نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

إخوتي الكرام: حين نتحدث عن مستقبل الدعوة الإسلامية، أو الصحوة الإسلامية، فإننا لا نتحدث عن طائفةٍ معينة، أو حركةٍ مخصوصة في نطاقٍ محدودٍ من المكان، أو لحظاتٍ محدودة من الزمان، لكن نتحدث عن يقظة المسلمين في كافة المجالات والأصعدة، نتحدث عن هذا البحر الذي تصب فيه جهود العلماء والفقهاء المخلصين، وتصب فيه جهود الدعاة والمربين، وتصب فيه جهود الشجعان والمفكرين، وتصب فيه جهود الكتاب والشعراء وغيرهم من الداعين إلى الله عز وجل، فهي بلا شكٍ أكبرُ من أن تكون محصورةً في نطاقٍ معين، أو مكانٍ معين، أو راية معينة، أو شعار معين.

التخطيط والإعداد للمستقبل في القرآن

أما الحديث عن الصحوة، أما الحديث عن المستقبل لهذا الدين، أو لهذه الصحوة، فهو كما يقال: حديثٌ ذو شجون يشتمل على:

حيث تعلمنا من الكتاب والسنة أهمية التخطيط والإعداد للمستقبل، وأهمية ترقب الأحداث ومواجهتها بصبرٍ ويقظةٍ وإيمان، فمثلاً في القرآن الكريم نجد قصة يوسف عليه الصلاة والسلام، وضمن هذه القصة نرى ذلك الرجل الذي كان يقول ليوسف عليه الصلاة والسلام: إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ [يوسف:43] تنتقل الرؤيا من الملك حتى تقرع سمع يوسف، ومن خلالها يعبر ما يجري في المستقبل، وأن الناس يزرعون سبع سنين دأباً، ويأمرهم بأن يضعوا هذا في سنبله ويحفظوه ليوم الشدة، قال تعالى حاكياً عنهم: فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ [يوسف:47-49] هذه القصة نتعلم فن النظر والإعداد للمستقبل، فقد توقع يوسف عليه الصلاة والسلام من خلال هذه الرؤيا وتعبيرها الذي علمه الله إياه، ماذا سيقع في مقبلات الأيام، ثمَّ أخذ العدة لهذا الأمر الذي توقعه وأمر الناس بأن يدخروا ليوم الشدة.

النواميس والسنن الكونية وعلاقتها بالمستقبل

وبصفة أوسع وأشمل من ذلك، فإن القرآن الكريم مليء بالحديث عن السنن الكونية والنواميس الاجتماعية، التي جعلها الله تعالى جاريةً في حياة الناس أفراداً ومجتمعات، بحيث إن المسلم إذا عرف هذه السنن، استطاع أن يقرأ المستقبل من خلال الواقع، كما أن الإنسان يعرف أن النتائج لها أسباب، فإذا وجد الأسباب تلمس نتائجها من ورائها بناءً على السنن والنواميس التي وضعها الله تعالى في هذا الكون، وفي تلك المجتمعات، وبينها لنا أتم بيان في القرآن الكريم.

وأخبار الأمم السابقة وقصصها وما علق وذكر الله تعالى على تلك الأحداث من العبر والدروس والآيات كفيلٌ بأن يجعل الإنسان ينظر للمستقبل من خلال الواقع، وأقرب مثال على هذا قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [الأعراف:96] وقوله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ [المائدة:66] وقوله: وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً [الجن:16] وقوله: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ [الأعراف:97-98] إلى غير ذلك من الآيات التي هي عبارة عن نواميس وسنن إلهية، من خلال استقرائها في الواقع نستطيع أن نتوقع ماذا يحدث للأمة إذا عملت بمقتضى هذه النواميس أو أخلت بها.

فبين هذه النواميس وبين الواقع علاقةً وثيقة، هي علاقة النتيجة بالسبب، وبينهما ترابطٌ عضويٌ لا ينفك بحال، ودراسة الحاضرِ بناءً على ذلك تتيح للإنسان فهم الواقع، كما تتيح له تصوراً إجمالياً للمستقبل، إضافةً إلى هذا وهذا فإنه الطريق العلمي الصحيح لاستقراء أحداث المستقبل، أن نستقرئ أحداث المستقبل من خلال النظر إلى أحداث الواقع.

أما الحديث عن الصحوة، أما الحديث عن المستقبل لهذا الدين، أو لهذه الصحوة، فهو كما يقال: حديثٌ ذو شجون يشتمل على:

حيث تعلمنا من الكتاب والسنة أهمية التخطيط والإعداد للمستقبل، وأهمية ترقب الأحداث ومواجهتها بصبرٍ ويقظةٍ وإيمان، فمثلاً في القرآن الكريم نجد قصة يوسف عليه الصلاة والسلام، وضمن هذه القصة نرى ذلك الرجل الذي كان يقول ليوسف عليه الصلاة والسلام: إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ [يوسف:43] تنتقل الرؤيا من الملك حتى تقرع سمع يوسف، ومن خلالها يعبر ما يجري في المستقبل، وأن الناس يزرعون سبع سنين دأباً، ويأمرهم بأن يضعوا هذا في سنبله ويحفظوه ليوم الشدة، قال تعالى حاكياً عنهم: فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ [يوسف:47-49] هذه القصة نتعلم فن النظر والإعداد للمستقبل، فقد توقع يوسف عليه الصلاة والسلام من خلال هذه الرؤيا وتعبيرها الذي علمه الله إياه، ماذا سيقع في مقبلات الأيام، ثمَّ أخذ العدة لهذا الأمر الذي توقعه وأمر الناس بأن يدخروا ليوم الشدة.

وبصفة أوسع وأشمل من ذلك، فإن القرآن الكريم مليء بالحديث عن السنن الكونية والنواميس الاجتماعية، التي جعلها الله تعالى جاريةً في حياة الناس أفراداً ومجتمعات، بحيث إن المسلم إذا عرف هذه السنن، استطاع أن يقرأ المستقبل من خلال الواقع، كما أن الإنسان يعرف أن النتائج لها أسباب، فإذا وجد الأسباب تلمس نتائجها من ورائها بناءً على السنن والنواميس التي وضعها الله تعالى في هذا الكون، وفي تلك المجتمعات، وبينها لنا أتم بيان في القرآن الكريم.

وأخبار الأمم السابقة وقصصها وما علق وذكر الله تعالى على تلك الأحداث من العبر والدروس والآيات كفيلٌ بأن يجعل الإنسان ينظر للمستقبل من خلال الواقع، وأقرب مثال على هذا قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [الأعراف:96] وقوله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ [المائدة:66] وقوله: وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً [الجن:16] وقوله: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ [الأعراف:97-98] إلى غير ذلك من الآيات التي هي عبارة عن نواميس وسنن إلهية، من خلال استقرائها في الواقع نستطيع أن نتوقع ماذا يحدث للأمة إذا عملت بمقتضى هذه النواميس أو أخلت بها.

فبين هذه النواميس وبين الواقع علاقةً وثيقة، هي علاقة النتيجة بالسبب، وبينهما ترابطٌ عضويٌ لا ينفك بحال، ودراسة الحاضرِ بناءً على ذلك تتيح للإنسان فهم الواقع، كما تتيح له تصوراً إجمالياً للمستقبل، إضافةً إلى هذا وهذا فإنه الطريق العلمي الصحيح لاستقراء أحداث المستقبل، أن نستقرئ أحداث المستقبل من خلال النظر إلى أحداث الواقع.

وهناك قرائنُ كثيرةٌ جاء بها القرآن الكريم، وذكرها الرسول عليه الصلاة والسلام تعين على استقراء المستقبل، وهي كثيرة منها:

الرؤيا الصادقة

والرؤيا قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: {أنها جزء من ستةٍ وأربعين جزءاً من النبوة} وذلك لما فيها من تطلع الإنسان إلى أمورٍ حادثةٍ مستقبلة، ليست واقعة فيتوقعها الإنسان، ومن خلال رؤيا يراها في المنام يظن أنه قد يحدث كيت وكيت وكيت، وهذا في السنة النبوية منه كثيرٌ وكثير، يكفي أن نذكر -مثلاً- قصة الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: {يا رسول الله، رأيت في السماء ظُلة "سحابة" تنطف السمن والعسل، والناس يأخذون منها فمستقلٌ ومستكثر، ورأيت حبلاً ممدوداً بين السماء والأرض فأمسكتَ به أنتَ فرُفعت، وأمسك به رجلٌ بعدك، فرفع وأمسك به رجلٌ آخر فرفع، ثم أمسك به رجلٌ ثالثٌ فانقطع به، ثم وصل له فرفع، فقال أبو بكر: يا رسول الله دعني أعبرها، قال: افعل، فقال: أما هذه الظلة فهي ما آتانا الله به من العلم والإيمان والوحي، والناس منه يأخذون بقدر علمهم وإيمانهم، وأما هذا الحبل فهو الحق، تأخذ به فتعلو ويأخذ به رجلٌ بعدك فيعلو، ويأخذ به رجل ثالث فيعلو، ويأخذ به رجل آخر فينقطع، ثم يوصل له فيعلو، ثم قال: والله يا رسول الله، أو قال: أخبرني يا رسول الله هل أصبت؟ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً، فقال: والله يا رسول الله لتخبرني ما أصبت وما أخطأت، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لا تقسم ولم يخبره} فهذه الرؤيا هي عبارة عن تفسير لما وقع فيما بعد من موت النبي صلى الله عليه وسلم شهيداً في سبيل الله عز وجل بسبب الأكلة التي أكلها بـخيبر، ثم ولاية أبي بكر وقيامه بالحق، ثم ولاية عمر وقيامه بالحق، ثم ولاية عثمان وما حدث له بعد ذلك من المصائب، ثم استشهاده في سبيل الله عز وجل.. إلى غير ذلك.

الفراسة

والفراسة يقول الله عز وجل فيها: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ [الحجر:75] فمن أمة محمد صلى الله عليه وسلم من يكون فيهم تفرسٌ، وفراسةٌ تصدق في استقراء الأحداث، وتوقع ما يجري، يلهمه الله تعالى إلهاماً، فتأتي توقعاته مطابقة للواقع أو قريبة من ذلك، بسبب ما أعطاه الله تعالى من زكاة القلب، وصدق الفراسة، وصلاح الباطن.

الفأل الحسن

من القرائن أيضاً الفأل الحسن، وهي الكلمة الطيبة يجريها الله تعالى على لسان العبد الصالح، فكما أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعلنها حرباً على الطيرة والتشاؤم باعتبارها عادات الجاهلية، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يعجبه الفأل بالكلمة الطيبة، ومثله الرؤيا الصالحة وما أشبه ذلك، فكان يتفاءل صلى الله عليه وسلم بالأسماء الحسنة والكلمات الطيبة، سواء كانت اسم شخصٍ أو اسم بلدٍ أو ما أشبه ذلك.

صدق الدعاء

من القرائن أيضاً: صدق الدعاء، فإن العبد أحياناً يستطيع أن يتوقع -بإذن الله تعالى- بعض ما تخبئه الأيام المقبلة من جرَّاء دعوةٍ صادقة، تخرج من قلبٍ محترق، فيظن أن يحدث كذا، أو يهلك الله طاغيةً مثل أن ينصر مجاهداً، أو يبين حقاً أو يكشف زيفاً، ولذلك كان عمر رضي الله عنه يقول فيما صح عنه: [[إني لا أحمل هم الإجابة، ولكن أحمل هم الدعاء، فإذا ألهمت الدعاء، كانت معه الإجابة]] يعني رضي الله عنه بكلمته تلك أن العبد أحياناً يشعر بصدق الدعوة إذا خرجت من قلبه وحرارتها، فيحس كأن أبواب السماء تفتح لها، ويثق بإذن الله تعالى سيجيب له هذه الدعوة.

وإني لأدعو الله حتى كأنما     أرى بجميل الظن ما الله صانع

ومن ذلك أيضاً: أشياء كثيرة يتوقع الإنسان بها بعض ما تخبئه الأيام، هذه الأمور السابقة كلها تجتمع على أمر واحد، هي أننا لم نتعبد بشيءٍ من هذه الأشياء، بل هي محض فضل من الله عز وجل، فليس مطلوباً من الإنسان أن يجلس في انتظار فراسةٍ صادقة، أو رؤيا صالحة يبني عليها تصرفاً معيناً، أو يتبع فألاً يحدث له، لكن إن جرى هذا الأمر على لسان أحد، أو رأى أحد رؤيا صالحة؛ فإنه يفرح بها ويستبشر.

قرائن معرفة المستقبل أمورٌ ليست تعبدية

إذاً: خلاصة الكلام في مثل هذه القرائن أنها ليست مما تعبد به العبد، فيجلس في انتظار رؤيا صالحة أو فراسةٍ أو إلهامٍ من رجل صالحٍ أو دعوةٍ صادقة ينتظر نتيجتها، هذا كلامٌ مطلوبٌ من الإنسان أن يفرح به إن وقع، ويسر به ويأنس له، ويعتبره من حسن الظن بالله عز وجل، لكن ليس مطلوباً من الإنسان أن يتعبد بانتظار رؤيا صالحة، أو فأل حسن، ولذلك قال العلماء: الفأل الحسن إن وقع يفرح به، لكن لا يطلبه الإنسان، أما الدعاء فلا شك أن الإنسان متعبدٌ بأن يدعو الله تعالى، لكن الدعاء هو أحد الأسباب التي يفعلها الإنسان، ويضيف إليه الأسباب الأخرى، كما ورد [[أن عمر رضي الله عنه مر بإبلٍ جرباء، فقال: ماذا تصنعون بها؟! قالوا: هاهنا امرأةٌ صالحة نأمرها فتدعو الله عز وجل بالشفاء لها، فقال لهم عمر رضي الله عنه: اجعلوا مع دعاء العجوز شيئاً من القطران]] اخلطوا مع دعاء العجوز شيئاً من القطران، لا بأس بدعاء العجوز، لكن لا بأس أن نفعل معه سبباً طبيعياً مما جعل الله تعالى وعلق النتائج عليه.

والرؤيا قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: {أنها جزء من ستةٍ وأربعين جزءاً من النبوة} وذلك لما فيها من تطلع الإنسان إلى أمورٍ حادثةٍ مستقبلة، ليست واقعة فيتوقعها الإنسان، ومن خلال رؤيا يراها في المنام يظن أنه قد يحدث كيت وكيت وكيت، وهذا في السنة النبوية منه كثيرٌ وكثير، يكفي أن نذكر -مثلاً- قصة الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: {يا رسول الله، رأيت في السماء ظُلة "سحابة" تنطف السمن والعسل، والناس يأخذون منها فمستقلٌ ومستكثر، ورأيت حبلاً ممدوداً بين السماء والأرض فأمسكتَ به أنتَ فرُفعت، وأمسك به رجلٌ بعدك، فرفع وأمسك به رجلٌ آخر فرفع، ثم أمسك به رجلٌ ثالثٌ فانقطع به، ثم وصل له فرفع، فقال أبو بكر: يا رسول الله دعني أعبرها، قال: افعل، فقال: أما هذه الظلة فهي ما آتانا الله به من العلم والإيمان والوحي، والناس منه يأخذون بقدر علمهم وإيمانهم، وأما هذا الحبل فهو الحق، تأخذ به فتعلو ويأخذ به رجلٌ بعدك فيعلو، ويأخذ به رجل ثالث فيعلو، ويأخذ به رجل آخر فينقطع، ثم يوصل له فيعلو، ثم قال: والله يا رسول الله، أو قال: أخبرني يا رسول الله هل أصبت؟ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً، فقال: والله يا رسول الله لتخبرني ما أصبت وما أخطأت، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لا تقسم ولم يخبره} فهذه الرؤيا هي عبارة عن تفسير لما وقع فيما بعد من موت النبي صلى الله عليه وسلم شهيداً في سبيل الله عز وجل بسبب الأكلة التي أكلها بـخيبر، ثم ولاية أبي بكر وقيامه بالحق، ثم ولاية عمر وقيامه بالحق، ثم ولاية عثمان وما حدث له بعد ذلك من المصائب، ثم استشهاده في سبيل الله عز وجل.. إلى غير ذلك.

والفراسة يقول الله عز وجل فيها: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ [الحجر:75] فمن أمة محمد صلى الله عليه وسلم من يكون فيهم تفرسٌ، وفراسةٌ تصدق في استقراء الأحداث، وتوقع ما يجري، يلهمه الله تعالى إلهاماً، فتأتي توقعاته مطابقة للواقع أو قريبة من ذلك، بسبب ما أعطاه الله تعالى من زكاة القلب، وصدق الفراسة، وصلاح الباطن.

من القرائن أيضاً الفأل الحسن، وهي الكلمة الطيبة يجريها الله تعالى على لسان العبد الصالح، فكما أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعلنها حرباً على الطيرة والتشاؤم باعتبارها عادات الجاهلية، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يعجبه الفأل بالكلمة الطيبة، ومثله الرؤيا الصالحة وما أشبه ذلك، فكان يتفاءل صلى الله عليه وسلم بالأسماء الحسنة والكلمات الطيبة، سواء كانت اسم شخصٍ أو اسم بلدٍ أو ما أشبه ذلك.




استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
أحاديث موضوعة متداولة 4998 استماع
حديث الهجرة 4957 استماع
تلك الرسل 4139 استماع
الصومال الجريح 4136 استماع
مصير المترفين 4074 استماع
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة 4040 استماع
وقفات مع سورة ق 3966 استماع
مقياس الربح والخسارة 3919 استماع
التخريج بواسطة المعجم المفهرس 3818 استماع
العالم الشرعي بين الواقع والمثال 3814 استماع