لَيْسَ أَمْرُ المُفَارِقِينَ كَأَمْرِي
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
لَيْسَ أَمْرُ المُفَارِقِينَ كَأَمْرِي | أَنَا فِي وَحْشَةٍ بَقِيَّةَ عُمْرِي |
كانَ لِي رُفْقَةٌ هُمُ العَيْشُ أَوْ | أَطْيَبُ مَا فِيه مِنْ مَتَاعِ الفِكْرِ |
صَفْوَةٌ مِنْ نَوَابغِ العِلمِ وَالآ | دَابِ عَزَّ اجْتِمَاعُهَا فِي قُطْرِ |
نَزَحُوا وَالزَّمَانُ حِرْصاً عَلَيْهِمْ | عَالِقٌ بَعْدَ كُلِّ عَيْنٍ بِإِثْرِ |
كُلُّ يَوْمٍ نَشْرٌ لَهُمْ بَعْدَ طَيٍّ | كُلُّ يَوْمٍ طي لَهُمْ بَعْدَ نَشْرِ |
وَتَمُرّ الأَيامُ بِي بَيْنَ تَجْديدِ | لِقَاءٍ وَبَيْنَ تَجْديد هَجْرِ |
مَا بَقائِي بَعْدَ الأَحِبَّاءِ إِلاَّ | كَمُقامِ الغَرِيبِ فِي دَارِ أَسْرِ |
إِنْ يَسُؤْنِي حِمَامُهُمْ فَعَزَائِي | أَنْ أَرَاهُم فِي النَّاسِ أَحْيَاءَ ذِكْرِ |
بَقِيَ الشِّعْرُ حِقْبَةً تَحْتَ لَيْلٍ | أَعْقَبَتْهُ فِي مِصْرَ طَلْعَةُ فَجْرِ |
جَاءَ سَامٍ فِيهَا طَلِيعَةَ خَيْرٍ | وَتَلاهُ الندَانِ شَوْقِي وَصَبْرِي |
وأَتى حَافِظٌ فَكَان لِكُلٍّ | قِسْطَهُ فِي افْتِتِاحِ هَذَا العصرِ |
أَيُّهَا الأَوْفِياءُ مِمًّنْ أَجَابُوا | دَاعِيَ البِرِّ بِابْنِ مِصْرَ الأَبَرِّ |
شَاعِرُ النِّيلِ شَاعِرُ الشَّرْقِ | وَالتَّخْصيصُ بِالنِّيلِ شَامِلُ كُلَّ نَهْرِ |
إِنْ يُمَجِّدْهُ قَوْمُهُ فَلَهُمْ مَجْدٌ | بِه جَازَ كُلَّ بَحْرٍ وَبَرِّ |
بَارَكَ اللّهُ فِي مَسَاعِيكمُ الحُسْنَى | وَفِي ذلِكَ الشُّعُورِ الطُّهْرِ |
لَيْسَ فِي أَجرِ مَا صنَعْتُمْ كَمَا تُو | لِيكُمُ النَّفْسُ مِنْ كَرِيمِ الأَجْرِ |
يَا وَزِيراً أَهْدَى إِلى الضَّاد مَا شَا | ءَ لَهَا البَعْثُ مِنْ مَآثِرَ غُرِّ |
كُلُّ أَمْرِ العِرْفَانِ مَا تَتَوَلَّى | وَعَلِيٌّ يُرْجَى لِكُلِّ الأَمْرِ |
إِنْ تَكُنْ نَاصِرَ القَديمِ فَما | كُنْتَ ضَنِيناً عَلى الحَديثِ بِنَصْرِ |
لَيْسَ شَأْنُ القَديمِ بِالنَّزْرِ فِي الفُصْحَى | وَشَأْنُ الحَديثِ لَيْسَ بِنَزْرِ |
بَيْنَ فَرْعٍ وَبَيْنَ أَصْلٍ زكِيٍ | هَلْ يَتِمُّ النَّمَاءُ مِنْ غَيْرِ إِصْرِ |
أَنْتِ أَنْصَفْتَ حَافِظاً دُمْتَ مِنْ قَا | ضٍ نَزِيهٍ وَمِنْ وَزِيرٍ حُرِّ |
جَمْعُ آثَارِه وَتَمْثِيلُهَا بِالطَّبعِ | فَضْلٌ يَبْقَى بَقَاءَ الدَّهْرِ |
إِنَّ دِيوَانَ حَافِظٍ لهْوَ تَارِيخُ | زَمَانٍ يَحْوِيه دِيوَانُ شِعْرِ |
عَرَبِيُّ الأُسْلُوبِ مُمْتَنِعٌ سَهْلٌ | لَهُ فِي النُّهَى أَفَاعِيلُ سِحْرِ |
مُسْتَعِيرٌ مِن الحِلى مَا أَعَارَ | اللَّهُ فَصْحَاهُ فِي حَكِيمِ الذِّكْرِ |
صَاغَتِ الفِطْنَةُ البَديعَةُ فِيه | أَنْفَسَ الدُّرِّ فِي قَلائِدِ تِبْرِ |
حَيْثُ قَلَّبْتَ نَاظِرَِيْكَ تجَلَّتْ | لِلقَوَافِي فِيه مَطَالِعُ زَهْرِ |
وَرِيَاضٌ مِنَ المَحَاسِنِ زِينَتْ | بِالأَفَانِينِ مِنْ غِرَاسٍ وَزَهْرِ |
فِيه مِنْ سِرِّ مِصْرَ مَا لا | يُجَارِيه بَيَانٌ بِلطْفِ ذَاكَ السِّرِّ |
قلْبُهَا نَابِضٌ بِه وَمَعِينُ النَّيلِ | مِنْهُ يَفِيضُ فِي كلِّ بَحْرِ |
جَوَّدَ الشِّعْرَ حَافِظٌ كُلَّ تَجْوِ | يدٍ وَصَفَّاهُ فِي أَنَاةٍ وَصَبْرِ |
لَمْ يَعقْهُ تَأَخُّرُ العَصْرِ عَنْ شَأْ | و حَبِيبٍ فِي عَصْرِه وَالمَعَرِّي |
وَإِلى ذَاكَ لَمْ يَكُنْ فِي بَديعِ | النَّظْمِ إِلاَّهُ فِي بَديعِ النَّثْرِ |
صَاغَ مَا صَاغَهُ مُقِلاًّ مُجِيداً | شَأْنُ مَنْ يَنْتَقِي فَرِيدَ الدُّرِّ |
فَإِذَا اسْتُنْشِدَ القَوَافِيَ فِي | حَفْلٍ للّه دَرُّهُ أَيُّ دَرِّ |
يَخْفُقُ المِنْبَرُ الَّذي يَعْتَلِيهِ | كَخُفُوقِ القُلُوبِ فِي كُلِّ صَدْرِ |
بَرَعَ البَارِعِينَ بِالنُّطْقِ وَالإِيمَاءِ | وَالصَّوْتِ بَيْنَ خَفْضٍ وَجَهْرِ |
ذَاهِباً آيِباً يُوَاجِهُ أَوْ يَلوِي | فَصِيحَ الأَدَاءِ فَخْمَ النَّبْرِ |
صَائِلاً فِي المَجَالِ كَرّاً وَفَرّاً | يَأْسِرُ اللُّبَّ بَيْنَ كَرّ وَفرِّ |
وَلَقَدْ يَسْرُدُ الحَديثَ فَيُنْشِي | صَحْبَهُ بِالسَّلافِ مِنْ غَيْرِ وِزْرِ |
يُؤْثِرُ المُولَعُونَ بِالخَمْرِ مِنْهُمْ | مَا سَقَاهُمْ عَلى عَتِيقِ الخَمْرِ |
عَدِّ عَنْ تِلْكَ فِي المَزَايَا وَقُلْ فِي | الجُود أَوْ فِي الوَفَاءِ أَوْ فِي البِرِّ |
وَاشْدُ بِالإِبَاءِ وَالحِلمِ وَالعِزَّ | ةِ فِي العُسْرِ والنَّدَى فِي اليُسْرِ |
كَانَ ذَاكَ الفَقِيدُ مِنْ أَكْرَمِ | الخَلقِ بِأَخْلاقِهِ وَلَيْسُوا بِكُثْرِ |
رُجُلٌ وَافِرُ المُروءَة لا | يَعْتَدُّ إِلاَّ لِلمَحْمَدَاتِ بِوَفْرِ |
وَيُحِبُّ الحَيَاةَ مَلأَى عُهوداً | كُلُّ أَسْبابِهَا بَوَاعِثُ فَخْرِ |
يَا مَلِيكاً كَأَنَّ مُهْجَةَ دُنْيَا | هُ حَنَاناً عَلَيْه مُهْجَةُ مِصْرِ |
كَاشَفَتْهُ بِسِرِّ ما هَرِمَتْ فِيه | وَمَا زَالَ فِي صِبَاهُ النَّضْرِ |
خُلُقٌ طَاهِرٌ وَخلْقٌ سرِيٌّ | وَنُبُوغٌ يَهُلُّ مِنْ وَجْه بَدْرِ |
شَرَّفتْ حَافِظاً رِعَايَتُكَ العَليَا | وَفِيهَا لِلذكْرِ أَنْفَسُ ذُخْرِ |
فكأنِّي بِقَطْرَةٍ مِنْ ندَى الرَّحْمَة | تحْيِي رَمِيمَهُ فِي القَبْرِ |
وَكَأَنِّي بِه مِنَ الغَيْبِ يُمْلِي | فَتُعِيدُ الأصدَاءُ آيَاتِ شُكْرِ |
عَاشَ فَارُوق سيِّداً وَمَلِيكاً | وَعَزِيزاً لِمِصْرَ أَطْوَلَ عُمْرِ |
وَرَعَاهُ اللّهُ الكَريمُ وَأَوْلا | هُ إِذَا مَا اسْتَعَانَهُ كُلَّ نَصْرِ |