وداعا... درويش!!
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
أحيا على أمل ما كنت مدركه | ما ذنب محترق في النّار مغلول |
مسّ رقيق لتلك الكفّ تعتقني | من قيد أسر نبا بي دهره الغول |
يا بعض نفس تقول الشّيء تضمره | دلاّ، فهل أخمدت نارا أباطيل؟ |
أحيا كفافا ولي من حاضري سقمي | أعلي به جدثا في القلب محمول |
أعتقت خوفي على ضنّ وبي أمل | أسلو الحياة فأعيتني التّآويل |
يلقون بي في إسار الظّنّ لو عدلوا | عادوا مريضا خبت فيه التّراتيل |
والنّاس في أمر نفسي هاجس شكس | وملتو بصريع الحبّ مقتول |
قد غيّبوك اغترارا ليتهم ذكروا | بأنّني لم تذب قلبي التّراتيل |
ما كان أحرى دموعي أن تروّي ثرى | حازته روح منافيها المواويل |
يا وافد اللّحد أعلى اللّحد بيرقه | الشّعر باب وهذا اللّحن موصول |
فم المنايا حروف أنت قائلها | فليهنأ العمر وشّته التّهاويل |
وإن أراني ضجيعا في مفاوزها | هذي الحياة لها عندي مثاقيل |
هذي الحياة الّتي عمّدتها نفسا | تطويه روح وروح الشّعر تنزيل |
سنلتقي بين بيت هزّه شجن | وننشد اللّحن أعلاه التّهاليل |
هل حقّ لي بعد موت أرتدي جسدا | يهتزّ شوقا فما تجدي الأقاويل |
اليوم أحيا كما قد كنت منتهبا | للخوف في مقلتيّ النجل إنجيل |
يتيم شعر وربّ الشّعر معتور | لله درّ امرئ في الحبّ مشغول |
أنهيت كأس الصّبابات الّتي احترقت | ولفّني بعد ألاّف سرابيل |
لو يستعيد الزّمان البكر دورته | ويستبين بشطر الدّرب قنديل |
أيقنت مثلي بأنّ الأرض مملكة | وما سواها أباطيل أضاليل |
وأنّ من لم يقم في شرفة الرّوح أط | لالا فلا كان ديباج وإكليل |
ولا تناجت قلوب العاشقين مل | يّا في ربوع تهادتها التّماثيل |
الآن ترحل يا "مهيار" ممتلئا | فيك الكلام انتهى نظما له طول |
وامتدّ هذا الفضاء الرّحب حتّى كأ | نّه لضيق تخطّته العقابيل |
أبكي ليتمين: يتم الحرف منكسرا | ويتم روح عليها النّعش معقول |
سأكتفي بالّذي كانت توحّده | حدود بحر وأوتاد وتمثيل |
وأشهر الوزن سهما في مناحره | ما كان أرداك طيراه الأبابيل |
مازلت أذكر أطيافا وأخيلة | وأنّك الشّعر مفطور ومجبول |
وأنّك الصّوت حقّا لا انكفاء له | في الحلّ يعلو وفي التّرحال معلول |
هل كان للأرض حجم غير ما كانت | حروفك الشّمّ تعليه وتخييل |
هل كان للأرض أن ترضى العناق هوى | لولاك يا من بفيه السّيف مسلول |
والأرض كانت بلا لون تردّ له | حتّى ارتدتها بأشواق أكاليل |
وفي حنايا حناياك انتقشت لها | رسم الخلود فنعم الرّسم مصقول |
أخا الحصار كسرت القيد في صفد | كما تكسّرت الهوج الأساطيل |
وفي الجليل اشتققت القلب من لهب | وشيّعتك – أخي – العوذ المطافيل |
جثا الهروب فأهوت فوقه مدن | من كلّ فجّ توافيها المفاليل |
وكنت بيتا فشيّدت البيوت قصا | ئدا لها في ثنايا اللّحن تقبيل |
اليوم ينعى الحصار المرّ سورته | وينشر الأرض نشر الكفّ تهليل |
اليوم إن "بروة" الأحلام ما فزعت | إليك ف"البروة" الإنشاد موصول |
أحييتها كاستعارات ممزقّة | الأشلاء قد زانها سحرا تحاليل |
واعتدتها في ظلام اللّيل حلما أسا | لته عذاب المنى البيض الأزاعيل |
فأنت من كنت توفي الوعد محمدة | وما أقالتك عن حبّ تآويل |
وارتبت في كلّ حرف شابه سأم | وأركبتك مطايا الضّاد عطبول |
فليسكن الموت أعضاء وهت فيها | الحياة، فالموت مرماه الأحابيل |
وليبكك الوطن المنزوع هامته | سمّا زعافا، وفي الأيدي المناديل |
لكنّك الآن تحيا في ممرّدة | للشّعر علويّة يكلاك "حزقيل" |
تعطي المدائن أسماء مجنّحة | لكلّ اسم سماء ما لها طول |
يأتين سعيا فيلهبن الجباه لظى | في جانحيك، وتنساب المواويل |
يأتين من كلّ فجّ كي يرين أمي | ر الشّعر أهدت له السّيف المقاويل |
لو يمهل الموت أحيانا بلا ترة | شهما كريم الجدا ما امتدّ أيلول |
وينتهي بين خلاّن مرحّلة | جيادهم فهي تكفيها الأساطيل |
ويرتخي قوسه المشدود آمادا | يرى بها الصّبّ صبّا وهو محمول |
يهديه كفّ الزّمان الغرّ مملكة | لها عذيب وأبواب مقافيل |
لو يمهل الموت ميتا حار منزله | فيه فآوته أوطان مثاكيل |
وإلفه الحيّ لم تجمل مودّته | ستّون حولا، وقلب الخلّ مثكول |
يستنطقان مرير البعد في عجل | ويمضيان فذا فان وذا قيل |
عش في سما اسمك الحاوي تجدّده | يا سيّد الشّعر عش فليهنك القيل |
* | |
البريمي في: 30 أيلول 2008 |