أرأيت زينَ العابدينَ مجهزاً
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
أرأيت زينَ العابدينَ مجهزاً | نقلوه نقل الورد من محرابه |
من دار توأمهِ وصنوِ حياته | والأولِ المألوفِ من أترابه |
ساروا به من باطلِ الدنيا إلى | بُحْبوحَة ِ الحقِّ المبينِ وغابِه |
ومضوا به لسبيل آدمَ قبله | ومصاير الأقوامِ من أعقابه |
تحنو السماءُ على زكيِّ سريره | ويمسُّ جيدَ الأرضِ طيبُ ركابه |
وتطيبُ هامُ الحاملين وراحهم | من طِيب مَحْمِلِه، وطِيبِ ثيابه |
وكأنَّ مصرَ بجانبيهِ ربوة ٌ | آذارُ آذنها بوَشْكِ ذَهابه |
ويكاد من طربٍ لعادته الندى | ينسلُّ للفقراءِ من أثوابه |
الطيبُ ابنُ الطيبين، وربما | نضح الفتى فأَبان عن أَحسابه |
والمؤمنُ المعصومُ في أَخلاقه | من كل شائنة ٍ، وفي آدابه |
أَبداً يراه الله في غَلسِ الدُّجَى | من صحنِ مسجده، وحول كتابه |
ويرى اليتامى لائذين بظله | ويرى الأراملَ يعتصمنَ ببابه |
ويراه قد أدى الحقوقَ جميعها | لم يَنْسَ منها غيرَ حقِّ شبابه |
أدّى من المعروف حصة َ أهلهِ | وقضى من الأحساب حقَّ صحابه |
مهويشُ، أين أبوكَ؟ هل ذهبوا به | |
قد وكَّل الله الكريمَ وعَيْنَه | بكِ، فاحسبيه على كريم رحابه |
ودَعي البُكا، يكفيه ما حَمَّلْتِه | من دمعكِ الشاكي، ومن تسكابه |
ولقد شربتِ بحادث يا طالما | شربَتْ بناتُ العالمين بِصَابه |
كلُّ امرىء ٍ غادٍ على عوّاده | وسؤالهم: ما حاله؟ ماذا به؟ |
والمرءُ في طلب الحياة ِ طويلة ً | وخطى المنية ِ من وراءِ طلابه؟ |
في برِّ عَمِّكِ ما يقوم مكانَه | في عطفه، وحنانه، ودعابه |
إسكندرية ُ، كيف صبركِ عن فتى ً | الصبرُ لم يُخلق لمثل مُصابه |
عطلتْ سماؤك من بريق سحابها | وخَبا فَضاؤكِ من شُعاع شِهابه |
زينُ الشبابِ قضى ، ولم تتزودي | منه، ولم تتمتَّعي بقَرابه |
قد نابَ عنكِ، فكان أصدقَ نائبٍ | والشعْبُ يَهْوَى الصِّدق في نُوّابه |
أَعلمتِه اتَّخذ الأَمانة َ مَرَّة ً | سبباً يبلغه إلى آرابه؟ |
لو عاش كان مؤملاً لمواقفٍ | يرجوا لها الوادي كرامَ شبابه |
يجلوا على الألبابِ همّة َ فكره | ويناولُ الأسماعَ سحرَ خطابه |
ويفي كديدنهِ بحقٍّ بلاده | ويفي بعهد المسلمين كدابه |
تَقْواكَ إسماعيلُ؛ كلُّ عَلاقة ٍ | سيبتها الدهرُ العضوضُ بنابه |
إنَّ الذي ذقتَ العشية َ فقده | بِتَّ الليالي مُوجَعاً لعذابه |
فارقتَ صنوكَ مرتين، فلاقهِ | في عالم الذكرى وبين شعابه |
من عادة الذكرى تردُّ من النوى | من لا يدينِ لنا بطيِّ غيابه |
حُلمٌ كأَحلام الكَرَى وسِناتِه | مُسْتَعْذَبٌ في صدقه وكِذابه |
اسكُبْ دُموعَكَ لا أَقول: اسْتَبْقِها | فأخو الهوى يبكي على أحبابه |