أحاديث موضوعة متداولة


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

إخوتي الكرام: إن الله تبارك وتعالى حرّم في كتابه العزيز أخلاقاً ذميمة، منها: الكذب عليه أو على خلقه.

بل لعن الكاذبين، كما في قوله تعالى: فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ [آل عمران:61].

وإن من أشد الكذب وأعظمه الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ أنه يتضمن مع الكذب الذي هو خصلة ذميمة، آثاراً سيئة كثيرة:

منها: إدخال شيء في الدين ليس منه؛ إذ أن القول المنسوب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتضمن تحريم أمر أو تحليل آخر، أو تفضيل شيء، أو وعدٍ، أو وعيدٍ، أو خبر، أو نحو ذلك.

ومنها: الحط من قدر الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن المتجرئ على الافتراء على الرسول عليه الصلاة والسلام، قد سقطت من قلبه هيبته صلى الله عليه وسلم؛ فتجرأ على التقول عليه بما لم يقل.

ولذلك كان الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم كبيرة من كبائر الذنوب، وإثماً عظيماً بالاتفاق، بل إن من أهل العلم من اعتبره كفراً بالله عزوجل، ولا شك أن من استحلَّ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو كافر بالله العظيم.

الأدلة على تحريم الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث المتواتر: {من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار}.

وهذا حديث متواتر، ورد عن جمع كبير من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وتلقاه عنهم جمع كبير من التابعين، حتى إن بعضهم قال: رواه عن الرسول صلى الله عليه وسلم نحو (200) من أصحابه، وذكر له الإمام ابن الجوزي في الموضوعات نحو (80) طريقاً، وصنف فيه بعض العلماء مصنفات مستقلة، حيث صنف فيه الطبراني مثلاً جزءاً في حديث: {من كذب عليّ متعمداً}.

وقد رواه البخاري ومسلم يرمز له في صحيحيهما، وغيرهما من أهل العلم، وفيه نص على تحريم الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم، بل وعلى أنه كبيرة من كبائر الذنوب؛ يستحق فاعله الوعيد بالنار {فليتبوأ مقعده من النار} وفي لفظٍ: {فليلج النار}.

وما ذلك إلا لما يتضمنه من الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم من التحريف في الدين، وإدخال شيء ليس منه في ضمنه، والحط من قدر الرسول صلى الله عليه وسلم، إلى غير ذلك من المثالب والمضار.

ولقد بُليَ الإسلام والمسلمون منذ زمن بعيدٍ، بمن يفترون على الله وعلى رسوله الكذب، ويُلصقون بالإسلام ما ليس منه، ويدعون أنه من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم.

فأما القرآن الكريم، فلم يكن لأحد أن يستطيع أو يحاول أن يدخل فيه شيئاً ليس منه؛ وذلك لأن الله تكفَّل بحفظه، كما قال سبحانه: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9].

موقف يدل على حفظ الله لكتابه

إن في القرآن الكريم من البلاغة والإعجاز، ما لا يستطيع أحد من البشر أن يدخل فيه شيئاً، ولذلك ذكر القرطبي وغيره من المفسرين، قصة حدثت في عهد بعض خلفاء بني العباس، وهي: أن يهودياً دخل على هذا الخليفة، فتكلم في حضرته بكلام أعجب الخليفة، فدعاه إلى الإسلام فرفض، ثم خرج من عنده، فلما مضت سنة دخل هذا الرجل على الخليفة، وهو يقول: يا أمير المؤمنين، إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فتعجب الخليفة من ذلك، وقال له: إني دعوتك العام المنصرم إلى الإسلام فأبيت، وكان حرياً أن تُسلم لما رأيت من عقلك وحلمك وعلمك، فما الذي دعاك اليوم إلى الإسلام؟! فقال: يا أمير المؤمنين، إنني خرجت من عندك فأحببت أن أبتلي وأختبر الأديان كلها، فأتيت بنسخة من التوراة، وكنت أحسن الخط، فكتبت منها كتباً، وحرفت فيها وغيرت وبدلت، ثم وقفت بها على باب بيعة من بيع اليهود، فاشتروها مني بأغلى الأثمان.

ثم أتيت إلى نسخة من الإنجيل، فكتبت منها كتباً، فحرفت فيها وبدلت وزدت ونقصت، ووقفت بها على باب الكنيسة، فاشتراها مني النصارى بأغلى الأثمان.

ثم عمدت إلى نسخة من المصحف فكتبتها، وحرفت فيها وغيرت وزدت ونقصت، ووقفت بها على باب الجامع، فوقف الناس بعد الصلاة عندي، ونظروا في هذه النسخ، وقلبوها؛ فاكتشفوا ما فيها من التحريف والتزوير، والنقص والزيادة، فأخذوها مني وأحرقوها، وضربوني عند باب المسجد، فعرفت أن هذا الدين محفوظ بحفظ الله، فذلك الذي دعاني إلى الإسلام.

وهذا مصداق قول الله عز وجل: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] على ما هو مشتهر عند أكثر علماء الأصول وغيرهم، من أن المقصود بالذكر في هذه الآية هو: القرآن.

وإن كان الإمام ابن حزم رحمه الله، ذهب في كتابه إحكام الأحكام إلى أن المقصود بالذكر: القرآن والسنة.

وبناءً عليه؛ فإنه يستحيل أن يدخل أحد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً، ويروج هذا الحديث على أهل العلم وهو غير صحيح.

وهذا حقيقة، أنه لا يمكن أن يصدق العلماء ما افتري على الرسول صلى الله عليه وسلم من الأحاديث.

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث المتواتر: {من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار}.

وهذا حديث متواتر، ورد عن جمع كبير من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وتلقاه عنهم جمع كبير من التابعين، حتى إن بعضهم قال: رواه عن الرسول صلى الله عليه وسلم نحو (200) من أصحابه، وذكر له الإمام ابن الجوزي في الموضوعات نحو (80) طريقاً، وصنف فيه بعض العلماء مصنفات مستقلة، حيث صنف فيه الطبراني مثلاً جزءاً في حديث: {من كذب عليّ متعمداً}.

وقد رواه البخاري ومسلم يرمز له في صحيحيهما، وغيرهما من أهل العلم، وفيه نص على تحريم الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم، بل وعلى أنه كبيرة من كبائر الذنوب؛ يستحق فاعله الوعيد بالنار {فليتبوأ مقعده من النار} وفي لفظٍ: {فليلج النار}.

وما ذلك إلا لما يتضمنه من الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم من التحريف في الدين، وإدخال شيء ليس منه في ضمنه، والحط من قدر الرسول صلى الله عليه وسلم، إلى غير ذلك من المثالب والمضار.

ولقد بُليَ الإسلام والمسلمون منذ زمن بعيدٍ، بمن يفترون على الله وعلى رسوله الكذب، ويُلصقون بالإسلام ما ليس منه، ويدعون أنه من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم.

فأما القرآن الكريم، فلم يكن لأحد أن يستطيع أو يحاول أن يدخل فيه شيئاً ليس منه؛ وذلك لأن الله تكفَّل بحفظه، كما قال سبحانه: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9].

إن في القرآن الكريم من البلاغة والإعجاز، ما لا يستطيع أحد من البشر أن يدخل فيه شيئاً، ولذلك ذكر القرطبي وغيره من المفسرين، قصة حدثت في عهد بعض خلفاء بني العباس، وهي: أن يهودياً دخل على هذا الخليفة، فتكلم في حضرته بكلام أعجب الخليفة، فدعاه إلى الإسلام فرفض، ثم خرج من عنده، فلما مضت سنة دخل هذا الرجل على الخليفة، وهو يقول: يا أمير المؤمنين، إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فتعجب الخليفة من ذلك، وقال له: إني دعوتك العام المنصرم إلى الإسلام فأبيت، وكان حرياً أن تُسلم لما رأيت من عقلك وحلمك وعلمك، فما الذي دعاك اليوم إلى الإسلام؟! فقال: يا أمير المؤمنين، إنني خرجت من عندك فأحببت أن أبتلي وأختبر الأديان كلها، فأتيت بنسخة من التوراة، وكنت أحسن الخط، فكتبت منها كتباً، وحرفت فيها وغيرت وبدلت، ثم وقفت بها على باب بيعة من بيع اليهود، فاشتروها مني بأغلى الأثمان.

ثم أتيت إلى نسخة من الإنجيل، فكتبت منها كتباً، فحرفت فيها وبدلت وزدت ونقصت، ووقفت بها على باب الكنيسة، فاشتراها مني النصارى بأغلى الأثمان.

ثم عمدت إلى نسخة من المصحف فكتبتها، وحرفت فيها وغيرت وزدت ونقصت، ووقفت بها على باب الجامع، فوقف الناس بعد الصلاة عندي، ونظروا في هذه النسخ، وقلبوها؛ فاكتشفوا ما فيها من التحريف والتزوير، والنقص والزيادة، فأخذوها مني وأحرقوها، وضربوني عند باب المسجد، فعرفت أن هذا الدين محفوظ بحفظ الله، فذلك الذي دعاني إلى الإسلام.

وهذا مصداق قول الله عز وجل: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] على ما هو مشتهر عند أكثر علماء الأصول وغيرهم، من أن المقصود بالذكر في هذه الآية هو: القرآن.

وإن كان الإمام ابن حزم رحمه الله، ذهب في كتابه إحكام الأحكام إلى أن المقصود بالذكر: القرآن والسنة.

وبناءً عليه؛ فإنه يستحيل أن يدخل أحد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً، ويروج هذا الحديث على أهل العلم وهو غير صحيح.

وهذا حقيقة، أنه لا يمكن أن يصدق العلماء ما افتري على الرسول صلى الله عليه وسلم من الأحاديث.

كثير من أعداء الإسلام حاولوا أن يختلقوا الأحاديث، ويلصقوها بالرسول صلى الله عليه وسلم منذ عهد متقدم.

وذلك لأغراض شتى: إما أن يكون فعلهم هذا لأنهم زنادقة؛ يريدون أن يدخلوا في الدين ما ليس منه، أو يريدون أن يشوهوا صورة الإسلام عند الناس، أو يريدون أن يلبسوا على المسلمين دينهم؛ كما كان الرافضة يختلقون الأحاديث ويلصقونها على الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك الزنادقة وغيرهم، وهم أكثر من يشتغل بوضع الأحاديث على الرسول صلى الله عليه وسلم.

وقد يكون وضع الأحاديث لسبب آخر كالعصبية المذهبية مثلاً: التعصب لشيخ من المشايخ، أو لإمام من الأئمة، أو لبلدٍ من البلدان، أو لنحلة من النحل، أو لطائفة من الطوائف، أو لغير ذلك.

ولكن الزنادقة في الغالب، هم المشتغلون المعنيون بالافتراء على الرسول صلى الله عليه وسلم.

وقد أدخلوا في الإسلام كثيراً من الأحاديث، لَبّست على كثير من المسلمين دينهم، وليس الغريب أن يشتغل الزنادقة والملحدون والرافضة بهذا، وإنما الغريب أن تروج هذا الأحاديث على المسلمين، ويتناقلوها فيما بينهم!

حتى إن كثيراً من الأحاديث التي تشتهر عند العامة ويتناقلونها، هي من الأحاديث الضعيفة، أو الموضوعة في غالب الأحيان.

وقد عني كثير من أهل العلم ببيان الأحاديث الموضوعة، والتحذير منها، وبيان من وضعها.

وممن ألف في ذلك مثلاً: الإمام ابن عراق في كتاب تنـزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الضعيفة والموضوعة، ومنهم الإمام ابن الجوزي في كتاب الموضوعات وفي كتاب العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، ومنهم الإمام الشوكاني في الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة، ومنهم الإمام ابن تيمية، وابن القيم، والسيوطي، وغيرهم من أهل العلم.

وممن جمع الأحاديث الضعيفة والموضوعة من المعاصرين، الشيخ الألباني حيث ألف كتاب سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأخرج منه مجلدين، وكذلك جمع الأحاديث الضعيفة والموضوعة، في الجامع الصغير وزيادته في كتاب مطبوع في ثلاثة مجلدات، سماه ضعيف الجامع الصغير وزيادته وأدخل فيه الضعيف والموضوع.

أقول: عني العلماء منذ القديم ببيان الأحاديث الموضوعة والتحذير منها، ولكن تجدر الإشارة في هذه العُجالة؛ إلى أن جمع الأحاديث الموضوعة وحصرها أمر متعسر أو متعذر؛ وذلك لأن الافتراء على الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينتهي، فكما كذب المتقدمون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يكذب عليه الملحدون في هذا العصر وفي العصور القادمة.

أهمية معرفة القواعد العامة في تمييز الحديث الموضوع من الصحيح

إن من المهم أن يعرف الإنسان بعض القواعد العامة التي يُرجع إليها في تمييز الموضوع وبيانه، ولذلك يَحسُن الرجوع إلى كتاب المنار المنيف في الصحيح والضعيف للإمام ابن القيم رحمه الله؛ فإنه عني في هذا الكتاب ببيان القواعد العامة التي تضبط الأحاديث الموضوعة، وذلك مثل: كون الحديث فيه من المجازفات والمبالغات ما لا يتوقع صدوره من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك كحديث: {من قال لا إله إلا الله؛ خلق الله من هذه الكلمة طائراً له سبعون ألف جناح، في كل جناح سبعون ألف ريشة} أو {خلق الله من هذه الكلمة طائراً له سبعون ألف لسان، في كل لسان سبعون ألف لغة، يستغفر لقائلها} أو نحو ذلك من المجازفات التي يرفضها العقل.

ومثل: قاعدة أن ما خالف الأصول المستقرة في الدين فهو غير صحيح. وذلك كحديث: {أن من كان اسمه أحمد، أو محمد، فإنه لا يدخل النار} لأن من المعلوم ضرورة من دين الإسلام؛ أن الإنسان يدخل الجنة أو يدخل النار بعمله، كما قال تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى [النجم:40-41].

وكذلك قاعدة: أن الأحاديث التي تخالف الحس الثابت فهي غير صحيحة، مثل: بعض الأحاديث التي تذكر فضائل ألوان من الطعام؛ كالباذنجان مثلاً، أو الأرز، أو الهريسة أو غيرها، وتنسب لها من الفوائد ما يقطع الأطباء وغيرهم بأنه كذب؛ كحديث: { الباذنجان لما أُكل له}.

كذلك قاعدة: أن ما خالف التاريخ فهو كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك كالأحاديث الواردة أن دولة بني العباس تبقى إلى آخر الدهر، فقد ثبت تاريخياً أن هذه الدولة سقطت وانتهت. ومثله: الأحاديث التي وردت في ذكر تواريخ معينة تقع فيها حوادث معينة، مثل: أنه في سنة كذا وكذا يحدث كذا وكذا يحدث رجَّة، أو صيحة، أو ما أشبه ذلك. فهذه كلها كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكذلك حصر الإمام ابن القيم رحمه الله، بعض الأبواب والفصول من العلم، التي لا يصح فيها حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذه ميزة لهذا الكتاب لا تكاد توجد في غيره؛ أعني بها ذكر الضوابط العامة التي يُعرف بها الحديث الموضوع، وكذلك ذكر جُمل من العلم لم يصح فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث.

انتشار طبع ونشر الأحاديث الموضوعة بين الناس

أيها الإخوة في هذا العصر الذي عم فيه الجهل بالإسلام جملة، راج عند كثير من المسلمين أحاديث منسوبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وبدءوا ينشرونها بكل وسيلة.

ومن الغريب أنك تجد أحياناً إنساناً طيباً صالحاً محتسباً يقف في الطائرة مثلاً، أو في مكتبة من المكتبات، أو في مدرسة، فيقوم بتوزيع ورقة كتب فيها حديث، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذا وكذا. وهذا الحديث طويل فيه وعد أو وعيد، أو تحذير من بعض المعاصي والذنوب والآثام، وتجد هذا الإنسان مجتهداً في نشر هذا الحديث، فإذا انتهت هذه الأوراق سارع في تصويرها وتوزيعها.

وكثيراً ما تسمع أنه في بعض مدارس البنات، وفي أوساط النساء توزع هذه الأحاديث، فإذا نظرت في هذه الأحاديث؛ وجدتها في الغالب أحاديث موضوعة، فينشط أهل العلم من الخطباء والعلماء في التحذير منها، فيتركها الناس فترة من الزمن، وما هي إلا أيام وليالٍ حتى يعاود الناس نشر هذه الأحاديث وتوزيعها.

وهذا أمرٌ غريب، يجعل الإنسان يظن أنه قد يكون وراء نشر هذه الأحاديث في بعض الأحيان؛ أناس يتقصدون ترويجها أو إشاعتها، فضلاً عن الجهال الذين يوزعون كل ما وقع في أيديهم.

إن من المهم أن يعرف الإنسان بعض القواعد العامة التي يُرجع إليها في تمييز الموضوع وبيانه، ولذلك يَحسُن الرجوع إلى كتاب المنار المنيف في الصحيح والضعيف للإمام ابن القيم رحمه الله؛ فإنه عني في هذا الكتاب ببيان القواعد العامة التي تضبط الأحاديث الموضوعة، وذلك مثل: كون الحديث فيه من المجازفات والمبالغات ما لا يتوقع صدوره من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك كحديث: {من قال لا إله إلا الله؛ خلق الله من هذه الكلمة طائراً له سبعون ألف جناح، في كل جناح سبعون ألف ريشة} أو {خلق الله من هذه الكلمة طائراً له سبعون ألف لسان، في كل لسان سبعون ألف لغة، يستغفر لقائلها} أو نحو ذلك من المجازفات التي يرفضها العقل.

ومثل: قاعدة أن ما خالف الأصول المستقرة في الدين فهو غير صحيح. وذلك كحديث: {أن من كان اسمه أحمد، أو محمد، فإنه لا يدخل النار} لأن من المعلوم ضرورة من دين الإسلام؛ أن الإنسان يدخل الجنة أو يدخل النار بعمله، كما قال تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى [النجم:40-41].

وكذلك قاعدة: أن الأحاديث التي تخالف الحس الثابت فهي غير صحيحة، مثل: بعض الأحاديث التي تذكر فضائل ألوان من الطعام؛ كالباذنجان مثلاً، أو الأرز، أو الهريسة أو غيرها، وتنسب لها من الفوائد ما يقطع الأطباء وغيرهم بأنه كذب؛ كحديث: { الباذنجان لما أُكل له}.

كذلك قاعدة: أن ما خالف التاريخ فهو كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك كالأحاديث الواردة أن دولة بني العباس تبقى إلى آخر الدهر، فقد ثبت تاريخياً أن هذه الدولة سقطت وانتهت. ومثله: الأحاديث التي وردت في ذكر تواريخ معينة تقع فيها حوادث معينة، مثل: أنه في سنة كذا وكذا يحدث كذا وكذا يحدث رجَّة، أو صيحة، أو ما أشبه ذلك. فهذه كلها كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكذلك حصر الإمام ابن القيم رحمه الله، بعض الأبواب والفصول من العلم، التي لا يصح فيها حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذه ميزة لهذا الكتاب لا تكاد توجد في غيره؛ أعني بها ذكر الضوابط العامة التي يُعرف بها الحديث الموضوع، وكذلك ذكر جُمل من العلم لم يصح فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث.




استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
حديث الهجرة 4948 استماع
الصومال الجريح 4132 استماع
تلك الرسل 4130 استماع
مصير المترفين 4064 استماع
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة 4033 استماع
وقفات مع سورة ق 3961 استماع
مقياس الربح والخسارة 3913 استماع
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية 3850 استماع
التخريج بواسطة المعجم المفهرس 3812 استماع
العالم الشرعي بين الواقع والمثال 3810 استماع