وَفَدَ الرَّبِيعُ إِلَيْكِ قَبْلَ أَوَانِهِ
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
وَفَدَ الرَّبِيعُ إِلَيْكِ قَبْلَ أَوَانِهِ | يُهْدِي حِلَى جَنَّاتِهِ الْفَيْحَاءِ |
مِنْ كُلِّ بَارِعَةِ الْجَمَالِ يُرَى بِهَا | شَبَهٌ لِبَعْضِ خِلاَلِكِ الحَسْنَاءِ |
فِي النَّظْمِ أَوْ فِي النَّثْرِ مِنْ طَاقَاتِهَا | لُطْفُ البَيَانِ وَرَوْنَقُ الإِخْفَاءِ |
نَمَّ البَدِيعُ بِحُسْنِهَا فَرَأَى النُّهَى | مِنْ فَنِّهَا مَا لَيْسَ بِالمُتَرَائِي |
أَبْهِجْ بِإِكْلِيلِ الزَّفَافِ وَقَدْ جَلاَ | لِلْعَيْنِ كُلَّ أَثِيرَةٍ غَرَّاءِ |
لَوْ شِئْتِ صِيغَ مِنَ الفَرِيدِ وَمَا وَفَى | لَكِنْ أَبَيْتِ وَكَانَ خَيْرَ إِبَاءِ |
هَلْ فِي يَدِ الدِّهْقَانِ أَبْهَجُ زِينَةً | مِنْ زِينَةِ البُسْتَانِ لِلْعَذْرَاءِ |
صَفَتِ السَّمَاءُ فَخَالَفَتْ مِنْ عَهْدِهَا | وَالفَصْلُ لِلأَمْطَارِ وَالأَنْوَاءِ |
شَفَّافَةً يُبْدِي جَمِيلُ نَقَائِهَا | مَا فِي ضَمِيركِ مِنْ جَمِيلِ نَقَاءِ |
جَادَتْ عَلَيْكِ بِشَمْسِهَا وَكَأَنَّهَا | لَكِ تَسْتَقِلُّ جَلاَلَةَ الإِهْدَاءِ |
هَذِي مَلِيكَاتُ الَّلآلِيءِ أَقْبَلَتْ | تَفْتَرُّ عَنْ قِطَعٍ مِنَ اللأْلاَءِ |
بَادٍ صَفَاءُ القَطْرِ فِي قَسِمَاتِهَا | وَتَنَافُسِ الأَلْوَانِ وَالأَضْوَاءِ |
ظَلَّتْ تَكَوَّنُ فِي حَشَى أَصْدَافِهَا | كَتَكَوُّنِ الأَنْوَارِ فِي أَفْيَاءِ |
وَقَضَتْ عُصُوراً سَيِّدَاتِ بِحَارِهَا | يُسْعَى لَهَا مِنْ أَبْعَدِ الأَنْحَاءِ |
حَتَّى إِذَا حُمِلَتْ إِليْكَ سَبِيَّةً | مَجْلُوبَةً فِي جُمْلَةِ الآْلاَءِ |
وَجَدَتْ عَزَاءً فِي رِحَابِكِ طَيِّباً | عَنْ عَزِّهَا المَاضِي وَأَيَّ عَزَاءِ |
بِلِقَائِهَا حُسْناً يُضَاعِفُ مَا بِهَا | مِنْ رَوْنَقٍ وَنَفَاسَةٍ وَبَهَاءِ |
وَجِوَارِهَا شِيَماً كَرَائِمَ صُنْتِهَا | فِي خِدْرِ عِصْمَتِهَا عَنِ الرُّقَبَاءِ |
لاَ غَرْوَ أَنَّ المَاسَ أَكْرَمُ جَوْهَرٍ | خَبَأَتْهُ أَرْضٌ مِنْ كُنُوزِ سَمَاءِ |
كَمْ فِي مَنَاجِمِهِ تَسَهَّدَ كَوْكَبٌ | مُتَوَاقِّداً كَأَخِيهِ فِي الظَّلْمَاءِ |
يَشْتَاقُ أَنْ يَلْقَى الصَّبَاحَ وَلَوْ تَوَى | وَيُسَاءُ أَنْ يَبْقَى سِرَاجَ مَسَاءِ |
حَتَّى حَلِيتِ بِهِ فَقَرَّ مُنَعَّماً | وَغَدَا تَحَرُّقُهُ تَوَهُّجَ مَاءِ |
وَلَعَلَّ مُنْفَرِداً بِجِيدِكِ عَالِقاً | مُتَفَوِّقاً قَدْراً عَلَى النُّظَرَاءِ |
دُعِيَ اليَتِيمُ مِنَ التَّوَحُّدِ فَادَّعَى | حَقًّا عَلَيْكِ لِكُلِّ حِلْفِ شَقَاءِ |
وَمِنَ الكِيَاسَةِ وَهْوَ أَصْلَبُ جَوْهَرٍ | أَنْ رَقَّ رِقَّةَ أَدْمُعِ الْفُقَرَاءِ |
فَأَصَابَ عِنْدَكِ وَالشَّفَاعَةُ لاسْمِهِ | حَظَّ اليَتيمِ وَفَازَ بِالإِيوَاءِ |
مَا يَغْلُ مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ لِحِكْمَةٍ | جَلَّتْ غَلاَءَ المَاسِ فِي الأَشْيَاءِ |
هُوَ بِالْمَتَانَةِ وَالسَّنَى مِرْآةُ مَا | بِكِ مِنْ وَفَاءٍ ثَابِتٍ وَذَكَاءِ |
يَا مَعْدِنَ الذَّهَبِ الَّذِي فِي لَوْنِهِ | لِلشَّمْسِ مَسْحَةُ بَهْجَةٍ وَرُوَاءِ |
يَا مُدْنِيَ الأَرَبِ البَعِيدِ مَنَالُهُ | وَلَقَدْ أَقُولُ مُنِيلُ كُلِّ رَجَاءِ |
يَا مُرِخصاً مِنْ كُلِّ نَفْسٍ مَا غَلاَ | حَاشَا نُفُوسِ العِلْيَةِ النُّبَلاَءِ |
إِنْ أَلَّهَتْكَ النَّاسُ كُنْ عَبْداً هُنَا | وَاخْضَعْ لِهذِي الشِّيمَةِ الشَّمَّاءِ |
وَزِنَ الَّتِي دَفَعَتْ ضَلاَلَكَ بِالْهُدَى | وَسَوَادَ مَكْرِكَ بِاليَدِ البَيْضَاءِ |
عَجباً أَرَى وَلَعَلَّ أَعْجَبَ مَا يُرَى | دُنْيَا الخَلاَئِقِ تَنْبَرِي لِفِدَاءِ |
لماحَةً لِلْغَيْبِ شَاعِرَةً بِهِ | حَتَّى لَيَحْضُرُهَا الْخَفِيُّ النَّائِي |
تِلْكَ الرَّوَاعِي كُلَّ أَخْضَرَ نَاعمٍ | مِنْ كُلِّ نَاعِمَةِ الْخُطَى مَلْسَاءِ |
مَنْ بَثَّ فِيهَا وَهْيَ تَقْنِي قَزَّهَا | مِنْ بَذْلِهَا أَعَمَارَهَا بِسَخَاءِ |
أَنَّ الَّذِي تَقْضِي شَهِيدَةَ نَسْجِهِ | لَكِ فِيهِ سَعْدٌ وَامْتِدَادُ بَقَاءِ |
هَبَّتْ صَبِيَّاتُ المَزَارِعِ بُكْرَةً | يَخْطِرْنَ بَيْنَ السَّيْرِ وَالإِسْرَاءِ |
مِنْ كُلِّ عَاصِيَةِ النُّهُودِ بِهَا تُقًى | مِطْوَاعَةِ الأَعْطَافِ ذَاتِ حَيَاءِ |
نَادَى بِهَا الْبُشَرَاءُ حَيِّ عَلَى الْجَنَى | فَعَدَتْ تُلَبِّي دَعْوَةَ الْبُشَرَاءِ |
وَالْقُطْنُ مُوفٍ ضَاحِكٌ بِبَياضِهِ | وَصَفَائِهِ مِنْ كُدْرَةِ الْغَبْرَاءِ |
يَشْقُقْنَ مِثْلَ السِّتْرِ مِنْ جَنَبَاتِهِ | وَيَخُضْنَ شِبْهَ الْبَحْرِ في الأَثْنَاءِ |
مُتَغَنِّيَاتٍ مِنْ أَهَازِيجِ الصِّبا | مَا شَاءَ وَحْيُ هَوَىً وَطِيبُ هَوَاءِ |
يُنْشِدْنَ مِنْ وَصْفِ المَخِيلَةِ جَلْوَةً | لَعَرُوسِ شِعْرٍ زَيْنَةٍ هَيْفَاءِ |
حُورِيَّةٍ عَيْنَاءَ أَبْهَى مَا يُرَى | فِي الْغِيدِ مِنْ حُورِيَّةٍ عَيْنَاءِ |
وَفَرَ الإِلَهُ لَهَا الَعْطَاءَ فَلَمْ يَعُدْ | عَنْ بَابِهَا عَافٍ بِغَيْرِ عَطَاءِ |
وَبِأَمْرِهَا تَعْرَى الْحُقُولُ فَتَنْثَنِي | أُمُّ الْعُرَاةِ بِمِيرَةٍ وَكِسَاءِ |
تِلْكَ الَّتِي أَكْبَرْنَهَا وَنَعَتْنَهَا | بِأَحَاسِنِ الأَوْصَافِ وَالأَسْمَاءِ |
كَانَتْ عَرُوسَ تَوَهُّمٍ فَتَحَقَّقَتْ | بِصِفَاتِهَا وَغَدَتْ مِنَ الأَحْيَاءِ |
أَعَرَفْتَها فَلَقَدْ أَكُونُ بِمَسْمَعٍ | مِنْهَا أَقُولُ الشِّعْرَ وَهْيَ إِزَائِي |
للهِ أًجْهِزَةُ الْحَدِيدِ مُدَارةً | تَأْتِي بِأَثْوابٍ زَهَتْ وَمُلاَءِ |
عَجَبٌ ضَخَامَتُهَا وَدِقَّةُ صُنْعِهَا | كَمْ رِقَّةٍ معي غِلْظَةِ الأَعْضَاءِ |
مَنْ كَانَ يَحْسِبُ أَنَّ عَنْتَرَةً يُرَى | مُتَفَوِّقاً ظَرْفاً عَلَى الشُّعَرَاءِ |
قَالَ امْرُؤٌ مِنْ سَامِعِي ضَوْضَائِهَا | وَشُهُودِ تِلْكَ الْجَهْمَةِ السَّوْدَاءِ |
إِنَّ ابْتِساماً لاَحَ مِنْهَا عِنْدَ مَا | جَاءَتْ بِهذِي الْحُلَّةِ البَيْضَاءِ |
أَليَوْمَ عِيدٌ فِي تَقَاسُمِ حَظِّهِ | لِلْبَائِسِينَ رِضىً وَلِلسُّعَدَاءِ |
مَا اسْطَاعَ فِيهِ الدَّهْرُ أَشْكَى كُلَّ ذِي | شَكْوَى وَهَادَنَ كُلَّ ذِي بُرَحَاءِ |
عَمَّ السُّرُورُ وَتَمَّ حَتَّى لَمْ يَكَدْ | أَثَرٌ يُرَى لِتَفَرُّقِ الأَهْوَاءِ |
كُلٌّ بِهِ مِنْ شَاهِدٍ أَوْ غَائِبِ | أَثْنَى عَلَيْكِ وَقَدْ ثَنَى بِدُعَاءِ |
بِنتَ السَّلِيمِ وَجَلَّ مِنْ رَجُلٍ سَمَا | بِصَوَادِقِ العَزَمَاتِ وَالآرَاءِ |
أَلفَخْرُ حَقُّ مَنِ الثُّرَيَّا أُمُّهَا | نَسَباً وَوَالِدُهَا أَخُو الْجَوَزَاءِ |
مِنْ أُسْرةٍ هُمْ أَهْلُ كُلِّ مُروُءَةٍ | يَوْمَ الْحِفَاظِ وَأَهْلُ كُلِّ ثَنَاءِ |
إِنْ عَالَنُوا لِتِجَارَةٍ فَلَطَالَمَا | بَذَلُوا النَّوَالَ الْجَمَّ رَهْنَ خَفَاءِ |
بِتَرَفُّعِ عَنْ كُلِّ فَخْرٍ بَاطِلٍ | وَتَجَنُّبِ فِي البِرِّ لِلْغَوْغَاءِ |
لِيَكُنْ لَكِ الْحَظُّ الَّذِي تَرْجِينَهُ | فَلَقَدْ ظَفِرْتِ بِأَكْرَمِ الأَكْفَاءِ |
نَسْلِ الأَمَاجِدِ مِنْ أَمَاجِدِ قَدْ زَكَتْ | أَنْسَابُهُمْ فِي دَوْحَةِ العَلْيَاءِ |