قَد يَفعَلُ اللِّسانُ ما لا يَفعَلُ السِّحرُ العَظيمْ |
فَيُخْرِجُ الأفعى مِنَ الوَكرِ المَنيعْ |
لَيِّنَةً طَيِّعَةً خالِصَةً مِن طَبعِها اللَّئيمْ |
كَذلِكَ السُّلطانُ شَهرَيارْ |
حَوَّلهُ سِحْرُ الحَديثِ حَمَلا وَديعْ |
بَينَ يَدَيكِ صَارَ هَذا الذئبُ كالهرِّ الأليفْ |
حَرَّكتِ فيهِ الوَتَرَ الحَسّاسَ مِنْ قيثارَةِ الإنسانْ |
جَرَّدتِهِ مِن ثَوبِهِ المُزَيَّفِ المُخيفْ |
رَمَيتِ عَنْ كِتْفَيهِ جِلدَ الغولْ |
• |
يا شَهرَزادْ |
قد تورِقُ الشُّجيرَةُ المَحروقَةُ اليابِسَةُ الأَغصانْ |
وَيَمرَحُ الحُبورُ في الصَّحراءْ |
ويرقصُ البَهاءُ في الهَشيمِ حينَ يُقبِلُ الرَّبيعْ |
كَذلِكَ السُّلطانُ شَهرَيارْ |
لَم تَحتَرِق جُذورُهُ جَميعُها بِنَزوَةِ الشَّيطانْ |
أَرجَعتِهِ لِلفطرَةِ النَّقيَّةِ البَيضاءْ |
فاخضَلَّتِ الأَشواكُ عادت نبتةً خضراءْ |
وَعادَ للطبعِ السَّليمْ |
كَما أرادَ الخالِقُ العَظيمْ |
• |
لو كُنتِ شهرزادُ تسمعينني أُحَلِّفُُ النَّسيمْ |
أَن يَحمِلَ الأشواقَ منْ فُؤادِيَ الكليمْ |
رسالَةً كتَبتُها بأدمُعي |
لكنتِ تعذُرينْ |
كَيفَ يَهيضُ جُنحُهُ السقيمْ |
من حَرِّها |
ويشربُ الظّلامُ والنُّجومْ |
من خمرِها |
لَوكُنتِ شَهرَزادُ تَسمَعينْ |
لبعضِ ما أبثّه من الجوى المقيمْ |
في أضلعي، لو كنتِ تسمعينْ |
معزوفةَ الحَنينْ |
تُحَرِّقُ الأكباد في الصخورْ |
أهاتُها |
وتُشعِل الأنهار والبحورْ |
أَنّاتُها |
لرَقّ لي فؤادُكِ الرحيمْ |
لوْ كنتِ تسْمَعينْ |
لوْ كنتِ تعْطفينَ يَا سُلطانةَ الليَالِي |
لوْ تهَبينَ قلبيَ الحيرانْ |
بَعْضًا مِنَ الرَّأفةِ وَالحَنانْ |
أوْ يَأذنُ السُّلطانْ |
يَوْمًا بأنْ أكونَ مِنْ نَدْمَاِنهِ |
فِي ليلةٍ حَنتْ إلى الندْمَانْ |
لأفرَغ الفؤادُ بَعْضَ سِرِّهِ المَكنونْ |
ياشَهرَزادْ |
قدْ يَسْمَعُ السُّلطانُ قِصَّتي بأُذْنِ الوُدّ والوجدانْ |
قَد يَسمَعُ السّلطانُ قِصَّتي بِأُذْنِ طَبعِهِ السَّليمْ |
بِأُذنِ مَن عادَ إلى فِطرَتِهِ: إنسانْ |
لكِنَّ قلبي يَكرَهُ الزُّلفى إلى السلطانْ |
• |
ياشَهرَزادْ |
حَكيْتِ للسُّلطانِ مَا يَجيءُ بعدَ الحُبِّ مِنْ هَجْرٍ وَمنْ وصَالْ |
وَمَا يَجولُ فِي ثناياهُ مِنَ الهُمومِ وَالآمالْ |
أخرَجْتِ مِنْ بِحارِها جواهِرَ الحياهْ |
وَكلَّ أنوَاعِ المَحَارْ |
أرَيتِهِ جَميعَ مَا فِي هَذهِ الدُّنيا مِنَ الحِكمَةِ وَالضَّلالْ |
وَبَعْدَ أنْ ظلَّ السِّنينَ مُغْمَضَ الفؤادِ لا يُعينُهُ الإبصارْ |
رَأى بِعَيْنَي قلبِهِ مَا لمْ يَكنْ يَرَاهْ |
• |
يا شَهرَزادْ |
كلُّ الحِكايَاتِ التي حَكيتِها عَجيبَةْ |
لكنَّ قصَّتِي وَبَعْدَ ألفِ ليْلةٍ وَليْلهْ |
مِنْ عَصْركِ المَشْدوهِ بالحَوَادِثِ الغريبَةْ |
أعْجَبُ مِنْ كلِّ الحِكايَاتِ التي أصغى إِلَيها شَهْرَيَارْ |
وَقدْ تعِبْتُ وَأنا أزْحَفُ فِي الدُّروبْ |
أَجولُ في مَهامِهٍ لا تَنتَهي لا أُدرِكُ الآمالْ |
أَبحَثُ في الواحاتِ عَن عَينٍ- |
يُنَدّي ماؤها العُروقَ وَالحُروقْ |
تَرُدُّ عَن حَلقي لَهيبَ الظَّمَأِ المَشبوبْ |
أَبحَثُ عَن شُجَيرَةٍ حَنونَةِ الظّلالْ |
أقيلُ تَحتَها هُنَيهَةً، تُجيرُني، تجيرُ ظِلِّيَ الطَّريدْ |
وعمريَ الشريدْ |
من قيظِ هذا العالمِ الحقودْ |
أَبحَثُ عَن صَدرٍ رَؤومْ |
يَحضنني، أَهوي إِلَيهِ لائذاً مِن وَحشَةِ الضَّياعْ |
أبْحَثُ عَنْ رَفيقْ |
يُؤْنِسُني.. |
يُشرِكُني في كلّ ما يُهِمُّني |
يُزيحُ عنْ نفسيَ بعضَ مَا بِها منْ شَجَنِ |
لعلَّها تُفيقْ |
وَيَبسِمُ الفَجرُ عَلى أَهدابِها الوَسنى فَلا تَعبسُ للشّروقْ |
يمسحُ عنْ عَيْنَيَّ بعضَ أَدمُعي |
عنْ وجْهِي الشُّحوبَ والوُجومْ |
يُفْرِغُ مِنْ فؤاديَ الكَليمْ |
بعضَ الَّذي يَملأُهُ مِن حُزنِهِ القَديمْ |
يَحْمِلُ عَنِّي بَعْضَ مَا أنقضَ ظهْري - |
حَطّمَ الكِتْفَينِ مِنْ هُمومْ |
فرُبَّما يَهونُ في رِفْقَتِهِ السَّفَرْ |
ويختفي الكلالُ والضَّجَرْ |
وَيَنجَلي لِعَينِيَ الطَّريقْ |
يَا شَهْرَزَادْ |