كان السلطان الجالس في قصرهْ |
يغتبق فقال لشاعر عصرهْ |
والشمسُ بقايا تنحدر رويدًا خلف الأشجارْ |
شفَّت كالكأس مزاجٌ من كافورٍ ولُـجينٍ ونُضارْ |
قال السلطان وقد حفّ السمّارْ |
عَلِّمني يا ربَّ الأشعارْ |
عَلِّمني الحكمة والصمتْ |
وفنَّ اللعب على هاتيك الأوتارْ |
علّمني الفطنة واللغوْ |
وتاريخ الفُلْك وفنَّ الإبحارْ |
علّمني فنَّ العوم مع التيارِ |
وضدَّ التيارْ |
علّمني المنطق والجبرْ |
وأصل العائلة وفلسفة التيجانْ |
علّمني الموسيقا |
كي أعزف أغنيةً حين يجنّ الليلُ |
وتدركني الأشجانْ |
علِّمني الرقصَ |
لأعقدَ خصر حبيبي بالكفينْ |
نكاد نذوب مع الألحانْ |
علِّمني الرسمَ |
لأرسمَ وجه حبيبي |
حين يطلّ وتأسرني العينانْ |
قال الشاعر للسلطانْ |
ذلك ميسورٌ «يا مولايْ» |
اغرفْ من نبع المعرفة كما شئتَ |
فلا حرجٌ على الملك النعمانْ |
أن يتقنَ فنّ العزف على مختلف الألوانْ |
كان السلطان الجالس في قصرهْ |
يغتسل فقال لشاعر عصرهْ |
وفتاتُ المسك يضوعُ |
وعبقُ العنبر يعبق في البستانْ |
والشمسُ شعاعٌ يحبو كالطفلْ |
يتسلّق سور الشرفة والأغصانْ |
قال السلطان وقد ثمل الندمانْ: |
عَلِّمني يا شيخَ الكهانْ: |
عَلِّمني الشعرَ |
فإن الشعر خلود الأزمانْ |
نَفَسٌ قد قيل من الرحمنْ |
عَلِّمنيهِ |
فإنك أدرى بالقافية وبالخافية من الأوزانْ |
علِّمني كيف أصوغ من الكلماتِ |
عقودَ اللؤلؤ والمرجانْ |
وأتوِّج جيدَ حبيبي |
بقلادة درٍّ ولجينٍ وجمانْ |
وأطرِّز بالنظم الذهبيِّ |
قوائمَ عرشي والأركانْ |
اجعلني فارس هذا الميدانْ |
وسيّد كلّ الفرسانْ |
لا تجعلْ في الشعر ولا في الشعراء سوايْ! |
قال الشاعر للسلطانْ |
علمتك كلّ فنون الإنسانْ |
وحكيتُ بألسنة الطيرِ |
وألسنة الجِنة والإنسِ |
وألسنة الحيوانْ |
أما الشعرُ فعذرًا يا مولايْ . |