لا أمن إلا في الإيمان!!


الحلقة مفرغة

الحمد لله، الحمد لله الذي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر، ويحيط علماً بما يظهره العبد وما يضمر، الكريم المتعال، الذي يقبل التوبة عن عباده، فيمحو الزلل ويغفر، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله إلى جميع الثقلين الأنس والجن بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، تركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعــد:

التقوى أمان الخائفين

فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله سبحانه وتعالى؛ فإنها الأمن عند الخوف، والنجاة عند الهلاك، بها يشرف المرء وينبل، وبالنأي عنها يذل العبد ويسهل، وهي وصية الله للأولين والآخرين: فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:100].

أيها الناس: في ظل الأمن والأمان تحلو العبادة، ويصير النوم سباتاً، والطعام هنيئاً، والشراب مريئاً.

الأمن والأمان هما عماد كل جهد تنموي، وهدف مرتقب لكل المجتمعات على اختلاف مشاربها؛ بل هو مطلب الشعوب كافة بلا استثناء، ويشتد الأمر خاصة في المجتمعات المسلمة، التي إذا آمنت أمنت، وإذا أمنت نمت، فانبثق عنها أمن وإيمان ونماء، إذ لا أمن بلا إيمان، ولا نماء بلا ضمانات واقعية ضد ما يُعكِّر الصفو في أجواء الحياة اليومية.

إطراء الحياة الآمنة، هو ديدن كافة المنابر، لما للأمن من وقع في حس الناس، من حيث تعلقه بحرصهم على أنفسهم، فضلاً عن كونه هبة الله لعباده، ونعمةً يُغبط عليها كل من وهِبها، ولا غرو في ذلك! فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من أصبح آمناً في سربه، معافىً في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها }.

الانحلال الأمني وآثاره

بضعف الأمن وانحلاله تظهر آثار خبث الشيطان وألاعيبه هو وجنده من الجن والإنس، وإقعادهم بكل صراط يوعد بالأغرار من البشر، ويستخفهم فيطيعونه، فيبين حذقه وإغواءه، محققاً توعده بقوله: لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [الأعراف:16-17].

إن المزايدة على الأمن والأمان في مجتمعات المسلمين عامة، لهو مدعاةً للسخرية والفوضى، المفرزين للممارسات الشاذة، والإخلال المرفوض بداهة، والمهدد لسفينة الأمان الماخرة، كلُّ ذلك غير مستساغ شرعاً ولا عقلاً، ولا قبول له تحت أي مبرر كان، بل كل مزايدة في اختلال الأمن والأمان إنما هو من نسيج الأعداء المتربصين بنا، وإن استعملوا في نفاذ اختلاله اللهازم من أبناء أمتنا وأغرارهم، من أجل سلب أمن الأمة المسلمة ومقدراتها بكل ما تعنيه الكلمة.

زعزعة الأمن وخطرها

إن المرء المسلم في فسحةٍ من دينه، عن أن يَزُجَّ بنفسه في مهاوي الرذيلة، ومحال الريب.

إن مزعزع الأمن ومخلخله إنما هو بادي الرأي يزعزع أمن نفسه ووالديه وبقية أسرته قبل أن يُزعزع أمن غيره من الناس، كل هذا يبدو واضحاً جلياً في مثل كأس خمر، أو قتل نفس، أو جرعة مخدر، أو هتك عرض، أو إحلال فساد بين الخلق، بمثل ذلك ينسلخ مواقع هذه الأمور عن إنسانيته وإسلاميته، ويتقمص شخصية الإجرام، والفتك، والفاحشة، والإضلال بالمسلمين؛ فيشل الحياة، ويهدم صرح الأمة، ويوقع مجتمعه وبني ملته في وهدة الذل والدمار، فيخل بالأمن، ويروِّع المجتمع، ويُبدِّد أمنهم شذر مذر.

إنه متى امتد شذوذ المرء ليشمل الآخرين، ويمس من أهله ومجتمعه؛ فإنه -لا محالة- يعرض نفسه لحتفه، بالغاً ما بلغ من العنفوان والشجاعة، وإلا فلو فكر مزعزع الأمن ملياً في مصير والده ووالدته، حينما تأخذهما الحسرات كل مأخذ، وهما اللذان ربَّياه صغيراً، يتساءلان في دهشة وذهول: أمِنَ المعقول أن يكون من ولدناه تحت ناظرنا معول هدم لأمن المجتمع وصرحه؟!

أما يفكر مزعزع الأمن في زوجه وأولاده الذين يُخشى عليهم الضياع من بعده، والأسى من فقده؟!

ألا يشعر بأن زوجه أرملة ولو كان حياً؟!

أوما يشعر بأن أولاده أيتام ولو كان له عرق ينبض؟!

وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً [النساء:9].

ألا يُفكِّر مُزعزع الأمن كيف يحل عليه الضعف محل القوة، والهم من نفسه محل الفرح، والكدر مكان الصفاء؟! حيث لم يعد يؤنسه جليس، ولا يريحه حديث، فهو قلق متوجس، كثير الإلتفات، فكيف يصل إلى منشوده ومبتغاه بعد أن يسأم الحياة بفعله الشاذ؟! والذي سيجعله قابعاً في غياهب السجون بسبب جرمه، فضلاً عما يُخالج أنفاسه وأحاسيسه؛ من ارتقاب عقوبة كامنة عند كل طرقة باب، لا سيما إن كان في هذه العقوبة حتفه، وتغييبه من هذه الحياة.

ولا غرو في ذلك! فإن في قتل مجرم واحد حياة هنيئة لأمة بأكملها: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:179] وقديماً قيل: القتل أنفى للقتل.

دور العقوبات في استتباب الأمن

أيها المسلمون: من أجل استتباب الأمن في المجتمعات، جاءت الشريعة الغراء بالعقوبات الصارمة، وحفظت للأمة في قضاياها ما يتعلق بالحق العام والحق الخاص، بل إن من المُسَلَّم في الشريعة قطع أبواب التهاون في تطبيقها أياً كان هذا التهاون؛ سواء كان في تنشيط الوسطاء في إلغائها، أو في الاستحياء من الوقوع في وصمة نقد المجتمعات المتحضرة.

فحفظاً للأمن والأمان غضب النبي صلى الله عليه وسلم على من شَفِعَ في حدِّ من حدود الله بعدما ما بلغ السلطان، وأكَّد على ذلك بقوله: {وايم الله! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها } وما ذاك -أيها الناس- إلا من باب سد الذريعة المُفضية إلى التهاون بالحدود والتعزيرات، أو التقليل من شأنها.

وإنه حين يدب في الأمة داء التسلل الأمني، فإن أفرادها بذلك يهيلون التراب على تراث المسلمين، ويقطعون شرايين الحياة عن الأجيال الحاضرة والآمال المرتقبة، وهم يخدمون بمثل هذا -عن وعي أو عن غباء- الغارة الاستعمارية على ديار المسلمين، من خلال أعمال، تزيد السقم علة، والطين بلة، فيُطاح بالمسلمين، وتوصد أبوابهم أمام الحياة الهانئة الآمنة.

ومثل هذا ظاهر جلي في طرح الدعوات الصارخة لما يُسمى بمبادئ حقوق الإنسان، والتي تجعل من فتح الحريات وعتق الرغبات رفضاً باتاً للفطر السليمة، وسبباً مباشراً تدمر به الأخلاق المستقيمة، ومن ثمَّ يزعمون أن من خالف ذلك فهو ضد الإنسان والإنسانية، وضد الحقوق الشخصية، والرغبات الفردية، وهي في الحقيقة ليست من الإنسانية في شيء، ولا هي من بابتها، فلا تمت لها بخيط رقيق، ولا حبل متين، بل إنما يُنمَّق حول ذلك ويزوق مر العاقبة وإن حلا ظاهره، وصعب المرتقى، وإن سهل ترويجه، ودميم الطرح مهما بدت فينا دماثته.

لقد سفَّهت دعوات حقوق الإنسان أحكام الشريعة؛ فوصفت إقامة الحدود بالسفه والحطة والغلظة، دعا أهلها إلى حفظ حقوق الإنسان فقتلوه من حيث أرادوا حفظ حقه، وأخرجوه من القيود الشرعية حرصاً عليه، فإذا بهم في نهاية المطاف يدركون أنهم إنما كانوا يُنادون بحفظ حقوق الإنسان المجرم، فإلى الله المشتكى.

فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله سبحانه وتعالى؛ فإنها الأمن عند الخوف، والنجاة عند الهلاك، بها يشرف المرء وينبل، وبالنأي عنها يذل العبد ويسهل، وهي وصية الله للأولين والآخرين: فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:100].

أيها الناس: في ظل الأمن والأمان تحلو العبادة، ويصير النوم سباتاً، والطعام هنيئاً، والشراب مريئاً.

الأمن والأمان هما عماد كل جهد تنموي، وهدف مرتقب لكل المجتمعات على اختلاف مشاربها؛ بل هو مطلب الشعوب كافة بلا استثناء، ويشتد الأمر خاصة في المجتمعات المسلمة، التي إذا آمنت أمنت، وإذا أمنت نمت، فانبثق عنها أمن وإيمان ونماء، إذ لا أمن بلا إيمان، ولا نماء بلا ضمانات واقعية ضد ما يُعكِّر الصفو في أجواء الحياة اليومية.

إطراء الحياة الآمنة، هو ديدن كافة المنابر، لما للأمن من وقع في حس الناس، من حيث تعلقه بحرصهم على أنفسهم، فضلاً عن كونه هبة الله لعباده، ونعمةً يُغبط عليها كل من وهِبها، ولا غرو في ذلك! فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من أصبح آمناً في سربه، معافىً في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها }.

بضعف الأمن وانحلاله تظهر آثار خبث الشيطان وألاعيبه هو وجنده من الجن والإنس، وإقعادهم بكل صراط يوعد بالأغرار من البشر، ويستخفهم فيطيعونه، فيبين حذقه وإغواءه، محققاً توعده بقوله: لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [الأعراف:16-17].

إن المزايدة على الأمن والأمان في مجتمعات المسلمين عامة، لهو مدعاةً للسخرية والفوضى، المفرزين للممارسات الشاذة، والإخلال المرفوض بداهة، والمهدد لسفينة الأمان الماخرة، كلُّ ذلك غير مستساغ شرعاً ولا عقلاً، ولا قبول له تحت أي مبرر كان، بل كل مزايدة في اختلال الأمن والأمان إنما هو من نسيج الأعداء المتربصين بنا، وإن استعملوا في نفاذ اختلاله اللهازم من أبناء أمتنا وأغرارهم، من أجل سلب أمن الأمة المسلمة ومقدراتها بكل ما تعنيه الكلمة.




استمع المزيد من الشيخ سعود الشريم - عنوان الحلقة اسٌتمع
ربما تصح الأجسام بالعلل 2766 استماع
السياحة من منظور إسلامي 2556 استماع
حاسبوا أنفسكم 2422 استماع
العين حق 2382 استماع
كيف نفرح؟ 2345 استماع
مفهوم السياحة ومخاطرها [1] 2296 استماع
رحيل رمضان 2245 استماع
مفاهيم رمضانية 2167 استماع
مخاصمة السنة 2164 استماع
أمّ الخبائث 2092 استماع