الأطروحة الغريبة - من أسرار «القصص» - محمد مطني
مدة
قراءة المادة :
9 دقائق
.
الحمد لله والشكر له وهو الشكور الحميد ، منزل الَقُرْآن هدى ورحمة ، {مِنْهُ ءايَاتٌ مُحْكَمَتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَبِ وَأُخَرُ مُتَشَبِهَتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَبَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ ءامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَبِ} .والصلاة والسلام والبركات على سيدنا ورسولنا ونبينا وحبيبنا أبي القاسم مُحَمَّد بن عَبْد الله ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آله وصحبه وتابعيه ووارثيه ، القائل: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ».
فصَلَّى عَلَيْهِ اللَّهُ وَسَلَّمَ عدد خلقه ، ورضا نفسه ، وزنة عرشه ، ومداد كلماته.
أما بعد:
فقصتي مع هذه الأطروحة غريبة كلّ الغرابة ، فقد كان من المقدر ـ والله المقدر ـ أن يكون كاتب هذه الأطروحة شخصاً سواي وبمنهج غير هذا المنهج وبطريقة غير هذه الطريقة.
فشاءت مشيئة الله أن يتوفى هذا الشخص رَحِمَه الله بالحرق قبل الشروع بها فعزمت على تحقيق رغبته بدراسة هذا الموضوع وباقتراح من الأستاذ الدكتور مُحَمَّد صالح عطية الذي أراد أن أحقق رغبة أخي الشيخ جاسم مُحَمَّد سلطان ـ رَحِمَه الله ـ الذي وافاه الأجل قبل أن يحقق ما أراد.
فاقترح علي المشرف الأستاذ الدكتور مُحَمَّد صالح عطية أن تقسم السّورة على مقاطع موضوعية يحلل كلّ منها على حدة ، وقد وجهت باختيار منهجية علمية أكاديمية في تحليل كلّ مقطع وفق النظام الآتي:
1. تحليل الألفاظ على وفق المصطلح المعجمي.
2. إبراز المناسبة بين الآيات في المقطع وما قبلها وما بعدها.
3. تخريج القراءات الَقُرْآنيّة ومواردها في كلّ مقطع.
4. ذكر القضايا البلاغية.
5. المعنى العام للمقطع.
6. ما يستفاد من المقطع.
وقد سرت على طريقتين في كتابتي هذه الأطروحة:
الطريقة الأولى:
الاعتماد على المصادر والمراجع في استعراض الآراء في تفسير وتأويل المقطع دون إبداء رأي شخصي في التأويل والتحليل ، لأن مورد النصّ لا يحتمل في بعض الأحيان الزيادة على آراء السابقين ـ رَحِمَهم الله ـ ولو بكلمة ، لتكاملها ، فكان عملي الوحيد فيها هو العرض مع الترجيح بين هذه الآراء.
الطريقة الثانية:
أن أبرز الرأي في تأويل بعض المواضع والمواضيع التي تحتمل إبداء الرأي ولا سيما في المواضيع الصورية ـ البيانية ـ الأسلوبية غير المقطعية ، وكان في ذلك مجال واسع لإبراز الرأي الجديد مع ربطه بما ذهب إليه القدماء.
وقد استشرفت في بحثي الأطر الخاصة والعامة ، والذي تمثل في مواضع مثلتها جملة من المفاهيم نحو ( التربية والسلوك ، والزمن ، والتوحيد ، والشخصية والهوية ، والإيمان والكفر).
ولقد حاولت هنا أن أدرس ارتباط الماضي بالحاضر في القراءة التأويلية لسُوْرَة الْقَصَصِ بمقارنة فرعون ودولته بالولايات المتحدة الأمريكية على ما يراه القارئ في الفصل الثامن من هذه الأطروحة .
إن هذا العمل في حد ذاته كان عملاً مبتكراً في بابه ، ذلك أن إبداء الرأي ـ بصورة غير منهجية ـ في بعض مواضع الَقُرْآن الكَرِيم من الأمور المنهي عنها في الحديث الشريف ، ولكني قمت بذلك تبعاً لمنهج أهل السنة والجماعة ، وهكذا فلم أتعرض لتأويل آيات الصفات في سُوْرَة الْقَصَصِ ، ولكني أولت آيات تتعلق بهذا العصر في مواضعها لمسيس الحاجة إليها ، لإيقاظ عقول الشباب وقلوبهم من الغفلة والوهن إلى الاندفاع والعزيمة في مبشرات سُوْرَة الْقَصَصِ ، تبعاً للقراءة الجهادية لسُوْرَة الْقَصَصِ.
وقد كانت لي استفادة في قراءتي التحليلية لسُوْرَة الْقَصَصِ من جمهرة كبيرة من المصادر والمراجع القديمة والحديثة بطبعاتها القديمة والحديثة ـ مع صعوبة الحصول عليها في ظل الظروف الحالية ـ وقد كان لي من شبكة المعلومات العالمية (الانترنت) معيناً في الحصول على بعض التوجيهات المعلوماتية وبعض الآراء الحديثة .
إن البحث في الدراسة التحليلية لكل سورة على حدة أمر مهم ، لأن هذا التحليل يظهر وجوه الإعجاز الَقُرْآني في كال نواحيه المتطورة .
وكان هذا الأمر من بين الأسباب التي دفعتني لاختيار سُوْرَة الْقَصَصِ لما تحمله من مبشرات بزوال دول الكفر والطغيان ، وذلك بما بشر به رَسُول الله قبل الهجرة المباركة من أن النصر آت ، وربطها بين حال رَسُول الله وبين حال موسى، وبين قوة قريش ومالها ونفوذها ، وبين قوة فرعون وهامان وقارون ومالهم ونفوذهم ، وما آلت إليه قوى هؤلاء جميعاً إلى الزوال والهلاك .
وكان من منهجي في البحث فضلاً عما أبرزته فيما سبق هو ربط الماضي بالحاضر ، وهو ما جاء متماشياً مع الخطوط العامة للسورة ، ويعقبها التحليل الذي شمل المباحث والمطالب .
وأدى هذا إلى جعل مهمة الباحث تنتقل بين نقل تفسيرات الأقدمين وتأويلاتهم وإبراز الفهم الحديث للتفسير والتأويل حسب ما يقدح في ذهن الباحث في أثناء الدراسة الموضوعية دون الخروج عن مذاهب القدماء في ابتعادهم عن التفسير بالرأي .
وقد كانت أهم المصادر والمراجع التي اعتمدتها ، جمهرة من كتب التفاسير والمعجمات والتأويلات الجزئية لبعض آيات سُوْرَة الْقَصَصِ ، وكتب القراءات والبلاغة والإعراب ، والكتب التي تحدث عن انتصار الإسلام ، والكتب التي تقارن فرعون ذلك العصر بفرعون هذا العصر ، الولايات المتحدة الأمريكية ، وعلى ما يراه القارئ في فهرست المصادر والمراجع الملحق بآخر الرسالة .
وقد قمت بتحليل بعض المواضع التي يستنبط منها أحكام الفقه ، والتي سبقني إليها القدماء ، مع أن سُوْرَة الْقَصَصِ لا تتضمن الأحكام الفقهية المباشرة ، بل ما استنبطه منها الفقهاء والأصوليون من أحكام من قصة زواج موسى.
إن أهمية الكتابة في سُوْرَة الْقَصَصِ تبرز في خمسة محاور:
1. تحليل آراء القدماء في السّورة نفسها .
2. إظهار بعض أوجه الإعجاز الَقُرْآني التي لا تحصى عدداً .
3. إبراز النصر الإلهي الممتد من زمن موسى ومُحَمَّد ـ عَلَيْهما الصَلاة والسَّلام ـ إلى قيام الساعة .
4. بيان أن الحاكمية لله جَلَّ جَلاُله .
5. فهم الماضي وصولاً لفهم الحاضر والمستقبل .
وسُوْرَة الْقَصَصِ حافلة بالحقائق التاريخية ، وتتوافق أحداثها مع ما أثبته العلم الحديث .
وقد سارت الأطروحة في أصلها تبعاً لمنهجية حسبت أنها الأفضل في التحليل العام لسُوْرَة الْقَصَصِ ، فكانت خطتي في الأطروحة هي:
الفصل الأول التمهيدي وضمنته ستة مباحث .
أما الفصل الثاني فقد أسميته وقفات بين يدي السّورة ، وقسمته على مبحثين .
وقد خصصت الفصل الثالث لدراسة الطغيان والتكبر في سُوْرَة الْقَصَصِ ، وقد قسمت هذا الفصل على مبحثين أيضاً.
وفي الفصل الرابع .
ناقشت نشأة سيدنا موسى والظروف المحيطة به .
واقتضت مستلزمات البحث أن أقسم هذا الفصل على مبحثين .
وخصصت الفصل الخامس لمناقشة موضوع هجرة سيدنا موسى إلى مدين .
وكان هذا الفصل من مبحثين .
وفي الفصل السادس تناولت عودة سيدنا موسى إلى مصر واشتمل على مبحثين .
وقد تناولت في الفصل السابع ، الرسول مُحَمَّد ودعوته في سُوْرَة الْقَصَصِ ، وقد قسمته على ثلاثة مباحث .
وقد قارنت في الفصل الثامن بين هيمنة فرعون وأمريكا وسقوط وانتصار الإسلام من خلال سُوْرَة الْقَصَصِ في دلالاتها السياسية الحديثة .
وقد توزع هذا الفصل على تمهيد ومبحثين .
وختمت هذا كله بخاتمة أوجزت فيها ما استطعت التوصل إليه من نتائج .
لقد أدى المنهج الجديد الذي اعتمدت عليه في بحثي إلى صعوبات وصعوبات قد لا يتسع المجال لذكرها ، غير أن أبرزها هو ما واجهني في مواضع لم أجد القدماء قد بحثوا فيها بما يلائم منهج البحث ، ولا سيما ما يوافق حال المجتمعات الإسلامية اليوم .
وأياً ما كان فهذا هو جهدي الذي بذلت ما وسعني الجهد والاجتهاد والبحث والدرس ، فإن أصبت فبفضل الله جَلَّ جَلاَله هو أهل الفضل ، وإن كان غير ذلك فمني ، ولا أملك هنا إلا أن أقول : {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}.
وصلى الله على سيدنا مُحَمَّد وعلى آله وصحبه وسلم
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين