أرشيف الشعر العربي

أحوالي في مرآتها

أحوالي في مرآتها

مدة قراءة القصيدة : 5 دقائق .

... وحمَّلَتني فوق ما يستطيعُ السِّياج من الياسمينْ‏

وأطلقتَ في الصّدر فجراً‏

وعلّقتَ ناياً خصوصيّةً في شفاهي‏

وأصغيتَ تسترقُ السّمعَ...‏

هل أغنياتي سترمي على ركبتيك سماءً؟‏

لماذا إذاً حاصرتني خطاكَ‏

أأهربُ منكَ، وعلَّمتني أنَّ قلبكَ مركبةُ الهاربينْ؟‏

لمنْ كلُّ هذا العلوّ تشدُّ ضفافي إليه؟‏

فأصحو، وحولي قصائدُكَ انفرطَتْ،‏

هذه لي، وتلك لمن؟‏

كيف يمكن أن تتوزّعَ في شرفاتٍ‏

تباركُ منها المسافاتِ؟‏

تُلْقي خطاباً من الوجد‏

في أمّةِ العشق والعاشقينْ‏

أتقبضُ عاشقةٌ جمرَ داخلكَ المتوهّجِ؟‏

تقرأُ فيه هشيم الحقولِ‏

وأطلالَ روح؟‏

أجئتَ إليَّ لتنسج حولي براعمَكَ الشّاعريّةَ؟‏

كم أنت تصحو‏

وفيك تنام أنانيّةٌ جارحَهْ؟‏

دع الآن هذا البلاطَ غريباً‏

وأغلقْ وراءَكَ باب الكلامِ‏

تجنّبْ خطايَ‏

فما زلتُ أنزفُ من صوتك المتكسِّرِ‏

من مشهد البارحَةْ‏

ولا تقترب بعد أكثَرْ‏

فماذا تظنّ عروقي وقد طفحَتْ بغنائكَ‏

إيقاعَ لوز وسكَّرْ؟‏

تظنّ يديّ تضمّان فيك الغيابَ‏

وتنسى الأصابعُ ترتيبها إن تأخَّرتَ؟‏

... لا تتأخَّرْ‏

وحرّكْ تراب الثَّواني‏

بصوتكَ ينزلُ مثل غمام الحكايا‏

فتخصبُ فيه الجذور الأليفَةُ،‏

يلبسُ جذعٌ ربيعاً‏

ويأخذُ قلبيَ حصَّتَهُ من مداكَ‏

فخُذْ من مدايَ‏

لنصفو معاً‏

إليكَ سأوكلُ ما في قُرى القلبِ من قلقٍ‏

خفيفٌ فؤادي‏

ولكنّ سقفاً من الحسراتِ هوى فوق قلبي‏

امتلأتُ بأثقالِ حلْمٍ له صفةُ الرِّيحِ‏

تصهلُ أسرارُها في الفضاءْ‏

فمن يدخلُ الآن ذاكرتي؟‏

ليقرعَ فيها نواقيسَها النّائمَةْ؟‏

أكون لك البئرَ تسكبُ فيها جنونكَ‏

كن لي إذا ما أشاءْ:‏

صباحاً بأجنحةٍ من عصافير نيسانَ‏

تنشئُ بين ضلوعيَ عشّ الغناءْ‏

وكن دَرَجاً للقصائدِ تهبطُ من جسدي‏

ثمّ تصعد نحوكَ راقصةً بامتلاءْ‏

وهذي مشارفُ روحي على ظلِّها تورقُ الشَّجراتُ‏

تفيَّأْ ظلالي‏

وغنّ:‏

(تعالَيْ سهاماً تحاصرُ قلعةَ قلبي‏

وتفتَحُها لحرير الأغاني‏

تعاليْ محمَّلةً بالزّمان محلِّقةً بالمكانِ‏

وحولكِ تنتبهُ الجنّة المستحيلَةْ)...‏

... ... ...‏

صباحُكَ حلوٌ فخُذْني إليه‏

وشرِّد سحابات يومي عليكَ‏

جميلٌ هطولي كما قلتَ لي،‏

سأمزجُ عينيك بالمشهد الياسمينيِّ والعَسَلِ‏

وأغرفُ من راحتيكَ قصائد أجملَ ممّا‏

كتبتَ بأنثى سوايَ‏

وأنقلُ عنكَ قليلاً من الصَّمت‏

أرويه في اللّيل بعد لجوء الكواكبِ نحوي‏

أخبّئهُ في عبير الوسادَةِ‏

أرميه بين الزّوايا وأحلمُهُ...‏

هو صمتُكَ يختارني،‏

كيف أصمتُ عنه؟‏

ووجهُكَ يسرقني من حَمام الكتابِ‏

فأين أخبّئ وجهيَ منهُ؟‏

لهوتَ بأرجوحة الحسّ في عيد روحي‏

فما أجملَ الشاعر المتوهّج يلهو‏

ويلهو‏

ويلهو...‏

... ... ...‏

ستدخلُ منزلَكَ المتواضعَ‏

أين ستجلسُ؟‏

كلّ المقاعد متَّكأٌ للرِّياحِ‏

وحولكَ تبحرُ أحوال (فيروز)‏

-أين توجّهتَ ثمّة وجهٌ لـ(فيروز)-‏

ممسكةً بأعنّة وقتكَ...‏

قلْها جمالاً من المطلقِ‏

وكُنْها... تعلّم على فجرها الأزرقِ‏

مزاميرَ خلْقٍ تعيدُ صياغَةَ هذا الخرابِ‏

تمدّدْ على قدمَيْ صوتِها مثل نهر صغيرٍ‏

هي البحرُ،‏

فاطلُبْ إليها زوارقَ لم تُخْلَقِ‏

مناراتُ مجدٍ إذا حلَّ ليل الضّبابِ‏

على بابها قفْ نقيّاً‏

تجمّل بأبهى خشوعٍ‏

ولا تقرع البابَ...‏

إذْ أنَّها البابُ‏

فادخُلْ خفيفاً رشيقاً‏

تجدْ سرّكَ السّرمديَّ هناكَ‏

ملاكاً أمام إلهْ‏

تجدْ أنَّها لفظةُ الرّبّ تُلقى على الأرضِ‏

حتَّى تكون الحياهْ...‏

... ... ...‏

أتحملني في غيابي‏

وتعتقلُ البرهةَ الهاربَةْ‏

بنقطة حبر تشعّ كقنديلِ (زوربا)‏

على شرفات البحارِ‏

وترقصُ بين دوائرَ زرقاءَ خضراءَ‏

تقطع قلبَك أقواسَ ضوءٍ‏

لتعبُرَ من تحتها عرباتُ النَّهارِ‏

سلاماً لإشراقكَ الدّاخليِّ‏

يفيض ويغمرني‏

أنتَ حمَّلتني فوق ما يستطيعُ السّياجُ‏

ولكنَّني في القصيدة أحمل أكثَرْ‏

فشكراً لحريّة تتعلّم منكَ‏

وشكراً لهذي القصيدةِ‏

دوّنتُها في غيابكَ عنْكَ...‏

__________

8/4/1998‏

اخترنا لك قصائد أخرى للشاعر (علاء الدين عبد المولى) .


ساهم - قرآن ٢