صَدَقَ النَّعِيُّ وَرَدَّدَ الهَرَمَانِ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
صَدَقَ النَّعِيُّ وَرَدَّدَ الهَرَمَانِ | اللهُ أَكْبرُ كُلُّ حَيٍّ فَانِ |
مَا يَعْظِمِ الإِنْسَانُ لا تَعْصِمْهُ مِنْ | هَذَا المَصِيرِ عَظَائِمُ الإِنْسَانِ |
أَمُشَيِّدَ الدُّسْتُورِ حَسْبُ المَجْدِ مَا | أَدْرَكْتَ مِنْ جَاهٍ وَرِفْعَةٍ شَانِ |
وَلأَنْتَ أَبْقَى مَنْ أَلَمَّ بِهِ الرَّدَى | إِنْ صَحَّ أَنَّ الذِّكْرَ عُمْرٌ ثَانِ |
لَكِنَّ مِصْرَ وَقَدْ بَعُدَتْ مَرُوعَةٌ | تَزْدَادُ أَشْجَاناً عَلَى أَشْجَانِ |
مَنْ مُبْلغُ النَّائِي أَلُوكَ حَزِينَةٍ | لِنَوَاهُ وَالأَخَوَانِ يَنْتَحِرَانِ |
أَلغِيلُ تَطْرُقُهُ الذِّئَابُ عَشِيَّةً | وَبِلُهْنَةٍ يَتَشَاغَلُ اللَّيْثَانِ |
أَتُلِمُّ رُوحُكَ بِالحِمَى إِلمَامَةً | فَيَرَى الهُدَى فِي نُورِهَا الخَصْمَانِ |
سِنَةٌ عَلَى عَيْنَيْكَ رَانَتْ دُونَهُ | وَإِلَيْهِ لَفْتَةُ قَلْبِكَ اليَقْظَانِ |
فَقَدَتْ بِثَرْوَتَ مِصْرُ ثَرْوَةَ حِكْمَةٍ | كَانَتْ ذَخِيرَةَ قُوَّةٍ وَصِيَانِ |
مَأْمُولَةً فِي كَشْفِ كُلِّ مُلِمَّةٍ | أَلْقَتْ عَلَى صَدْرِ الحِمَى بِجِرَانِ |
رَجُلٌ إِذَا وَازَنْتَ فِي مِيزَانه | مَنْ لا يُرَاجَحُ عَادَ بِالرَّجْحَانِ |
طَلْقٌ مُحَيَّاهُ سَرِيٌّ طَبْعُهُ | عَذْبُ الشَّمَائِلِ نَاصِعُ التِّبْيَانِ |
سَمْحُ السَّرِيرَةِ هَمُّهُ ألا يَرَى | مِنْ ثُلْمَةٍ فِي وَحْدَةِ الأَوْطَانِ |
كِلَفٌ بِنَفْعِ بِلاده مُتَغَمِّدٌ | ذَنْبَ المُسِيءِ إِلَيْهِ بِالغُفْرَانِ |
لَوْلا هَوَاهُ لِقَوْمه لَمْ تَتَّقِدْ | فِيهِ لَظَى حِقْدٍ وَلا شَنَآنِ |
تَبْلُوهُ عَنْ كَثَبٍ فَتُلْفِي النُّبْلَ فِي | إِسْرَارِه وَالنُّبْلُ فِي الإِعْلانِ |
وَتَرَى زَعِيماً تَتَّقِيهِ مَهَابَةً | وَتَرَى أَخاً مِنْ أَوْدَعِ الإِخْوَانِ |
ثِقَةُ الثِّقَاتِ وَغَوْثُ كُلِّ مُهَذَّبٍ | أَوْدَى بِهِ رَيْبٌ مِنَ الحِدْثَانِ |
مَنْ بَعْدَهُ يُشْكِي إِذَا العَافِي شَكَا | بُرَحَاءهُ وَيَفَكُّ قَيْدَ العَانِي |
إِنْ أَكْبَرَتْ فِيهِ المُرُوءةُ خَطْبُهَا | فَالرُّزْءُ العَيْنِ فِي إِنْسَانِ |
كَانَتْ بِحَاجَاتِ الكِرَامِ بَصِيرَةً | وَاليَوْمَ تُخْطِيءُ مَوْقِعَ الإِحْسَانِ |
وَلِيَ الإِدَارَةَ وَالقَضَاءَ فَلَمْ يَكُنْ | بِمُفَرِّطٍ أَوْ مُفْرِطٍ فِي شَانِ |
لَمْ يُرْضهِ التَّقْوِيضُ مُدَّةَ حُكْمِهِ | فَبَنَى وَخَيْرُ القَائِمِينَ أَلبَانِي |
رَاضَ الصِّعَابَ العَاتِيَاتِ مُذَلِّلاً | عَقَبَاتِهَا بِالدَّأْبِ وَالإِحْسَانِ |
أَعَرَفْتَ إِذْ دَعَتِ البِلادُ إِلَى الفِدَى | إِقْدَامَ ذَاكَ المُسْعِدِ المِعْوَانِ |
أَيَّامَ يَبْذُلُ فِي الطَّلِيعَة نَفْسَهُ | لِنَجَاتِهَا مِنْ ذِلَّةٍ وَهَوَانِ |
فِي الوَقْفَةِ الكُبْرَى لَهُ الأَثَرُ الَّذِي | يَبْقَى عَلَى مُتَعَاقِبِ الأَزْمَانِ |
أَلسَّيْفُ يَلْمَعُ بِالوَعِيدِ حِيَالَهُ | فِي كُلِّ أُفْقٍ أَنْكَرَ اللَّمَعَانِ |
مُتَبَسِّماً وَمِنَ النَّذِيرِ تَبَسُّمٌ | يَبْدُو قُبَيْلَ تَوَقُّدِ النِّيرَانِ |
لَكِنَّ مَنْ يَرْعَى الحَقِيقَةَ رَعْيَهُ | يَأْبَى بَقَاءٌ فِي مَقَامِ تَفَانِ |
أَمَلٌ تَعَرَّضَتِ المَنَايَا دُونَهُ | فَمَضَى وَمَا يَثْنِيهِ عَنْهُ ثَانِ |
لَوْ أَنَّ مَوْتاً جَازَ قَبْلَ أَوَانِه | أَيَكُونُ غَيْرَ المَوْتِ بَعْدَ أَوَانِ |
أَلحِلْمُ مَا تَجْلُو صَبَاحَةٌ وَجْههِ | وَالعَزْمُ مَا تَذْكُو بِهِ العَيْنَانِ |
وَوَرَاءَ مَا تُبْدِي الجِبَاهُ سَرَائِرٌ | وَوَرَاءَ مَا تُخْفِي القُلُوبُ مَعَانِ |
أَأَتَتْكَ أَنْبَاءُ المُنَابَذَةِ الَّتِي | رِيعَ الثِّقَاتُ لَهَا مِنِ اطْمِئْنَانِ |
مَا زَالَ بِالَّلأُوَاءِ حَتَّى ذَادَهَا | وَقَضَى عَلَى التَّشْتِيتِ وَالخِذْلانِ |
وَوَفَى لِمِصْرَ بِرَدِّةِ مِنْ حَقِّهَا | مَا كَادَ يَسْتَعْصِي عَلَى الإِمْكَانِ |
لَمْ يَنْسَ قَطُّ الشَّعْبِ فِي سُلْطَانِهَا | فَأَقَرَّهُ مُسْتَكْمِلَ السُّلْطَانِ |
وَأَضَافَ بِالدُّسْتُورِ أَرْوَعَ دُرَّةٍ | يُزْهَى بِهَا إِكْلِيلُهَا النُّورَانِي |
أَشَهَدْتَهُ أَيَّامَ أُغْمِدَتِ الظُّبَى | وَتَلاقَتِ الآرَاءُ فِي المَيْدَانِ |
فَرَأَيْتَ فِي تَغْرِيبِهِ عَنْ قَوْمِهِ | آيَاتِ ذَاكَ الحُبَّ وَالإِيمَانِ |
يَجْلُو أَدِلَّتَهُمْ بِأَيِّ يَرَاعَةٍ | وَيقِيمُ حُجَّتَهُمْ بِأَيِّ لِسَانِ |
فِي الحِلِّ وَالتَّرْحَالِ يَنْضَحُ عَنْهُمُ | بِوُضُوحِ بُرْهَانٍ وَسِحْرِ بَيَانِ |
فَيُحَاوِرُ القَهَّارُ غَيْرَ مُمَاذِقٍ | وَيُدَاوِرُ الجَبَّارَ غَيْرَ جَبَانِ |
مُتَحَوِّلٌ لَكِنَّهُ مُتَمَكِّنٌ | مِنْ نَفْس فِي مِحْوَرِ الدَّوَرَانِ |
وَانْ إِذَا نُهزُ النَّجَاحِ تَبَاطَأَتْ | فَإِذَا تَحَيَّنَهَا فَلَيْسَ بِوَانِ |
وَمِنَ التَّقَدُّمِ فِي المَجَالِ تَأَخُّرٌ | وَمِنَ البِدَارِ تَلَكُّؤٌ وَتَوَانِ |
وَيُكَاتِمُ النَّاسَ الَّذِي فِي صَدْرِه | وَمِنَ القُوَى مَا نِيطَ بِالكِتْمَانِ |
فِي مَعْشَرٍ مُتَفَرِّقٍ أَهْوَاؤُهُمْ | كَتَفَرُّقِ الأَذْوَاقِ وَالأَلْوَانِ |
أَشَهِيدَ أَنْبَلِ مَا يُكَابِدُ مُغْرَمٌ | بِبِلادِهِ مِنْ حُبِّهَا وَيُعَانِي |
تَبْكِيكَ مِصْرُ اليَوْمَ مِثْلَ بُكَائِهَا | يَوْمَ الرَّحِيلِ وَقَدْ مَضَى حَوْلانِ |
فَقَدَتْ بِفَقْدِكَ أَيَّ سَيْفٍ صَارِمٍ | عَزَّتْ بِهِ وَدَرِئيَةٍ فِي آنِ |
عُنْوَنَ نَهْضَتِهَا وَخَيْرُ مُحَصَّلٍ | مِنْ مَجْدِهَا فِي ذَلِكَ العُنْوَانِ |
هَيْهَاتَ يَسْلُبُهَا زَمَانٌ مَنْ لَهُ | فِيهَا مَآثِرُ مِلْءُ كُلِّ زَمَانِ |
أَمَّا وَدِيعَتُكَ الَّتِي خَلَّفْتَهَا | فَالحَقُّ يَكْلَؤُهَا فَنَمْ بِأَمَانِ |
وَعَلَى اصْطِفَاقِ المَوْجِ فِيمَا حَوْلَهَا | هِيَ مَعْقِلٌ مُتَمَكِّنُ الأَرْكَانِ |
يَرْتَدُّ رَيْبُ الدَّهْرِ عَنْهَا حَاسِراً | وَتُصَانُ بِالأَرْوَاحِ وَالأَبْدَانِ |
أَقْرَانُكَ الأَمْجَادُ فِي الشَّيبِ الأُولَى | يَرْعَوْنَهَا وَبَنُوكَ فِي الفِتْيَانِ |