تقويم رجال الإسلام في العصر الحاضر


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وحبيبه وخليله وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

إخوتي الكرام، عنوان هذه المحاضرة هو: (ملاحظات حول تقويم رجال الإسلام في هذا العصر).

والمقصود بتقويم الرجال هو بيان قيمتهم ومقدارهم, وقد يستعمل بعض الناس لهذا المعنى كلمة تقييم، ولكن بعض اللغويين يرون أن هذه الكلمة خطأ، وأن الصواب هو التقويم، وهذا هو المطرد مع القواعد.

المهم أن ندرك أن الله عز وجل قيض لهذا الدين في كل عصر من يقوم به, ووعد بذلك في كتابه وعلى لسان رسوله، يقول الله عز وجل: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [التوبة:33] وهذا وعد قائم إلى قيام الساعة؛ ليظهره على الدين كله, وظهور دين الإسلام على الأديان كلها يشمل عدة أمور، منها:

الظهور بالحجة والبيان, بحيث يوجد من الدعاة والعلماء والمصلحين والأئمة من يرفعون شأن الإسلام بالكلمة والكتاب والخطبة والموقف وغير ذلك.

ويشمل الظهور أيضاً: قمة الظهور، وهي الانتصار الكامل لهذا الدين على الأديان كلها، وقد ورد في حديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه قال: {إن الله يقيض لهذا الدين من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين} وهذا الحديث قد ورد عن عدد من الصحابة كـأبي هريرة, ومعاذ بن جبل, وابن مسعود, وأسامة بن زيد, وورد مرسلاً عن بعض التابعين, وقد رواه الخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، وفي شرف أصحاب الحديث، وخرج الطبراني بعض طرقه، وكذلك ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل وغيرهم.

واختلف العلماء في صحته، فصححه بعضهم كالإمام أحمد وابن عبد البر وضعفه آخرون كـالعراقي.

والحديث وإن كان ضعيفاً في جميع طرقه, إلا أن معناه صحيح بلا شك، وإنما اخترته لمباشرته في التعبير عن هذا المعنى, وأن الله عز وجل يختار في كل جيل من يحملون هذا العلم والدين، ممن يتميزون بالعدالة والفهم والإنصاف, فيدفعون عن الإسلام تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.

وهذا الوعد القائم هو لا يزال يجري اليوم، وإلى أن يشاء الله سوف يستمر وجود هذه الحقيقة التي وعد الله بها.

وأمام هذا العدد الكبير من العلماء والدعاة والمصلحين, الذين نجدهم اليوم في واقع الأمة الإسلامية؛ نجد أن الآراء تختلف في كثير من الشخصيات الإسلامية ما بين مادح وقادح, ومؤيد ومعارض, وما بين إنسان ينظر إلى شخصية ما, بأن هذا الشخص هو مجدد هذا القرن, بل مجدد القرون السبعة الماضية, بل مجدد القرون العشرة الماضية.

وقد قيل هذا الكلام عن أحد الشخصيات الإسلامية المعاصرة، وبإزاء ذلك قد تسمع عن الشخصية نفسها كلامًا, بأن هذا الرجل لم يذق طعم الإيمان, ولا وجد نور الإسلام في قلبه.

فإزاء هذا التباين البعيد في تقويم الشخصيات الإسلامية؛ لابد من الإشارة بادئ ذي بدء إلى أننا ورثنا نحن المسلمين ضمن ما ورثناه من تراث هذا الدين القيم: منهج العدل والإنصاف في الحكم على الناس, فيقول الله عز وجل في سورة النساء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ [النساء:135] فيأمرنا بالعدل والإنصاف, وتحري الحق, ولو على أنفسنا أو والدينا أو أقاربنا, ويقول سبحانه في سور المائدة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة:8].

فكما أنه يأمرنا في الآية الأولى بالاعتدال والعدل حتى مع أنفسنا, أو والدينا وأقربينا, بحيث نقول الحق عليهم -وإن كان عليهم- كذلك يأمرنا في الآية الثانية: بأن لا يحملنا بغض قوم أو عداوتهم على أن نجحف في حقهم, بل لابد من العدل حتى مع العداوة والشنآن.

علم الجرح والتعديل

وهذا المنهج لم يكن منهجًا نظريًا -فقط- في آيات القرآن الكريم, أو أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام, بل إنه طبق عمليًا, ولعل أبرز صورة طبق فيها هذا المنهج؛ هي ما يعرف بعلم الجرح والتعديل, فقد ورث المسلمون تراجماً لأعداد كبيرة من الرواة ربما يزيدون على عشرات الآلاف من رواة الحديث, وكان الأئمة يتكلمون في كثير من هؤلاء جرحًا أو تعديلاً, وأنت لو نظرت في منهج هؤلاء الأئمة في الجرح والتعديل؛ لوجدت العجب العجاب, ويكفي أن أشير -مثلاً- إلى أن علماء الجرح والتعديل كانوا يوثقون بعض الرجال على رغم أنهم أهل بدع وضلال, كما قال بعضهم عن أحد هؤلاء، قال: فلان ثقة في الحديث رافضي خبيث، وبغض النظر عن كون هذه الكلمة لا تليق بالرجل الذي قيلت فيه؛ فإن المقصود أن هؤلاء العلماء كانوا مع رأيهم أن فلانًا فيه انحراف في جانب معين؛ لم يمنعهم هذا الانحراف من أن يبينوا ما فيه من مزية في الجانب الآخر.

ولذلك وثَّقوا عددًا غير قليل من أهل البدع,مع بيان بدعتهم، فهذا جانب العدل والإنصاف حتى مع من يكون بيننا وبينه اختلاف, وحتى مع من ننكر عليه كثيرًا من البدع والانحرافات الموجودة عنده, فلا يجعلنا ذلك ننسى فضائلهم وحسناتهم.

وفي مقابل ذلك, نجد أن علماء الجرح والتعديل كانوا يذكرون الجرح ولو كان في أقرب قريب.

ولعل من أجلى الصور في ذلك ما ذكره العلماء عن علي بن المديني -علي بن عبد الله بن أبي نجيح السعدي المعروف بـعلي بن المديني- فقد سئل علي بن المديني عن أبيه، ما تقول في فلان؟

فقال: سلوا عنه غيري, قالوا: إنما نسألك أنت, قال: أما إذ أبيتم فإنه الدين، هو ضعيف, فهو حاول أن يدفع هذه الكلمة وأن يجعل غيره يقولها، فلما أصروا عليه, قال في أبيه كلمة الحق: أبي ضعيف في الحديث فلا تأخذوا عنه.

هذا المنهج العادل عند علماء الجرح والتعديل يجعلهم يوثّقون الخصم إذا كان أهلاً للتوثيق من حيث الرواية، ويضعفون أقرب قريب. ومن باب أولى أنهم كانوا يضعِّفون من كان يوافقهم في المنهج، فقد يضعفون رجالاً من أهل السنة, سواءً تضعيفًا مطلقًا, أو تضعيفًا مقيدًا, كما قيل في نُعيم بن حماد وابن بطة وغيرهما، إلا أنهم من أئمة أهل السنة المشهورين.

فهذا المنهج -أيها الإخوة- نريد أن نعمل على تطبيقه على رجال الإسلام في هذا العصر, مع الإشارة إلى بعض الأخطاء التي تقع من كثير ممن يتحدثون عن هؤلاء الرجال إشارة مختصرة بقدر ما يسمح به الوقت.

دوام وجود الصالح وغيره في الأمة

تعلمون -أيها الإخوة- أن ضراوة الحرب على الإسلام في هذا العصر؛ أشد منها في أي عصر مضى, وقد نكص كثير من المسلمين عن هذا الدين، وتحقق وعد الرسول صلى الله عليه وسلم، كما في صحيح مسلم من حديث ثوبان أنه قال: {وستلحق طوائف من أمتي بالمشركين وستعبد طوائف من هذه الأمة الأوثان} فتحقق هذا الوعد، ولحقت طوائف من هذه الأمة بالمشركين لحوقًا حقيقيًا أو لحوقاً معنويًا، وعبدت طوائف من هذه الأمة الأوثان عبادةً حقيقية، كمن يطوفون بالقبور، ويسألون أهلها، ويرجون منهم قضاء الحاجات، وتفريج الكروب، وشفاء المرضى، ويصلون إلى هذه القبور.

أو من يعبدون أصنامًا أخرى، كالقوانين الوضعية المخالفة لشريعة الله عز وجل، والمستوردة من الشرق أو من الغرب، أو الأنظمة والنظريات الإلحادية, والمبادئ الهدامة المختلفة.

وإزاء هذا الوضع نجد أن الله تعالى وعد أنه حين يوجد هذا فإنه يوجد في مقابله أمر آخر، يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِم [المائدة:54] ويقول: هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد:38].

ففي هاتين الآيتين إشارة إلى أنه إذا وجد في الأمة من ينكص عن الإسلام, أو يتراجع عن الجهاد، أو عن البذل والإنفاق في سبيل الله, فإن الله وعد بأنه سيأتي في ذلك الوقت بقوم يجاهدون في سبيل الله, وينفقون ولا يبخلون, ولا يكونون كهؤلاء الناكثين الناكصين.

ولذلك ذكر الخطيب البغدادي عن أحمد بن سنان: أن رجلاً رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام, وقد دخل المسجد؛ فرأى في المسجد حلقتين في إحداهما الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة, وفي الأخرى أحمد بن أبي دؤاد شيخ المعتزلة, فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى أحمد بن أبي دؤاد ومن معه من أهل الاعتزال، وأشار إليهم وقال: فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ [الأنعام:89] وأشار إلى الإمام أحمد ومن معه.

فهذه القضية ظاهرة، فمتى ما وجد التراجع، والردة الكلية أو الجزئية عن الإسلام فإنه ويوجد في مقابل ذلك من الرجال الأفذاذ من يقيمون راية الدين, وهذا موجود في هذه العصور المتأخرة, وموجود في عصرنا الذي نعيش فيه.

صحيح أن النوعية تقل، فنحن لو قسنا رجال الإسلام في هذا العصر, برجال الإسلام في العصور الأولى, لربما وجدنا أنهم أقل منهم بكثير، ولا شك في ذلك, فكلما تقادم العهد كلما ضعفت نوعية الرجال القائمين بشأن الإسلام، وهذه سنة لله في خلقه.

لكننا نقول مع ذلك: رجال الإسلام -في الجملة- هم خير من على ظهر الأرض في هذا اليوم؛ وحملة راية الإسلام من العلماء والدعاة والمصلحين على ما فيهم من نقص أو تقصير أو مداهنة أو إيثار للراحة أو ما أشبه ذلك من العيوب التي يرميهم بها كثير من الناس, نقول: هم على ما فيهم خير أهل الأرض.

وفي هذه المناسبة اتذكر أيضًا الكلمة التي رواها عمر بن حفص عن أبيه أنه قيل له: ألم تر إلى أهل الحديث كيف تغيروا وكيف فسدوا؟

فقال: هم على ما هم خيار القبائل, فرجال الحديث على رغم ما أصابهم من ضعف أو تغير أو اختلاف هم خيار القبائل, وإن كان فيهم عيب ففي غيرهم عيوب.

وهذا المنهج لم يكن منهجًا نظريًا -فقط- في آيات القرآن الكريم, أو أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام, بل إنه طبق عمليًا, ولعل أبرز صورة طبق فيها هذا المنهج؛ هي ما يعرف بعلم الجرح والتعديل, فقد ورث المسلمون تراجماً لأعداد كبيرة من الرواة ربما يزيدون على عشرات الآلاف من رواة الحديث, وكان الأئمة يتكلمون في كثير من هؤلاء جرحًا أو تعديلاً, وأنت لو نظرت في منهج هؤلاء الأئمة في الجرح والتعديل؛ لوجدت العجب العجاب, ويكفي أن أشير -مثلاً- إلى أن علماء الجرح والتعديل كانوا يوثقون بعض الرجال على رغم أنهم أهل بدع وضلال, كما قال بعضهم عن أحد هؤلاء، قال: فلان ثقة في الحديث رافضي خبيث، وبغض النظر عن كون هذه الكلمة لا تليق بالرجل الذي قيلت فيه؛ فإن المقصود أن هؤلاء العلماء كانوا مع رأيهم أن فلانًا فيه انحراف في جانب معين؛ لم يمنعهم هذا الانحراف من أن يبينوا ما فيه من مزية في الجانب الآخر.

ولذلك وثَّقوا عددًا غير قليل من أهل البدع,مع بيان بدعتهم، فهذا جانب العدل والإنصاف حتى مع من يكون بيننا وبينه اختلاف, وحتى مع من ننكر عليه كثيرًا من البدع والانحرافات الموجودة عنده, فلا يجعلنا ذلك ننسى فضائلهم وحسناتهم.

وفي مقابل ذلك, نجد أن علماء الجرح والتعديل كانوا يذكرون الجرح ولو كان في أقرب قريب.

ولعل من أجلى الصور في ذلك ما ذكره العلماء عن علي بن المديني -علي بن عبد الله بن أبي نجيح السعدي المعروف بـعلي بن المديني- فقد سئل علي بن المديني عن أبيه، ما تقول في فلان؟

فقال: سلوا عنه غيري, قالوا: إنما نسألك أنت, قال: أما إذ أبيتم فإنه الدين، هو ضعيف, فهو حاول أن يدفع هذه الكلمة وأن يجعل غيره يقولها، فلما أصروا عليه, قال في أبيه كلمة الحق: أبي ضعيف في الحديث فلا تأخذوا عنه.

هذا المنهج العادل عند علماء الجرح والتعديل يجعلهم يوثّقون الخصم إذا كان أهلاً للتوثيق من حيث الرواية، ويضعفون أقرب قريب. ومن باب أولى أنهم كانوا يضعِّفون من كان يوافقهم في المنهج، فقد يضعفون رجالاً من أهل السنة, سواءً تضعيفًا مطلقًا, أو تضعيفًا مقيدًا, كما قيل في نُعيم بن حماد وابن بطة وغيرهما، إلا أنهم من أئمة أهل السنة المشهورين.

فهذا المنهج -أيها الإخوة- نريد أن نعمل على تطبيقه على رجال الإسلام في هذا العصر, مع الإشارة إلى بعض الأخطاء التي تقع من كثير ممن يتحدثون عن هؤلاء الرجال إشارة مختصرة بقدر ما يسمح به الوقت.

تعلمون -أيها الإخوة- أن ضراوة الحرب على الإسلام في هذا العصر؛ أشد منها في أي عصر مضى, وقد نكص كثير من المسلمين عن هذا الدين، وتحقق وعد الرسول صلى الله عليه وسلم، كما في صحيح مسلم من حديث ثوبان أنه قال: {وستلحق طوائف من أمتي بالمشركين وستعبد طوائف من هذه الأمة الأوثان} فتحقق هذا الوعد، ولحقت طوائف من هذه الأمة بالمشركين لحوقًا حقيقيًا أو لحوقاً معنويًا، وعبدت طوائف من هذه الأمة الأوثان عبادةً حقيقية، كمن يطوفون بالقبور، ويسألون أهلها، ويرجون منهم قضاء الحاجات، وتفريج الكروب، وشفاء المرضى، ويصلون إلى هذه القبور.

أو من يعبدون أصنامًا أخرى، كالقوانين الوضعية المخالفة لشريعة الله عز وجل، والمستوردة من الشرق أو من الغرب، أو الأنظمة والنظريات الإلحادية, والمبادئ الهدامة المختلفة.

وإزاء هذا الوضع نجد أن الله تعالى وعد أنه حين يوجد هذا فإنه يوجد في مقابله أمر آخر، يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِم [المائدة:54] ويقول: هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد:38].

ففي هاتين الآيتين إشارة إلى أنه إذا وجد في الأمة من ينكص عن الإسلام, أو يتراجع عن الجهاد، أو عن البذل والإنفاق في سبيل الله, فإن الله وعد بأنه سيأتي في ذلك الوقت بقوم يجاهدون في سبيل الله, وينفقون ولا يبخلون, ولا يكونون كهؤلاء الناكثين الناكصين.

ولذلك ذكر الخطيب البغدادي عن أحمد بن سنان: أن رجلاً رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام, وقد دخل المسجد؛ فرأى في المسجد حلقتين في إحداهما الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة, وفي الأخرى أحمد بن أبي دؤاد شيخ المعتزلة, فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى أحمد بن أبي دؤاد ومن معه من أهل الاعتزال، وأشار إليهم وقال: فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ [الأنعام:89] وأشار إلى الإمام أحمد ومن معه.

فهذه القضية ظاهرة، فمتى ما وجد التراجع، والردة الكلية أو الجزئية عن الإسلام فإنه ويوجد في مقابل ذلك من الرجال الأفذاذ من يقيمون راية الدين, وهذا موجود في هذه العصور المتأخرة, وموجود في عصرنا الذي نعيش فيه.

صحيح أن النوعية تقل، فنحن لو قسنا رجال الإسلام في هذا العصر, برجال الإسلام في العصور الأولى, لربما وجدنا أنهم أقل منهم بكثير، ولا شك في ذلك, فكلما تقادم العهد كلما ضعفت نوعية الرجال القائمين بشأن الإسلام، وهذه سنة لله في خلقه.

لكننا نقول مع ذلك: رجال الإسلام -في الجملة- هم خير من على ظهر الأرض في هذا اليوم؛ وحملة راية الإسلام من العلماء والدعاة والمصلحين على ما فيهم من نقص أو تقصير أو مداهنة أو إيثار للراحة أو ما أشبه ذلك من العيوب التي يرميهم بها كثير من الناس, نقول: هم على ما فيهم خير أهل الأرض.

وفي هذه المناسبة اتذكر أيضًا الكلمة التي رواها عمر بن حفص عن أبيه أنه قيل له: ألم تر إلى أهل الحديث كيف تغيروا وكيف فسدوا؟

فقال: هم على ما هم خيار القبائل, فرجال الحديث على رغم ما أصابهم من ضعف أو تغير أو اختلاف هم خيار القبائل, وإن كان فيهم عيب ففي غيرهم عيوب.

أيها الإخوة: رجالات الإسلام في هذا العصر هم في ميادين شتى, فأنت إذا نظرت -مثلاً- إلى ميدان الدعوة إلى الله, وجدت رجالًا عرفوا بالدعوة وأثروا في مجتمعاتهم أبلغ تأثير, ولعل من الأسماء البارزة والمشهورة أمثال الشيخ حسن البنا, أو أبي الأعلى المودودي, أو غيرهم من المصلحين, وإذا نظرت إلى مجال الأدب, وإذا نظرت إلى مجال الفكر, وجدت أمثال الأستاذ سيد قطب, ومحمد قطب, وغيرهم من الكتاب المشهورين.

وكذلك كتابات الشيخ أبي الأعلى المودودي, وأبي الحسن الندوي وغيرهم, وإذا نظرت إلى مجال العلم الشرعي والفقه والفتيا والحديث؛ وجدت -أيضاً- علماء أفذاذاً في هذه الجزيرة وفي غيرها.

ولعل من الأحياء الذين يشاد بذكرهم أمثال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في مجال الحديث وإحياء السنة, والشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، والشيخ محمد بن صالح العثيمين، وكذلك لا تُنكر جهود آخرين من غير هذه البلاد, كما نجد بحوثاً للدكتور مصطفى الزرقا والدكتور يوسف القرضاوي وغيرهم.

وإذا نظرت إلى مجال الجهاد وجدت شخصيات بارزة في الجهاد, ولعل الجهاد الأفغاني على الساحة هو أبرز ما يلفت الأنظار، فأنت تجد أمثال عبد رب الرسول سياف, أو برهان الدين رباني, أو حكمتيار, أو من تبنوا مسألة الجهاد كـعبد الله عزام, وغيرهم.

وإذا نظرت أيضًا إلى مجال الخطابة والوعظ, لا يغيب عن بالك أمثال عبد الحميد كشك, وأحمد القطان, وإبراهيم عزت وغيرهم.

والأسماء كثيرة وليس المقصود في هذه الجلسة أن أسرد الأسماء، وإنما اخترت أسماء يكثر الكلام حول عدد منهم, حتى يكون الكلام الذي سأقوله أكثر واقعية وارتباطًا بالحياة التي نعيشها.




استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
أحاديث موضوعة متداولة 4999 استماع
حديث الهجرة 4957 استماع
تلك الرسل 4139 استماع
الصومال الجريح 4136 استماع
مصير المترفين 4074 استماع
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة 4040 استماع
وقفات مع سورة ق 3966 استماع
مقياس الربح والخسارة 3919 استماع
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية 3857 استماع
التخريج بواسطة المعجم المفهرس 3819 استماع