الإسلام دين سائغ معقول كله حكمة وبداهة إزاء أوهام وخرافات وأساطير ، وشرع إلهي ووحي سماوي إزاء أقيسة وتجارب إنسانية وتشريع بشري ، ومدنية فاضلة قوية البنيان محكمة الأساس ، يسود فيها روح التقوى والعفاف والأمانة ، وتقدر فيها الأخلاق الفاضلة فوق المال والجاه ، والروح فوق المظاهر الجوفاء ، يتساوى الناس فلا يتفاضلون إلا بالتقوى

وكان الدين والقومية ككفتي ميزان كلما رجحت واحدة طاشت الاخري ومعلوم ان كفة الدين لم تزل تخف كل يوم ولم تزل كفة منافسته راجحة

الزعامة الإسلامية تقتضي صفات واسعة جدا نستطيع أن نجمعها في كلمتين الجهاد والإجتهاد فهما كلمتان خفيفتان بسيطتان ولكنهما جامعتان عامرتان بالمعاني الكثيرة

إذا حكمت على عصرك وطبائعه وأذواقه وأنت بمعزل عن الحياة وبنيت حكمك على مؤلفات ومقالات إنما تكتب في زاوية من زوايا الكتب فإنك تغالط نفسك

إن هذا الرعيل من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم كان خليقاً بأن يسعد النوع الإنساني في ظله وتحت حكمه ،وأن يسير بقيادته سديد الخطى رشيد الغاية مستقيم السير ، وأن يعمر ويطمئن العالم في دوره وتخصب الأرض وتأخذ زخرفها ، فإنهم كانوا خير القائمين على مصالحها حارسين لها

إن اخوف ما يخاف على أمة ويعرضها لكل خطر ويجعلها فريسة للمنافقين ولعبة للعابثين هو فقدان الوعي في هذه الأمة، وافتتانها بكل دعوة واندفاعها إلى كل موجة وخضوعها لكل متسلط وسكونها على كل فظيعة 

وكذلك ضاعت رسالة الأنبياء، والأخلاق الفاضلة والمبادئ السامية في العالم المتمدن المعمور بين غنى مطغٍ وفقر مسن، وأصبح الغني في شغل عن الدين والاهتمام بالآخرة والتفكير في الموت وما بعده بنعيمه وترفه، وأصبح الفلاح أو العامل في شغل عن الدين كذلك لهمومه وأحزانه وتكاليف حياته ​​​​​​​

بالإيمان الواسع العميق والتعليم النبوي المتقن، وبفضل هذا الكتاب السماوي المعجز الذي لا تنقضي عجائبه ولا تخلق جدته، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإنسانية المحتضرة حياة جديدة, عمد إلى الذخائر البشرية وهي أكداس من المواد الخام لا يعرف أحد غناءها الأرض فأوجد فيها بإذن الله الإيمان والعقيدة وبعث فيها الروح الجديدة

عندما سئل الأستاذ أبو الحسن علي الندوي –رحمه الله تعالي – عن مصر : فقال في الحسنات: الإيمان بالله والدين, والمحبة للمسلم خاصة إذا كان غريباً, ورقة القلب, وسلامة الصدر, وكثرة الأعمال المنتجة أما عن السيئات فقال في تحرج: السفور وعدم التستر والصور الخليعة في الصحف والمجلات, واستهانة بعض العلماء ببعض المحرمات, وعدم المحافظة علي صلاةِ الجماعة في المساجد بالرغم من كثرتها, والإندفاع في تقليد الحضارة الغربية بلا تبصر

لم يسجل التاريخ حادثة دافع فيها مسلم في مكة عن نفسه بالسيف مع كثرة الدواعي الطبيعية إلى ذلك وقوتها ، وذلك غاية ما روي في التاريخ من الطاعة والخضوع ، حتى إذا تعدت قريش في الطغيان وبلغ السيل الزبى أذن الله لرسوله ولأصحابه بالهجرة : وهاجروا إلى يثرب وقد سبقهم إليها الإسلام

إن الزعامة الإسلامية تقتضي صفات دقيقة ، واسعة جداً نستطيع أن نجمعها في كلمتين "الجهاد " و "الاجتهاد" , فالجهاد هو بذل الوسع وغاية الجهد لنيل أكبر مطلوب ، وأكبر وطر للمسلم طاعة الله ورضوانه والخضوع لحكمه والإسلام لأوامره

 طباع الناس وعقولهم تتغير وتتأثر بالإسلام من حيث يشعرون ومن حيث لا يشعرون كما تتأثر طبيعة الإنسان والنبات في فصل الربيع

إذا أراد العالم الإسلامي أن يستأنف حياته ، ويتحرر من رق غيره وإذا كان يطمح إلى القيادة ، فلا بد إذن من الاستقلال التعليمي ، بل لابد من الزعامة العلمية وما هي بالأمر الهين ، إنها تحتاج إلى تفكير عميق ، وحركة التدوين والتأليف الواسعة ، وخبرة إلى درجة التحقيق والنقد بعلوم العصر مع التشبع بروح الإسلام والإيمان الراسخ بأصوله وتعاليمه ، إنها لمهمة تنوء بالعصبة أولي القوة ، إنما هي من شأن الحكومات الإسلامية ، فتنظم لذلك جمعيات ، وتختار لها أساتذة بارعين في كل فن

محمدا صلى الله عليه و سلم, لم يبعث لينسخ باطلا بباطل, و يبدل عدوانا بعدوان, و يحرم شيئا في مكان و يحله في مكان آخر, ويبدل أثرة أمة بأثرة أمة أخرى, لم يبعث زعيما وطنيا أو قائدا سياسيا, يجر النار إلى قرصه و يصغي الإناء إلى شقه, و يخرج الناس من حكم الفرس و الرومان إلى حكم عدنان و قحطان

إذا تغلبت جماعة لا تعبد إلا المادة وما إليها من لذة ومنفعة محسوسة، ولا تؤمن إلا بهذه الحياة، ولا تؤمن بما وراء الحس أثرت طبيعتها ومبادئها وميولها في وضع المدنية وشكلها، وطبعتها بطابعها، وصاغتها في قالبها، فكملت نَوَاحٍ للإنسانية واختلت نَوَاحٍ أُخرى أهمّ منها وعاشت هذه المدنية وازدهرت في الجصِّ والآجر وأخصبت في ميادين الحروب وساحات وماتت وأجدبت في القلوب والأرواح

لم تزل طريق الملوك والفاتحين غير طريق الأنبياء والهداة والمصلحين ، وإن الحقيقة التي ذكرها القرآن على لسان ملكة سبأ حقيقة راهنة لا تختلف في الأزمنة والأمكنة : { إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً }

إن علة العالم الإسلامي اليوم هو الرضا بالحياة الدنيا و الاطمئنان بها، و الارتياح إلى الأوضاع الفاسدة و الهدوء الزائد في الحياة فلا يقلقه فساد، و لا يزعجه انحراف، و لا يهيجه منكر، و لا يهمه غير مسائل الطعام  

الإسلام يهدي الناس إلى الشعور بالمسئولية الخلقية في كل عمل يعمله كبيراً كان أو صغيراً إن نظام الإسلام الديني لا يسمح أبداً بمثل ما أمر به الإنجيل قائلاً " أعطوا ما لقيصر لقيصر وأعطوا ما لله لله " ، لأن الإسلام لا يسمح بتقسيم حاجات حياتنا إلى خلقية وعملية ، ليس هناك إلا خيرة فقط ، خيرة بين الحق والباطل ، وليس شيء وسطاً بينهما

لم يكن نظر الناس إلى الدين على أنه المعين يستمد منه الناس ما يعينهم على العمل الصالح بل كان الدين في نظرهم هو الاعتقاد المجرد في أصول معينة

لا ينهض العالم الإسلامي إلا برسالته التي وكلها إليه مؤسسه صلى الله عليه وسلم والإيمان بها والاستماتة في سبيلها ، وهي رسالة قوية واضحة مشرقة ، لم يعرف العالم رسالة أعدل منها ولا أفضل ولا أيمن للبشرية منها