أرشيف المقالات

الرعب أقوى الأسلحة

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
الرعب أقوى الأسلحة!

قد مَنَّ الله - عز وجل - على رسوله وعلى المؤمنين بنِعم عظيمة وآلاء جسيمة، وإن من أَجلِّ وأعظم هذه النعم والآلاء تكفُّلَه - سبحانه وتعالى - بنصر المؤمنين وتثبيتهم عند لقاء الأعداء؛ مما كان له أكبر الأثر في قوة المسلمين وثِقتهم بنصر الله، فانطلقوا يُدافعون عن دينهم بقلب ثابت وقناة لا تلين، متمثِّلين قول الحق - جلا وعلا -: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 33].
 
ولقد اختصَّ الله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بأمر كان له دور حاسم في حروبه ضد أعداء الإسلام؛ ألا وهو إلقاء الرعب في قلوب الأعداء، فيُصابون بالهلع والرهبة من جيش المسلمين، وإن قلَّ عددُه وتَواضَع عتاده؛ فقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حديثه الذي أخرجه الإمام أحمد عن جابر بن عبدالله: ((أُعطيتُ خمسًا لم يُعطَهن أحد من الأنبياء قبلي))، وقال منهن: ((نُصِرت بالرعب مسيرة شهر))، وزاد أبو أمامة: ((يُقذَف في قلوب أعدائي)).
 
والرعب لغة: هو الخوف والذِّلة والصَّغار، ولقد وعد الله نبيَّه بإلقاء الرعب في قلوب الذين كفروا؛ فقال تعالى: ﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ ﴾ [آل عمران: 151].
 
وهذه سنَّة من سنن الله في الخَلْق لكل مُعانِد للحق وهو يعلمه، تراه يتظاهر بالقوة والجَلَد مع أنه ممتلئ القلب بالرعب والخوف، ولو أنه وجد ثباتًا في المقاومة وثِقة في المغالبة لخرَّ صريعًا وسقط ذليلاً، ولقد كان المؤمنون الأولون أقوياء بإيمانهم، لا تُزلزِلهم عنه فتنةٌ، ولا يَصرِفهم عن نُصرته متاعٌ؛ لأنهم كانوا واثقين من نصْر الله ثِقة لا يُخالِجها شكٌّ ولا يُفسِدها تردُّد، حاملين أرواحهم على أكفّهم، سائلين الله النصرَ أو الشهادة ممتثلين قول الله - عز وجل -: ﴿ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ﴾ [التوبة: 52]؛ ولذلك كانت هيبتهم عظيمة في قلوب الكافرين، الذين إنما يُحارِبون عنادًا وتكذيبًا، فلا يلبثون حتى تخور قواهم وتنحلَّ عزيمتهم.
 
ولقد تَحقَّق وعدُ الله لرسوله بإلقاء الرعب في قلوب أعدائه في مواقف كثيرة؛ ففي غزوة بدر الكبرى أمر الله ملائكته أن يُثبِّتوا المؤمنين؛ حيث سيلقي في قلوب الكافرين الرعبَ والهلع؛ تمهيدًا لانتصار حاسم تطايرت فيه رؤوس الكفار وأشلاؤهم؛ ﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾ [الأنفال: 12].
 
وفي غزوة الأحزاب حيث تآمر بنو قريظة مع المشركين على حرب الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإخراجه ومن معه من المدينة طامعين في عودة سلطانهم الزائل ومجدهم القديم، ولكن الله - جلَّ شأنه - ردَّ كيدَهم إلى نحورهم، وجعلهم وما يَملِكون غنيمة للمسلمين: ﴿ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [الحشر: 2].
 
وفي سورة الأحزاب يقول الله تعالى: ﴿ وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا ﴾ [الأحزاب: 26]، ويقول تعالى في سورة الحشر: ﴿ لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ﴾ [الحشر: 14]، فبسبب هذا الرعب تحوَّل اليهود إلى جبناء لا يُقاوِمون إلا من خلف الأسوار.
 
وهذا الوعد من الله الجليل القادر بإلقاء الرعب في قلوب الذين كفروا هو وعْد قائم في كل معركة يلتقي فيها الكفرُ بالإيمان؛ ولكن بشرط تَحقُّق الإيمان في قلوب المؤمنين، وتَحقُّق الشعور بولاية الله وحده والثقة المُطلَقة بهذه الولاية، والتجرُّد من كل شك في أن جنود الله هم الغالبون، أو أن الذين كفروا غير مُعجِزين في الأرض مهما امتلكوا من أسلحة الدمار الشامل: نووية كانت، أو كيماوية، أو جرثومية؛ ﴿ وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ﴾ [الفتح: 22، 23].
 
ولقد ظلَّ المسلمون على هذا الوعد بنصرهم الله بالرعب الذي يُلقيه في قلوب أعدائهم، حتى كانت تُفتَح لهم أبواب الدنيا، وتَفِر من أمامهم الجيوش التي تفوقهم عددًا وعُدة ثم سبقتهم شهرتهم بالعدل والسماحة، فتنكسِر أمامهم أصنام الحكم والسلطان، وتَنهزِم جيوش الجبروت والطغيان.
 
والناظر لحال المسلمين اليوم، وكيف تآمر عليهم الأعداء من الشرق والغرب، يجد أنه لا سبيل أمامهم لاسترداد المسجد الأقصى مِعراج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأرضهم المسلوبة إلا بتحكيم كتاب الله وسنَّة رسوله؛ كما قال - صلى الله عليه وسلم -: ((تَركتُ فيكم ما إن تمسَّكتُم به، لن تَضِلوا بعدي أبدًا؛ كتاب الله وسنتي)).
 
كما ينبغي للمسلمين أن يُعِدوا لأعدائهم كل أسباب القوة؛ كما يقول الله تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾ [الأنفال: 60]، كما يجب ألا يُخيفنا ما يتباهى به أعداؤنا من أسلحة الدمار الشامل، مُتذكِّرين قول الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [آل عمران: 173، 174]، وقال تعالى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 55].
 
وفي الختام نتذكَّر قوله - عز وجل -: ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [آل عمران: 126].

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣