أرشيف الشعر العربي

بكائية الوجه الآخر

بكائية الوجه الآخر

مدة قراءة القصيدة : 7 دقائق .

9/ ذو الحجة/1411‏

12/ ربيع أول/ 1412‏

لشقاء الروح أتلوه بياني‏

وأضمّ الفَرَح الضَائعَ في كلِّ مكانِ‏

هو رؤيايَ الّتي تُشرقُ في ليلِ كياني‏

هو رؤيايَ الجديدهْ‏

في قصيدهْ/‏

... ... ...‏

كيف لا تنهض في ذاكرتي عيداً جديدا‏

ليَ من أهوال صحرائكَ صوتُ الفاجعَةْ‏

فأعدْ حلماً شريدا‏

من متاهات الجهات الضَّائعهْ‏

حين هاجرتُ بشريان المراثي‏

كوكباً يُرمى حطاماً في حطامْ‏

لم تضئني الشّمسُ‏

لم تهبط عليَّ النّفسُ من عالي المقامْ‏

قلت: لو وجهكَ قنديلٌ تدلَّى‏

لسفحتُ القلبَ ياقوتا عليكْ‏

فاذا لُوِّثتُ فاسكبْ فيَّ ينبوعَ الهدى‏

واقرأ على روحي السّلامْ...‏

أسلمَ الخلقُ خفاياهم إليكْ‏

لم نهاجرْ بعدُ، لم نُسقِطْ لحاءَ الحُبِّ عن أشجارِنا‏

إنّما هاويةُ العمرِ ملأناها خطايا‏

فلتباركنا بنيران يديكْ‏

صدىءَ الايقاعُ في كهف الخلايا، هل ترى‏

سقط الكونُ، جرى‏

دمُه بين العشائرْ‏

والثَّرى‏

مدن تمسخها الحربُ ويُطوى إرثُها‏

لم يزل منتظراً في بطن وادٍ حرثُها‏

أن يعيد الماءُ أسماءَ الحصادْ‏

بعد أن ألقت ثعابينُ السَّوادْ‏

نسلَها في كلّ وادْ‏

وانتشى الطّاغوتُ في أعماقنا يَهْذي:‏

/حرامٌ زهرةُ الوقتِ، حرامٌ فرحُ البيتِ، حرامْ.../‏

... ... ...‏

إنها حكمتنا الأولى تنادينا‏

لتسقينا كؤوسا من رمادْ‏

مُزِجت بالطّحلب الأخضرِ وانسابت هلاماً في هُلامْ.‏

إنَّه عهدُ العشيرَهْ‏

طللٌ يرحَلُ فيه طللُ‏

أمّةٌ من ذهب يشتعلُ‏

تنحني خاويةَ القلب فقيرهْ‏

ليس فيها بعدُ ما تأتلفُ الأرواح فيهِ‏

سكرَ الخلقُ بألحان الجنازاتِ،‏

أرى الأرضَ الحريريّةَ تزهو بالمعادنْ‏

أيّ بيتٍ نتآوى فيه آمنْ؟‏

أيّ قبرٍ نتآوى فيه آمن؟‏

بلغَ السيلُ إلى أعناقنا‏

طوتِ الحربُ ثيابَ القمح في تابوتها‏

كم من الحزن على كاهلنا يسقطُ أسودْ؟‏

كم من الأغصان في أنهار موتانا سينمو؟‏

أي غيم سوف يكسو شجرَ الرّوح ليسمو؟‏

إنّه الأفق غبارٌ في رئات الحلم يغفو وينامْ...‏

... ... ...‏

ألقِ من علياء قدّوسكَ مصباحَ الشّروقْ‏

يا حبيبي... أنا سوّيتُ من الأوراق بيتي‏

وتمدّدت، فَمَنْ حجَّرَ صوتي‏

عندما أُحرقَ بيتي اللُّغويّْ؟‏

آثمٌ، والإثمُ في قلبيَ وشمٌ‏

يصلُ الأرضَ بوقتٍ عربيّْ‏

مرّةً واحدةً أسألُ: من يبكي عليّْ؟‏

... ... ...‏

فاضتِ النّيران تحت الجلدِ،‏

جلدي ورقُ الغابةِ والغابةُ بيتي‏

لم أعد أقوى على حَمْل لهيبي‏

وأنا أجمَعُ في بوتقةِ الحرق تلقَّاني حبيبي‏

فنشرتُ العطر من حُجْرةِ موتي‏

بين أعضائِه إذْ نوَّرتِ الأعضاءُ وقتي‏

فليرَ الآن انحناءَ القلب عند المقصلهْ‏

ولْيُعدْ هيكليَ المقفرَ من أزهاره‏

وليُذِعْ فيَّ شموسَ الحقّ، وليغسلْ رفات السّنبلهْ‏

... ... ...‏

هذه السّيرة كم تطفو عليها اللّعناتْ؟‏

فتضلّ الكلمات البيضُ عن نجمتها‏

أيّها الرّاسخُ في علم سقوط الكائناتْ‏

أنت سمّيتَ عبيدَ الأرض ترتيلاً،‏

وأبرقتَ بهم في لحظة مكتهلَهْ‏

مؤمناً يقرأ سِفر المؤمنَهْ‏

خلف أسوارِ الصّلاةْ‏

عانقوا سيفَ الحنينْ‏

لا تَدَعْهُم مرةً أخرى، فهذي: خشَبٌ أرواحُهم،‏

والحلمُ فيهم صحُفٌ من حجرٍ تنسخُهُمْ‏

هل أنتَ فيهم قمرٌ يكتبُ ميلاداً ويُمْلي عاشقينْ؟‏

باركِ الآن ضحاياهم، وأذّنْ في جموع الميّتينْ.‏

... ... ...‏

عندما تندلعُ الفكرةُ بالضّدَّين‏

من يجبل طينَ الكائن المشطور فيّْ؟‏

ثم من يقتسم الكنزَ الخفيّْ‏

في مفازات عهودي اليابسَهْ؟‏

أيّ دفقٍ يجرفُ الأمواتَ في ذاكرتي؟‏

أيّ بعثٍ يحضنُ الميلادَ، والرّؤيا عجوزٌ يائسَهْ؟‏

راودَتها لغتي‏

هل أطلتُ الرّكعة الأولى بمحراب الجنونْ‏

وقرأتُ‏

(( نون، والعشَاقِ إذْ ينقسمونْ))‏

أم رفعتُ‏

آيةَ الكرسيّ إذ يجلسُ فيها العارفونْ؟‏

يا حبيبَ الحبِّ، يا تمثالنا الضَّوئيَّ،‏

يا إيقاعنا السّريَّ، يا موروثنا اليوميَّ...‏

في عينيك خّبئنا بياضاً وسواداً‏

مثلما يختبىءُ الأطفال من برد الكهولَهْ‏

تحت أهداب أبيهم‏

فينادى جمرةَ الدَّمع: خذيهمْ‏

يا حبيبي، لا تغادرنا بحقِّ الحب وَرَّثناهُ أشجارَ الفضاءْ‏

لا تغادرنا، ودَعنا بين عينيكَ لنَسَّاقَطَ أحلاماً ورؤيا‏

أنتَ مرعى غنمِ القلب الّذي يشرُدُ عنّا‏

وضروع الغيم في كفّيكَ تنسابُ على‏

هاجعة الصَّحراء...‏

أصغِ الآن للحشد المغنيّ‏

تاه في غيبوبةِ الوقت، فمَنْ يسرى به في‏

رحلة الإنشاد والزَّادُ قليلْ؟‏

وطريقُ الرّوح بالوحشة مغمورٌ وموفورُ العويلْ.‏

... ... ...‏

آه من نكبتنا يا سيّدي‏

عندما عُدنا من الحرب اختلفنا حول دَفْن الشّهداءْ‏

ونسينا جهةَ الشّرق عراءْ‏

إذ رمى فينا إلهُ الحرب إشعاعاً من السِّحر‏

وغطّانا بغيمٍ من دخانٍ شلَّ أعضاءَ الرّماةْ‏

فتنادَيْنا، ولكن نهود الرّاقصاتْ‏

غشيتْ أبصارنا والمبصراتْ‏

ورجعنا عرباً يقرأ مولاهم (كتابَ الباهِ)‏

أو يكتبُ اسمَ اللّه في جبهته،‏

علّ بحيرات الجنودْ‏

تمنح السيّد أعشابَ الخلودْ...‏

آه من نكبتنا يا سيدي‏

هذه الأرض لنا، من أخَذَ الأرض فتاةً‏

فخذاها امتصَّتا رائحةَ البُنّ وماءَ البرتقالْ‏

كسَرَتْ سور الخيالْ‏

قشَرِ الطاغوتُ نهديها ففاضَتْ مدنُ اليتم حليباً دموياً‏

فقأ الطّاغوتُ عينيها، وسالَ الحزن حبّاً عربياً...‏

آه من نكبتنا يا سيّدي‏

هل تراهم؟ علَّقوا حكْمة مولاهم على سور المدينهْ‏

رقصوا تحت القبابْ‏

وتنادَوا حولَ تأويل التَّراتيل:‏

فهذي آيةٌ من أجل إخراجِ الشَّياطينِ،‏

وأخرى لاحتفالات السّلاطين...‏

وفقرُ الرّوح، هل تنزلُ فيهِ آيةٌ؟...‏

/إنَّما موعدكم في الحشر، تُسْقونَ من الكوثرِ‏

أسرارَ البدايات الجديدهْ‏

فوقكم طائركم يرفع رايَهْ‏

ويسمّيكم شهوداً للفراديس الشَّهيدهْ/‏

... ... ...‏

آه من نكبتنا يا سيّدي‏

قل لهذا القلبِ، إذْ يثقبُهُ سهم الخواءْ:‏

أمّة تنهضُ أم تسقطُ فينا يا نبيَّ الأنبياءْ؟‏

اخترنا لك قصائد أخرى للشاعر (علاء الدين عبد المولى) .


ساهم - قرآن ٢