العين حق


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

أما بعـد:

فاتقوا الله أيها الناس: اتقوا ربكم وراقبوه في السر والعلن، فبتقوى الله عز وجل تصلح الأمور، وتتلاشى الشرور، ويصلح للناس أمر الدنيا والآخرة.

أيها الناس! الحسد والتحاسد مجمع الآفات، ومستنقع الشرور والرذائل، إذ ما دخل الحسد في شيء إلا شانه، ولا نزع من شيء إلا زانه، وإن انتشار مثل هذه اللوثة المذمومة في أوساط الناس لأمرٌ مؤذن بعواقب وخيمة، وأضرار جسيمة، ولو لم يكن من ذلك إلا التباغض والتدابر والتشاحن والتناحر، بلها الغيبة والنميمة، والأشر والبطر.

وإن من سهام الناس القاتلة التي تمرق من رمية الحسد هي: الإصابة بالعين وما أدراكم ما الإصابة بالعين!

إنها نظر باستحسان مشوبٍ بحسد من خبيث الطبع، يحصل للمنظور منه ضرر، يقال: أصابت فلانٌ عينٌ إذا نظر إليه عدوٌ أو حسود، فأثرت فيه فمرض بسببها.

لذلكم -عباد الله- بيَّن أهل العلم حقيقة العين، وبها تعلمون أن العين إنما هي جمرة مضرمة من حطب الحسد، ابتلي بها الكثيرون على حين غفلة من الأوراد الشرعية التي هي حروز أمينة، وحصون مكينة، فتناثرت جثث وهام، وتردت نفوس، وتهالكت أجسادٌ من جُرها.

ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: (أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالعين ) رواه البخاري في تاريخه ، والبزار في مسنده وهو حديث حسن.

دلالة الكتاب والسنة على أن العين حق

عباد الله! العين حقٌ لا ممارات فيها ثابتة بالكتاب والسنة، وبواقع الأمم المتكررة.

يقول الله جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ [القلم:51] أي: يعينونك بأبصارهم.

قال ابن كثير رحمه الله: " وفي هذه الآية دليلً على أن العين إصابتها وتأثيرها حقٌ بأمر الله عز وجل ".

ثم اعلموا عباد الله! أن اللقع بالعين كان في بني إسرائيل، وقد كانت العرب إذا أراد أحدهم أن يعتان أحداً تجوَّع ثلاثةً أيامٍ ثم اعتانه، ولقد قال الحسن البصري رحمه الله: [[ دواء من أصابته العين أن يقرأ هذه الآية ]].

ومما يدل على أن العين حقٌ -عباد الله- قول الخالق جلَّ وعلا: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [الفلق:1-5]، قال قتادة : أي [[ من شر عينه ونفسه ]].

وقال ابن القيم رحمه الله: كل عائن فهو حاسد، ولما كان الحسد أعم من العائن كانت الاستعاذة منه استعاذة من العائن.

وقال ابن عطية : إن عين الحاسد في الغالب لاقصة، نعوذ بالله عز وجل من شرها.

ومن لطائف هذه الآية عباد الله! أن بعض العامة يقولون للحاسد إذا نظر إليهم: الخمس على عينيك! ويشيرون على الأصابع الخمسة، وهذا غلطٌ بيِّن، إذ المراد بالخمس: هي آيات سورة الفلق، إذ كلها خمس آيات.

أيها المسلمون! لقد جاءت السنة مؤكدةً للقرآن ومفسرةً له، ولقد قال المصطفى صلوات الله وسلامه عليه في ذلك: {العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا } رواه مسلم .

والمعنى: إن طلب من أحدكم أن يغتسل لمن أصابه بالعين فليجب.

وقال صلوات الله وسلامه عليه: {استعيذوا بالله من العين، فإن العين حق } رواه الحاكم وابن ماجة .

كما صح عند أحمد في مسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن العين لتوقع بالرجل بإذن الله، حتى يصعد حالقاً: فيتردى منه } ومعنى يصعد حالقاً أي: يصعد مكاناً مرتفعاً ثم يتردى منه بسبب العين.

وقال صلوات الله وسلامه عليه مرةً لـأسماء بنت عُميس : {مالي أرى أجسام بني أخي ضارعة -أي: نحيفة- يصيبهم الحاجة؟ قالت: لا. ولكن العين تسرع إليهم، قال: ارقيهم، فقالت: فعرضت عليه، فقال: ارقيهم } رواه مسلم .

أنواع الإصابة بالعين

ثم اعلموا عباد الله! أن العين عينان: عينٌ إنسية، وعين جنية.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم: {يتعوذ من الجان، ثم من أعين الإنس، فلمَّا نزلت المعوذتان أخذهما وترك ما سوى ذلك } رواه الترمذي وابن ماجة .

ثم إن المرء بذاته قد يُعين نفسه إذا رأى منها ما يُعجبه، واستقى أهل العلم ذلك من قوله: وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ [الكهف:39].

ولقد ذكر الفقهاء -رحمهم الله- أن من عُرِفَ بالعين؛ فإن الإمام يحبسه ويجري له ما ينفق عليه إلى الموت.

قال ابن القيم رحمه الله: وهذا هو الصواب قطعاً، وما ذاك -عباد الله- إلا لعظم هذا الأمر وخطورته في المجتمع وإهلاك الأنفس به، وهدم الأسر والبيوتات، مما يدل بالتأكيد على أن العين حق، لا لعلها وكفى الله المسلمين شرها.

ضلال بعض الناس في إنكار العين

أيها الناس! في حضارتنا المعاصرة كثر المثقفون، وشاعت المعارف الذكية، في حين أن البعض منها مقطوع الصلة بالله وبشرعه، والإنسان مهما قوي فهو ضعيف، ومهما اتسع تعلمه فعلمه قاصر، وحاجته إلى شريعة ربه والوقوف بالتسليم لنصوصه أشد من حاجته إلى الماء والهواء، فما أعظم نعمة الدين الصحيح والعقل الصريح! فلا دين بلا عقل، إذ لا تكليف حينئذٍ ولا عقل بلا دين إذ إِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46].

ولقد برزت طائفة من المعنين بالطب وفنونه، ممن قلَّ نصيبهم من نصوص الشارع الحكيم، فأبطلت أمر العين، وادَّعت كاذبةً أنها لا تعدوا كونها أوهاماً، وأطياف خيالٍ لا حقيقة لها.

ولا غرو -أيها المسلمون- أن يضل أمثال هؤلاء وقد قال ربنا جلَّ وعلا: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى [طه:123]، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:3].

عباد الله! العين حقٌ لا ممارات فيها ثابتة بالكتاب والسنة، وبواقع الأمم المتكررة.

يقول الله جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ [القلم:51] أي: يعينونك بأبصارهم.

قال ابن كثير رحمه الله: " وفي هذه الآية دليلً على أن العين إصابتها وتأثيرها حقٌ بأمر الله عز وجل ".

ثم اعلموا عباد الله! أن اللقع بالعين كان في بني إسرائيل، وقد كانت العرب إذا أراد أحدهم أن يعتان أحداً تجوَّع ثلاثةً أيامٍ ثم اعتانه، ولقد قال الحسن البصري رحمه الله: [[ دواء من أصابته العين أن يقرأ هذه الآية ]].

ومما يدل على أن العين حقٌ -عباد الله- قول الخالق جلَّ وعلا: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [الفلق:1-5]، قال قتادة : أي [[ من شر عينه ونفسه ]].

وقال ابن القيم رحمه الله: كل عائن فهو حاسد، ولما كان الحسد أعم من العائن كانت الاستعاذة منه استعاذة من العائن.

وقال ابن عطية : إن عين الحاسد في الغالب لاقصة، نعوذ بالله عز وجل من شرها.

ومن لطائف هذه الآية عباد الله! أن بعض العامة يقولون للحاسد إذا نظر إليهم: الخمس على عينيك! ويشيرون على الأصابع الخمسة، وهذا غلطٌ بيِّن، إذ المراد بالخمس: هي آيات سورة الفلق، إذ كلها خمس آيات.

أيها المسلمون! لقد جاءت السنة مؤكدةً للقرآن ومفسرةً له، ولقد قال المصطفى صلوات الله وسلامه عليه في ذلك: {العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا } رواه مسلم .

والمعنى: إن طلب من أحدكم أن يغتسل لمن أصابه بالعين فليجب.

وقال صلوات الله وسلامه عليه: {استعيذوا بالله من العين، فإن العين حق } رواه الحاكم وابن ماجة .

كما صح عند أحمد في مسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن العين لتوقع بالرجل بإذن الله، حتى يصعد حالقاً: فيتردى منه } ومعنى يصعد حالقاً أي: يصعد مكاناً مرتفعاً ثم يتردى منه بسبب العين.

وقال صلوات الله وسلامه عليه مرةً لـأسماء بنت عُميس : {مالي أرى أجسام بني أخي ضارعة -أي: نحيفة- يصيبهم الحاجة؟ قالت: لا. ولكن العين تسرع إليهم، قال: ارقيهم، فقالت: فعرضت عليه، فقال: ارقيهم } رواه مسلم .

ثم اعلموا عباد الله! أن العين عينان: عينٌ إنسية، وعين جنية.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم: {يتعوذ من الجان، ثم من أعين الإنس، فلمَّا نزلت المعوذتان أخذهما وترك ما سوى ذلك } رواه الترمذي وابن ماجة .

ثم إن المرء بذاته قد يُعين نفسه إذا رأى منها ما يُعجبه، واستقى أهل العلم ذلك من قوله: وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ [الكهف:39].

ولقد ذكر الفقهاء -رحمهم الله- أن من عُرِفَ بالعين؛ فإن الإمام يحبسه ويجري له ما ينفق عليه إلى الموت.

قال ابن القيم رحمه الله: وهذا هو الصواب قطعاً، وما ذاك -عباد الله- إلا لعظم هذا الأمر وخطورته في المجتمع وإهلاك الأنفس به، وهدم الأسر والبيوتات، مما يدل بالتأكيد على أن العين حق، لا لعلها وكفى الله المسلمين شرها.




استمع المزيد من الشيخ سعود الشريم - عنوان الحلقة اسٌتمع
ربما تصح الأجسام بالعلل 2767 استماع
السياحة من منظور إسلامي 2556 استماع
لا أمن إلا في الإيمان!! 2468 استماع
حاسبوا أنفسكم 2426 استماع
كيف نفرح؟ 2348 استماع
مفهوم السياحة ومخاطرها [1] 2297 استماع
رحيل رمضان 2245 استماع
مفاهيم رمضانية 2169 استماع
مخاصمة السنة 2164 استماع
أمّ الخبائث 2093 استماع