تليت آي حُسْنها الفتّانِ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
تليت آي حُسْنها الفتّانِ | فسجدنا لها على الأذقان |
شهدت معشر الملاح فألقوا | في يديَها مقالد الأذعانِ |
ورأتها الأنوار يوماً فكبَّرْ | نَ فسبحان خالق الانسانِ |
واستوت في أسرّة الملك حتى | أورثوها خلافة السلطانِ |
لبست لين الحرير صنوفاً | وتحلّت بالدر والمرجانِ |
شربت صفوة البقا فتمشّت | في خيام العلا كحور الجنانِ |
نفحتها ريح الشباب فمالت | في رياض الدلال كالنشوانِ |
أكسبتها نضارةُ الدهر حسناً | ظاهراً في رشاقة الأبدانِ |
ومشت في عساكر الحسن تزري | بجموع الشبان والولدانِ |
أخذ الله حلة من سناها | فكساها بها شموس الزمانِ |
وتجلّت ترعى القلوب فلما | ملكتها استولت على الأذهانِ |
علمَّت عينُها ظِباء الفيافي | لفتاتٍ ترمي بحَدّ السنانِ |
حملت بالشقيق رايةَ نَصرٍ | رّكبت حولها ظُبا الأجفانِ |
جردت من قوامها الَّلدْنِ رُمحاً | علمت ميله ذُرَى الأغصانِ |
وأتت عالجاً فخرت إليها | أوجه النّيرات والغزلانِ |
أدهشتها بدائع الحسن فيها | حين أبدت غرائب الافتنانِ |
رام أهل الغرام وصلاً فحاموا | حين شاموا بوارق المُرّانِ |
حجبت وصلَها السَّيوفُ المواضي | بين أيدي الأبطال والشجعانِ |
إن سمعنا غناءها أسمعتنا | من زئير الريبال والسرحانِ |
دون افصاحها الصفاح ويبدو | دون برق الأسنان برق السنانِ |
يا رعى الله ليلة بتُّ فيهَا | أجتلي خيفةً كؤوس الأمانِ |
والنهار اختبا وأبدى احمراراً | إذ أتى الليل في كِسا الطيلسانِ |
كجيوش الأتراك ولَت وقد أج | رت دماها بطارق السودانِ |
وكأنّ الدجى أدَاهِمُ ضلّت | فهدتها النجوم سُبْل المكانِ |
لم أَرُمْ زورةً إليها بلى مذ | دفعت لي الألحاظ حرز الأماني |
أظفرتْنا نعمى الزمان بوصل | عقدت بيننا حبال التهاني |
وجرى ما جرى بما يدهش العقْلَ | إذا ما ذكرتُه أغشاني |
فتقضت تلك الأُويقات عني | أودعت في الحَشَى لظى الأشجانِ |
أسرَتْني الهموم وانتشبتني | باعتداها أظافر الأحزانِ |
سوف أرجو تخلُّصاً من يديها | فبكَفّي قد دار قطب الزمانِ |
ذلك الشيخ عالم الأمة القط | بُ الأمام الراقي ذرى العرفانِ |
خطبته غزائر العلم طفلاً | ثم زفت له شموس المعاني |
وأتى من زواخر الفكر نهراً | مخصباً فيضه جِنان الجَنانِ |
شهد الحضرة العليّة حتى | دفعته في رتبة الإِيقانِ |
واحتسى صِرفها فهامَ إلى أن | غاب لطفاً من عالم الأعيانِ |
وتبدَّى مستبشراً ذا عيون | أبصرت أنَّ كل خلقٍ فاني |
وإذا شِيمَ من سما الكشف برق | قد درى ما حقيقة الأكوانِ |
وتجلى يهدي المكارم للنا | سِ فتجري لهم بغير عنانِ |
فأطاف النوال بالأرض حتى | أنبتت كلها رُبى الامتنانِ |
فكأن الفرات فاض علينا | وملا سيبُه جميع المكانِ |
وإذا المرء شِيمةَ الجود أعطي | عم بالفضل كل قاصٍ ودانِ |
ذو فنون تنشي العلا وظنون | باصرات عواقب الانسانِ |
فذليل في عزةٍ وفقير | في غِناء وخائن في أمانِ |
كم له في الطوى عظيمُ طعام | وله في الوغى صميمُ طِعانِ |
مِن نداه وبأسه يضحك الدهْر | ويبكي كالخائف الجذلانِ |
فإذا الحرب سعرت جزَّ فيها | بظُبا سيفه لَهى كل جاني |
يتنافى الجثمان والروح جمعاً | فهما منه ليس يجتمعانِ |
ليث حرب قد أوسع الوحش لحماً | من جسوم الأفراس والفرسانِ |
ودُعاه على أعاديه أمضى | من لسَان الحسَام في الميدانِ |
لم يزل صارماً لكل عدو | بلسان وسؤدد وسِنانِ |
أبدع الله خلقه فأتانا | طاهراً من رواجس الشيطانِ |
طينة صُوّرت من العلم والفض | ل فنارت في حلة الايمانِ |
مذ أتّم اسمه الإله هداه | فوق ما فيه أقوم الأديانِ |
يا له من شيخ إذا ذكر ارتَّد | شبابي القديم في العُنْفُوانِ |
قد سقى ناضري فطاب جناه | ورعى ناظري فآب جناني |
وكسَاني برد الدعا لي فأحيا | إذ ترشّفت برده جثماني |
وأتى لي أبيات شعرٍ بلى آيا | تِ ذكر بلى حياة الفاني |
فاغتنمنا دعاءها ونعمنا | بشفاها وفضلها المهتانِ |
انا غصن ولي دعا الخير ماء | كلما ازداد سقيُه أنشاني |
فاسألِ الله أن يؤاخذ عني | كل رامٍ بالبغض والعدوانِ |
قد غدا موتراً لهم قوس فضلي | في قلاع العلا سهام الهوانِ |
وادعه أن يزيد فضلي ويشفي | ليَ غِليِّ بالفوز والرضوانِ |
منطقي في ابتِدا الثناء قصير | فيك فاسمح يا منتهى الإِحسان |