وقرعتُ بابَ الحبرِ، |
بستانٌ وراء الحبر مختومٌ، |
خذيه ونظِّفيه من البقايا اليائسَةْ |
ليحلَّ في جسدي صباحٌ من حواس غامضَةْ |
وأضمّ أحلاماً بأطفالٍ غسلتُ خطاهُمُ |
وتبعتُ عطراً في ضمائرهم وقلتُ تدفَّقوا |
بين الضّحى واللَّيل، |
هذي الأرضُ أبوابٌ تقلِّد شاعراً في رقصِهِ |
فخذوا أراجيح الضّياءِ |
وقلِّبوا بأكفِّكُمْ هذا التُّرابَ |
لينجلي ذهباً أشكُّ شعاعَهُ عقْداً |
لسيِّدةٍ تناولني الصَّباح بكفِّها |
وتريقُ صوتَ حريرها بين العروقِ اليابسَةْ |
كم فيكِ بايعَ شاعرٌ قلقاً |
وأطلق في يديك شتاءَهُ |
فاستنبتي قمحاً يباشُرهُ |
فإنّ الروح أوّلُه كلامُ القمحِ في جسدٍ قديمْ |
وصدى أجنَّته يسافرُ في بروق الأرضِ |
يسكنُ أيَّ ينبوعٍ فضائيٍّ تفجَّرَ |
أزرقاً من سرَّةٍ نشوى لآلهة الجمالْ |
هذا الجمالُ خطاب فلاَّح إلى مطرٍ |
رسالةُ طفلةٍ لدُمى المساءِ |
عناقُ عشّاقٍ |
ورعشةُ شاعرٍ في كأسِ ضوءٍ باذخٍ بالياسمينْ |
هذا الجمالُ ازّيّنتْ منهُ حدائق بابلَ العليا |
تماثيلُ الألوهةِ في زمان الصَّيدِ... |
هل تتذكّرين بدايةَ الظّلماتِ |
كانت هذه الأرضُ الفَراشَ الأنثويَّ |
رحيقُها الأجسادُ يمزجُه العبادُ لربَّة الإيقاعِ... |
هل تتذكَّرينْ؟ |
كانت أنوثتُكِ القصيَّةُ عرشَنا البحريَّ |
عودي نحو كوخِ الغابةِ العذراءِ |
نصطادُ الثّمار لطفلنا |
وتشعّ بين معابدِ الأعراس فطرتُنا |
تضيءُ على جموع الشَّاكرينْ |
والآن أنتِ هنا، هنا، |
تتأبَّطين صباح قيثارٍ |
وتنسربين بين أنامل الوقتِ |
المبلَّل بالغموضِ وتهربينْ |
ولكِ القصيدة تنحني |
امتلئي بهذا المشهد الشَّتويّ |
سوف أُعِدّ أبراجاً لصوتِ حمامنا |
وألمّ أسحاراً أزيّنُ من كواكبها نباتَ سلامنا |
سأكونُ أوّلَ من يراكِ هنا، |
وآخرَ من يراكِ هناك في سُحب الرَّبيعْ |
لا تفرطي في الصَّحو، هذا الكونُ ذئبيٌّ مُرِيعْ |
فلتدخلي ملكوت مائي نرجساً |
ولتجلسي في طاقةٍ زرقاء تربطني بعالي الغَيْمِ، |
يدهشني رنينُ لسانِكِ الشّعريِّ |
يُطْلِعُ من يديَّ حديقةً |
أُبلي بلاءً سرمدياً في مداخلها |
وأستبقُ الجميعْ |
هل جاء قبلي شاعرٌ بالحَدْسِ يمعنُ في خطاه إليكِ |
منذ بكيتِ وانكسرَتْ بوجهكِ غيمتانِ |
فوجدتُ باباً للأغاني |
كان النَّشيدُ مجنَّحاً بيديكِ، |
حلّقْ سيّدي الإيقاعَ |
لسنا هامشاً في آخر السَّطر |
الوجوديّ الأخيرْ |
نحن الكتابةُ أوّلاً |
والقلبُ حبرُ دعائنا السّريِّ |
حين نضيءُ في اللَّيل الضَّريرْ |
... ... ... |
والحبُ يأخذني إليكِ... |
للحبر- هذا السيد الخلاَّقِ- بوصلةٌ |
أسافرُ خلفَها وأضيعُ من شطٍّ إلى شطٍّ |
أوزّعُ في المتاه رغائبي |
أُلقي- يميناً- بَرْقَ أعيادٍ |
وأشعل في الجنوبِ |
شفقاً يدلّ على حبيبي |
فإذا وصلت إلى الشّمال |
رفعتُ قلبي خرزةً زرقاء تدفَعُ عنكِ |
شرَّ الحاسدينْ |
ورميتُ أمتعتي على بابٍ مصابٍ بالحنينْ |
وغرقتُ في موجٍ تبعثرُه يداكِ |
فهل أعودُ بسلَّة مثقوبةٍ |
تلهو بها ريحُ الهلاكْ؟ |
... ... ... |
الآن يختمرُ الرَّحيلُ إليكِ |
عبرَ الشَّاعرِ الجوَّال يحملُ في يديه كراتِ نارٍ |
أطفئيها في يديكِ |
ردِّي عليَّ جنونَ ريحي |
واهربي لأراكِ أوضَحَ... |
آهِ من لغزٍ يخبِّئهُ وضوحي... |
شكراً لصوتِكِ، لو يهذِّبُ لي جموحي |
أو يستعيرُ من الوصايا حكمةً أولى |
دعي سِفْرَ الوجودِ بلا دليلْ |
في الوقت نارٌ زورقي فيها يغامرُ |
لونها عسلٌ نبيذيٌّ |
وزرقتُها بنفسجُ صدركِ الظَّمآنِ |
أصعَدُ في لهيبكِ |
ثم أولدُ طائراً يرثُ الفضاءَ المستحيلْ |
فأرى القيامةَ صورةً للموتِ |
يا موتي الجميلْ. |
جمّلتِ أوراقَ القصيدَةْ |
واخترتِ كرسيّاً قريباً من عواصف موسمي الآتي... |
أخاف عليكِ وحشاً مخملياً داخلي |
يمضي ليلْتهمَ الرَّغيف الأنثويّْ |
ويعود نحو ضلوعِهِ متداعياً يبكي |
ويُخْفي عنكِ صرختَهُ البعيدَهْ |
أقرأتِ في عينيَّ صوفيّاً يدمّر ذاتَهُ |
ليعيدَ تأليفَ الدَّمار؟ |
أتصدّقين نحيبَ مزماري؟ |
ضعيني داخلَ المرآةِ وارتجفي قليلاً |
أنا لستُ خابيةً معتَّقةً من الأفراح |
لكنّي أحاولُ أن أمرَّ على الحياةِ |
كشاعرٍ يلدُ الحدائقَ من يدَيْهِ |
أو يحاول أن يضيء لها سبيلا |
هل كنتِ من عرَّيتُ ذاتي في سرائرها |
.. وكنتِ جميلةً |
تصغين للبحر المكوَّر في يدي |
يلقي عليكِ حشودَ أسرارٍ... |
أكنتُ إذاً جميلا |
قلتِ القصيدةُ مستحيلَةْ |
هل كان بحري مستحيلا؟ |
أطلقتُ فيكِ زوارقاً زرقاءَ... |
سيري في الزمَّانْ |
ولتكسري بخطاكِ بضْعَ حصىً، |
ضعي نيسانَ بين يديكِ، |
صوغيه مكاناً للمكانْ |
رشّي عليه رنينَ قلبكِ، |
خائفٌ نيسانُ، أعطيهِ الأمانْ... |
وتوهَّجي بين الخيال وظلِّه |
كأذانِ فجرٍ نازلٍ فوقي |
أساوِرُهُ تفتِّتُ في شغافي رنّةً |
كسقوطِ أغنيةٍ من الفيروز في حضنٍ من الياقوتِ |
آه ما الذي فعل الأذانْ؟ |
بمعابدٍ مهجورةٍ في الرّوحِ؟ |
كنتُ جمعتُ فيها عاشقاتِ الضَّوءِ |
صلّينا معاً فرضاً وفوضى |
لكنَّني في آخر اللّيل اليتيم تُرِكتُ وحدي |
لا أرى إلاّ السَّماء تمدّ من نجماتها الزَّرقاء أرضا |
أرضاً أمارسُ وحشتي معَها |
أعمِّر جنّةً بيديَّ أحرسُها ليبقى |
الدَّاخلون إلى عرائشها معي... |
هل تدخلين الآنَ؟ بعد غدٍ؟ |
رضيتُ بأن تمرّي لمعةً في البالِ |
أو صوتاً شتائياً على بلّور هذا الفجر |
كي أزدادَ إيماناً بأنّ الكون يبدعُ خالقَهْ |
... ... ... |
للحبر بوصلةٌ... |
ورثتُ طفولةً سأزورها يوماً، أعاتبُها، |
أهشّم صرحَها، وأفرّ نحوكِ، فازرعيني واحصدينْ |
هذي حقولي غربةٌ هجمَ الحنينُ على سنابلها |
وغادرها غناء الزَّارعينْ |
وعليكِ أن تتجمَّلي بالماء، هذي رحلتي طالَتْ وطالَتْ |
وعطشتُ... والأنهار مالَتْ للجفافْ |
صعدتْ جبالاً واستقالَتْ من ولادتها |
ولم تسقي النَّبات ولا الخرافْ |
فإلى متى تغتالني الصَّحراء من ظَهري |
وكنتُ على هواجسها أخافْ؟ |
... ... ... |
الحبر أغرقني، شربتُ صدى مخيِّلتي |
وتابعتُ السّفرْ |
فوجدتُني في الرّيح ملقىً كالحَجَرْ |
___________ |
2/4/1998-7/11/1999 |