وَعُدْتُ أدْرَاجيَ مِنْ حَيْثُ أتيْتُ عُدْتُ لِلسَّفرْ |
وَسَاقنِي حَظِّي إلى الخطرْ |
دَخلتُ غارَ السَّارقِينَ الأرْبَعينْ |
لم أصطحب إليه من يؤنس أو يُعينْ |
ذاكَ الذي دَخلهُ قبلي (عَلِي بابا) وَعَادْ |
أغنى مِنَ التجَّارْ |
أغنى مِنَ السُّلطانِ فِي بَغدادْ |
وَكانَ قبلَ ذا فَقيراً مُعدِماً لا يَعْرفُ الدِّينارْ |
• |
مَلأتُ أكياسَ الحَطبْ |
بِالماسِ بالجُمَانِ باللآلئِ المَنظومَهْ |
بالجَوْهرِ الثمينِ بالحِجَارَةِ الكريمَهْ |
بِكُلِّ ما استَطَعتُ حَملَهُ مِنَ الذهبْ |
جَمَعْتُ ما أهوى مِنَ الحُلِيّ وَالدُّرَرْ |
لمْ أنسَ همِّي لحْظةً مَا اسْطاعَ أنْ يَغلِبَنِي الطرَبْ |
لمْ أنسَ [سمسماً] كمَا نسِيَها شَقيقُهُ المِسْكينْ |
فغفلةُ النسيانِ من ورائها المنونْ |
لَكِنَّهُ القَدَرْ |
إذ لَيسَ يُجدي حينَ يأتي الحِرصُ وَالحَذَرْ |
فلمْ يكدْ يخلو مِن اِسمِ [سمسمٍ] مكانْ |
كَتَبَهُ اللصوصُ فوق الأرض فوق السقف والجدرانْ |
يا ليتني قبلَ دخول الغار قد رجعْتُ |
أَدرَكتُ حينَ ذاكَ أَنَّني وَقَعْتُ |
ولم يعد هَمّي سِوى النَّجاة مِن بَراثِنِ الخَطَرْ |
• |
وَ تهْتُ فِي دِهْليزهِ الطويلِ أَياماً كثيرَهْ |
لأنني نسيتُ أيْنَ البَابْ |
نسيتُ أيَّ صَخرَةٍ تفتحُ إنْ ناديتُ: سِمْسِمْ |
شحذتُ ذهني جلتُ في ذاكرتي الفقيرهْ |
لكنني لم أحظَ بالجوابْ |
وكنت كلما مشيت خطوةً أتمتمْ: |
سمسم.. سمسم.. |
فربما أكون قربَ البابْ |
وينتهي العذابْ |
وتكتبُ النجاةُ للأسيرْ |
• |
أنهَكنِي المَسيرْ |
أصابَني الإعياءُ كلّت هِمّتي الطَّموحْ |
تَوَرَّمَت رِجلايَ سِرتُ حافِياً تَلسَعُني القُروحُ وَالجُروحْ |
ولم أعدْ أسطيعُ أن أغدوَ أو أروحْ |
تراختِ الآمالُ صار كل بارقٍ لدَيّ مُظلِمْ |
إذ لم يعدْ يُجدي نداءُ سمسمْ |
رَمَيْتُ مَا جَمَعْتهُ جلست أستريحْ |
ورحتُ أنعي طمعي الجَموحْ |
وفجأةً أصابني الخَوَرْ |
وزاغَ مني القلبُ والبصَرْ |
أحسَستُ أنَّ الغارَ وَالأحجارَ مِن حَولي تَدورْ |
والأرضَ من تحتي تغورْ |
وَقَعتُ مَغشِيّاً عَلَيَّ فاقِدَ الإحساسِ والشُّعورْ |
أسيحُ في عوالمِ الأحلام والأشباحْ |
فكل ما تراه عينايَ صُوَرْ |
تلوح لي خلفَ زجاجِ الغيمِ والعَكَرْ |
تخفقُ كالوشاحْ |
إن هبّت الرياحْ |
• |
وَاجتمَعَ اللصُوصُ حَولِي يَنفثونَ الحِقدَ وَالغضَبْ |
سُيوفهُمْ مُصْلتةٌ ألسِنةً مِنَ اللهَبْ |
أحداقُهُم تَقدَحُ بِالشَّرَرْ |
أَفواهُهُم مُزبِدَةٌ غَيظاً يُصِمُّ الغارَ بِالصِّياحْ |
ويلطمُ الأحجارَ بالعُواءِ والرُّغاءِ والزئيرْ |
قالَ لهُمْ رَئيسُهُمْ: لا تقتلوهْ |
عَذابُهُ أنْ تترُكوهْ |
عَرّوهُ جَرِّدوهْ |
مِنْ كلِّ مَا سَلبَهُ مِنْ غارنا ثمَّ اطرَحوهْ |
وراءَ بابِ الغار للوُحوشِِ لِلكِلابْ |
دَعوهُ لِلهَلاكِ ليسَ فيهْ |
خَرْدَلةٌ مِنْ قُوَّةٍ تُنْجيهْ |
أَو رَمَقٌ يُبْقيهِ لِلإيابْ |
ليس له رفيقْ |
وليسَ في هذي البِقاعِ غَيرُنا من يَعرِفُ الطَريقْ |
• |
خرَجْتُ مِنْ غارِ اللصُوصِ جَائِعاً عَطشَانْ |
مُحطّمَ الآمال مسلوبَ القوى مُشتتَ الجَنانْ |
أهيمُ في الجبَالِ وَالوُدْيانْ |
لا مَاءَ لا زادَ سوى ما جادتِ الغبراءُ والسماءْ |
مشاركاً في عَيشيَ الهَوامْ |
أكلتُ مَا يأكلهُ الجَرَادُ وَالديدَانْ |
شَربْتُ مَا تعَافهُ الخيولُ وَالأغنامْ |
وَكَم وَكَم غَلَبَني النعاسُ في العَراءْ..! |
وَنمْتُ فوْقَ الحَوْرِ وَالصَّفصَافْ |
فِراشِيَ الغصونُ وَالعيدانْ |
وَقُبَّةُ السَّمَاءِ لِي لِحَافْ |
سُمَّاريَ النَّقيقُ والنُّباحُ وَالعواءْ |
ندمَانِيَ الذئابُ والضِّباعُ وَالأشباحُ وَالظلامْ |
وَقينتي الَّتي تُغَنِّي بُومْ |
يَلُفُّني الدُّجى بِثوبٍ مِلؤُهُ البَعوضُ والجنادِبْ |
وكلُّ مخلوق له الدماء والأديمْ |
قوتٌ.. ولا يعدله ألَذّ ما في الكون من أطايِبْ |
وكلُّ مخلوق جبانْ |
ينام في النهار خوفاً ويرى الظلام للمكاسبْ |
وَمِن ورا السديمْ |
من قبة السماء من شُرْفاتها المشرعة الأبوابْ |
تَرمقني النُّجومْ |
تَغمِزُني الألوفُ مِن عُيونِها الكحيلة الأهدابْ |
عيونِها الحوراءِ والزرقاءِ والخَضراءْ |
وَقَد يَزورُ مَسكَني القَمَرْ |
يَقفِزُ مَن شُبّاكَهِ الفِضِّيِّ نَحوي دونَما استِئذانْ |
يَطبَعُ فَوقَ وَجنَتَيَّ قُبلَتَي حَنانْ |
وَقَد يَمُرُّ شارِداً يَرمقُني بِمُقلَتَينِ ضَلَّتا |
بَينَ الشِّعابِ تاهَتا |
أَضناهُما السَّهَرْ |
وَقَد يَبُشُّ وَجهُهُ بِبَسمَةٍ يرسلها مِن ثَغرِهِ الفَتّانْ |
يومي بِها إِلَيَّ مِن عَليائِهِ حيناً بُعَيدَ ساعَةِ الغُروبْ |
أَو قَبلَ أَن أَنامَ في السَّحَرْ |
كأَنَّهُ يَقولُ: " نَمْ يا أيها الحيرانْ |
كَيفَ..؟! وَهَل تسطيعُ أن تَنامْ..؟ |
أرجو لكَ السّلامْ " |
• |
وَبَعْدَ أعْوَامٍ مِنَ المَسيرْ |
عَبْرَ صَحَاري البؤس وَالشَّقاءْ |
مُحمّلاً بالألم المريرْ |
وَصَلتُ كوخِيَ الأثيرْ |
ذاكَ الذي ترَكتُهُ فِي أوَّلِ الشَّبابْ |
كأننا لمْ نفترقْ فلمْ نكن أغرابْ |
وَهَل تَهونُ عِشرَةٌ جذورُها القلوبْ..؟! |
عَانقتهُ.. أضُمُّ منه البَابَ وَالجُدْرَانْ |
وَألثمُ الأحْجَارَ وَالترابْ |
رَمَيْتُ عَنْ كِتفيَّ أحْمَالَ الهُمُومْ |
مَدَّدْتُ جسْمِي تحْتَ ليْمُونتِهِ الرَّؤومْ |
تنضحني بعطرها نسائمُ الصباحْ |
أقرأ في الخيال صفحات من المكتوبْ |
وَأحْمَدُ اللهَ عَلى القِسْمَةِ وَالنَّصيبْ |
وأغمض العينين بارتياحْ |
. |
1997 |
* في (ألف ليلة وليلة) دخل شقيق (علي بابا) الغار ولم يستطع الخروج منه لأنه نسي كلمة السر (سمسم) |