نظرَ البدرُ وجههُ فتلاها
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
نظرَ البدرُ وجههُ فتلاها | فَسَلُوْهُ عَنْ أُخْتِهَا هَلْ حَكَاهَا |
وَتَراءَتْ لِلْبَدْرِ يَوْماً فَأَبْقَتْ | خجلاً فوقَ وجههِ وجنتاها |
وتجلّتْ على النّجومِ فولّتْ | واستقلّتْ بصدرها فرقداها |
وَأَضَافَتْ قُرُونَها لِلَّيالي | فأطالتْ على المشوقِ دجاها |
فتنتْ في جمالها الشّهبُ حتّى | شَارَكَتْنَا وَنَازَعَتْ فِي هَواهَا |
علقتْ شمسنا بها فلهذا | عَيْنُهَا فِي الرَّوَاحِ تُجْرِي دِمَاهَا |
لَمْ تَحُلْ مِنْ فِرَاقهَا كُلَّ يَوْمٍ | فهيَ صفراءُ خشية َ منْ نواها |
قَدْ بَرَى حُبُّهَا الأَهِلَّة َ وَجدْاً | فأطالتْ على الضّلوعِ انحناها |
ذَاتُ حُسْنٍ لَوْ تُحْسِنُ النُّطْقَ يَوْماً | سبعة ُ الشّهبِ أقسمتْ بضحاها |
ومحيّا لو أنّهُ قابلتهُ | آية ُ اللّيلِ بالنّهارِ محاها |
كَمْ لَهَا بِالْجَمَالِ آيَاتِ سِحْرٍ | قدْ أضلّتْ عقولنا عنْ هداها |
اَثْبَتَتْ فِي الخَيَالِ حَيَّاتِ تِبْرٍ | تنفثُ النّارَ منْ خيالِ سناها |
غُرَّة ٌ ذَاتُ عِزَّة ٍ ضَاعَ عُمْري | بالمنى بينَ صبحها ومساها |
خالها في الخدودِ في الحالِ مثلي | حَائِرٌ بَيْنَ ثَلْجِهَا وَلَظَاهَا |
هي لولا ملابسُ الوشيِ غصنٌ | وغزالُ الصّريمِ لولا شواها |
وجهها جنّة ٌ وعذبُ لماها | سلسبيلٌ وحورها مقلتاها |
يتمنّى الرّحيقُ لو كانَ يحكي | رِيقَهَا وَالْكُؤُسُ تَغْبِطُ فَاهَا |
وإلى إلفها تحنُّ القماري | فَهْيَ تَشْكُو إِلَى الغُصُونِ جَفَاهَا |
دَوْحَة ٌ حُلْوَة ٌ الجَنَاءِ وَلَكِنْ | مُرُّ خَرْطِ القَتَادِ حَوْلَ خِبَاهَا |
جمعتْ في صفاتها كلَّ حسنٍ | فهيَ كنزٌ مرصودة ٌ في حماها |
ضربتْ دونها سرادقُ عزٍّ | طَنَّبَتْهَا حُمَاتُها فِي قَنَاهَا |
كَمْ تَرَى حَوْلَهَا بُدُورَ كَمَالٍ | بَرَزتْ فِي أَهِلَّة ٍ مِنْ ظُباهَا |
وَأُسُوداً تَهُبُّ مِثْلَ الْنُّعَامَى | في ظهورِ النّعامِ يومَ وغاها |
وبدوراً تدرّعتْ بسرابٍ | نَلْتَظِي نَارُهَا وَيَجْرِي نَدَاهَا |
سُقْمُ جِسْمِي وَصحَّتِي وَفَنَاءِي | وَوُجُودِي فِي سُخْطِهَا وَرِضَاهَا |
حَبَّذَا رَامَة ٌ وَلَيْلاَتُ وَصْلٍ | بيضهنَّ انقضتْ بخضرِ رباها |
وَعُهُودٌ بِهَا لَنَا مُحْكَماتٌ | حَكَمَ الدَّهْرُ بِانْفِصَامِ عُرَاهَا |
يَارَعَى اللهُ رَامَة ً وَسَقَاهَا | ضاحكاتُ البروقِ دمعَ حياها |
وَتَحَامَى الخُسُوفُ أَقْمَارَتِمٍّ | تَتَثَنَّى عَلَى غُصُونِ نَقَاهَا |
دَارُ أَنْسِ بِهَا شُموسُ العَذَارَى | تَتَمَشَّى عَلَى نُجُومِ حَصَاهَا |
قرّبتْ أرضها الكواعبُ فيما | بَيْنَ أَرْحَامِ أَرْضِهَا وَسَمَاهَا |
خضبتْ في دمِ القلوبِ أكفّنا | وخدوداً رجالها ونساها |
بٌقْعَة ٌ زُيِنَّتْ بِكُلِّ عَجِيبٍ | جَلَّ مَنْ عَلَّمَ الكَلاَمَ مَهَاهَا |
وَعَلَى مُنْشِىء اليَوَاقِيتِ فِيْهَا | وَالْلآلِي مَبَاسِماً وَشِفَاهَا |
جَنَّة ٌ أَشْبَهَتْ يَمِينَ عَلِيٍّ | حَيْثُ فِيْهَا لِكُلِّ نَفْسٍ مُنَاهَا |
فاطميٌّ سليلُ فخرٍ أبوهُ | خَلَفُ الطَّاهِرينَ مِنْ آلِ طَهَ |
مَاءٌ عَيْنِ الْحَياة ِ نَارُ المَنَايَا | صرصرُ الحادثاتِ حرُّ بلاها |
مخلبُ الحربِ نابها حينَ يسطو | ساقها إذْ تقومُ قطبُ رحاها |
سمحٌ للنّدى يمدُّ يميناً | تَعْلَمُ الْمُزْنُ أَنَّهُ أَنْوَاهَا |
ذو إيادٍ ترى لهنَّ التباساً | بالغوادي وبالبحورِ اشتباها |
سَائِرَاتٍ لاَ تَسْتَقِرُّ بِمِصْرٍ | دونَ مصرٍ ولا يحلُّ نواها |
وَأَكُفٍّ تَدْرِي الْبَرِيَّة ُ حَقّاً | أنَّ فيها نعيمها وشقاها |
طَلْسَمَ الْبَأْسُ فَوْقَهُنَّ خُطُوطاً | لَيْسَ لِلْمُسْلِمينَ حِرْزٌ سِوَاهَا |
وَنِصَالٍ تَدُبُّ فيْهَا نِمَالٌ | وَهْيَ بِالنَّارِ بالنَّجِيَ سَقاها |
قُضُبُ حُمْرُهَا تُظَنُّ سرِيحاً | |
كَجَراحِ الهَوَى لَهُنَّ جِرَاحٌ | لَيْسَ تُرْقَى وَلاَ يُصَابُ دَوَاهَا |
كَتَبَ المَوْتُ بِالْغُبَارِ عَلَيْهَا | إِنَّ لِلضَرْبِ لاَغَيْرَهُ اِلاَهَا |
وخصالٍ تودّهنَّ الغواني | بدلاً منْ عقودها وحلاها |
غررٌ كالجمانِ مستحسناتٌ | جَلَّ بَارِي النُّجُومِ حَيْثُ بَرَاهَا |
كلُّ معشوقة ٍ إلى النّفسِ أشهى | منْ ثنايا الحسانِ دونَ ثناها |
لو خوتْ بعضها سجايا اللّيالي | بدّلتْ بدّلتْ بحسنِ وفاها |
شِيَمٌ عَطَّرتْ جُيُوبَ المَعَالي | وَانْطوَى بِالنَّسيمِ نَشْرُ شَذاهَا |
منعمٌ فازَ بالثّناءِ فأضحى | شكرهُ بالسّجودِ يدعو الجباها |
صَقَلَتْ ذِهْنَهُ التَّجاربُ حَتَّى | صُوَرُ الكَائِنَاتِ فِيهِ رَآهَا |
ذَاتُ قُدْسٍ تَكوَّنَتْ فِيهِ نَفْسٌ | قدْ نهاها منْ كلِّ رجسٍ نهاها |
مثلُ ماءِ السّماءِ يوشكُ يبدو | كالدّراري صفاتهُ في صفاها |
تمَّ إيجادها وللهِ فيها | حكمة ٌ بانَ فيهِ وجهُ خفاها |
عَظُمَتْ هَيْبَة ً وَعَمَّتْ نَوَالاً | فَالْوَرَى بَيْنَ خَوْفِهَا وَرَجَاهَا |
كمْ لهُ في القريضِ منْ بنتِ فكرٍ | يبتغي البدرُ أنْ يكونَ أخاها |
قَدْ تَرَقَّتْ حُسْناً وَرَقَّتْ كَمَالاً | فاستفزّت قلوبنا في رقاها |
صَاغَهَا عَسْجَداً وَرصَّعَ دُرّاً | فِي حَشَاهَا وَبِالْحَرِيرِ كَسَاهَا |
أَصْبَحَتْ بَيْنَنَا اليَتِيمَة َ تُدْعَى | متّعَ اللهُ بالحياة ِ أباها |
جُمْلَة ٌ مِنْ كَوَاكِبٍ كَالْثُّرَيَّا | وقعتْ في كلامهِ فحكاها |
موسويٌّ أزكى الملوكِ نجاراً | خيرها قدرة ً وقدراً وجاها |
زينة ُ الأكرمينَ في كلِّ مصرٍ | تاجها عقدها سوارُ علاها |
لَيْثُهَا فِي النِّزَال غَيْثُ نَدَاهَا | زندُ نيرانِ حربها وقراها |
رُبَّما وَقْعَة ٌ تُشيبُ الْنَّوَاصِي | قدْ ألمّتْ بهِ فكانَ فتاها |
وقعة ٌ وقعها يهدُّ الرّواسي | ويذيبُ الحديدَ حرُّ صلاها |
جورها أسودُ الجبينِ ولكنْ | بيضها ورّدتْ خدودَ ثراها |
خضّبَ النّقعُ فودها فرمتهُ | بِنُصُولٍ نُصُولُهُ إِذْ نَضَاهَا |
وَشَوَتْ نَارُهَا الْلُّحُومَ فَأَمْسَى | يُكْرِمُ اللُّدْنَ فِي ضَعِيفِ شَوَاهَا |
بَطَلٌ تَضَحْكُ الظُّبَا بِيَدْيِهِ | فَتُطِبلُ الرِّقَابَ حُزْناً بُكَاهَا |
مرضتْ قبلهُ صدورَ العوالي | فَسقَاهَا دَمَ الطُّلاَ فَشفَاهَا |
كُلَّمَا خَاضَ فِي دُجُنَّة ِ نَقْعٍ | فَلَقَ الفَجْرَ سَيْفُهُ فَجَلاَهَا |
عشقتْ نفسهُ السّماحَ فعدّتْ | ما عدا قوتَ يومها منْ عداها |
يا بني الوحيِ والنّبوّة ِ أنتمْ | رَهْطُهَا والخَوَاصُ منْ أَقْرِبَاهَا |
وَلَدَتْكُمْ كَرَائِمٌ مِنْ كِرَامٍ | عِتْرَة ٌ مَفْخَرُ العَبَاءِ حَوَاهَا |
كَمْ لَكُمْ فِي الكِتَابِ آيَاتِ مَدْحٍ | بَيَّنَ اللهُ فَضْلَهَا وَتَلاَهَا |
تَعْلَمُ الأَرْضُ إِنَّكُمْ لَعَلَيْهَا | شمُّ أوتادها وخطُّ استواها |
قَدْ نَشَرْتُمْ مَوْتَى البِقَاعِ فَكُنْتُمْ | روحَ سكّانها وعصرَ صباها |
وَحَكَمْتُمْ عَلَى اللَّيَالي فَخِلْنَا | مَلَّكَتْكُمْ يَدُ الزَّمَانِ إمَاهَا |
وصرفتمْ صروفها للإعادي | أسرتمْ نفوسها في عناها |
وَهَزَزْتُمْ عَلَى الخُطُوبِ رِمَاحاً | فشككتمْ صدورها في شباها |
سَيِّدِي لَيْسَتِ الْمَكَارِمُ إِلاَّ | لَفْظة ً أَنْتَ وَاضِع مَعْنَاها |
أنتمُ للنفوسِ داءٌ وطبٌّ | قدْ قضيتمْ بموتها وبقاها |
يَا نَصِيري علَى الْعِدَاءِ وَعَوْنِي | ومعاذي إذا خشيتُ أذاها |
أَقْبَلَ الْعيدُ فَلْنُهَنِّيهِ فيْكُمْ | اذْ بِكُمْ زَادَ قَدْرُهُ وَتَبَاهَى |
لكمُ العيدُ في الحقيقة ِ عبدٌ | صُحِّفَتْ بَاؤُهُ بِيَاءٍ سَفَاهَا |
حُزْتَ أَجْرَ الصِيَّامِ مَوْلاَي فَاغْنَمْ | لذّة الفطرِوابتهجْ في هناها |
وابقَ في نعمة ٍ وعزّة ِ ملكٍ | يحملُ النّصرُ والفتوحُ لواها |
واسمُ واسلمْ واستجلِ بكرَ قريضٍ | خَتَمَتْ مَدْحَكُمْ بَخَيرِ دُعَاهَا |