مماتٌ في المواكب، أم حياة ُ
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
مماتٌ في المواكب، أم حياة ُ | ونعشٌ في المناكب، أم عظاتُ؟ |
ويومكَ في البرية ِ، أم قيامٌ | وموكبك الأدلة ُ والشيات؟ |
وخطْبُكَ يا رياضُ أَم الدواهي | على أَنواعها والنَّازلات؟ |
يجِلُّ الخطْبُ في رجلٍ جليلٍ | وتَكبرُ في الكبير النائبات |
وليس الميتُ تبكيه بلادٌ | كمن تَبكي عليه النائحات |
وهل تَلْقَى مناياها الرواسي | فتهوي، ثمَّ تضمرها فلاة ؟ |
وتُكْسَرُ في مراكزها العَوالي | وتدفنُ في التراب المرهفات؟ |
ويغشى الليثُ في الغابات ظهراً | وكانت لا تَقرُّ بها الحَصاة ؟ |
ويَرْمِي الدهرُ نادِيَ عينِ شمسٍ | ولا يحمي لواءهم الرماة ؟ |
أجل، حملتْ على النعش المعالي | ووسدتِ الترابَ المكرمات |
وحمِّلتِ المدافعُ ركنَ سلمٍ | يُشيعه الفوارس والمشاة |
وحلّ المجدُ حفرته، وأمس | يُطِيف به النوائحُ والبُكاة |
هوى عن أوج رفعته رياضٌ | وحازته القرونُ الخالياتُ |
كأَن لم يملأ الدنيا فَعالاً | ولا هَتَفَتْ بدولته الرُّواة |
نعاه البرقُ مُضْطرِباً، فماجَتْ | نجومٌ في السماءِ مُحلِّقات |
كأَن الشمسَ قد نُعِيَتْ عِشاءً | إليها فهْيَ حَسْرَى كاسفات |
صحيفة ُ غابرٍ طُوِيَتْ، وولَّت | على آثارِ من درجوا وفاتوا |
يقول الآخرون إذا تلوها: | كذلك فليلدن الأمهات |
جزى الله الرضا أَبوَيْ رياضٍ | هما غرسا وللوطن النبات |
بنو الدنيا على سفرٍ عقيمٍ | وأَسفارُ النوابِغِ مُرجعات |
أرى الأمواتَ يجمعهم نشورٌ | وكم بعثَ النوابغُ يومَ ماتوا |
صلاحُ الأرضِ أحياءٌ وموتى | وزينتُها وأَنجُمُها الهُداة |
قرائحُهم وأَيديهم عليها | هدى ، ويسارة ٌ، ومحسنات |
فلو طُلِبَتْ لهم دِيَة ٌ لقالت | كنوزُ الأَرضِ: نحن هي الدَّيات |
أبا الوطنِ الأسيفِ، بكتكَ مصرُ | كما بكت الأبَ الكهفَ البناتُ |
قضيتَ لها الحقوقَ فتى وكهلاً | ويومَ كبرتَ وانحنتِ القناة |
ويومَ النَّهْيُ للأُمراءِ فيها | ويومَ الآمرون بها العُصاة |
فكنتَ على حكومتها سراجاً | إذا بسطتْ دجاها المشكلات |
يزيد الشيبُ نفسَك من حياة ٍ | إذا نقصتْ مع الشيب الحياة |
وتملؤك السِّنُونَ قوى ً وعزماً | إذا قيل: السنون مثبطات |
كسيْف الهندِ أَبْلَى حين فُلَّتْ | ورَقَّتْ صَفحتاه والظُّبات |
رفيعُ القدرِ بالأمصار يرني | كما نظرتْ إلى النجم السراة |
كأنك في سماءِ الملكِ يحيى | وآلك في السماء النيرات |
تسوسُ الأمرَ، لا يعطي نفاذاً | عليك الآمرون ولا النهاة |
إذا الوزراءُ لم يُعطوا قِياداً | نبذتهمُ كأَنهمُ النَّواة |
زَماعٌ في انقباضٍ في اختيالٍ | كذلك كان بسمركُ الثُّبات |
صِفاتٌ بَلَّغتْك ذُرَى المعالي | كذلك ترفع الرجلَ الصفات |
وجدتَ المجدَ في الدنيا لِواءً | تلقَّاه المقاديمُ الأباة |
ويبقى الناسُ ما داموا رعايا | ويبقى المقدمون همُ الرعاة |
رياضُ، طويتَ قرناً ما طوته | مع المأْمون دِجْلة ُ والفرات |
تمنت منه أياماً تحلَّى | بها الدولُ الخوالي الباذخات |
وودّ القيصران لو أنَّ روما | عليها من حَضارته سِمات |
حَباكَ الله حاشِيَتَيْهِ عُمْراً | وأعمارُ الكرام مباركات |
فقمتَ عليه تجربة ً وخبراً | ومدرسة ُ الرجال التجربات |
تمرُّ عليك كالآيات تَتْرَى | أَحاديثُ المُنى والتُّرَّهات |
فأَدركتَ البخارَ وكان طفلاً | فشبَّ، فبايعته الصافنات |
تجاب على جناحيه الفيافي | وتحكم في الرياح المنشآت |
ويصعد في السماء على بروجٍ | غداً هي في العوالم بارجات |
وبَيْنا الكهرُباءُ تُعَدُّ خرقاً | إذا هي كلَّ يومٍ خارقات |
ودان البحرُ حتى خِيضَ عُمقاً | وقيدتْ بالعنان السافيات |
وبلغتَ الرسائلُ، لا جناحٌ | يَجوب بها البحارَ، ولا أَداة |
كأن القطرَ حين يجيب قطراً | ضمائرُ بينها مُتناجِيات |
هو الخبرُ اليقينُ، وما سواه | |
سأَلْتُكَ: ما المنِيَّة ُ؟ أَيُّ كأْسٍ؟ | وكيف مَذاقُها؟ ومَن السُّقاة ؟ |
وماذا يُوجِس الإنسانُ منها | إذا غَصَّت بعلْقَمها اللَّهاة ؟ |
وأيُّ المصرعين أشدُّ: موتٌ | على عِلْمٍ، أَم الموتُ الفَوات؟ |
وهل تقع النفوسُ على أَمانٍ | كما وقعتْ على الحرمِ القطاة ؟ |
وتخلد أم كزعم القول تبلى | كما تبلى العظامُ أو الرفات؟ |
تعالى الله قابضها إليه | وناعشها كما انتعش النبات |
وجازيها النعيمَ حِمى ً أَميناً | وعيشاً لا تُكدِّره أَذاة |
أمثلك ضائقٌ بالحقِّ ذرعاً | وفي برديك كان له حماة ؟ |
أَليس الحقُّ أَن العيشَ فانٍ | وأن الحيَّ غايته الممات؟ |
فنمْ ما شئت، لا توحشكَ دنيا | ولا يحزنكَ من عيشٍ فوات |
تصرَّمت الشبيبة ُ والليالي | وغاب الأهلُ، واحتجب اللدات |
خلتْ حلمية ٌ ممن بناها | فكيف البيتُ حولك والبنات؟ |
أفيه من المحلة قوتُ يوم | ومن نِعمٍ مَلأْنَ الطوْدَ شاة ؟ |
وهل لك من حريرهما وسادٌ | إذا خشنتْ لجنبيك الصفاة ؟ |
تولَّى الكلُّ، لم ينفعك منه | سوى ما كان يَلتقِط العُفاة |
عِبادُ الله أَكرمُهمْ عليه | كِرامٌ في بَرِيَّته، أُساة |
كمائدة ِ المسيحِ، يقوم بُؤْسٌ | حواليها، وتقعدُ بائسات |
أخذتكَ في الحياة ِ على هناتٍ | وأيُّ الناس ليس له هنات؟ |
فصفحاً في الترابِ إذا التقينا | ولُوشِيَتِ العداوة ُ والتِّرات |
خُلِقتُ كأَنَّنيَ عيسى ، حرامٌ | على قلبي الضَّغِينة ُ والشَّمات |
يُساءُ إليَّ أَحياناً، فأَمضي | كريماً، لا أَقوت كما أُقات |
وعندي للرجال - وإن تجافوا - | منازلُ في الحفاوة ِ لا تفات |
طلعتَ على النديَّ بعين شمسٍ | فوافَتْها بشمسَيْنِ الغداة |
على ما كان يندو القومُ فيها | توافى الجمعُ وائتمرَ السراة |
تملَّكهم وقارُك في خشوعٍ | كما نظمتْ مقيميها الصلاة |
رأَيتَ وُجوهَ قومِك كيف جَلَّتْ | وكيف تَرعرعَتْ مصرُ الفتاة |
أُجِيلَ الرأيُ بين يديك حتى | تبينت الرزانة ُ والحصاة |
وأنتَ على أعنَّتهم قديرٌ | وهم بك في الذي تقْضي حُفاة |
إذا أَبدى الشبابُ هَوى ً وزَهْواً | أشار إليه حلمكَ والأناة |
فهلاَّ قُمْتَ في النادي خطيباً | لك الكَلِمُ الكبارُ الخالدات؟ |
تفجَّر حكمة َ التسعين فيه | فآذانُ الشبيبة ِ صاديات؟ |
تقول: متى أَرى الجيرانَ عادوا | وَضُمَّ على الإخاءِ لهم شَتات؟ |
وأَين أُولو النُّهَى مِنَّا ومنهم | عسى يَأْسُون ما جرح الغُلاة ؟ |
مَشَتْ بين العشيرة رُسْلُ شرٍّ | وفرَّقتْ الظنونَ السيئات |
إذا الثقة ُ اضمحلتْ بين قومٍ | تمزقت الروابطُ والصلات |
فثقْ، فعسى الذين ارتبت فيهم | على الأيام إخوانٌ ثِقات |
وربَّ محببٍ لا صبرَ عنه | بدتْ لك في محبته بداة |
ومكروهٍ على أَخَذاتِ ظنٍّ | تحبِّبُهُ إليك التجرِبات |
بنى الأوطان، هبّوا، ثم هبّوا | فبغضُ الموتِ يجليه السبات |
مشى للمجد خطفَ البرقِ قومٌ | ونحن إذا مشينا السلحفاة |
يعدّون القوى براً وبحراً | وعدتنا الأماني الكاذبات |