بُلَّغْتَ أعْلَى مَنْصبٍ تَوْثِيقَاً
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
بُلَّغْتَ أعْلَى مَنْصبٍ تَوْثِيقَاً | فَسَمَوْتَ لاَ عَفْواً وَلاَ تَوْفِيقَا |
شَرَفاً عَمِيدَ الطِّبِّ لَمْ تَلِ مَنْصِباً | إِلاَّ بِأَسْنَى مِنْهُ كُنْتَ حَقِيقَا |
آيَاتُ عِلْمكَ وَابْتِكَارِكَ سُدِّدَتْ | نَظَرِيَّةً وَتَمَحِّصَتْ تَطْبِيقَا |
عَرَفَ النَّوَابِغُ بِالشَّوَاهِدِ فَضْلَهَا | فَأَتَتْ شَهَادَتُهُمْ لَهَا تَصْدِيقَا |
لاَ بِدْعَ وَالْوَطَنَانِ مُخْتَلِفَانِ أَنْ | رَعَيَا النَّبُوغَ وَأَنْ دَعَوْكَ رَفِيقَا |
فَإِذَا مَقَامُ الْعِلْمِ أَرْفَعُ رَايَةً | وَإِذَا فَرِيقُهُمْ أَعَزُّ فَرِيقَا |
جَدَّدْتَ مَأْثُرَةً لِمِصْرَ عَتِيقَةً | فَجَلَوْتَ وَجْهاً لِلْفَخارِ عَتِيقَا |
وَوَصَلْتَ فِي الطِّبِّ الفُرُوعَ بِأَصْلِهَا | فزَهَا الْفُوُرعُ بِأَصْلِهِنَّ عَرِيقا |
أَلطِّبُّ مِنْ إِبْدَاءِ مِصْرَ فَيَا لَهُ | فَتْحاً أَفَاضَ عَلَى الْغُرُوبِ شُرُوقَا |
لاَ بِدْعَ وَالْحُفَدَاءُ سِرُّ جُدُودِهِمْ | أَنْ تَسْتَعِيدَ مَقَامَهَا وَتَفُوقَا |
قَدْ أَلَّهَتْ آمِنْحَتِيبَ وَإِنَّمَا | هِيَ مَجَّدَتْ فِي الْخَالِقِ المَخْلُوقَا |
عِلْمٌ إِذَا اسْتَقْرَيْتَ مِنْهُ جَلِيلَهُ | أَمْعَنْتَ فِيهِ فَمَا تَرَكْتَ دَقِيقَا |
وَقَتَلْتَهُ خُبْراً لإِحْيَاءٍ بِهِ | وَسَبَرْتَ أَبْعَدَ غَوْرِهِ تَحْقِيقَا |
فَبَدَتْ لَكَ الآرَاءُ فِيهِ جَدِيدَةً | مِنْ كُلِّ بَابٍ لَمْ يَكُنْ مَطْرُوقَا |
وَتُنُوقِلَتْ فِيهِ مَبَاحِثُكَ الَّتِي | قَدْ قَرَّبَتْ مَا كَانَ مِنْهُ سَحِيقَا |
كَمْ مُدْنَفٍ أَبْرَأْتَهُ مِنْ سُقْمِهِ | فَكَفَيْتَهُ التَّعْذِيبَ وَالتَّأْرِيقَا |
وَشَفَيْتَ قَبْلَ الجِسْمِ عِلَّةَ رُوحِهِ | بِاللَّفْظِ عَذْباً وَالعِلاَجِ رَفِيقَا |
تَصِفُ الدَّوَاءَ لَهُ عَلَى قَدَرٍ فَلاَ | تَخْلِيطَ فِي صِفَةٍ وَلاَ تَلْفِيقا |
أَوْ تُدْرِكُ الدَّاءَ الدَّوِيَّ بِنَصْلَةٍ | تَنْضُو الْحِجَابَ وَلاَ تَضِلُّ طَرِيقَا |
تَنْدَى وَتَسْطَعُ فِي يَدَيْكَ مَهَارَةً | كَالمَاءِ لِيناً وَالرَّجَاءِ بَريقَا |
وَتُطِيعُ فِكْراً صَارِماً كَشَبَاتهَا | وَتُطِيعُ قَلْباً كَالنَّسِيمِ رَقِيقَا |
عَزْمٌ بِهِ تَنْهَى الصُّرَوفُ فَتَنْتَهِي | وَلَرُبَّمَا عُقْتَ الحِمَامَ فَعِيقَا |
دَعْ فَضْلَ ذَاكَ الْعَبْقَرِيَّ وَعِلْمَهُ | وَذَكَاءَهُ وَلِسَانَهُ المِنْطِيقَا |
وَاذْكُرْ لَهُ فَوْقَ الحَصَافَةِ وَالحِجَى | خُلُقاً بِأَسْنَى التَّكْرِمَاتِ خَلِيقَا |
خَبَرَ الزَّمَانَ بَنُوا الزَّمَانِ فَعَزَّ أَنْ | يَرَوُا الصَّدِيقَ كَمَا رَأَوْهُ صَدِيقَا |
وَلَوِ الْوَفَاءُ بَدَا مِثَالاً لَمْ يَكُنْ | أَحَدٌ سِوَاهُ مِثَالَهُ المَصْدُوقَا |
وَدٌّ صَفَا مِنْ كُلِّ شَائِبَةٍ فَلاَ | تَكْدِيرَ فِي حَالٍ وَلاَ تَرْنِيقَا |
أَدَبٌ تُقَيِّدُهُ سَجِيَّتُهُ بِهِ | وَيُرِيكَهُ البِشْرُ الطَّلِيقُ طَلِيقَا |
ذَوقٌ سَلِيمٌ فِي الطَّرَائِفِ وَالْحِلَى | يَهْوَى الْفُنُونَ وَيُنْكِرُ التَّزْوِيقَا |
يَخْتَصُّ مِنْهَا بِالْعُيُونِ فَمَا تَرَى | إِلاَّ جَمِيلاً حَوْلَهُ وَأَنِيقَا |
يَا فَخْرَ أُمَّتِهِ وَبَاعِثَ مَجْدِهَا | جَلَّتْ مَسَاعِيكَ الْجِسَامُ حُقُوقَا |
أَيَفِي بِمَا افْتَرَضَتْ عَلَى أُدَبَائِهَا | أَنْ يُحْسِنُوا المَكْتُوبَ وَالمَنْطُوقَا |
هَيْهَاتَ تُخْفِي بِالتَّوَاضُعِ جُهْدَ | مَا بَالَغْتَ فِيهِ مَكَانَكَ المَرْمُوقَا |
يَتَقَاصَرُ الأَنْدَادُ عَنْكَ وَمَا بِهِم | مِنْ سَابِقٍ إِلاَّ غَدَا مَسْبُوقَا |
أَرْضَاهُمُ فِي الْحَقّ أَنَّكَ لَمْ تَكُنْ | أَدْنَاهُمُ جُهْداً وأَعْلَى فُوقَا |
عَدْلٌ حُلُولُكَ فِي القُلُوبِ جَمِيعِهَا | ذَاكَ المَحَلَّ مُبَجَّلاً مَوْمُوقَا |