(1) |
أنا لا أقرأ ما يكتبه الضَّوءُ، ولكن |
ما يسمّيه الظَّلامْ |
لا، ولا أدخلُ باباً مُشْرَعاً، |
بل كنتُ أختارُ الّذي اسْتُغِلقَ |
واستعصى على تأويلِ رُبّان المنامْ |
لا أرى فيما أرى ظلاًّ لروح الكونِ، |
أو ماءً من اللّوز المصفَّى |
عالمٌ يمتدُّ في الشِّرحِ، |
ولي آيةُ أنْ أقْرِنَ بالغامضِ واللاَّمنتهي |
روحَ الكلامْ |
أنا لا ألتحفُ المرأةَ إذْ تسكبُ من أكمامها |
صبّار ألواحِ الوصايا |
إنّني جمهورُ آثامٍ وميراثٌ من اللَّعْنات، |
مطرودٌ من الضّوء إلى ظلِّ المرايا |
لأرى روحي معرّاةً من الأسماءِ، |
والذّاكرة الخضراء نسياناً، |
أرى نبض دمي يصعدُ معراجَ الخطايا |
خلف مهرٍ فوقه الأنثى الحرامْ. |
(2) |
أجد الأنثى كما كانت تكونْ: |
فكرةً تنمو على الجدرانِ، |
أو في شفَقِ يختزلُ الحزنَ، |
وقد تمتدّ كالأعشابِ بين الحَجرِ المعزولِ، |
أو تسقطُ في قلب كتابٍ لم تردّده شفاهْ |
أجد الأنثى كما كانتْ... |
إذا داعَبَها الشّعرُ أتتْ تسبقها الألغازُ |
والموت المجازيُّ |
وإيقاعٌ حجازيُّ الرَّحيلْ |
هي: |
نومٌ أخضرٌ في عتمة المنفى |
وحلمٌ أزرقٌ صيفاً |
رماديٌّ شتاءً |
أسودٌ في آخر العمرِ |
نبيذيٌّ إذا ما اشتعل القلبُ صقيعاً... |
أجد الأنثى... رميتُ البحر في أعتابها |
يغرق في أمواجها زورقُ وقتي |
فأشدّ الرّيح نحوي |
أحتمي بالأبيض الهائج في سرَّتها |
باللّؤلؤ المكنونِ في صَدْفتها... |
(3) |
أجد الأنثى كما كانت تكونْ: |
جرَّةُ الغيمِ على راحتها مالتْ إلى العشبِ |
ونهداها اكتنازُ اللّحم بالعطرِ |
وما بينهما أرضٌ جديدهْ |
أحتفي فيها بصوتي خارجاً من قمقمٍ في البحر |
تدعوني وتُهديني مفاتيحَ المغاراتِ البعيدَهْ |
أجدُ الأنثى على أُهْبةِ عينيها |
بعيدٌ في مراميها كلامي |
وقريبٌ من شذاها نحلُ قلبي |
تلك ظلٌّ لضلوعي |
تلك ضلع من ظلالي |
أجد الأنثى بأوتارِ دمي انشدَّتْ |
وأدَّتْ فرضَها الخمريَّ |
واصطادَتْ من المطلقِ أسرابَ اللآلي |
ورمتني بجنودٍ من خيالِ... |
(4) |
أجد الأنثى كما كانت تكونْ: |
فوق زنديها حريرُ الضَّوء ملقى |
دَرَجُ الفضّة والعطرِ، طراواتٌ، نداواتٌ، |
حماماتٌ مع الأبيض ترقى |
في الظّهيرات الّتي تهبط من نار شفاهي |
شهوتي أم وقفتي في بابها طالَتْ؟ |
أزالَتْ عن ثمار الجنسِ سور الجسدِ المُحْكَمِ |
أمْ آدمُ من عنْقي تدلَّى |
جائعاً يجتاحُ أطباق الإلهِ... |
(5) |
أجد الأنثى... |
نزولُ القَلْب من سلَّمه اللّيليِّ نحو الفجرِ |
ها قد طلعَ الفجرُ علينا من قرى هاجعةٍ |
أو مدنٍ ترشقُ غيماً فوق إنشاد المآذنْ |
فَلَقَ الكونُ ينابيعَ من النّورِ أراقَتْ فوق جسمي |
خَدَرَ اللّذّةِ جنسيّاً، قَشَرْتُ الفستقَ الطَّازج، |
كانت نسماتٌ من رحيقِ الخبز تدنو من مسامي |
عندما بالنّور أحرقتُ شفاهاً في حبورٍ لامسَتْ |
برعمَ شهواتٍ... وكان المشهدُ السّاحرُ: |
عُبّادٌ يقيمون الصَّلاهْ |
وأنا أمتلكُ الأنثى وأُنسى بين موتٍ وحياهْ... |
(6) |
أجدُ الأنثى كما كانتْ تكونْ: |
هذه ريحانةُ الأنْسِ |
وتلويحٌ بأيدي النّهر للشّمس |
مناراتٌ لأربابِ البحار الموحشَهْ |
هذه ياقوتةٌ ترصدُ بوحاً من ضياءِ |
كنت أفضيتُ إليها مدنفاً، |
تأكلُ عينايَ المداراتِ إلى معبدها |
كنت ألقيتُ حواليها أغانيَّ |
وأغدقتُ على خلوتها وحيَ مزاميري |
فحنّتْ، ثمّ غنّتْ نغماً فوق الغناءِ |
تلك من أفنيتُ هذا الصّيفَ في تشكيلها |
أسقي يديها قُبلاتي |
وإذا لم تمتثل أبكي، |
ومَنْ كُرمى لنهديها تعلّمتُ من النَّاي شروداً |
خلف قُطْعان الهيامْ |
ولإشراقاتها المُثلى على الوجدانِ |
عبّأتُ وريدي برنين الشَّهواتِ |
هي من تمضي لأمضي |
وهي من تأتي لآتي... |
(7) |
أجد الأنثى... بها أوصلْتُ أشتاتي إلى مُطْلَقها |
ولها ولّهتُ أَعْماقي بفردوس السّلامْ |
هي من تبدأُ بي أيّامَها الأولى |
وتصطافُ على نهرِ الختامْ |
هي من أوغلتُ في سرد تفاصيلِ معانيها... |
أأُخفي بَرْقَ أهوائي إذا عرَّيتُها؟ |
كيف أستثني من الرّقص ولو ضلعاً يتيماً فيَّ؟ |
كيف الرّوح لا تَعْرى وتغدو جسداً؟ |
هكذا أيَّتها الأرضُ أسمّي باسمها، |
يرفعني الحبُّ، جناحاه يداها |
والمسافات رؤاها |
طائرٌ فيها من الخصرِ إلى السِّحرِ |
من الإعلان للسّرِّ |
تغطّيني بهَمْس عسليٍّ |
وتباهي أنّها من نسلِ أنثى ساحَرهْ |
فأراها أطلعتْ من حجرِ الرّوحِ زهوراً ومياها |
وأراها تحت جلدي نُقِشَت |
مثلما يُنقَش اسمٌ في خلود الذّاكرهْ... |
___________ |
بين /3/ و/11/ أيلول/ 1995 |