أرشيف الشعر العربي

ظلال لذكريات آتية

ظلال لذكريات آتية

مدة قراءة القصيدة : 5 دقائق .

لم ينطفئ قمري‏

رأيتُ كلامه الفضّيَّ يسقطُ من مرايا خصركِ المضمومِ‏

مثلَ الأفْقِ سيَّجه الدّلالْ‏

هذا عراؤكِ في يدي:‏

صورٌ مركبَّةٌ‏

طيورٌ غادَرَتْ أعشاشها‏

فاستنفرت في الأفق زرقتَهُ‏

وخلف دمي تفتَّحت النَّوافذُ‏

واستطعتُ ـ وأنتِ قربي ـ أن أمسَّ دم الخيالْ‏

أسقطتُ عن كتفيكِ أثقالاً‏

وعن قدميكِ أجيال الغبارِ‏

أعدتُ فيك بداءَةَ الأنثى‏

أضأنا فجرها العالي‏

وعبَّأنا من الضَّوءِ السِّلالْ‏

والأرضُ قامَتْ من خريف نعاسها‏

امتلأتْ بنا ثمراً وفاضت بالغلالْ‏

أفقان نحن، نميلُ،‏

نحنو كلَّما جرحٌ تدلَّى نحو خلوتنا ومالْ‏

بيني وبين يديك يرتعشُ الهواءُ‏

ونحن إبريقٌ مصفَّى من عبيرِ الدِّفءِ‏

فوق حديقة الوجدان سالْ‏

شفتي تلملم من شفاهكِ أنّةَ الأنثى وطعمَ الابتهالْ‏

شفتي تُهجِّي، آه من نهدٍ يقولُ،‏

وآه من نهدٍ يُقالْ‏

لغتي أدارت للرّموز وجوهها‏

وكشفتُ عن أعماقها حجُباً‏

وفيها قد منحتُ الوهم اسمَ البرتقالْ‏

هل أنتِ من نادت من الحلم البعيدِ‏

وكان ديك الفجر يطلقُ في حقول الصَّمت خطبتَهُ‏

لأطلق في يدي عشباً، وأوقظَ في دمي‏

ـ من غفوةِ الرّؤيا ـ الغزالْ‏

قم يا غزالي المريميَّ بنا‏

أضئ في ظلمة السّفرِ الطّويلِ‏

فكم سهرتُ على سياج الموت ليلاتٍ طوالْ‏

لكَ يا حبيبي شرق قلبي‏

لك غربُ روحي، والجنوبُ،، لك الشّمالْ‏

فاسرح على مهلٍ وأَتْلِفني بسحركَ‏

يا حراماً راح يعصرُ في لساني‏

من عناقيد الحلالْ‏

ميراثُ ذاكرتي معابدُ أقفَرَتْ جدرانها‏

ونمَتْ على أبوابها الأشواكُ‏

فلتسفحْ غيومَكَ في قناطرها اشتعِلْ‏

فلها يطيبُ الاشتعالْ...‏

... ... ...‏

لم يكتملْ موتي‏

خطوتُ إليكِ عبرَ غيومٍ ريحٍ عاريَهْ‏

زوَّادتي قلّتْ، فكم هذي الطّريقُ تطولُ؟‏

كم جهةُ المباهج نائيَهْ؟‏

ريحٌ... جفون تَقْبِسُ الحمَّى...‏

وقلبي أرضُ شعب خاليَهْ‏

فرفعتُ نحوكِ راحتيَّ لتنفضي عنّي جليدَ الهاويَهْ‏

باركتِ آلامي،‏

و طهّرتِ البروجَ الشَّاعريَّةَ من طيور الضَّعفِ،‏

من قشٍّ تداهمُه الرّطوبةُ،‏

واستفقتُ... سكبتُ نورَ الفعل في أقدامِيَهْ‏

... ... ...‏

لكِ ذكرياتي الآتيهْ‏

لكِ رنَّةُ الذَّهبِ العتيقِ‏

ولك المصابيحُ الّتي نامتْ وقامت من عروقي‏

لك ما أرى في الصَّمتِ أو في الأغنيَهْ‏

فخُذي المغنِّي من مغارته وشقِّي صدرهُ‏

ولتُخْرِجي من قلبهِ جثثَ المعاني‏

لك يا فضائي بيتُ أعماقي‏

وهذا عرشك الفّضيُّ يا تاج الأغاني‏

... ... ...‏

كسرتْ أصابعُ شهوتي بابَ الرّمادْ‏

أتنفّسُ الآن الحقولَ جميعَها‏

أمشي كطيفٍ لا يُرى‏

متفتّحاً كالبرعم الكونيِّ‏

شفّافاً كفجر أزرقٍ أو أحمرٍ‏

ينمو لطيفاً في العبادْ‏

أمشي وأعرفُ أنَّ لي في الجنَّةِ الزَّهراءِ ساحرةً‏

تخبّئ أغنياتي في حقيبتها‏

فإنْ خلعتْ على أكتافِها ثوبَ المنامِ‏

ورمتْ ظلالي قربها وتجمَّعتْ كحديقةٍ في مهدها‏

أهدابُها شرفاتُ أحلامٍ تُعادُ وتستعادْ‏

فإذا حلمتُ، هنا، فنصفُ الحلم أتركهُ لها كي تُكْمِلَهْ‏

أمشي وتمشي قرب أحزاني، أغطيّها بعطر قرنفلَهْ‏

لا تسأليني كيف نختتم السَّفَرْ‏

الحبّ ماردُ قمقمٍ فُتِحَتْ أمام صعوده آفاقُ آفاقٍ، فطارْ...‏

لا تسأليني: من لهذا الحبِّ؟‏

هذا الغامضِ السّحريِّ نحنُ بهِ ولَهْ‏

ولَهٌ على ولهٍ،‏

ونحن ألوهةُ الولهِ الوليدِ،‏

ونحنُ عُبّادُ الولَهْ...‏

هو هكذا: أرضٌ وعَتْ أنهارَها‏

شمسٌ غَفَتْ في سنبلَهْ‏

هو جوهر الكون القديمِ‏

لنستعينَ على الجحيمِ بهِ‏

هو الأسماء وهو البسملَهْ‏

وهو النّقاط على الحروفِ‏

هو الرَّبيعُ على الخريفِ‏

هو الإجابةُ والدّعاءُ‏

هو المهابةُ والبهاءُ‏

هو الهوامشُ والمتونُ‏

هو التَّرامشُ والعيونُ‏

هو الجنونُ وحكمةٌ متحوِّلَهْ‏

كلّ الكلام يطالُهُ، لكنَّه يبقى بعيداً،‏

لا نرى شبهاً له وهو الخفيُّ المُشْتَبَهْ‏

هو عالَم بالأمسِ كان مكفَّناً‏

والآن، حقّاً قام حقّاً وانتَبَهْ‏

هو كلُّ شيءٍ‏

بضعُ شيءٍ‏

ليس شيئاً‏

آه منه إنَّهُ...‏

بل إنَّه...‏

ما أَعْجَبَهْ‏

ما أَعْجَبَهْ....‏

___________

1 / أيار/ 1995‏

اخترنا لك قصائد أخرى للشاعر (علاء الدين عبد المولى) .


مشكاة أسفل ٢