أرشيف المقالات

حكم قراءة الإمام الذي لا يقرأ وغيره من المصحف في الفرائض والنفل

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
2حكمُ قراءة الإمام الذي لا يقرأ، وغيرُه، من المصحف في الفرائض والنفل
تحرير محل النزاع: اتفق الفقهاء على مشروعية قراءة القرآن في الصلاة؛ لقوله تعالى: ﴿ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾ [المزمل: 20]، واختلفوا في حكم القراءة من المصحف في صلاة الفرض، إلى مذاهب ثلاثة: المذهب الأول: ذهب الإمام أبو حنيفة[1] إلى أن الإمام إذا قرأ في صلاته في المصحف فسدت صلاتُه في الفرض والنفل سواء، واستدلَّ بما يلي: 1- إن حَمْلَ المصحف وتقليب الأوراق والنظر فيه والتفكُّر فيه ليفهم، عملٌ كثيرٌ وهو مفسدٌ للصلاة؛ كالرمي بالقوس في صلاته، وعلى هذا الطريق يقول: إذا كان المصحف موضوعًا بين يديه أو قرأ بما هو مكتوب على المحراب لم تفسد صلاتُه[2].   2- إنه يلقن من المصحف فكأنه تعلَّم من معلم وذلك مفسد لصلاته، ألا ترى أن من يأخذ من المصحف يسمى صحفيًّا، ومن لا يحسن قراءة شيء عن ظهر قلبه يكون أميًّا يصلي بغير قراءة؛ فدلَّ أنه متعلم من المصحف[3].   3- ولأنها عبادة انضافت إلى عبادة أخرى[4].   المذهب الثاني: ذهب الشافعية[5]، والحنابلة[6] إلى جواز القراءة من المصحف في الفرض والنفل دون كراهة، بل يجب ذلك إذا لم يحفظ الفاتحة، واستدلوا بما يلي: بأن عائشة رضي الله عنها: « كان يؤمها عبدها ذكوان من المصحف»[7]. وجه الدلالة: دلَّ الحديث دلالة واضحة على أن ذكوان كان يصلي، ويقرأ من المصحف، ولم تنكر عليه أمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فكان ذلك إقرارًا منها، ولو كان في الأمر بأس لأنكرت عليه؛ إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولا سيما في العبادات.   المذهب الثالث: ذهب أبو يوسف ومحمد من الحنفية[8]، والمالكية[9] إلى كراهة القراءة من المصحف في الفرض دون النفل، واستدلوا بما يلي: 1- بأن عائشة رضي الله عنها: «كان يؤمُّها عبدها ذكوان من المصحف»[10]. وجه الدلالة: دل الحديث دلالة واضحة على أن ذكوان كان يصلي ويقرأ من المصحف، وكانت أمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها تُقرُّه، وتُصلي خلفه؛ وإنما كانت الكراهة خوفًا من ترك الناس للحفظ، واتجاههم للقراءة من المصحف، وليس لذات القراءة؛ لإقرار أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.   2- ولأن النظر في المصحف عبادة، والقراءة عبادة، وانضمام العبادة إلى العبادة لا يوجب الفساد إلا أنه يكره[11].   3- ويكره أيضًا؛ لأنه تشبه بأهل الكتاب بما يفعلونه في صلاتهم[12].   مناقشة المذاهب: مما سبق تبيَّن أن المذهبين الثاني والثالث بينهما توافُق كبير؛ لأن كلاهما يجيز القراءة عن المصحف في الصلاة للأُمِّي وغيره، وللحافظ وغيره إلا أنهم اختلفوا في الكراهة هل تقع أم لا؟   ثم وجهوا مناقشة لمذهب أبي حنيفة وهي كالتالي: "قوله: إنه عمل طويل لا يصحُّ" بأن الفكر والنظر لا يبطل الصلاة، كما لو تفكَّر في أشغاله، ونظر إلى المارِّين أمام الصف، لا تبطل به الصلاة، وكذلك الأمر في النظر في المصحف[13].   القول الراجح: بعد عرض المذاهب الفقهية وأدلتها تبيَّنَ أن القول الراجح القائل بجواز إمامة الإمام الذي يقرأ من المصحف في الفرض والنفل سواء، وسواء كان الإمام أميًّا وهو غير قادر على الحفظ أو حافظًا أو عبدًا أو لقيطًا أو أعمى.


[1] انظر: النتف في الفتاوى؛ للسغدي (1/ 96)، والمبسوط؛ للسرخسي (1/ 201)، وبدائع الصنائع في ترتيب الشرائع؛ للكاساني: (1/ 236)، والهداية في شرح بداية المبتدي؛ للمرغناني: (1/ 63)، وبداية المبتدي؛ للمرغناني: (ص: 19)، والاختيار لتعليل المختار؛ للبلدحي: (1/ 62). [2] المبسوط؛ للسرخسي: (1/ 201)، وانظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع؛ للكاساني: (1/ 236). [3] المبسوط؛ للسرخسي (1/ 202)، وانظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع؛ للكاساني: (1/ 236). [4] الهداية في شرح بداية المبتدي؛ للمرغناني: (1/ 63). [5] انظر: حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء؛ للشاشي: (2/ 89)، والمجموع شرح المهذب؛ للنووي: (4/ 95)، وروضة الطالبين وعمدة المفتين؛ للنووي: (1/ 294)، وشرح مشكل الوسيط؛ لابن الصلاح: (2/ 191)، والعزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير؛ للرافعي: (2/ 55). [6] انظر: شرح الزركشي على مختصر الخرقي (2/ 92)، وحاشية الروض المربع؛ لابن القاسم: (2/ 110)، والمغني؛ لابن قدامة (1/ 411). [7] صحيح البخاري، كتاب: الأذان، باب: إمامة العبد والمولى (1/ 140) في مقدمة الباب. [8] انظر: المبسوط؛ للسرخسي (1/ 201)، وبدائع الصنائع في ترتيب الشرائع؛ للكاساني: (1/ 236)، والهداية في شرح بداية المبتدي؛ للمرغناني: (1/ 63)، وبداية المبتدي؛ للمرغناني: (ص: 19)، والاختيار لتعليل المختار؛ للبلدحي: (1/ 62). [9] انظر: شرح التلقين للمازري: (1/ 682)، والذخيرة؛ للقرافي (2/ 408)، والجامع لمسائل المدونة؛ لابن يونس: (3/ 1190). [10] صحيح البخاري، كتاب: الأذان، باب: إمامة العبد والمولى (1/ 140) في مقدمة الباب. [11] انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع؛ للكاساني: (1/ 236). [12] انظر: المرجع السابق. [13] انظر: بحر المذهب؛ للروياني (2/ 62).



شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن