أرشيف الشعر العربي

بَغْدَادُ فَاهْبِطْ أَيُّهَا النَّسْرُ

بَغْدَادُ فَاهْبِطْ أَيُّهَا النَّسْرُ

مدة قراءة القصيدة : 4 دقائق .
بَغْدَادُ فَاهْبِطْ أَيُّهَا النَّسْرُ لاَ زِينةَ اليَوْمَ وَلاَ بِشْرُ
عُدْتَ بِمَن ضَاقَ رَحِيبُ المَدَى بِه لِيَسْتَوِدعَهُ قَبْرُ
فَلْتَسْتَرِحْ مِنْ فَرْطِ مَا جُشِّمَتْ مِنْ عَزْمه الأَجْنِحَةُ الغُبْرُ
مَا زَالَ جَوَّابَ سَمَاءٍ بِهَا يَخُطُّ سَطْراً تِلوَهُ سَطْرُ
مُخَلِّداً مَا شاءَ تخْلِيدَهُ في المَجْدِ حَتَّى خُتِمَ السِّفْرُ
آبَ إِيَاباً لَمْ يُتَحْ لامْرِئٍ أُعْظِمَ فِي الدُّنْيَا لَهُ قدْرُ
فِي الغَرْبِ وَالشَّرْقِ لَهُ مَشْهَدٌ وَمَرْكَبَاهُ البَحْرُ وَالبَرُّ
وَتَارَةً يَحْمِلُهُ طَائِرٌ بِه ضِرَامٌ وَلَهُ زَفْرُ
وَالحَشْدُ لِلتَّشْيِيعِ فِي مَوْقِفٍ ضَنْكٍ كأَنَّ المَوْقِفَ الحَشر
تَكْرِمَةٌ مَا نَالهَا غيْرُهُ فِي مَا إِلَيْه يَنْتَهِي الذِّكرُ
وَاحَرَبَا إِنَّ الهُمَامَ الَّذي أَبْقَى عَليْهِ اللُّجُّ وَالقفْرُ
وَخاضَ هَوْلَ الحَرْبِ ثمَّ انْثنى مُضاحِكاً أَعلاَمَهُ النَّصْرُ
وَأَنِسَ الطَّيْرُ إِلَى قُرْبِهِ وَأَلِفَتْ كَرَّاتهِ الزُّهْرُ
أَوَى إِلى وَكْرٍ عَلَى شاِمخٍ فَخانَهُ فِي المَأْمَنِ الوَكْرُ
فجِيعَةٌ فِي نَوْعِهَا فذَّةٌ كأَنّهَا مِنْ بِدْعِهَا بِكْرُ
تَصَوَّرَ المَوتُ بِهَا صُورَةً أَفْحَشَ فِي تَنْكِيرِهَا النُّكْرُ
فَمَا تَرَى مِنْ هَوْلِهَا صَاحِياً إِلاَّ كَمَنْ ضَعْضَعَهُ السُّكرُ
نَاهِيكَ بِالحُزْنِ وَتَبْرِيحِهِ بِالنَّفْسِ إِن خَالَطَهُ الذُّعْرُ
ثَوَى المَلِيكُ القُطْبُ فِي حِينِ لاَ رَبْعٌ خَلاَ مِنْهُ وَلاَ قُطْرُ
إِنْ تبْكِ عَدْنانُ فَأَخْلِقْ بِهَا هَلْ بَعْدَ مَا حَلَّ بِهَا خُسْرُ
ذَرْهَا تُقِمْ مَأْتَمَهَا شامِلاً كُلَّ بَنِيهَا فَلهَا عُذْرُ
فَارَقَهَا مَنْ يَدُهُ عِنْدَهَا يَعْجِزُ عَنْ إِيفَائِهَا الشُّكْرُ
بِنُوِرهِ شُقَّتْ دَيَاجِيرُهَا وَرُدَّ مِنْ ضِلَّتِه الفَجْرُ
وَجُدِّدَتْ دَوْلَتُهَا بَعْدَ أَنْ أَنْكَرَ فِيهَا عَيْنَهُ الإِثْرٌ
يَا ابْنَ حُسَيْنٍ وَحُسَيْنٌ لَهُ فِي عِزِّهَا المُؤْتَنَفِ الفَخْرُ
وَيَا أَخا الصِّنْوَيْنِ مِنْ دَوْحَةٍ زَكَّى جَنَاهَا العَصْرُ فَالعَصْرُ
سُلاَلَةٌ مِنْ هَاشِمِ نَجْرُهَا لِسَادَةِ الشَّرْقِ هُوَ النَّجْرُ
كُنْتَ عَنِ المُنْجِبِ تَأْسَاءَهَا وَالإِخْوَةُ الصُّيَّابَة الغُرُّ
فَاليَوْمَ ثَنَّى بِكَ عَادِي الرَّدَى كَأَنَّهُ يَحْفِزُهُ وِتْرُ
فِيمَ تَجَنِّيهِ وَمَا وِزْرُكُمْ أَنَهْضَةُ العُرْبِ هِيَ الوِزْرُ
أَيَوْمَ بَلَّغْتَ العِرَاقَ المُنَى فَالحُكْمُ شورَى وَالحِمَى حُرُّ
وَيَوْمَ لَمْ يَبْقَ لِمُسْتَعْمِرٍ فِي أَهْلِهَا نَهْيٌ وَلاَ أَمْرُ
وَيَوْمَ تَرْجُو أُمَمُ الضَّادِ أَنْ يَضُمُّهَا المِيثَاقُ وَالأَصْرُ
يَغُولُكَ البَيْنُ وَلَمْ تَكْتَهِلْ وَلَمْ يُصَوَّحْ عُودُكَ النَضْرُ
مَنْ يَبْغِ فِي الدُّنْيَا مِثَالاً لِمَا يَبْلغ مِنْهَا الفَطِنُ الجَسْرُ
وَمَا بِهِ يَغْصِبُ مِنْ دَهْرِهِ مَضَنَّةً يَمْنَعُهَا الدَّهْرُ
فَدُونَهُ سِيرَةُ قَيْلٍ رَمَى مَرْمىً وَفِي مَيْسُوِرِه عُسْرُ
مَنَالُهُ صَعْبٌ وَأَنْصارُهُ جِدُّ قَلِيلٍ وَالعِدَى كُثْرُ
سَمَا إِلى عْرشٍ فَلَما كَبَا بِه وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ ظَهْرُ
سَمَا إِلى آخَرَ لاَ رُسْغُهُ وَاهٍ وَلاَ يُرْزِحُهُ الوِقْرُ
وَأَيُّ مَطْلُوبٍ عَزِيزٍ نَأَى لَمْ يُدْنِهِ الإِيمَانُ وَالصَّبْرُ
بَغْدَادُ عَادَ العِزُّ فِيهَا عَلَى بدْءٍ وَلأْياً قُضِيَ الثَّأْرُ
بُلِّغَ فِيهَا فَيصلٌ سُؤلَهُ واعْتَذَرَتْ أَيَّامُهُ الكُدْرُ
بَايَعَهُ القَوْمُ وَمَا أَخْطَأُوا فِي شَأْنِهِ الحَزْمَ وَمَا اغْتَرُّوا
وَأَكَّدَ البَيْعَةَ إِيمَانُهُمْ بِأَنَّهُ العُدَّةُ وَالذُّخْرُ
مُعْجِزَةٌ جَاءَ بِهَا مُقْدِمٌ لاَ فَائِلُ الرَّأْيِ وَلاَ غِمْرُ
يَخَالُ مَنْ يَقْرَأُ أَنْبَاءَهَا أَنَّ الَّذِي يَقْرُؤُهُ شعْرُ
أَجَلْ هُوَ الشِّعْرُ وَلَكِنَّهُ حَقِيقَةٌ تُلمَسُ لاَ سِحْرُ
مَا جَهِلَتْ خَيْلُ العِدَى فيْصَلاً وَالطَّعْنُ فِي لَبَّاتِهَا هَبْرُ
وَمَا بَدَتْ فِي النَّقْعِ أَسْيَافُهُ إِلاَّ وَقدْ بَشَّ بِهَا ثَغرُ
مَوَاقِفٌ نالَ بِهَا وَحْدَهُ مَا لاَ يُنِيلُ العسْكرُ المَجْرُ
أَسْعَدَهُ الرَّأْيُ بِهَا حَيْثُ لاَ تُسْعِدُهُ بِيضٌ وَلاَ سُمْرُ
أَغْلَى كُنُوزِ الشَّرْقِ فِي نَفْسِهِ وَكَفُّهُ مِنْ دِرْهَمٍ صِفْرُ
لَكِنَّ أَسْمَى فتْحِهِ لمْ يَكنْ مَا غَصَبَ الكَرُّ أَوِ الفَرُّ
بَلْ هُوَ مَا هَيَّأَهُ حَزْمُهُ وَجَأْشُهُ الرَّابِطُ وَالفِكْرُ
مَا شِئْتَ قُلْ فِي فَيْصَلٍ إِنَّهُ بَحْرٌ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ الدُّرُّ
سَلْ عَارِفِيهِ تَدْرِ مَا شَأْنُه إِنْ يُرْجَ فَضْلٌ أَوْ يُخَفْ ضُرُّ
رُجُولَةٌ تَمَّتْ فَلاَ بِدْعَ أَنْ يُورَدَ مِنْهَا الحُلوُ وَالمُرُّ
أَلخُلُقُ اللَّيِّنُ يُلْفَى بِهِ فِي حِينِهِ وَالخُلُقُ الوَعْرُ
يَكْلَفُ بِالخَيْرِ وَفِي طَبْعِهِ تَكَلُّفٌ إِنْ يُحْتَمِ الشَّرُّ
وَلِلعُداةِ الغَمْرُ مِنْ بَأْسِهِ وَلِلوُلاَةِ النَّائِلُ الغمْرُ
هَذَا إِلى عَقْلٍ رَفِيعٍ إِلى قَلْبٍ كَبِيرٍ مَا بِهِ كِبْرُ
إِلى سَجَايَا لَمْ يَشُبْ صَفْوَهَا فِي حادِثٍ خَبٌّ وَلاَ غَدْرُ
إِلى وَفَاءٍ نَادِرٍ قَلَّمَا حَقَّقَهُ فِي عَاهِلٍ خُبْرُ
إِلى سَخَاءٍ لَمْ يَضِرْ ظَرْفَهُ أَوْ لُطْفَهُ مَنٌّ وَلاَ جَهْرُ
إِلى خُلُوصٍ فِي الطَّوَايَا بِهِ مِمَّا بِأَزْهَارِ الرُّبَى سِرُّ
تَنْشَقُهُ النَّفْسُ ذكِياً وَمَا يَفْنى إِذَا مَا فَنِيَ العِطْرُ
فِي رَحْمَةِ اللّهِ المَلِيكُ الَّذِي ولَّى وَلَمْ يَكْتَمِلِ العُمْرُ
ذِكْرَاهُ تَبْقَى وَهْيَ سَلَوَى لِمَنْ فَارَقَهُمْ مَا طَلَعَ البَدْرُ

اخترنا لك قصائد أخرى للشاعر (خليل مطران) .

تَكْتُبُ يَوْمِيَّاتِهَا عَادِلَهْ

أَتَرَوْنَ فَوْقَ مَنَاكِبِ الأَدْهَارِ

خَمْسُونَ لا تُنْسَى مِنَ الأحْوَالِ

النِّيلُ وَالْمَلِكُ المُنِيلُ كِلاَهُمَا

سَلِمَتْ مِنْ شَوَائِبِ التَّكْدِيرِ


المرئيات-١