالمسلمين وشجعهم، فعاودوا الحرب وكسروا الفرنج، وأسروا ابن أخت الملك، وحمل إلى طغتكين، فعرض طغتكين عليه الإسلام فامتنع منه، وبذل في فداء نفسه ثلاثين ألف دينار، وإطلاق خمسمائة أسير، فلم يقنع طغتكين منه بغير الإسلام، فلما لم يجب قتله بيده، وأرسل إلى الخليفة والسلطان الأسرى، ثم اصطلح طغتكين وبغدوين ملك الفرنج على وضع الحرب أربع سنين.


تطلع علي بن يوسف بن تاشفين إلى القضاء على مقاومة النصارى وخاصة ألفونسو السادس صاحب طليطلة الذي أصبح يغير على أطراف بلاد المسلمين في الأندلس بعد وفاة يوسف بن تاشفين، فولى أخاه تميما على غرناطة وجعله قائد جيش المرابطين في الأندلس، ثم قام تميم بمحاربة ألفونسو في معركة أقليش التي تعتبر من أكبر المعارك بعد الزلاقة، واستطاع تميم أن ينتصر على ألفونسو الذي قتل ابنه في هذه المعركة، كما قتل قائد جيشه ومعظم من كان معه من الأمراء ونحو عشرة آلاف من الجنود، وهذا الانتصار قوى من عزيمة علي للمسير إلى الأندلس للقضاء على شأفة النصارى فيها، حتى سار في السنة التالية وافتتح ثمانية وعشرين حصنا.


كان الصليبيون هاجموا دمشق من جهة الشمال عام 497 ولكنهم هزموا، وأسر أمير الرها الصليبي، غير أنهم استطاعوا في العام نفسه أن يدخلوا حصن أفاميا.

بدعم من العبيديين في أول الأمر لما وجدوا في الصليبيين حلفاء طبيعيين ضد السلاجقة خصومهم، واتفقوا معهم على أن يحكموا شمالي بلاد الشام ويتركوا لهم حكم جنوبها، ولما دخل الصليبيون بيت المقدس أحسوا بشيء من النصر فتابعوا تقدمهم واصطدموا بالعبيديين، وبدأت الخلافات بينهما؛ فالعبيديون قاتلوا الصليبيين دفاعا عن مناطقهم في جنوب الشام وخوفا على أنفسهم، ولم يقاتلوهم دفاعا عن الإسلام وحماية لأبنائه، ولو استمر الصليبيون في اتفاقهم مع العبيديين لكان من الممكن أن يتقاسموا وإياهم ديار الإسلام.

لقد استقبل سكان البلاد من النصارى والأرمن الصليبيين استقبالا حارا ورحبوا بهم ترحيبا كبيرا، وقد ظهر هذا في أثناء دخولهم أنطاكية وبيت المقدس،كما قد دعموهم في أثناء وجودهم في البلاد وقدموا لهم كل المساعدات، وقاتلوا المسلمين، وكانوا عيونا عليهم للصليبيين, وتشكلت إمارات صليبية في بلاد الشام، وهي: إمارة في الرها، إمارة بيت المقدس، إمارة أنطاكية، ولم يجد الصليبيون الأمن والاستقرار في بلاد الشام في المناطق التي سيطروا عليها وشكلوا فيها إمارات رغم انتصارهم؛ إذ كان السكان المسلمون ينالون منهم كلما سنحت لهم الفرصة، كما يغير عليهم الحكام المسلمون في سبيل إخراجهم من البلاد، ودفاعا عن عقائدهم ومقدساتهم التي كان الصليبيون ينتهكونها.


لما استولى جاولي سقاوو على الموصل وعلى الأموال الكثيرة منها، لم يحمل إلى السلطان منها شيئا، فلما وصل السلطان إلى بغداد لقصد بلاد سيف الدولة صدقة، أرسل إلى جاولي يستدعيه إليه بالعساكر، وكرر الرسل إليه، فلم يحضر، وغالط في الانحدار إليه، وأظهر أنه يخاف أن يجتمع به، ولم يقنع بذلك حتى كاتب صدقة، وأظهر له أنه معه، فلما فرغ السلطان من أمر صدقة وقتله، أرسل مجموعة من أمرائه الكبار على رأسهم مودود بن طغتكين إلى الموصل، وبلاد جاولي، وأخذها منه، فتوجهوا نحو الموصل فوجدوا جاولي عاصيا قد استعد للحصار وحبس الأعيان وخرج عن البلد ونهب السواد.

فطال الحصار على أهلها من خارج، والظلم من داخل إلى آخر المحرم، والجند بها يمنعون القرب من السور.

فلما طال الأمر على الناس خرج بعض الحامية من فرجة من السور وأدخلوا منها مودودا وعساكره، فملكوا البلد, فلما دخله الأمير مودود نودي بالسكون والأمن، وأن يعود الناس إلى دورهم وأملاكهم، وولي مودود الموصل وما ينضاف إليها.