أطاعَ الهَوى من بَعدهم، وعَصى الصَّبرُ
مدة
قراءة القصيدة :
دقيقتان
.
أطاعَ الهَوى من بَعدهم، وعَصى الصَّبرُ | فليسَ له نهيٌ عليه ولا أمرُ |
وعاودَهُ الوجدُ القديمُ، فَشفَّه | جوى ضاق عن كتمانه الصدر والصبر |
كأنَّ النَّوى لَم تخْتَرِم غيرَ شَملِه | ولم يَجْرِ إلاَّ بالَّذي ساءَه القَدْرُ |
وهل لبني الدنيا سرور وإنما | هو العيشُ والبُوسَى ، أو الموتُ والقبرُ |
وكل اجتماع مرصد لتفرق | وكلُّ وصالٍ سوف يعقُبه هجرُ |
وما يدفع الخطْبَ المُلِمَّ إذا عرى | سوى الصّبرِ، إلاَّ أنّه كاسمِه صبرُ |
أسكّانَ أكنافِ العواصِم دعوة ً | بفي روداً وهي في كبدي جمر |
لقد أظلمت دُنياي بعد فِراقكْم | فكل زماني ليلة ما لها فجر |
أُعاتِبُ أيَّامي عليكُمُ، ومَا لهَا | ولا لليالي في الذي بيننا عذر |
لقد صدعت بعد التفرق شملنا | كصَدْعِ الصَّفا، ما إنَّ له أبداً جبْرُ |
وما زالَ صرفُ الدّهر يسعى ببَيْنِنا | فلمَّا انقضَى ما بيننا سكَنَ الدّهرُ |
فويحَ زمانٍ فَرَّقتنا صرُوفُه | أكانَ عليه في تَفرُّقِنا نَذْرُ |
إذا عن ذكراكم نبا بي مضجعي | كأن فراشي حال من دونه الجمر |
فأذهل حتى لا أجيب منادياً | وأُبهتُ، لا عرفٌ لديّ، ولا نُكْرُ |
وأرمي فجاج الأرض نحو بلادكم | بطرف كليل دمعه بعدكم قطر |
أراقَ جِمامَ الدمعِ فيكُم فإن دَعا | به الوجد لبى وهو مستكره نزر |
وجانب طيب النوم بعد فراقكم | فما تلتفي منه على سنة شفر |
عسَى نظرة ٌ منكُم يُميطُ بهَا القَذَى | وهيهات عرض الأرض من دونكم ستر |
وإن وَعَدتْني باقترابِكُمُ المُنَى | نَهْتَنى ِ عَنْ تَصديقِ موعِدها مصرُ |
وكيف بكم والدهر غير مساعد | ودونَكُمُ الأعداءُ واللُّجَجُ الخُضرُ |
مهالك لو سارت بها الريح عاقها الوجى | ـوَجَى ، وثَناها عن تَقَحُّمها الذُّعرُ |
ولم يبق إلا ذكرُ ما كانَ بينَنَا | ولا عجبٌ للدّهرِ أن يُدْرسَ الذّكْرُ |
وروعة شوق تعتريني إليكم | كما انتَفَض العصفورُ، بلَّلَه القَطرُ |
فيارَوعتي، لا تَسكُني بعد بُعدهمْ | ويا سلوة الأيام موعدك الحشر |