سَلامٌ عَلى الإِغْرِيقِ فِي أَوَّلِ الدَّهْرِ
مدة
قراءة القصيدة :
دقيقتان
.
سَلامٌ عَلى الإِغْرِيقِ فِي أَوَّلِ الدَّهْرِ | وَحِفاظٍ مَا أَبْقُوا مِن الْمَجْدِ وَالذكْرِ |
إِذا نكبَاتُ الحَرْبِ أَفْنَتْ صُفوفَهُمْ | فَمَا نُكِّبُوا بِالمَحْمِدَاتِ وَلا الْفخْرِ |
جَلاَ بَأْسُهُمْ فِي الذَّوْدِ أَرْوَعَ مَا رَأَى | مِنَ الْبَأْسِ جَبَّارٌ رَمَى القِلَّ بِالْكُثْرِ |
وَهَيْهَاتَ أَنْ عَانى مَلِيكٌ وَأَمَة | عَناءِهِمْ مِنْ ضَنْكِ عَيْشٍ وَمِنْ ضُرِّ |
شبَابٌ لَقوا أَهْوَالَ كُلِّ كرِيهَةٍ | وَلمْ يَتَّقُوهَا بِالْخِيَانَةِ وَالغَدْرِ |
وَشَيْبٌ وَأَطْفَالٌ أُجِيعُوا وَأُظْمِئُوا | وَذَاقُوا بِلاَ شَكْوَى أَذَى الْبَرْدِ وَالْحَرِّ |
وَنُسْوَةٌ خَيْرٍ بَدَّلتْ مِنْ نَعِيمِهَا | جَحِيماً فكَانتْ مِنْ مَلائِكةِ البِرِّ |
أُولئِكَ قوْمٌ لا تُنَالُ نُفُوسهمْ | وَقدْ بُنِيَتْ تِلْكَ النُّفُوسُ عَلى الصَّبْرِ |
وَقَدْ قَشَعَتْ أَعْدَاؤُهُمْ عَنْ دِيَارِهِمْ | ورَدَّتْ إِلى الأَحْرَارِ فِي الْوَطَنِ الْحُرِّ |
أَتَغْدَو مَقَرّاً لِلضَّبَابِ سَمَاؤُهُمْ | وَقَدْماً هِيَ الْمِرْآةُ لِلشَّمْسِ وَالبَدْرِ |
وَمَا خُلِقَتْ لِمَا يَخْلُبُ النُّهَى | مِنَ النَّحْتِ وَالتَّصْويرِ وَالنَّظْمِ وَالنَّثْرِ |
وَمِن حِكْمَةٍ مَا زَالَتِ المَصْدَرُ الَّذِي | صَفَا حَوْضُهُ المَوْرُودُ لِلْقَلْبِ وَالْفِكْرِ |
وَمِنْ عِزَّةٍ قَعْساءَ أَبْلَوا لِصَوْنِهَا | بِلاءَ أُبَاةِ الضَّيْمِ فِي الْكَرِّ وَالْفَرِّ |
يَحُنُّ إِلَيْها قَلْبُ كلِّ مُثقفٍ | وَيَأْسَى لِمَا تَلقى مِن الْبؤْسِ والْفَقْرِ |
لَقَدْ أَثْبَتتْ فِي الْعَصْرِ فَالْعَصْرِ أَنَّهَا | مُوَلِّدَةُ الأَبْطَالِ فِي الْعَصْرِ فَالْعَصْرِ |
وَأُمٌ لأَحْلاسِ الْحُرُوبِ وَأُمَّةٌ | خَلِيقٌ بِهَا أَنْ تُتْبِعَ النَّصْرَ بِالنَّصْرِ |
وَأَنْ تَعْدِلَ الأيَّامَ حتَّى تُعِيدَهَا | إِلى مُلْكِهَا الْمَبْسُوطِ في الْبَحْرِ وَالبَرِّ |
هَنِيئاً لهَا مَا أَدْرَكَتْ بِجِهَادِهَا | وَمَاذَا بَلَتْ فِي جَهْدِهَا مِنْ هَوَى مِصرِ |
فَمَا الْجِيرَةُ الأَخْيَارُ إِنْ جَدَّ جِدُّهُمْ | بِنَاسِينَ مَا بَيْنَ البِلادَيْنِ مِنْ أُصْرِ |
إِليْكُمْ بَنِي الإِغْرِيقِ مِنِّي تَحِيَّةٌ | تَغنَّى بِهَا قَلْبِي وَرَجَّعَهَا شِعْرِي |