شَهرَزادْ |
عَصْرُكمْ لطـَّخَ خَدَّيْهِ بوحلٍ وَسُخَامْ |
وأهانَ الجسدَ الرمحَ اعوِجاجٌ وانهِدامْ |
وقضى جلَّ لياليهِ على فُرْشِ القَتادْ |
لبِسَتْ أيَّامُكمْ ثَوْبَ الليَالِي الحَالِكاتْ |
لبِسَتْ ثَوْبَ الحِدَادْ |
رَغمَ بَعْضِ الزَّرْكشَاتْ |
زَهَراتْ |
كُنّ بسماتِ حنانْ |
جذلاً يعبقُ يخضلّ وروداً وأقاحْ |
في جِنانِ الحُبّ والإحسان في روضِ الودادْ |
صَوَّحَت قَبلَ انتشارِ العِطرِ مِنها وأُبيدَت في الصَّباحْ |
مَا استطاعَتْ مَسْحَ لون الحزنِ أوْ تمْزيقَ أثوَابِ الحِدَادْ |
فَتَرَدّى الحُسنُ في كُلِّ مَكانْ |
• |
كَثُرَتْ شَعْوَذةُ المُنحَرفينْ |
كلُّ مُحْتالٍ لعينْ |
صَارَ فِي الطِّبِّ عَليما |
شَاركَ الأمْرَاضَ ذَبْحَ المُوجَعينْ |
صَارَ فِي الحِيلَةِ وَالسَّطوِ حَكيمَا |
• |
كانَ قُطـّاعُ الطـَّريقْ |
من صنوفِ المارِقينْ |
حاقدينْ |
ينشرون الخوفَ في عرض البلادِ |
ويعيثون فساداً وفسوقْ |
في القرى في الريفِ في عمقِ البوادي |
يَسْرقونَ المَالَ وَالأطفالَ يَسْبون النساءْ |
لا يُبالون بأسيادٍ ووالٍ عندهم سُمّيَ شيخَ الضعفاءْ |
• |
عَصرُنا ينظرُ مَشدوهاً وَراءَهْ..! |
حامداً مولدَه في مهد حبٍّ وبراءَهْ |
تحت أظلال الوئامْ |
حينما فجرُ السلامْ |
ألبس الأرضَ رداءَهْ |
وحَبا كلَّ نواحيها ضياءَهْ |
• |
لمْ يَعُدْ يَلعَبُ فينا الدَّجَلُ |
مَاتَ عَصْرُ الانحِرافاتِ أتاهُ الأجَلُ |
لمْ يَعُدْ ( زَيْدٌ ) لهُ زوجٌ مِنَ الجنِّ وأختُ |
لمْ يعدْ ( عَمْروٌ ) لهُ إبنٌ مِنَ الجنِّ وَبِنتُ |
• |
فِي عَصْرنا لمْ تعدِ الجنُّ ولا أشباحها تصادِقُ البَشَرْ |
وَلمْ تعدْ عَينٌ ترى أطيافَها صبحاً ولا سَحَرْ |
تركضُ فوق الأرضِ أو ترقى إلى السَّمَاءْ |
تَمنَحُنا السّرورَ وَالشّقاءْ |
تلعَبُ بالقدرْ |
تحوِّلُ الدِّماءَ ماءْ |
وَتمْسَخُ الإنسَانَ قِرْدًا.. حيّةً.. حَجَرْ |
• |
قد طردنا الدَّجلَ العاتي وظُلمَهْ |
وعلى قبر الخرافاتِ غرسنا كلَّ مأثورٍ وحِكْمَهْ |
صَارَ بَيْنَ الإنسِ وَالجنةِ حصْنُ |
ليْسَ تسْطيعُ جُيوشُ المَلِكِ الأحْمَرِ هَدْمَهْ |
أُسُّه عدلٌ وأما صخره الصّلدُ فدستورٌ وأمْنُ |
لمْ يَعُدْ يَسْكنُ فينا مَاردٌ يَا شَهْرَزَادْ |
فلقدْ وَلتْ فلولُ الجَهلِ عَنْ هَذي البلادْ |
• |
فِي عَصْرِنا لمْ تعُدِ الأبْرَاجُ وَالنجومْ |
تَكتُبُ في أَعمارِنا الأفرَاحَ وَالهُمُومْ |
تعْرفُ مَا تشَاءُ مِنْ أمورِنا |
وَتكشِفُ الغيوبَ عَنْ مَصيرِنا |
فنحنُ فِي هَذا الزَّمَانْ |
إذا غَزَتْ أَفراحَنا الأحزانْ |
فليس من يدفعها عنا سوى الإنسانْ |
ليسَتْ تُعيننا عَفاريتٌ وَجَانْ |
ونستغيثُ إنْ طَغى الإنسانُ بالإنسانْ |
إذ ليس بعد اللهْ |
في هذه الدنيا لنا سواهْ |
• |
منذ أن ساد الإخاءْ |
منذ أن مُدّت لتحمينا من القيظ ظلالُ المَرْحَمَهْ |
لَم نَعُد نَسمَع أو تجري على ألسننا كِلمَةُ مَولى أو أَمَهْ |
كُلُّنا في هَذِهِ الأرضِ رِجالاً وَنِساءْ |
كُلُّنا فَوقَ بِساطٍ واحِدٍ نَحيا عَلى نَفسِ المَكانْ |
فُتحت أبوابُنا للحبّ يمحو البؤسَ واليأسَ بأنوار الحياةْ |
بعد أن ولّى الطّغاةْ |
قهر الحبُّ العُتاةْ |
فرّ من كانوا يَسوقونَ عَبيداً وقِيانْ |
وطردنا الذُّلَّ.. أردَينا الهَوانْ |
وَغَدا الجَلاّدُ إنساناً وَدودْ |
لَم يَعُدْ يَرقصُ مُختالاً سعيدْ |
فَوقَ أَثداءِ الجَواري أو عَلى هامِ العَبيدْ |
• |
عَصرُنا أَوَّلُ عَصرٍ بَعدِ عَصرِ الحَجَرِ |
جاءَ هَذا العالَمَ، المَنكوبَ بِالقَهرِ، أتاهُ مُنقِذاً لِلبَشَرِ |
مِنْ شُرورِ البَشَرِ |
عَصرُنا كانَ الوَليدَ المُنتَظَرْ |
بَعدَ عُقمٍ طالَ دَهراً في شيوخِ الأعصُرِ |
رقص الكونُ انتشاءً للخبرْ |
وانبَهرْ |
ملكُ الحُسنِ القمرْ |
كانَ حُلواً مِثلَ فَجرٍ في ربيعٍ أخضَرِ |
أو كَلَيلٍ فيهِ ساجٍ مُقمِرِ |
• |
عَصرُنا كانَ جَديدا |
وَفَريدا |
حَظّنا كانَ سَعيدا |
لَم نَكُن أَبناءَ عَصرٍ سادَهُ البَغيُ وغَطّاهُ العناءْ |
وَشَقاءُ الفِكرِ، والحُريَّةُ العَمياءُ، ما جِئنا بِعَصرِ البؤساءْ |
عَصرُنا كانَ انبِعاثَ الحبّ، لَم يرضَخ لأشكال القُيودْ |
لَم تَقِف في وَجهِهِ الطّامِحِ للعَلياءِ لِلآفاقِ جُدْرٌ أو حُدودْ |
• |
كُلُّنا في نَظَرِ العَدلِ سَواءْ |
رَجُلٌ وَامرَأَةٌ في نَظَرِ العَدلِ سَواءْ |
إن تَكُن أختاً لَهُ فَهوَ أَخوها.. ولْيَدُمْ عهدُ الإخاءْ |
والوفاءْ |
أو تَكُن سَيِّدَةً بَينَ النِّساءْ |
فَهوَ سَيِّدْ |
فَإذا شاءا اللِّقاءْ |
بَنَيا عُشّاً بِعَهدِ اللهِ في جَنَّةِ حُبٍّ وَصَفاءْ |
أُسرَةً بارَكَها اللهُ وَيَرعاها شِريكٌ وَشَريكَهْ |
إنَّهُ قسطاسُ عَدلٍ مُستَقيمْ |
رَجُلٌ في كَفَّةٍ وَامرَأَةٌ في الكَفَّةِ الأُخرى تُقيمْ |
فَهيَ إن شاءتْ فَفي المَنزِلِ في مَملَكَةِ الحُبِّ أميرَهْ |
وَإذا شاءَت تَبارَتْ مَعْ أخيها في مَيادينَ كَثيرَه |
• |
لَم نَعُد نَحتاجُ في تَشييدِ ما نَبغي فَقَطْ عَزمَ الرِّجالْ |
لَم تَعُد أُختي بِلا عَزمٍ فَما نَنعَمُ فيهِ |
مِن رُقيٍّ فَلَها فَضلٌ عَلى الأمَّةِ فيهِ |
لَم يَعُد ساعِدُها رَخواً لضَعفٍ وكلالْ |
إذ غدت بنتُ الحجالْ |
عندنا أختَ الرجالْ |
• |
لَم تَعُد أختي بِضاعَهْ |
يَشتَريها مَن لَدَيهِ الثَّمَنُ |
قِطعَةً قَد يَقتَنيها لِهَواهُ الفَطِنُ |
مِن أثاثِ البَيتِ كرسِيّاً إطاراً أو أريكَهْ |
لا شريكَهْ |
قد يُغَنّي حظّها الحُلْوُ فيستحلي سماعَهْ |
فتعيش العمرَ في قصرِ الأمانيِّ مُطاعَهْ |
أو يكون الحظ مُرّاً حنظَلِيّا |
فتعاني كبوةَ الحبّ ولمّا تقضِ فيه غيرَ ساعَهْ |
لم تعدْ أختي بضاعَهْ |
محضَ تمثالٍ ثوى في الركن ثلجاً مرمريّا |
لَم تَعُد في البَيتِ قِنديلاً ثُرَيّا |
دُميةً زُهرِيَّةً أو شَمْعَدانْ |
تحفةً قَد يَقتَنيها لِهَواهُ من عقيقٍ أو جُمانْ |
ثُمَّ تُرمى فَوقَ رَفٍّ لِلغُبارْ |
فتعاني فوقه ذُلاً وصمتاً أبَدِيّا |
أَو تُدَلّى مِن أَعالي السَّقفِ أو تُصلَبُ في صَدرِ جِدارْ |
فَتُقَضّي العُمرَ في بَهوِ انتِظارْ |
• |
رَجُلُ الأمسِ الذي كان ظلامْ |
أسودَ القلبِ شغوفاً بالحِمامْ |
والذي قَطَّعَ حبلَ الوُدِّ لم يرعى الذّمامْ |
رَجُلُ الأَمسِ الذي زَمجَرَ في أَيّامِكُم وَحشاً مُخيفاً |
وَعَنيفا |
لم يُقِمْ وزناً لإخوانٍ كِرامْ |
أو لِحُبٍّ وَاحتِرامْ |
أسدُ الأمسِ الهصورْ |
صارَ في أَيّامِنا أوفى الطُّيورْ |
قَد غَدا في جَنَّةِ الحُبِّ أَليفا |
وَلَطيفا |
• |
لمْ يَعُدْ يَحْكمُ فينا مَلِكٌ يَشْرَبُ دَمْ |
عَرشُهُ هَامٌ، وَأحْجَارُ البَلاطْ |
مِنْ سيوفٍ وَسِياطْ |
كلما زَالَ نهارٌ يَستحمْ |
بدموعٍ جلبوها من ينابيعِ الكُروبْ |
عصروها مِنْ عيونٍ وَقلوبْ |
وحشا صبٍّ كئيبْ |
وَإذا مَا أقبلَ الليلُ اتكا فوقَ بِساطْ |
مِنْ شِفاهِ الضَّارعينْ |
وَجُلودِ المارِقينْ |
لَمْ تَعُدْ كلمَةُ سُلطانٍ حَقيقَهْ |
فَهْيَ رَمْزٌ لأسَاطيرَ عَتيقهْ |
لعصورٍ في دياجي جهلها ماتت غريقَهْ |
منذ آمادٍ سحيقَهْ |
• |
لبسَتْ أيَّامُنا بيضَ الثيَابْ |
وتحلّى الناسُ بالوُدّ ارتَدَوا أبهى الخِلالْ |
وانتشى الكونُ بأعْرَاسِ الجَمَالْ |
رغمَ بَعْضٍ مِن هَناتْ |
مُنكَراتْ |
لم تصلْ في القُبحِ مرمى الوَصَماتْ |
من فلولِ الجهلِ لم يُكتَبْ لها طولُ حياةْ |
جمحتْ حادتْ عن الدربِ فرُدَّت للصّوابْ |
لمْ تُشَوِّهْ نضْرَةً حَامَتْ عَلينا |
مِثلَ أمْوَاجِ الرُّخَامْ |
أوْ تُقَلِّصْ بَهْجَةً أوْ فَرْحَةً زُفّتْ إليْنا |
مِنْ سَلامٍ وَوئامْ |
وَهيَ حيناً تَتَراءى لِلعَيانْ |
فَيُغَطّي وَجهَها وَردُ الحَياءْ |
وَتُواري نَفسَها مِن خَجَلٍ خلفَ الضّياءْ |