كيف نفرح؟


الحلقة مفرغة

الحمد لله على تقديره، وحسن ما صرف من أموره، نحمده سبحانه بحسن صنعه، شكراً على إعطائه ومنعه، يصير الرزق للعبد وإن لم يشكره، ويستر الجهل على من يظهره، خَوَّف من يغفل من عقابه، وأطمع العامل في ثوابه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خير من يدعى لدى الشدائد ومن له الذكر مع المحامد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، قضى بالحق وبه عدل، ربّى فصقل ووعد ففعل، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر صحابة نبيك محمد وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعــد :

فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله سبحانه فاتقوه وراقبوه وأخلصوا له في السر والعلن، وتزودوا بطاعته فإن خير الزاد التقوى.

أيها الناس: يقول الله جل وعلا في محكم التنـزيل: وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:20-21] ويقول جل شأنه: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ [فصلت:53] ألا فاعلموا عباد الله أن الآيات العظام التي أودعها الله جل وعلا أنفس بني آدم لهي كثيرة حقاً، يعز على اللبيب حصرها ويعيى المتحدث سردها، ولو كلف المرء نفسه مرة في أن يستخلص بعضاً مما يثير الإعجاب في هذا التكوين، لوجد أن من الملفت حقاً ما يكمل في نفسه التي بين جنبيه من الأضداد المزدوجة، والعكوسات المتقابلة، والتي تكيف نفسها بقدر من الله وحكمة، بالتعامل مع الأحداث والمواقف، ولوجد المرء نفسه بين خلايا من الشعور اللا إرادية التي فطر الله الناس على أصله وقاعدته ويبدو ذلك بوضوح في مثل الضحك والبكاء، والقوة والضعف، والرغبة والرهبة، والذلة والعزة، والخوف والرجاء، والحب والفرح، والغضب والرضا، كل ذلك عباد الله يجتمع في النفس الواحدة في غير ذهول ولا جنون، وإنما هي خلال جبلية أودعها الله النفس البشرية وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21].

حقيقة الفرح

عباد الله: إننا بحاجة ملحة إلى أن نلقي الضوء قليلاً في عدل وإنصاف، ومن منطلق النصح والتوجيه على واحد من تلك الأضداد الآنف ذكرها، ألا وهو الفرح، الفرح الذي يكون مقابلة الحزن والكآبة، الفرح الذي هو لذة في القلب بسبب الحصول على أمر محبوب، وانشراح في الصدر عند بلوغ مقصد مطلوب، أنساً بما يسر عند بلوغ مقصد مطلوب، أنساً بما يسر والذي يترجم عنه بالجوارح بالابتسامة حيناً، أو بأسارير الوجه حيناً آخر، ولربما بلغت العاطفة نفس الفرح فكان من فرط ما قد سره أبكاه.

إن الله عز وجل بقسطه وعدله جعل الفرح والروح في الرضا واليقين، وجعل الهم والحزن بالسخط والشك، فالساخط والشاك لا يذوق للفرح طعماً، ولا يرى له طيفاً؛ لأن الساخط العيش كثير الطيش، بل إن حياته كلها سواد ممتد وليل حالك لا يعقبه نهار إلا بفضل من الله ومَنَّ، فهو دائم الكآبة ضيق بالناس، ضيق بنفسه، كأن الدنيا في عينه سم الخياط حتى يكون حرضاً أو يكون من الهالكين.

فرح الله سبحانه وتعالى

قال ابن القيم رحمه الله: كما ورد الرضا والفرح والسرور من ربي تبارك وتعالى.

الفرح -أيها المسلمون- صفة الكمال في البشر، وهو قبل ذلك صفة لله جل وعلا تليق بجلاله سبحانه، وهي في منتهى الكمال لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] وفي الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لَلَّهُ أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم كان على راحلة في أرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فيئس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح }.

إن لفرح الله سبحانه بتوبة عبده شأناً لا ينبغي لأحد أن يغفله، أو يعرض عنه، بل إن من عرف ذلك فهو الموفق الذي لا يغضب، إذ لا يتنبه لمثل هذا، إلا من له معرفة بالله وبأسمائه وبصفاته، وما يليق بالباري جل ذكره، ومثل هذا الحديث قد تقصر عنه أصحاب بعض بني هذا الزمان؛ لضعف عقولهم وعلومهم عن احتماله، إبان نقص في العلم وجنوح غير يسير عن تربية المرء على التعلق بالله سبحانه، غير أننا نقول كما قال ابن القيم رحمه الله: إن الله عز وجل سيتم هذه البضاعة إلى تجارها ومن هو عارف بقدرها، وإن وقعت في الطريق بيد من ليس عارفاً بها فرب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه.

عباد الله: إننا بحاجة ملحة إلى أن نلقي الضوء قليلاً في عدل وإنصاف، ومن منطلق النصح والتوجيه على واحد من تلك الأضداد الآنف ذكرها، ألا وهو الفرح، الفرح الذي يكون مقابلة الحزن والكآبة، الفرح الذي هو لذة في القلب بسبب الحصول على أمر محبوب، وانشراح في الصدر عند بلوغ مقصد مطلوب، أنساً بما يسر عند بلوغ مقصد مطلوب، أنساً بما يسر والذي يترجم عنه بالجوارح بالابتسامة حيناً، أو بأسارير الوجه حيناً آخر، ولربما بلغت العاطفة نفس الفرح فكان من فرط ما قد سره أبكاه.

إن الله عز وجل بقسطه وعدله جعل الفرح والروح في الرضا واليقين، وجعل الهم والحزن بالسخط والشك، فالساخط والشاك لا يذوق للفرح طعماً، ولا يرى له طيفاً؛ لأن الساخط العيش كثير الطيش، بل إن حياته كلها سواد ممتد وليل حالك لا يعقبه نهار إلا بفضل من الله ومَنَّ، فهو دائم الكآبة ضيق بالناس، ضيق بنفسه، كأن الدنيا في عينه سم الخياط حتى يكون حرضاً أو يكون من الهالكين.




استمع المزيد من الشيخ سعود الشريم - عنوان الحلقة اسٌتمع
ربما تصح الأجسام بالعلل 2766 استماع
السياحة من منظور إسلامي 2556 استماع
لا أمن إلا في الإيمان!! 2468 استماع
حاسبوا أنفسكم 2424 استماع
العين حق 2382 استماع
مفهوم السياحة ومخاطرها [1] 2296 استماع
رحيل رمضان 2245 استماع
مفاهيم رمضانية 2168 استماع
مخاصمة السنة 2164 استماع
أمّ الخبائث 2092 استماع