Warning: Undefined array key "sirA3lam" in /home/islamarchive/public_html/templates_c/de60317a0aa5dfb9a79b14e903fd786c87183139_0.file.history.tpl.php on line 73
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchive/public_html/templates_c/de60317a0aa5dfb9a79b14e903fd786c87183139_0.file.history.tpl.php on line 73
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchive/public_html/templates_c/de60317a0aa5dfb9a79b14e903fd786c87183139_0.file.history.tpl.php on line 73
بايع أهل بغداد إبراهيم بن المهدي بالخلافة، ولقبوه المبارك، وخلعوا المأمون، وبايعه سائر بني هاشم، فكان المتولي لأخذ البيعة المطلب بن عبدالله بن مالك، فكان الذي سعى في هذا الأمر السندي، وصالحا صاحب المصلى، ونصيرا الوصيف، وغيرهم؛ غضبا على المأمون حين أراد إخراج الخلافة من ولد العباس، ولتركه لباس آبائه من السواد.
فلما فرغ من البيعة وعد الجند رزق ستة أشهر، ودافعهم بها فشغبوا عليه، فأعطاهم لكل رجل مائتي درهم، وكتب لبعضهم إلى السواد بقية مالهم حنطة وشعيرا فخرجوا في قبضها فانتهبوا الجميع، وأخذوا نصيب السلطان وأهل السواد، واستولى إبراهيم على الكوفة والسواد جميعه، وعسكر بالمدائن، واستعمل على الجانب الغربي من بغداد العباس بن موسى الهادي، وعلى الجانب الشرقي منها إسحاق بن موسى الهادي.
عز على علماء الأندلس انتهاك الحكم بن هشام للحرمات، وأتمروا ليخلعوه، ثم جيشوا لقتاله، وجرت بالأندلس فتنة عظيمة على الإسلام وأهله- فلا قوة إلا بالله- فلما هم العلماء بخلع الحكم، قالوا: إنه غير عدل، ونكثوه في نفوس العوام، وزعموا أنه لا يحل المكث ولا الصبر على هذه السيرة الذميمة، وكان ممن تقدم العلماء في الدعوة لخلع الحكم بن هشام يحيى بن يحيى الليثي، وطالوت المعافري, وعول أهل العلم على تقديم أحد أهل الشورى بقرطبة، وهو أبو الشماس أحمد بن المنذر بن عبدالرحمن الداخل ابن عم الحكم بن هشام؛ لما عرفوا من صلاحه وعقله، ودينه، فقصدوه، وعرفوه بالأمر، فأبدى الميل إليهم والبشرى بهم، وقال لهم: أنتم أضيافي الليلة؛ فإن الليل أستر.
وناموا، وقام هو إلى ابن عمه الحكم، فأخبره بشأنهم، فاغتاظ لذلك، وقال: جئت لسفك دمي أو دمائهم، وهم أعلام، فمن أين نتوصل إلى ما ذكرت? فقال: أرسل معي من تثق به ليتحقق.
فوجه من أحب، فأدخلهم أحمد في بيته تحت ستر، ودخل الليل، وجاء القوم، فقال: خبروني من معكم? فقالوا: فلان الفقيه، وفلان الوزير.
وعدوا كبارا، والكاتب يكتب حتى امتلأ الرق، فمد أحدهم يده وراء الستر، فرأى القوم، فقام وقاموا، وقالوا: فعلتها يا عدو الله.
فمن فر لحينه نجا، ومن لا، قبض عليه، فكان ممن فر: عيسى بن دينار الفقيه، ويحيى بن يحيى الفقيه صاحب مالك، وقرعوس بن العباس الثقفي, وقبض على ناس كمالك بن يزيد القاضي، وموسى بن سالم الخولاني، ويحيى بن مضر الفقيه، وأمثالهم من أهل العلم والدين، في سبعة وسبعين رجلا، فضربت أعناقهم وصلبوا, وأضاف إليهم الحكم عميه؛ كليبا وأمية، فصلبا، وأحرق القلوب عليهم، وسار بأمرهم الرفاق، وعلم الحكم أنه محقود من الناس كلهم، فأخذ في جمع الجنود والحشم، وتهيأ، وأخذت العامة في الهياج، واستأسد الناس، وتنمروا، وتأهبوا.
واستفحل الشر.
أقبل المأمون من خراسان قاصدا العراق، وذلك أن علي بن موسى الرضا أخبر المأمون بما الناس فيه من الفتن والاختلاف بأرض العراق، وبأن الهاشميين قد أنهوا إلى الناس بأن المأمون مسحور ومسجون، وأنهم قد نقموا عليك ببيعتك لعلي بن موسى، وأن الحرب قائمة بين الحسن بن سهل وبين إبراهيم بن المهدي.
فاستدعى المأمون جماعة من أمرائه وأقربائه فسألهم عن ذلك فصدقوا عليا فيما قال، بعد أخذهم الأمان منه، وقالوا له: إن الفضل بن سهل حسن لك قتل هرثمة بن أعين، وقد كان ناصحا لك.
فعاجله بقتله، وإن طاهر بن الحسين مهد لك الأمور حتى قاد إليك الخلافة بزمامها فطردته إلى الرقة، فقعد لا عمل له ولا تستنهضه في أمر، وإن الأرض تفتقت بالشرور والفتن من أقطارها، فلما تحقق ذلك المأمون أمر بالرحيل إلى بغداد، وقد فطن الفضل بن سهل بما تمالأ عليه أولئك الناصحون، فضرب قوما ونتف لحى بعضهم.
وسار المأمون فلما كان بسرخس عدا قوم على الفضل بن سهل وزير المأمون (ذو الرياستين ) وهو في الحمام، فقتلوه بالسيوف، وله ستون سنة، فبعث المأمون في آثارهم فجيء بهم وهم أربعة من المماليك فقتلهم وكتب إلى أخيه الحسن بن سهل يعزيه فيه، وولاه الوزارة مكانه، وارتحل المأمون من سرخس يوم عيد الفطر نحو العراق، وإبراهيم بن المهدي بالمدائن، وفي مقابلته جيش يقاتلونه من جهة المأمون.
من أشهر الثورات التي قمعها الحكم بن هشام ثورة الربض، وهم قوم كانوا يعيشون في إحدى ضواحي قرطبة، وقد ثار أهلها ثورة كبيرة جدا عليه؛ بسبب ما عرف عنه من معاقرة الخمر، وتشاغله باللهو والصيد، وقد زاد من نقمة الشعب عليه قتله لجماعة من أعيان قرطبة، فكرهه الناس, وصاروا يتعرضون لجنده بالأذى والسب، فشرع في تحصين قرطبة وعمارة أسوارها وحفر خنادقها، وارتبط الخيل على بابه، واستكثر المماليك، ورتب جمعا لا يفارقون باب قصره بالسلاح، فزاد ذلك في حقد أهل قرطبة، وتيقنوا أنه يفعل ذلك للانتقام منهم.
ثم وضع عليهم عشر الأطعمة كل سنة، من غير خرص، فكرهوا ذلك، ثم عمد إلى عشرة من رؤساء سفهائهم، فقتلهم، وصلبهم، فهاج لذلك أهل الربض، وتداعى أهل قرطبة من أرباضهم وتألبوا بالسلاح وقصدوا القصر، فكان أول من شهر السلاح أهل الربض، واجتمع أهل الربض جميعهم بالسلاح، واجتمع الجند والأمويون والعبيد بالقصر، وفرق الحكم الخيل والأسلحة، وجعل أصحابه كتائب، ووقع القتال بين الطائفتين، فغلبهم أهل الربض، وأحاطوا بقصره، فنزل الحكم من أعلى القصر، ولبس سلاحه، وركب وحرض الناس، فقاتلوا بين يديه قتالا شديدا.
ثم أمر ابن عمه عبيد الله، فثلم في السور ثلمة، وخرج منها ومعه قطعة من الجيش، وأتى أهل الربض من وراء ظهورهم، ولم يعلموا بهم، فأضرموا النار في الربض، وانهزم أهله، وقتلوا مقتلة عظيمة، وأخرجوا من وجدوا في المنازل والدور، فأسروهم، فانتقى من الأسرى ثلاثمائة من وجوههم، فقتلهم، وصلبهم منكسين، وأقام النهب والقتل والحريق والخراب في أرباض قرطبة ثلاثة أيام.
ثم استشار الحكم عبد الكريم بن عبد الواحد بن عبد المغيث، فأشار عليه بالصفح عنهم والعفو، وأشار غيره بالقتل، فقبل قوله، وأمر فنودي بالأمان، على أنه من بقي من أهل الربض بعد ثلاثة أيام قتلناه وصلبناه؛ فخرج من بقي بعد ذلك منهم مستخفيا، وتحملوا على الصعب والذلول خارجين من حضرة قرطبة بنسائهم وأولادهم، وما خف من أموالهم، وقعد لهم الجند والفسقة بالمراصد ينهبون، ومن امتنع عليهم قتلوه.
فلما انقضت الأيام الثلاثة أمر الحكم بكف الأيدي عن حرم الناس، وجمعهن إلى مكان، وأمر بهدم الربض القبلي.
فكانت وقعة هائلة شنيعة، قتل فيها عدد كثير زهاء أربعين ألفا من أهل الربض، وعاينوا البلاء وهدمت ديارهم ومساجدهم، ونزل منهم ألوف بطليطلة وخلق في الثغور، وجاز آخرون البحر ونزلوا بلاد البربر، ومنهم من نزل بالإسكندرية في مصر.
وكان بزيع مولى أمية ابن الأمير عبد الرحمن بن معاوية بن هشام محبوسا في حبس الدم بقرطبة، في رجليه قيد ثقيل، فلما رأى أهل قرطبة قد غلبوا الجند سأل الحرس أن يفرجوا له، فأخذوا عليه العهود إن سلم أن يعود إليهم، وأطلقوه، فخرج فقاتل قتالا شديدا لم يكن في الجيش مثله، فلما انهزم أهل الربض عاد إلى السجن، فانتهى خبره إلى الحكم، فأطلقه وأحسن إليه.