حياة ٌ ما نريدُ لها زِيالا
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
حياة ٌ ما نريدُ لها زِيالا | ودنيا لا نَوَدّ لها انتقالا |
وعيشٌ في أُصول الموتِ سمٌّ | عُصارتُه، وإن بَسَط الظلالا |
وأَيامٌ تطيرُ بنا سحاباً | وإن خِيلَتْ تَدِبّ بنا نِمالا |
نريها في الضمير هوى ً وحبّاً | ونُسمِعها التبرُّمَ والملالا |
قِصارٌ حين نجري اللهوَ فيها | طوالٌ حين نقطعها فعالا |
ولم تضق الحياة ُ بنا ، ولكن | زحامُ السوءِ ضيَّقها مَجالا |
ولم تقتل براحتها بَنيها | ولكن سابقوا الموتَ اقتتالا |
ولو زاد الحياة الناسُ سعياً | وإخلاصاً لزادتهم جمالا |
كأنّ الله إذ قَسم المعالي | لأهل الواجب ادّخر الكمالا |
سمِعْتَ لها أَزيزاً وابتهالا | ولوعاً بالصغائر واشتغالا |
وليسوا أَرغَد الأَحياءِ عيشاً | ولكنْ أنعمَ الأحياءِ بالا |
إذا فعلوا فخيرُ الناس فعلاً | وإن قالوا فأَكرمُهم مَقالا |
وإن سألتهمُو الأوطانُ أعطوْا | دماً حرّاً ، وأبناءً ، ومالا |
بَنِي البلدِ الشقيقِ، عزاءَ جارٍ | أَهاب بدمعه شَجَنٌ فسالا |
قضى بالأمس للأبطال حقّاً | وأضحى اليومَ بالشهداء غالى |
يُعظِّم كلَّ جُهدٍ عبقريٍّ | أكان السلمَ أم كان القتالا |
وما زلنا إذا دَهَت الرزايا | كأرحم ما يكون البيتُ آلا |
وقد أنسى الإساءة من حسودٍ | ولا أنسى الصنيعة والفعالا |
ذكرتُ المِهْرَجانَ وقد تجلَّى | ووفدَ المشرقين وقد توالى |
وقد جليتْ سماءً لا تعالى | |
تسلَّلَ في الزحام إليَّ نِضْوٌ | من الأَحرار تحسبه خيالا |
رسول الصابرين ألم وهناً | وبلَّغني التحيَّة َ والسؤالا |
دنا مني فناولني كتاباً | حستْ راحتاي له جلالا |
وجدت دمَ الأسودِ عليه مسكاً | وكان الأَصلُ في المِسْكِ الغزالا |
كأن أساميَ الأبطالِ فيه | حَوَاميمٌ على رَقٍّ تتالى |
رواة قصائدي قد رتلوها | وغنوها الأسنة َ والنصالا |
إذا ركزوا القنا انتقلوا إليها | فكانت في الخيام لهم نقالا |
بَنِي سوريَّة َ، التئموا كيومٍ | خرجتم تطلبون به النِّزالا |
سلو الحرية َ الزهراءَ عنَّا | وعنكم: هل أَذاقتنا الوِصالا؟ |
وهل نِلْنَا كلانا اليومَ إلا | عراقيبَ الموعدِ والمطالا؟ |
عرفتهم مهرها فمهرتموها | دماً صبغَ السباسبَ والدغالا |
وقمتم دونها حتى خضبتمْ | هَوَادِجَها الشريفة َ والحِجالا |
دعوا في الناس مفتوناً جباناً | يقول : الحربُ قد كانت وبالا |
أَيطلب حقَّهم بالروح قومٌ | فتسمع قائلا : ركبوا الضلالا؟ |
وكونوا حائطاً لا صدع فيه | وصفّاً لا يُرَقَّع بالكسالى |
وعيشوا في ظلال السلم كدا | فليس السلمُ عجزاً واتّكالا |
ولكن أَبْعَدَ اليومين مَرْمًى | وخيرَهما لكم نصحاً وآلا |
وليس الحربُ مركب كلِّ يومٍ | ولا الدمُ كلَّ آوِنة ٍ حلالا |
سأذكر ما حييت جدار قبرٍ | بظاهر جلق ركبَ الرمالا |
مقيمٌ ما أقامت ميلسون | يذكر مصرَعَ الأَسدِ الشِّبالا |
لقد أَوحَى إليَّ بما شجاني | كما توحي القبورُ إلى الثكالي |
تغيب عظمة ُ العظماتِ فيه | وأولُ سيدٍ لقيَ النبالا |
كأَن بُناتَهُ رفعوا مَناراً | من الإخلاص، أَو نصبوا مِثالا |
سراج الحقِّ في ثبجِ الصحارى | تهاب العاصفات له ذبالا |
ترى نورَ القعيدة ِ في ثراه | وتنشقُ من جوانبه الخلالا |
مشى ومشتْ فيالق من فرنسا | تجر مطارفَ الظفرِ اختيالا |
ملأْنَ الجوّ أَسلحة ً خِفافاً | ووجهَ الأرضِ أسلحة ً ثقالا |
وأَرسَلْنَ الرياحَ عليه ناراً | فما حفل الجنوبَ ولا الشَّمالا |
سلوه : هل ترجل في هبوبٍ | من النيران أرجلت الحبالا؟ |
أقام نهاره يلقي ويلقى | فلما زال قرصُ الشمس زالا |
وصاح، ترى به قيدَ المنايا | ولستَ ترى الشَّكِيمَ ولا الشِّكالا |
فكُفِّن بالصوارم والعوالي | وغيب حيثُ جال وحيثُ صالا |
إذا مرَّتْ به الأَجيالُ تَتْرَى | سمعهتَ لها أزيزاً وابتهالا |
تعلَّق في ضمائرهم صليباً | وحلَّق في سرائرهم هلالا |