أرشيف الشعر العربي

تشكيلات في مديح ريحانة الأنس

تشكيلات في مديح ريحانة الأنس

مدة قراءة القصيدة : 5 دقائق .

(1)‏

أنا لا أقرأ ما يكتبه الضَّوءُ، ولكن‏

ما يسمّيه الظَّلامْ‏

لا، ولا أدخلُ باباً مُشْرَعاً،‏

بل كنتُ أختارُ الّذي اسْتُغِلقَ‏

واستعصى على تأويلِ رُبّان المنامْ‏

لا أرى فيما أرى ظلاًّ لروح الكونِ،‏

أو ماءً من اللّوز المصفَّى‏

عالمٌ يمتدُّ في الشِّرحِ،‏

ولي آيةُ أنْ أقْرِنَ بالغامضِ واللاَّمنتهي‏

روحَ الكلامْ‏

أنا لا ألتحفُ المرأةَ إذْ تسكبُ من أكمامها‏

صبّار ألواحِ الوصايا‏

إنّني جمهورُ آثامٍ وميراثٌ من اللَّعْنات،‏

مطرودٌ من الضّوء إلى ظلِّ المرايا‏

لأرى روحي معرّاةً من الأسماءِ،‏

والذّاكرة الخضراء نسياناً،‏

أرى نبض دمي يصعدُ معراجَ الخطايا‏

خلف مهرٍ فوقه الأنثى الحرامْ.‏

(2)‏

أجد الأنثى كما كانت تكونْ:‏

فكرةً تنمو على الجدرانِ،‏

أو في شفَقِ يختزلُ الحزنَ،‏

وقد تمتدّ كالأعشابِ بين الحَجرِ المعزولِ،‏

أو تسقطُ في قلب كتابٍ لم تردّده شفاهْ‏

أجد الأنثى كما كانتْ...‏

إذا داعَبَها الشّعرُ أتتْ تسبقها الألغازُ‏

والموت المجازيُّ‏

وإيقاعٌ حجازيُّ الرَّحيلْ‏

هي:‏

نومٌ أخضرٌ في عتمة المنفى‏

وحلمٌ أزرقٌ صيفاً‏

رماديٌّ شتاءً‏

أسودٌ في آخر العمرِ‏

نبيذيٌّ إذا ما اشتعل القلبُ صقيعاً...‏

أجد الأنثى... رميتُ البحر في أعتابها‏

يغرق في أمواجها زورقُ وقتي‏

فأشدّ الرّيح نحوي‏

أحتمي بالأبيض الهائج في سرَّتها‏

باللّؤلؤ المكنونِ في صَدْفتها...‏

(3)‏

أجد الأنثى كما كانت تكونْ:‏

جرَّةُ الغيمِ على راحتها مالتْ إلى العشبِ‏

ونهداها اكتنازُ اللّحم بالعطرِ‏

وما بينهما أرضٌ جديدهْ‏

أحتفي فيها بصوتي خارجاً من قمقمٍ في البحر‏

تدعوني وتُهديني مفاتيحَ المغاراتِ البعيدَهْ‏

أجدُ الأنثى على أُهْبةِ عينيها‏

بعيدٌ في مراميها كلامي‏

وقريبٌ من شذاها نحلُ قلبي‏

تلك ظلٌّ لضلوعي‏

تلك ضلع من ظلالي‏

أجد الأنثى بأوتارِ دمي انشدَّتْ‏

وأدَّتْ فرضَها الخمريَّ‏

واصطادَتْ من المطلقِ أسرابَ اللآلي‏

ورمتني بجنودٍ من خيالِ...‏

(4)‏

أجد الأنثى كما كانت تكونْ:‏

فوق زنديها حريرُ الضَّوء ملقى‏

دَرَجُ الفضّة والعطرِ، طراواتٌ، نداواتٌ،‏

حماماتٌ مع الأبيض ترقى‏

في الظّهيرات الّتي تهبط من نار شفاهي‏

شهوتي أم وقفتي في بابها طالَتْ؟‏

أزالَتْ عن ثمار الجنسِ سور الجسدِ المُحْكَمِ‏

أمْ آدمُ من عنْقي تدلَّى‏

جائعاً يجتاحُ أطباق الإلهِ...‏

(5)‏

أجد الأنثى...‏

نزولُ القَلْب من سلَّمه اللّيليِّ نحو الفجرِ‏

ها قد طلعَ الفجرُ علينا من قرى هاجعةٍ‏

أو مدنٍ ترشقُ غيماً فوق إنشاد المآذنْ‏

فَلَقَ الكونُ ينابيعَ من النّورِ أراقَتْ فوق جسمي‏

خَدَرَ اللّذّةِ جنسيّاً، قَشَرْتُ الفستقَ الطَّازج،‏

كانت نسماتٌ من رحيقِ الخبز تدنو من مسامي‏

عندما بالنّور أحرقتُ شفاهاً في حبورٍ لامسَتْ‏

برعمَ شهواتٍ... وكان المشهدُ السّاحرُ:‏

عُبّادٌ يقيمون الصَّلاهْ‏

وأنا أمتلكُ الأنثى وأُنسى بين موتٍ وحياهْ...‏

(6)‏

أجدُ الأنثى كما كانتْ تكونْ:‏

هذه ريحانةُ الأنْسِ‏

وتلويحٌ بأيدي النّهر للشّمس‏

مناراتٌ لأربابِ البحار الموحشَهْ‏

هذه ياقوتةٌ ترصدُ بوحاً من ضياءِ‏

كنت أفضيتُ إليها مدنفاً،‏

تأكلُ عينايَ المداراتِ إلى معبدها‏

كنت ألقيتُ حواليها أغانيَّ‏

وأغدقتُ على خلوتها وحيَ مزاميري‏

فحنّتْ، ثمّ غنّتْ نغماً فوق الغناءِ‏

تلك من أفنيتُ هذا الصّيفَ في تشكيلها‏

أسقي يديها قُبلاتي‏

وإذا لم تمتثل أبكي،‏

ومَنْ كُرمى لنهديها تعلّمتُ من النَّاي شروداً‏

خلف قُطْعان الهيامْ‏

ولإشراقاتها المُثلى على الوجدانِ‏

عبّأتُ وريدي برنين الشَّهواتِ‏

هي من تمضي لأمضي‏

وهي من تأتي لآتي...‏

(7)‏

أجد الأنثى... بها أوصلْتُ أشتاتي إلى مُطْلَقها‏

ولها ولّهتُ أَعْماقي بفردوس السّلامْ‏

هي من تبدأُ بي أيّامَها الأولى‏

وتصطافُ على نهرِ الختامْ‏

هي من أوغلتُ في سرد تفاصيلِ معانيها...‏

أأُخفي بَرْقَ أهوائي إذا عرَّيتُها؟‏

كيف أستثني من الرّقص ولو ضلعاً يتيماً فيَّ؟‏

كيف الرّوح لا تَعْرى وتغدو جسداً؟‏

هكذا أيَّتها الأرضُ أسمّي باسمها،‏

يرفعني الحبُّ، جناحاه يداها‏

والمسافات رؤاها‏

طائرٌ فيها من الخصرِ إلى السِّحرِ‏

من الإعلان للسّرِّ‏

تغطّيني بهَمْس عسليٍّ‏

وتباهي أنّها من نسلِ أنثى ساحَرهْ‏

فأراها أطلعتْ من حجرِ الرّوحِ زهوراً ومياها‏

وأراها تحت جلدي نُقِشَت‏

مثلما يُنقَش اسمٌ في خلود الذّاكرهْ...‏

___________

بين /3/ و/11/ أيلول/ 1995‏

اخترنا لك قصائد أخرى للشاعر (علاء الدين عبد المولى) .


ساهم - قرآن ٣