أرشيف المقالات

عن الإيمان

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
تساؤل طرحه البعض:هل الإيمان الإسلامي هو نتيجة محض هداية من الله واختيار من العبد بقلبه بعيدا عن العلم وعن العقل عموما؟
الجواب:
الإيمان الإسلامي مختلف عن الإيمان الدوجمائي(1)، وهذا ما يميز الإسلام والقرآن عن غيره، وإلا فالقرآن مليء بالأدلة العقلية (الاستدلال بكافة أنواعه الفلسفي المنطقي والاستدلال القائم على الملاحظة) على وجود الله ووحدانيته ويستخدم أساليب عدة لذلك.
ومنها مثالا لا حصرا:
﴿ {فَليَأتوا بِحَديثٍ مِثلِهِ إِن كانوا صادِقينَ۝أَم خُلِقوا مِن غَيرِ شَيءٍ أَم هُمُ الخالِقونَ۝أَم خَلَقُوا السَّماواتِ وَالأَرضَ بَل لا يوقِنونَ}[الطور: ٣٤-٣٦]
﴿ {قُل لَو كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقولونَ إِذًا لَابتَغَوا إِلى ذِي العَرشِ سَبيلًا۝سُبحانَهُ وَتَعالى عَمّا يَقولونَ عُلُوًّا كَبيرًا}[الإسراء: ٤٢-٤٣]
﴿ {لَو كانَ فيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبحانَ اللَّهِ رَبِّ العَرشِ عَمّا يَصِفونَ}[الأنبياء: ٢٢]
﴿ {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِن إِلهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعضُهُم عَلى بَعضٍ سُبحانَ اللَّهِ عَمّا يَصِفونَ} [المؤمنون: ٩١]
والعقل له دور رئيس فيه، وإن كان العقل وحده ليس كاف لليقين الكامل.
﴿ {أَلَم تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخرَجنا بِهِ ثَمَراتٍ مُختَلِفًا أَلوانُها وَمِنَ الجِبالِ جُدَدٌ بيضٌ وَحُمرٌ مُختَلِفٌ أَلوانُها وَغَرابيبُ سودٌ۝وَمِنَ النّاسِ وَالدَّوابِّ وَالأَنعامِ مُختَلِفٌ أَلوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخشَى اللَّهَ مِن عِبادِهِ العُلَماءُ إِنَّ اللَّهَ عَزيزٌ غَفورٌ}[فاطر: ٢٧-٢٨]
ويخطئ الكثيرون في فهم "العلماء" في الآية 28 أنهم علماء الدين، لكن السياق واضح من الآية السابقة أنهم علماء الطبيعيات (الآية 27)، لكن بالشروط الحقيقية للعلم مثل التواضع للحقيقة التي تفرض نفسها على أي مفكر جاد.
والقرآن به ما يصعب إحصاؤه من الآيات الحاثة على التفكر والعقل، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
﴿ {إِنَّ في خَلقِ السَّماواتِ وَالأَرضِ وَاختِلافِ اللَّيلِ وَالنَّهارِ وَالفُلكِ الَّتي تَجري فِي البَحرِ بِما يَنفَعُ النّاسَ وَما أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِن ماءٍ فَأَحيا بِهِ الأَرضَ بَعدَ مَوتِها وَبَثَّ فيها مِن كُلِّ دابَّةٍ وَتَصريفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ المُسَخَّرِ بَينَ السَّماءِ وَالأَرضِ لَآياتٍ لِقَومٍ يَعقِلونَ}[البقرة: ١٦٤]
﴿ {إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الحَبِّ وَالنَّوى يُخرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَمُخرِجُ المَيِّتِ مِنَ الحَيِّ ذلِكُمُ اللَّهُ فَأَنّى تُؤفَكونَ۝فالِقُ الإِصباحِ وَجَعَلَ اللَّيلَ سَكَنًا وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ حُسبانًا ذلِكَ تَقديرُ العَزيزِ العَليمِ۝وَهُوَ الَّذي جَعَلَ لَكُمُ النُّجومَ لِتَهتَدوا بِها في ظُلُماتِ البَرِّ وَالبَحرِ قَد فَصَّلنَا الآياتِ لِقَومٍ يَعلَمونَ۝وَهُوَ الَّذي أَنشَأَكُم مِن نَفسٍ واحِدَةٍ فَمُستَقَرٌّ وَمُستَودَعٌ قَد فَصَّلنَا الآياتِ لِقَومٍ يَفقَهونَ۝وَهُوَ الَّذي أَنزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخرَجنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيءٍ فَأَخرَجنا مِنهُ خَضِرًا نُخرِجُ مِنهُ حَبًّا مُتَراكِبًا وَمِنَ النَّخلِ مِن طَلعِها قِنوانٌ دانِيَةٌ وَجَنّاتٍ مِن أَعنابٍ وَالزَّيتونَ وَالرُّمّانَ مُشتَبِهًا وَغَيرَ مُتَشابِهٍ انظُروا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثمَرَ وَيَنعِهِ إِنَّ في ذلِكُم لَآياتٍ لِقَومٍ يُؤمِنونَ}[الأنعام: ٩٥-٩٩]
﴿ {هُوَ الَّذي جَعَلَ الشَّمسَ ضِياءً وَالقَمَرَ نورًا وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعلَموا عَدَدَ السِّنينَ وَالحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلّا بِالحَقِّ يُفَصِّلُ الآياتِ لِقَومٍ يَعلَمونَ۝إِنَّ فِي اختِلافِ اللَّيلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ لَآياتٍ لِقَومٍ يَتَّقونَ}[يونس: ٥-٦]
﴿ {اللَّهُ الَّذي سَخَّرَ لَكُمُ البَحرَ لِتَجرِيَ الفُلكُ فيهِ بِأَمرِهِ وَلِتَبتَغوا مِن فَضلِهِ وَلَعَلَّكُم تَشكُرونَ۝وَسَخَّرَ لَكُم ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الأَرضِ جَميعًا مِنهُ إِنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِقَومٍ يَتَفَكَّرونَ}[الجاثية: ١٢-١٣]
﴿ {قُل سيروا فِي الأَرضِ فَانظُروا كَيفَ بَدَأَ الخَلقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ}[العنكبوت: ٢٠]
الهداية بالطبع لها دور كبير لكن حتى الهداية هي دالة في الاجتهاد العقلي والروحي المبذول من العبد
﴿ {وَالَّذينَ جاهَدوا فينا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ المُحسِنينَ}[العنكبوت: ٦٩]
وكون البعض يذهبون مذاهب عقلية شتى فلا يصلون إلى الإيمان الإسلامي ليس دليلا أبدا أن الإيمان الصحيح هو محض هداية لا دخل للاستدلال العقلي فيها، وإلا فالقرآن من أوله لآخره يتبع منهج تذكية الأفهام جنبا إلى جنب مع تزكية القلوب.
و الإلقاء بالتبعة على هداية الله وحدها ليس منطق القرآن إذا استقرأنا القرآن كله وجمعنا بين آياته ولم نقتصر في فهمنا على الآيات الدالة على أن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء، فالقرآن وحدة متكاملة ويفسر بعضه بعضا، ومنه الآيات المحكمات والمتشابهات، والمتشابه يجب أن يفسر في إطار المحكم.
﴿ {أَلَم تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ بِالحَقِّ إِن يَشَأ يُذهِبكُم وَيَأتِ بِخَلقٍ جَديدٍ۝وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزيزٍ۝وَبَرَزوا لِلَّهِ جَميعًا فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذينَ استَكبَروا إِنّا كُنّا لَكُم تَبَعًا فَهَل أَنتُم مُغنونَ عَنّا مِن عَذابِ اللَّهِ مِن شَيءٍ قالوا لَو هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيناكُم سَواءٌ عَلَينا أَجَزِعنا أَم صَبَرنا ما لَنا مِن مَحيصٍ}
[إبراهيم: ١٩-٢١]
الموضوع كبير ومتشعب ولا تكفيه الكتب المطولة للحديث عنه ولكن آثرت أن أعطي غيض من فيض، وقطرة من بحر عنه.
أحمد كمال قاسم (1) الإيمان الدوجمائي : هو الإيمان الأعمى الذي لا ينبني حول أي أدلة أو براهين عقلية مثل إيمان نصارى اليوم إذا حاججتهم فيه عقيدتهم بأنه كيف يكون الثلاثة آلهة إلها واحدة؟! وكيف يكون الإله بشرا والبشر إلها وكيف يصلب الإله؟! يقولون هكذا نؤمن، أما اسلوب الإسلام في ترسيخ العقيدة فهو اسلوب استدلالي برهاني فمثلا ساق الأدلة أنه لا يستقيم أن يكون الكون بلال اله وساق الأدلة على الوحدانية وهكذا...مراجع للاستزادة:
1- التفكير فريضة إسلامية : العقاد
2- المواجهة بين العلم والدين: وحيد الدين خان


شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢