أَوْحَتْ لطَرْفِكَ فاستهلَّ شؤونا
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
أَوْحَتْ لطَرْفِكَ فاستهلَّ شؤونا | دارٌ مَرَرْتَ بها على قَيْسونا |
غاضَت بشاشتُها، وفَضَّتْ شملَها | دنيا تعزُّ السادر المفتونا |
نزَلَتْ عَوادِي الدهرِ في ساحاتها | وأَقلَّ رَفْرَفها الخطوبَ العُونا |
فتكادُ منْ أسفٍ على آسي الحمى | من كلِّ ناحية ٍ تَثور شجونا |
تلك العيادة ُ لم تكن عبثاً، ولا | شركاً لصيدِ مآربٍ وكمينا |
دارُ ابنِ سِينَا نُزِّهَتْ حُجُراتُها | عن أَن تَضُمّ ضَلالة ً ومُجونا |
خَبَتِ المطالعُ مِنْ أَغرَّ مُؤَمَّلٍ | كالفجر ثغراً، والصبّاحِ جبينا |
ومِنَ الوُفودِ، كأَنهم مِنْ حَوْلِه | مرضى بعيسى الروحِ يستشفونا |
مثلٌ تصوَّر من حياة ٍ حرة ٍ | للنشْءِ يَنطِق في السكوت مُبينا |
لم تُحْصَ من عهدِ الصِّبا حَرَكاتُه | وتَخالُهنَّ من الخُشوع سُكونا |
جمحتْ جراحُ المعوزين، وأعضلتْ | أدواؤهم، وتغيَّبَ الشافونا |
ماتَ الجوادُ بطبِّه وبأجره | ولربّما بذلَ الدواءَ معينا |
وتَجُسُّ راحتُه العليلَ، وتارة ً | تكسو الفقيرَ، وتطعم المسكينا |
أدّى أمانة َ علمه، ولطالما | حمل الصداقة َ وافياً وأمينا |
وقضى حقوقَ الأهلِ، يحسن تارة | بأَبيه، أَو يَصِل القرابة حينا |
خُلقٌ ودينٌ في زمانٍ لا ترى | خلقاً عليه ولا تصادف دينا |
أمداويَ الأرواحِ قبل جسومها | قمْ داوٍ فيك فؤاديَ المحزونا |
روحْ بلفظك كلَّ روحِ معذَّبٍ | حَيرانَ طار بلُبِّه الناعونا |
قد كال للقدَر العِتابَ، ورُبَّما | ظنَّ المدلَّة ُ بالقضاءِ ظنونا |
داويتَ كلَّ محطَّمٍ فشفيتهُ | ونسيتَ داءً في الضلوع دفينا |
كبدٌ على دمها اتكأت ولحمها | فحَمَلْتَ همَّ المسلمين سِنينا |
ظلتْ وراءَ الحربِ تشقى بالنَّوى | وتَذوب للوطن الكريمِ حنينا |
ناصرتَ في فجر القضيَّة ِ مصطفى | فنصرتَ خلقاً في الشَّباب متينا |
أقدمتَ في العشرين تحتَ لوائه | وروائعُ الإقدامِ في العشرينا |
لم تبغِ دنيا طالما أغضى لها | حُمْسُ الدّعاة ِ وطَأْطَأوا العِرنينا |
رحماكَ يوسفُ قفْ ركابكَ ساعة ً | واعطِف على يعقوبَ فيه حزينا |
لم يَدْرِ خلفَ النعشِ من حَرِّ الجَوى | أيشقُّ جيباً، أم يشقُّ وتينا؟ |
ساروا بمهجته، فحمِّلَ ثكلها | وقضوا بعائله، فمالَ غبينا |
أَتعودُ في رَكْبِ الربيعِ إذا کنثنى | بهجاً يزفُّ الوردَ والنَّسرينا؟ |
هيهات من سَفرِ المنيَّة أَوْبة ٌ | حتى يُهيبَ الصُّبحُ بالسارينا |
ويقالُ للأرض الفضاء، تمخَّضي | فتردّ شيخاً أو تمجّ جنينا |
اللهُ أبقى ! أين منْ جسدي يدٌ | لم أنسَ رفقَ بنانها واللينا؟ |
حتى تمثَّلتِ العناية ُ صورة ً | |
فجررْتُ جُثماني، وهانت كُربة ٌ | لولا اعتناؤكَ لم تكن لِتهونا |
إنّ الشفاءَ من الحياة ِ وعونِها | ما كان آس بالشفاءِ ضَمينا |
واليومَ أَرْتجلُ الرِّثاءَ، وأَنزَوِي | في مأتمٍ أبكي مع الباكينا |
سبحانَ من يرِثُ الطبيبَ وَطِبَّه | ويرى المريض مصارعَ الآسينا!! |