الزمان إذا اشتمل على صالحين لمنصب الإمامة، فالاختيار يقطع الشجار، ويتضمن التعين والانحصار، ولا حكم مع قيام الإمام إلا للملك العلام

فإن ما تعين على المتعبد المكلف، لو تركه، ولم يقابل أمر الشارع فيه بالارتسام، اختص المأثم به، ولو أقامه، فهو المثاب

والدعاء إلى المعروف والنهي عن المنكر يثبت لكافة المسلمين، إذا قدموا بثبت وبصيرة، وليس إلى الرعية إلا المواعظ والترغيب والترهيب، من غير فظاظة وملق

ومما ألقيه على المجلس السامي: وجوب مراجعة العلماء فيما يأتي ويذر؛ فإنهم قدوة الأحكام وأعلام الإسلام، وورثة النبوة، وقادة الأمة، وسادة الملة، ومفاتيح الهدى، ومصابيح الدجى، وهم على الحقيقة أصحاب الأمر استحقاقاً

الأئمة إنما تولوا أمورهم، ليكونوا ذرائع إلى إقامة أحكام الشرائع

لا يخفى على أهل الزمان الذي لم تدرس فيه قواعد الشريعة، وإنما التبست تفاصيلها أنّا غير مكلفين بالتوقي مما لا يتأتى التوقي عنه، ولا يخلو مثل هذا الزمان عن العلم بأن ما يتعذر الصون عنه جداً، وإن كان متصوراً على العسر والمشقة معفو عنه

الذي أراه أن القيام بما هو من فروض الكفايات أحرى بإحراز الدرجات، وأعلى في فنون القربات من فرائض الأعيان

ولو فرض تعطيل فرض من فروض الكفايات لعم المأثم على الكافة على اختلاف الرتب والدرجات؛ فالقائم به كافٍ نفسه وكافة المخاطبين الحرج والعقاب، وآمل أفضل الثواب، ولا يهون قدر من يحل محل المسلمين أجمعين في لاقيام لمهم من مهمات الدين

وليس بالخافي على ذوي البصائر أن الدول إنما تضطرب بتحزب الأمراء، وتفرق الآراء، وتجاذب الأهواء

الإمام لا يستوزر إلا شهماً كافياً، ذا نجدة، وكفاية، ودراية، ونفاذ رأي، واتقاد قريحة، وذكاء فطنة، ولا بد وأن يكون متلفعاً من جلابيب الديانة بأسبغها وأضفاها وأصفاها، راقياً من أطواد المعالي إلى ذراها؛ فإنه متصد لأمر عظيم، وخطب جسيم، والاستعداد للمراتب على قدر أخطار المناصب

ونحن على اضطرار من عقولنا نعلم أن الشرع لم يرد بما يؤدي إلى بوار أهل الدنيا، ثم يتبعها اندراس الدين، وإن شرطنا في حق آحاد من الناس في وقائع نادرة أن ينتهوا إلى الضرورة؛ فليس في اشتراط ذلك ما يجر فساداً في الأمور الكلية

الوجه عندي أن يعتبر في البيعة حصول مبلغ من الأتباع والأنصار والأشياع، تحصل بهم شوكة ظاهرة، ومنعة قاهرة، بحيث لو فرض ثوران خلاف، لما غلب على الظن أن يصطلم أتباع الإمام، فإذا تأكدت البيعة وتأطدت بالشوكة والعَدد والعُدد، واعتضدت، وتأيدت بالمُنَّة، واستظهرت بأسباب الاستيلاء والاستعلاء، فإذ ذاك تثبت الإمامة وتستقر، وتتأكد الولاية وتستمر

من أجلى أصول الشريعة دفع المعتدين بأقصى الإمكان عن الاعتداء، ولو ثارت فئة زائعة عن الرشاد، وآثروا السعي في الأرض بالفساد، ولم يمنعوا قهراً، ولم يدفعوا قسراً، لاستجرأ الظلمة، ولتفاقم الأمر

وقد اشتملت آية الوضوء على بيان بالغ فيه، فليتخذها أهل الزمان مرجعهم، فهي أصل الباب، وسيتلى القرآن إلى فجر القيامة

وكل ما لا يعقل معناه، وأصله التوقيف، فالرجوع فيه إلى لفظ الشارع، فما اقتضى اللفظ وجوبه التُزم، وما لا يقتضي اللفظ وجوبه، فلا وجوب فيه؛ لأن التكاليف إنما تثبت إذا تحقق ورود أمر إلى المكلف

أصحاب المصطفى صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم استقصوا النظر في الوقائع والفتاوى والأقضية، فكانوا يعرضونها على كتاب الله تعالى، فإن لم يجدوا فيها متعلقاً، راجعوا سنن المصطفى عليه السلام، فإن لم يجدوا فيها شفاء، اشتوروا، واجتهدوا، وعلى ذلك درجوا في تمادي دهرهم، إلى انقراض عصرهم

لو لم يكن في خِطة الإسلام متبوع يأوي إليه المختلفون، وينزل على حكمه المتنازعون، ويذعن لأمره المتدافعون إذا أعضلت الحكومات، ونشبت الخصومات، وتبددت الإرادات، لارتبك الناس في أفظع الأمر، ولظهر الفساد في البر والبحر