لم ينطفئ قمري |
رأيتُ كلامه الفضّيَّ يسقطُ من مرايا خصركِ المضمومِ |
مثلَ الأفْقِ سيَّجه الدّلالْ |
هذا عراؤكِ في يدي: |
صورٌ مركبَّةٌ |
طيورٌ غادَرَتْ أعشاشها |
فاستنفرت في الأفق زرقتَهُ |
وخلف دمي تفتَّحت النَّوافذُ |
واستطعتُ ـ وأنتِ قربي ـ أن أمسَّ دم الخيالْ |
أسقطتُ عن كتفيكِ أثقالاً |
وعن قدميكِ أجيال الغبارِ |
أعدتُ فيك بداءَةَ الأنثى |
أضأنا فجرها العالي |
وعبَّأنا من الضَّوءِ السِّلالْ |
والأرضُ قامَتْ من خريف نعاسها |
امتلأتْ بنا ثمراً وفاضت بالغلالْ |
أفقان نحن، نميلُ، |
نحنو كلَّما جرحٌ تدلَّى نحو خلوتنا ومالْ |
بيني وبين يديك يرتعشُ الهواءُ |
ونحن إبريقٌ مصفَّى من عبيرِ الدِّفءِ |
فوق حديقة الوجدان سالْ |
شفتي تلملم من شفاهكِ أنّةَ الأنثى وطعمَ الابتهالْ |
شفتي تُهجِّي، آه من نهدٍ يقولُ، |
وآه من نهدٍ يُقالْ |
لغتي أدارت للرّموز وجوهها |
وكشفتُ عن أعماقها حجُباً |
وفيها قد منحتُ الوهم اسمَ البرتقالْ |
هل أنتِ من نادت من الحلم البعيدِ |
وكان ديك الفجر يطلقُ في حقول الصَّمت خطبتَهُ |
لأطلق في يدي عشباً، وأوقظَ في دمي |
ـ من غفوةِ الرّؤيا ـ الغزالْ |
قم يا غزالي المريميَّ بنا |
أضئ في ظلمة السّفرِ الطّويلِ |
فكم سهرتُ على سياج الموت ليلاتٍ طوالْ |
لكَ يا حبيبي شرق قلبي |
لك غربُ روحي، والجنوبُ،، لك الشّمالْ |
فاسرح على مهلٍ وأَتْلِفني بسحركَ |
يا حراماً راح يعصرُ في لساني |
من عناقيد الحلالْ |
ميراثُ ذاكرتي معابدُ أقفَرَتْ جدرانها |
ونمَتْ على أبوابها الأشواكُ |
فلتسفحْ غيومَكَ في قناطرها اشتعِلْ |
فلها يطيبُ الاشتعالْ... |
... ... ... |
لم يكتملْ موتي |
خطوتُ إليكِ عبرَ غيومٍ ريحٍ عاريَهْ |
زوَّادتي قلّتْ، فكم هذي الطّريقُ تطولُ؟ |
كم جهةُ المباهج نائيَهْ؟ |
ريحٌ... جفون تَقْبِسُ الحمَّى... |
وقلبي أرضُ شعب خاليَهْ |
فرفعتُ نحوكِ راحتيَّ لتنفضي عنّي جليدَ الهاويَهْ |
باركتِ آلامي، |
و طهّرتِ البروجَ الشَّاعريَّةَ من طيور الضَّعفِ، |
من قشٍّ تداهمُه الرّطوبةُ، |
واستفقتُ... سكبتُ نورَ الفعل في أقدامِيَهْ |
... ... ... |
لكِ ذكرياتي الآتيهْ |
لكِ رنَّةُ الذَّهبِ العتيقِ |
ولك المصابيحُ الّتي نامتْ وقامت من عروقي |
لك ما أرى في الصَّمتِ أو في الأغنيَهْ |
فخُذي المغنِّي من مغارته وشقِّي صدرهُ |
ولتُخْرِجي من قلبهِ جثثَ المعاني |
لك يا فضائي بيتُ أعماقي |
وهذا عرشك الفّضيُّ يا تاج الأغاني |
... ... ... |
كسرتْ أصابعُ شهوتي بابَ الرّمادْ |
أتنفّسُ الآن الحقولَ جميعَها |
أمشي كطيفٍ لا يُرى |
متفتّحاً كالبرعم الكونيِّ |
شفّافاً كفجر أزرقٍ أو أحمرٍ |
ينمو لطيفاً في العبادْ |
أمشي وأعرفُ أنَّ لي في الجنَّةِ الزَّهراءِ ساحرةً |
تخبّئ أغنياتي في حقيبتها |
فإنْ خلعتْ على أكتافِها ثوبَ المنامِ |
ورمتْ ظلالي قربها وتجمَّعتْ كحديقةٍ في مهدها |
أهدابُها شرفاتُ أحلامٍ تُعادُ وتستعادْ |
فإذا حلمتُ، هنا، فنصفُ الحلم أتركهُ لها كي تُكْمِلَهْ |
أمشي وتمشي قرب أحزاني، أغطيّها بعطر قرنفلَهْ |
لا تسأليني كيف نختتم السَّفَرْ |
الحبّ ماردُ قمقمٍ فُتِحَتْ أمام صعوده آفاقُ آفاقٍ، فطارْ... |
لا تسأليني: من لهذا الحبِّ؟ |
هذا الغامضِ السّحريِّ نحنُ بهِ ولَهْ |
ولَهٌ على ولهٍ، |
ونحن ألوهةُ الولهِ الوليدِ، |
ونحنُ عُبّادُ الولَهْ... |
هو هكذا: أرضٌ وعَتْ أنهارَها |
شمسٌ غَفَتْ في سنبلَهْ |
هو جوهر الكون القديمِ |
لنستعينَ على الجحيمِ بهِ |
هو الأسماء وهو البسملَهْ |
وهو النّقاط على الحروفِ |
هو الرَّبيعُ على الخريفِ |
هو الإجابةُ والدّعاءُ |
هو المهابةُ والبهاءُ |
هو الهوامشُ والمتونُ |
هو التَّرامشُ والعيونُ |
هو الجنونُ وحكمةٌ متحوِّلَهْ |
كلّ الكلام يطالُهُ، لكنَّه يبقى بعيداً، |
لا نرى شبهاً له وهو الخفيُّ المُشْتَبَهْ |
هو عالَم بالأمسِ كان مكفَّناً |
والآن، حقّاً قام حقّاً وانتَبَهْ |
هو كلُّ شيءٍ |
بضعُ شيءٍ |
ليس شيئاً |
آه منه إنَّهُ... |
بل إنَّه... |
ما أَعْجَبَهْ |
ما أَعْجَبَهْ.... |
___________ |
1 / أيار/ 1995 |