لا تنكِرُوا الأَنَّاتِ فِي أَوْتَارِي
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
لا تنكِرُوا الأَنَّاتِ فِي أَوْتَارِي | لَمْ يَبْقَ لِي فِي العَيْشِ مِنْ أَوْطَارِ |
ذهَبَ الأَحِبَّةُ بَعْضُهُمْ مُتعَقِّبٌ | بَعْضاً وَكَان السَّبْقُ لِلأَخْيَارِ |
أَرْزَاءُ دَهْرٍ شَفَّنِي تَكْرَارُهَا | أَفَمَا بِهَا سَأَمٌ مِنَ التَّكْرَارِ |
أَنَا فِي الحَيَاة رَهِينَةٌ مَنْ يَفْتَدي | وَأَنا الأَسِيرُ فمَنْ يَفُكُّ إِسَارِي |
مَا طَالَ عُمْرِي فِي مَدَاهُ وَإِنَّنِي | لأَخَالُهُ يَعْدُو مَدى الأَعْمَارِ |
جِبْرِيلُ وَاوَلدَا مَضى قَبْلِي فَبِي | ثُكْلٌ وَلذْعُ الثُّكْلِ لَذْعُ النَّارِ |
فِي دَارِ وَالدِهِ شَهِدْتُ نُمُوَّهُ | أَيَّامَ يَدْرُجُ نَاعِمَ الأَظْفَارِ |
وَشَهِدْتُ كَيْفَ تُعِدُّ أَمٌّ بَعْدَهُ | لِلمَجْدِ أَوْحَدَهَا وَلِلأَخْطارِ |
لاَ بِدْعَ أَنْ يُلفَى صِغارٌ أُنْبِتُوا | لِلّه وَالأَوْطَانِ جِدَّ كِبَارِ |
مَا أَنْسَ لا أَنْسَى المُهَذَّبةَ الَّتِي | صِينتْ مَحَاسِنُهَا بِتاجِ وَقَارِ |
أُمٌّ مِنَ الَّلائِي نَدَرْنَ وَكَانَ مِن | أَبْنائِهِنَّ نَوَادِرُ الأَدْهَارِ |
نَشَّأْنَهُمْ وَبِنُورِهِنَّ أَضَأْنَهُمْ | وَمِنَ الشمُوسِ أَشِعَّةُ الأَقْمَارِ |
يَا ناعِياً جِبْرِيلَ إِن نَعِيَّهُ | لأَشَدُّ مَا خُطتْ يَدُ المِقْدارِ |
إِنِّي لَتُدْمَى بِالحُرُوفِ نَوَاظِرِي | مَا لِلحُرُوفِ يَثِبْنَ وَثبَ شرَارِ |
فِي العَالَمِ العَرَبِيِّ أَيَّةُ هِزقٍ | لأُفُولِ ذَاك الكَوْكبِ المُتوَارِي |
فدحَ المُصَابُ بِه فَمَا مِنْ مُقْلَةٍ | إِلاَّ بَكَتْهُ بِمَدْمَعٍ مِدْرَارِ |
كَيْفَ الأَسَى فِي مِصْرَ لوْ يَجْزِى الأَسَى | بِالحَقِّ أَجْرَ مُجَاهِدٍ صَبَّارِ |
سَارَتْ تُشَيِّعُهُ وَلَمْ ترَ أُمَّةٌ | فِي مِثلِ ذَاك المَشْهَدِ الجَرَّارِ |
أَمُعِيدَ هَذا الشَّرْقِ بَعدَ سَحَابَةٍ | غشِيَتْهُ دهْراً مَصْدَرَ الأَنْوَارِ |
لوْ أَنْصَفَتْكَ صِحَافةٌ بِك أَصْبَحَتْ | ذَاتَ الجَلالَةِ كَلَّلَتْك بِغَارِ |
لأَبِيكَ كَانَ السَّبْقُ فِي مِضْمَارِهَا | وَإِلَيْكَ آلَ السَّبْقُ فِي المِضْمَارِ |
وَلَعَلَّ مَنْ أَعْقَبْتَ وَالآثَارُ قَدْ | وضَحَتْ لَهُ يَجْرِي عَلى الآثَارِ |
مَاذَا صَنَعْتَ وَقَدْ وَرِثْتَ صَحِيفَةً | تحيَا بِهَا فِي بَسْطَةٍ وَيَسَارِ |
لَمْ يُرْضِكَ اسْتِقْرَارُهَا ولَقَدْ تَرَى | أَنَّ الجُمُودَ حَلِيفُ الاِسْتِقْرَارِ |
فَمَضَيتَ فِي تَحْسِينِهَا قُدَماً وَلَمْ | تُحجِمْ عَلى العِلاَّتِ وَالأَخْطَارِ |
وَرفَعْتَها لِلعَالَمِينَ منَارَةً | تعْتَادُهُمْ بِشَعَاعِهَا السَّيَّارِ |
دِيوانُهَا بِالأَمْسِ كانَ دُوَيْرَةً | وَاليَوْمَ أَضْحَى دَوْلَةً فِي دَارِ |
شَتَّانَ بَيْنَ صَحِيفةٍ بِمُتُونِهَا | وَشُرُوحِهَا فَيَّاضةِ الأَنْهَارِ |
وَصَحِيفَةٍ مِنْ كُلِّ مَطْلَعِ كَوْكَبٍ | يُزْجَى إِلَيْهَا أَطْرَفُ الأَخْبارِ |
هِيَ مَعْرِضٌ لِلحادِثَاتِ قَرِيبَةٌ | وَبَعِيدَةٌ فِي كُلِّ صُبْحٍ نَهَارِ |
هِيَ حلْبَةٌ فِيهَا مَدىً مُتَطَاوِلٌ | لِمُكاِفحِي رَأْيٍ وَلِلأَنْصَارِ |
ضُمِنَتْ بِهَا لِحُمَاةِ كُلِّ حَقِيقَةٍ | حُرِّيَّةُ النزَعَاتِ وَالأَفْكَارِ |
أَيْن الصَّوَابُ هُوَ الطِّلابُ وَدُونَهُ | كَدُّ النُّهَى وَتَنَافُحُ الأَحْرَارِ |
أَظْهِرْ عَلى مَا فِي الضَّمَائِرِ كُلَّ ذِي | شَأْنٍ بِه فَالخَيْرُ فِي الإِظْهَارِ |
قَدْ تفْتِنُ الأَبْصَارَ بَهْرَجَةٌ وَقَدْ | تَغْشى البَصَائِرَ فِتْنَةُ الأَبْصَارِ |
لكِنَّ حُكْمَ الحقِّ يَصْدُقُ آخِراً | فِيمَا يُقَوِّمُهُ مِنَ الأَقْدارِ |
وَالشَّعْبُ يَوْمَئِذٍ يُوَلِّي أَمْرَهُ | مَنْ يَصْطَفِيهِ عَنْ رِضىً وَخِيَارِ |
أَهْرَامُ مِصْرَ عَتِيدُهَا بَعْثٌ لَهَا | وَعَهِيدُهَا للفَخْرِ والتَّذكارِ |
جِبْرِيلُ كالِئُهَا الدَّؤُوبُ وَشَخْصُهُ | فِي المَرْقَبِ العَالِي وَراءَ سِتارِ |
مِصْرُ الهَوَى يَحْيَا لَهَا وَرِضَاهُ مَا | ترْضاهُ فِي الإِعْلانِ وَالإِسْرَارِ |
وَلِمِصْرَ مَا يَجْنِي وَمَا يَبْنِي وَمَا | يَصِلُ الأَصَائِلَ فِيه بِالأَسْحَارِ |
لا شَيءَ فِي الأَقْوَامِ إِلاَّ قوْمُهُ | لا شَيءَ إِلاَّ مِصْرُ فِي الأَمْصَارِ |
هَذا هُوَ الصَّحَفِيُّ إِلاَّ أَنَّهُ | فِي صُورَةٍ أُخْرَى مِنَ التجَّارِ |
مِنْ جَالِبِي الإِيسَارِ حَيْثُ تَوَسَّطوا | فِي النَّاسِ لا مِنْ جَالِبِي الإِعْسَارِ |
وَالنَّاصِحِينَ النَّافِعِينَ دِيَارَهُمْ | بِنَزَاهَةِ الإِيرَادِ وَالإِصْدَارِ |
جَادَتْ بِضَاعَتُهُ وَضُوعِفَ رِبْحُهُ | بِسَمَاحِ بَائِعِهَا وَشُكْرِ الشَّارِي |
تَتعَددُ الصَّدَقَاتُ فِي نَفقَاتِهِ | حَتَّى لَيُخْطِئَها الحِسَابُ الجَارِي |
لاَ يَنْظُرَنَّ إِلى العَظِيمِ بِفِعْلهِ | قَوْمٌ بِأَعْيُنِ مَاهِنِينَ صِغَارِ |
فَالمُتْلِفُ الجَبَّارُ فِيمَا قَدَّرُوا | مَا كانَ غَيْرَ المُخِلفِ الجَبَّارِ |
إِنَّ الصِّحَافَة حَوْمَةُ الأَقْلامِ لاَ | مَرْمَى القِدَاحِ وَمَلْعَبُ الأَيْسَارِ |
يُرمَى بِهَا عَنْ كُلِّ قوْسٍ إِنَّمَا | لاَ قوْسَ إِلاَّ مَا بَرَاهُ البَارِي |
أَو مَا رَأَيْنَاهَا تَشِيدُ مَمَالِكاً | وَتُعِزُّ أَقْطاراً عَلى أَقْطَارِ |
أَمُؤَبِّني جِبْرِيلَ مِنْ أَقْرَانهِ | فَضْلاَ وَمِنْ إِخوَانِهِ الأَبْرَارِ |
أَنْصَفْتُمُوهُ بِهَذهِ الذِّكْرى وَمَا | أَحْرَاهُ بِالتخْلِيدِ وَالإِكْبارِ |
حَسْبُ المُنَى مَا هَيَّأَتْ أَهْرَامُهُ | لِبِلاده مِنْ عِزَّةٍ وَفخارِ |
وَلْيُولِهِ بِسَلِيله مِنْ بَعْده | أَمناً عَلى الذِّكْرَى وَطِيبَ قرَارِ |
لِيُثِبْهُ عَنْ مِصْرٍ وَعَنْ جَارَاتِهَا | بِالخَيْرِ دَاعِيهِ لِخيْرِ جِوارِ |