أنى شبابك قد مضى محمودا
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
أنى شبابك قد مضى محمودا | ودع الغواني إن أردن صدودا |
وصرمنا حبلك بعد أول نظرة ٍ | وبما يكن إلى حديثك صيدا |
أيام ينبعث القريض بمجلسٍ | شافٍ لدائك أو تبيت عميدا |
تصطاد من بقر الأنيس وتصطفي | كأس المدامة عندهن ركودا |
ولقد شربت رضابهن على الصدا | وعلى الصبابة ودهن برودا |
من كل مقبلة ِ الشباب كأنها | صنمٌ لأعجم لا يني معبودا |
تدني القناع على محاسن مشرقٍ | كالبدر يحفل عصفراً وعقودا |
وَكَأنَّما نَظَرَتْ بِعَيْنَيْ شَادِنٍ | حَيْرَانَ أبْصَرَ شَادِناً مَطْرُودَا |
ويشك فيها الناظرون إذا مشت | أتَسِيلُ أمْ تَمْشِي لَهمْ تَأويدَا |
أرخت على قصب الروادف فانثنت | كالْخَيْزُرَانة لدْنة ً أمْلُودَا |
وكَأَنَّهَا شَرِبَتْ سُلافة بَابِلٍ | بِالسَّاهِرِيَّة ِ خالطتْ قِنْدِيدَا |
فِتنٌ مُبَتَّلَة ٌ تمِيلُ إِلَى الصِّبَى | وَلِمَنْ تصيَّدَهَا تكُونُ صَيُودَا |
وَصَفَتْ مَجاسِدُها روادِفَ فَعْمَة ً | وَمُهَفْهَفاً قَلِقَ الْوِشَاحِ خضِيدا |
وعلى الترائب زينهن كأنه | وسنان جاذب مضجعاً ليؤودا |
وَإِذَا بَدا لَكَ وَجْهُهَا أَكْبَرْتَهُ | عجباً ويا لك في القلائد جيدا! |
وكفى بمضطرب العقود فإنه | نَحْرٌ يَزِينُ زَبَرْجَداً وَفَرِيدَا |
وَلَئِنْ صَدَدْنَ لَقَدْ قَضَيْتُ لُبَانَة ً | وَغَنِيتُ دَهْراً ناعِماً غِرِّيدَا |
وَدُمًى أَوَانِسُ مِن بَناتِ مُحَرِّقٍ | حور نواعم أوجهاً وجلودا |
أَرْسَلْنَ فِي لطفٍ إِلَيَّ أنِ ائْتِنَا | غابَ الرَّقِيبُ وَمَا تخافُ وَعِيدَا |
فَأتيْتُهُنَّ مَعَ الْجَرِيِّ يَقُودُنِي | طرباً ويا لك قائداً ومقودا! |
لمَّا الْتقيْنا قُلْن: هَاتِ فقدْ مَضتْ | سَنة ٌ نُؤملُ أَنْ نَراكَ قَعِيدَا |
حَدِّثْ فَقَدْ رَقَدَ الْوُشَاة ُ وَلَيْتَهُمْ | حَتى الْقَيَامَة ِ يَلْبَثُونَ رُقُودَا |
قلت: اقترحن من الهوى فسألنني | طُرَفَ الْحَدِيث فُكَاهَة ً وَنَشِيدَا |
حتى إذا بعث الأذين فراقنا | وَرَأَيْتُ مِنْ وَجْهِ الصَّبَاح خُدُودَا |
جرت الدموع وقلن: فيك جلادة ٌ | عنا ونكره أن نراك جليدا |
فالآن حين صحوت إني إن أرى | كلِفاً فيَرْجَعُ وُدُّهُنَّ جَدِيدَا |
لا تعص ذا رشدٍ ويمن مشهورة ٍ | ومن السعادة أن تكون رشيدا |
متع صديقك غير مخلق وجهه | وإذا سئلت فلا تكن جلمودا |
وَفَتًى يَذُبُّ عَن الْمتاع وَيَبْتَغِي | مَا فِي يَدَيْكَ إِذا رَآكَ مُفِيدَا |
شيعته ليهين بعض متاعه | يوماً ويُكرِمَ نفسَه فيسودَا |
فدنا فأشرق ثم أظلم وجهه | عَرَف الْوَلاَءَ فزادَهُ ترْبِيدَا |
أبلغ سراة بني الحصين بأنني | قلدتهم مدحي وكنت ودودا |
حملت قرمهم الفنيق قصائدي | حذا يلذ بها الرواة نشيدا |
وَإِذَا ذكرْتُ بَنِي قُتيْبَة أَصْبَحَتْ | نفسي تنازعني القريض جديدا |
الذَّائِدِين عَنِ الحَرِيم بِجَدِّهِمْ | وَالْمُنْعِمِين أُبُوَّة ً وَجُدُودَا |
قومٌ لهم كرم الإخاء وعزة ٌ | لا يمكنون بها الظلامة صيدا |
تأبى قلوبهم المذلة والخنا | وَأَبَتْ أَكُفُّهُم الْبُحُورُ جُمُودَا |
فطنٌ لمعروفٍ وإن لم يفطنوا | لِلْغيِّ يَعرِفُهُ الْخَلِيلُ مُعِيدا |
وَترى عليْهمْ نضْرَة ً وَمَهابَة ً | شرفاً وإن ملكوا أمنت وعيدا |
متوازرون على المحامد والندى | لا يحسبون غنى ً يديم خلودا |
وكأنهم في نحر كل مخوفة ٍ | أسد جعلن لها الملاحم عيدا |
يغدون في حلقِ النعيم وتارة ً | في المسك يصبح للجلود جلودا |
وَمُرَفَّلِين على الْعشِيرَة ِ أَصْبَحُوا | سَبْقاً مَرَازِبَة َ العِرَاقِ قُعُودا |
وَبَنى لَهُمْ مُلْكاً أَطَالَ عِمَادَهُ | سَلَفٌ يَرَى بِمَجَرَّة ٍ أخْدُودَا |
تَنْشَقُّ رَوْعَاتُ الْوَغَى عَنْ رَأسِهِ | صلتان يفتكُ بالأمور وحيدا |
كم من عفارية ٍ أبل متوج | قتل الإلهُ به وكان مريدا |
قاد الجنود من البصيرة للعدى | حتَّى وَقْعن بِصِين ثغْرٍ قُودا |
خَيْلاً مُخفَّفة ً وَخَيْلاً حُسَّراً | لايَعْتَلِجْن مع الشَّكَائِم عُودَا |
أنزلن غوزك من صياصي عزه | ظَهْراً وكان غزِيُّهُ مجْدُودا |
وأفأن نسوة نيزكٍ وتركنه | جزراً ورهط بني الأشل حصيدا |
وحملن ربهم الأجل هدية ً | في الشَّاكِرَيَّة ِ عانياً مَصْفُودا |
ومنعن خاقان المسارح فانثنى | عجلاً يشل سوامه مزؤودا |
وأقمن قتلى للمقانب والقنا | بَعْدَ الْحَصَانَة ِ مَنْهَلاً مَوْرُودَا |
تلك المكارم لا مقام معذرٍ | بَرَقَ الْحَبِيُّ لَهُ فَحَادَ مَحِيدَا |
وأبو قتيبة َ في الكريهة ِ مثلهُ | أسَدٌ يُرَشِّحُ لِلِّقَاء أسُودَا |
ملك على مضض العدو محلهُ | يعطي الجزيل ويقتل الصنديدا |
تهدى له فلق الرؤوس إذا غدا | وإذا تروح حادياً ليجودا |
وَلَقَدْ أَقُولُ لِقَافِلِينَ رَأَيْتَهُمْ | بِقَفَا الْمَسَالِحِ يَقْسِمُونَ قَصِيدَا |
كَيْفَ الأَمِيرُ لِزَائِرٍ مُتَخَيِّرٍ | تَرَكَ الأَقَارِبَ وَالْبَعِيدَ بَعِيدَا |
وُدّاً وَمُخْتَبِطاً وَدَائِمَ عِشْرَة ٍ | يسعى لجارية ٍ تريد نقودا |
تأبى صواحبها ويأبى أهلها | إلا العلاء فكلفوه كؤودا |